فترات السرقات والنهب

























عندما نتحدث مع كبار السن نكتشف أحداث وقصص لم نكن نعلم بها أو سمعنا عنها، هناك أحداث كثيرة مرت على الناس والمنطقة وأحيانا لا نكاد نصدق بعضها ولكنها تبقى حكايات وأحداث مروية عن المعمرين، وفي نفس الوقت نجد أن هناك أحداث غريبة ومرّة، ومن تلك الأحداث العصيبة التي مرت على القرية كانت فترت النهب والقرصنة التي عاشها أهل القرية والمنطقة حيث كانت تتعرض خلالها القرى إلى أعمال سرقة ونهب كبيرين وهذا الأمر لم يتوقف على المعامير وحدها بل شمل اغلب قرى ومناطق البحرين لاسيما النائية والقرى المفتوحة التي لا تحوي نخيل أو سواتر إذ تتعرض هذه المناطق للسرقة أكثر من غيرها والمعامير تقع ضمن هذه القرى إذ لم تكن المعامير تحوي مزارع أو نخيل كثيفة كالعكر أو النويدرات وذلك لان الأهالي كانوا يترصدون المجرمين خلف النخيل ويرمونهم بطلقات النار فيفرون دون أي مواجهة ولكن القرى المفتوحة كانت مكشوفة والتصدي للمجرمين فيها يحتاج إلى جهد وعدد كافي من الرجال، في تلك الأيام كان الناس يستيقظون من نومهم فيجدون أن أملاكهم من الأغنام والتمر وغيرها من المواد قد سرقت ووصل الأمر في فترة حاول فيها بعض المجرمين التعدي على الأعراض كما حصل في العديد من المناطق، حينها قرر الكثير من الناس أن يتولوا حراسة أنفسهم بأنفسهم، فقبل عام 1925م كان أهل القرية يتناوبون على حراسة بيوت القرية منذ غروب الشمس حتى طلوع الفجر والحراسة تتم في أماكن معينة ومرتفعة عن سطح الأرض وتستخدم كأبراج مراقبة، وأثناء الحراسة كان يتوزع الرجال إلى قسمين قسم يبقى في موقع المراقبة وقسم يتجولون بين البرستجات والبيوت، وأشهر مكانين كان أهل المعامير يحرسون فيهما الأول موقع مسجد الشيخ حسين الواقع غرب بيوت القرية قديما وحاليا وسطها وكان الموقع يطل على مشارف وحدود القرية، والموقع الآخر قرب نخيل أم الحلاو شمال مسجد الشيخ علي، أما الحراس فكانوا يمتلكون بعض (البنادق والبواريد والفشكات) وهي أسلحة قديمة كانت تستخدم للدفاع عن النفس في السفر وأثناء الغوص ودخول البحر للصيد وخصوصا في فترة تزايد القرصنة والسرقات، في القرية كان جميع من يحرسون البيوت والأملاك والأعراض هم من المتطوعين من الرجال والشباب، وفي فترة العشرينات جرت حوادث سرقة فتصدى لها رجال القرية الذين كانوا يكتفون بإطلاق النار باتجاه المجرمين الذين يفرون بجلدهم حيث كان الأهالي يستيقظون عند سماع أول طلقة ويخرجون من بيوتهم في مشهد أشبه بالاستنفار وهذا الاستنفار قد يجعل المجرمين يسقطون في قبضة الأهالي والحراس إذا تأخروا عن الفرار، ويذكر انه بعد نقل سفن الغوص التابعة للمعامير إلى شمال الجسر تعرضت حينها السفن للكثير من السرقات لذا كان بعض الرجال والشباب يتناوبون على حراسة السفن.

ويذكر انه في عام 1950م جرت سلسلة سرقات للبيوت، فحين يكون الناس نائمين يتسلل بعض المجرمين –الغرباء- من خارج القرية ويسرن البيوت والأملاك، ويذكر الحاج عباس بن محمد بن عباس آل حمادة إن هذه الفترة كانت من اشد الفترات حيث تعب الناس من كثرة السرقات وكان المجرمون يصبغون أجسامهم بالزيت اللزج كي لا يتمكن احد من الإمساك بهم وفي تلك الفترة كانت القرية مظلمة إذ لم تكن الكهرباء متوفرة فكان كل شيء مخيف ومرعب والمجرمون يتفننون في زرع الرعب بين الناس ولكن رجال القرية كانوا يطاردونهم وسط الظلام.

ويضيف الحاج عباس انه في العام 1952م حدثت مشاكل طائفية في المنامة وامتد تأثيرها إلى القرى فاستغل بعض المجرمين هذه الأحداث وقاموا بسرقة بعض القرى ومنها المعامير فتصدى لهم أهل القرية من الشباب والرجال عبر التناوب في الحراسة ليلا حتى الصباح وكنت أنا ومعي العديد من الرجال والشباب نتوزع في القرية ونمارس دور الدوريات.

ومن أشهر الرجال الذين تصدوا للمجرمين كان المرحوم الحاج علي بن سرحان وكان كما يوصف جريئا وشجاع وقد نجح في أكثر من مره في التصدي للمجرمين وهزيمتهم وكان معه بعض الرجال في تلك الفترة.

ويقول الحاج جاسم بن حسين بن علي بن قمبر انه يذكر عندما كان طفلا في فترة الخمسينات جرت بعض الجرائم من قبل المجرمين الغرباء وتكررت أعمال النهب والسرقة في القرية وغيرها من المناطق حتى وصل الأمر بالمجرمين إلى أن ينفذوا هجمات منظمة لسرقة البيوت في أنصاف الليالي، وذات يوم تجمعنا جميع أهل القرية في بيت المختار الحاج إبراهيم بن عباس وكان المنزل واسعا ووقف عدد من الرجال على سطح البيت وكنا نحن والنساء وبعض الرجال ننام بوجل وسط الحوش وفي الغرف، وأحيانا نسمع أصوات الرصاص في الهواء، وبعد فترة عادت الأمور إلى طبيعتها وعاد الناس إلى بيوتهم.

ويذكر المرحوم الحاج عبدالعظيم بن محمد بن علي الساحر انه بعد أن تولي خالد بن علي آل خليفة حكم منطقة سترة والقرى المجاورة جاء إلى المعامير وطلب من رجالها أن لا يتولوا حراسة القرية بأنفسهم ووعدهم بحراستهم وذلك مقابل منحه جزء من صيد البحر فاتفقوا معه ووضع بعض الفداوية المسلحين على حدود القرية وحينها قلت أعمال السرقة، وذات يوم تم القبض على احد أعوانه يتلصص على النساء في العروش فقام بضربه بالعصى وهو قريب له.

وقبل حوالي ثلاثة أعوام كنت جالسا مع الباحث الدكتور سالم النويدري فتحدثنا حول هذا الموضوع فاخبرني أن المرحوم والده اخبره أن جده ورجال النويدرات كانوا يتصدون للفداوية وبعض المجرمين الذين يسرقون أهل النويدرات وبربورة وذلك انطلاقا من نخيل النويدرات وبربورة واستطاع جده قنص بعض المجرمين الذين كانوا يتلقون الرصاص من وسط النخيل دون أن يعلموا مصدره فكانوا يحملون جرحاهم وقتلاهم ويفرون بهم من المنطقة على خيولهم وهم يطلقون الرصاص في كل اتجاه من شدة خوفهم.
نقلا عن مدونة سنوات الجريش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق