( الفصل الثالث )
* التحركات الشعبية في الثلاثينات
بالرغم من الإصلاحات التي أدخلها البريطانيون لتحسين الأوضاع الإدارية والحد من مظالم آل خليفة ، وترتيب الأوضاع الاقتصادية بما يؤمن أوضاعا ً أفضل تمكنهم من تسيير الإدارة الجديدة ، إلا إن استمرار العقلية المتسلطة من قبل الأسرة الحاكمة وتزايد التدخل البريطاني في الشؤون الداخلية قد خلق ردود فعل تزايدت وسط المواطنين عموما ً إلى الدرجة التي أدت إلى ظهور الحركات الطلابية وانتفاضة الغواصين في مطلع الثلاثينات ، ثم الإضرابات في شركة النفط .كما أن تزايد الوعي السياسي وسط المواطنين وانتشار أفكار الديمقراطية على المستوى الخليجي ومطالبة المواطنين بالمشاركة السياسية عبر هيئات تشريعية ، قد أفرز حركات سياسية وانتفاضات شعبية في البحرين والكويت عام 1938 م ، بحيث بدت وكأنها مرتبطة ببعضها البعض .
وفي هذا الفصل سنقف أمام أبرز هذه التحركات :
- إضراب المدارس 1930
ان الشيخ حافظ وهبة مديرا ً في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق منذ إنشائها عام 1919م وقد أُتهم في مطلع العشرينات بنشاطات معادية للإنجليز فطرد من منصبه حالا ً وذهب إلى الكويت ومنها إلى الجزيرة العربية ليصبح ممثلا ً للملك ابن سعود في بريطانيا . وكان المد الثوري آنذاك يأتي من الشام مع المدرسين الذين يستقدمون للعمل في مدارس البحرين اليافعة .في مطلع العام 1930 عينت الحكومة السيد فائق أدهم ، سورى الجنسية مفتشا ً عاما ً للمعارف للإشراف على التعليم ، وكان يحمل شهادة جامعية من جامعة بيروت وشهادة أخرى من الكلية الإسلامية ببيروت ، وكانت زوجته مديرة مدرسة البنات بالمنامة . ويبدو أن تعيين المفتش الجديد الذي تزامن مع ازدياد التدخل البريطاني في الشؤون الداخلية للبلاد تسبب في موجة سخط في المدارس ، وكذلك في مجلس المعارف خصوصا ً وأن مديري مدرسة المنامة والمحرق هما سوريان معارضان للاستعمار البريطاني وهما عمر يحيى الحوراني وعثمان الحوراني كما عارض التعيين عدد من المدرسين .
وفي 2 رمضان 1348 ( فبراير 1930 ) أضرب طلبة المدارس في المنامة والمحرق وشارك في الإضراب المدرسون كذلك ، وأغلقت لعدة أيام ونزل التلاميذ الشوارع وألقوا الخطابات الحماسية . وقام تلاميذ مدرسة المحرق ( الهداية الخليفية ) بتحطيم زجاجات النوافذ والأدراج . وقدر المعتمد السياسين ، الكابتن جيفري برايور ، في رسالته للشيخ في 21 فبراير 1930م تكاليف الإضراب بألف روبية . كما هاجم المعتمد السياسي عبد العزيز القصيبي ( أحد أعضاء مجلس المعارف ) بسبب موقفه المتعاطف من مطالب المدرسين السوريين .وفي اليوم التالي أرسل الشيخ عبد الله بن عيسى ، طلبا ً للمديرين السوريين المذكورين للحضور إلى مكاتب الحكومة ولكنهما رفضا الامتثال . ثم بعثا رسالة طويلة تحتوي على مطالب كثيرة منها ما يلي :
1- عدم السماح للمفتش الجديد بالتفتيش على المدارس .
2- عدم تخفيض رواتب الموظفين .
3- أن يكون التوظيف دائما ً وليس مؤقتا ً.
4- أن يكونا عضوين في مجلس المعارف . ولكن عبد الله بن عيسى ، مسؤول المعارف ، رفض كل مطالبهم قائلا ً بأنهم ما لم يرجعوا إلى عملهم وينهوا الإضراب فلن ينظر في تلك المطالب . وكان المضربون يدركون أن إنهاء الإضراب بدون نتيجة مضمونة سوف يكون بدون عائد ، ولذلك رفضوا إنهاء الإضراب والرجوع إلى العمل . فقام الشيخ عبد الله بفصل المديرين السوريين وطردهما من البلاد حالا ً .وفــــي يوم ترحيلهما حدثت مظاهرة صاخبة قام بها الطلاب للاحتجاج على ذلك العمل . وأصدر الشيخ عبد الله تعميما ً بإغــلاق المدرستيـــن ( المنامة والمحرق للبنين ) لمدة عشرة أيام ، في الوقت الذي كان فيه المشاعر هائجة بسبب فصل المديرين ، فكتبت عرائض عديدة موقعة من قبل المواطنين والمدرسين ، وقامت وفود بالاتصال بالشيخ حمد من أجل إعادة النظر في المسألة . هذا في الوقت الذي قام فيه الطلاب بالدخول إلى مدرسة المحرق وتدمير أثاثها وتوصيلاتها الكهربائية والمائية وغيرها . وهدد بعض التجار ، ومنهم آل القصيبي بفتح مدرسة جديدة ومنع الطلاب من العودة إلى الصفوف .
افتتحت المدارس بعد عشرة أيام ولكن الحضور كان ضعيفا ً في البداية ، ولم تعد الحياة الدراسية إلى حالتها الطبيعية إلا بعد مرور شهر كامل .ورغم ترحيل المدرسين السوريين فقد استمرت حالة التوتر لأن عددا ً من الأعيان بعثوا بعريضة موقعة للشيخ حمد يطلبون فيها إعادة المعلمين إلى البلاد لكفاءتهما وأخلاقهما وحسن سيرتهما . ويعتقد أن عبد العزيز القصيبي ويوسف فخرو وعبد الرحمن الزياني كانوا وراء تقديم العريضة ، وقام علي بن خليفة السكرتير السابق لبلدية المنامة بجمع التوقيعات .تلى ذلك اجتماعات لإقناع المدرسين بالرجوع إلى المدارس وكان يشارك في تلك الاجتماعات أعضاء مجلس المعارف والمستشار بلجريف وأعضاء لجنة التعليم بالمنامة والقاضي السني وشخصيات أخرى ومدرسو مادة الدين التي أشيع أن الحكومة تنوي استبعادها من مناهج التعليم وكان عدد من الشخصيات يطالب بإعادة المعلمين السوريين . ومع ذلك وافق الجميع على إعادة فتح المدارس .وأعقب حادثة فصل المديرين السوريين حملة صحافية في العراق وسوريا وإيران .
واستهدفت هذه الحملة المعتمد السياسي في البحرين الذي كان العقل المخطط وراء السياسات الحكومية إلى جانب المستشار بلجريف . كما استهدفت المقالات السياسية البريطانية في البحرين . وتحدثت المقالات عن سياسة إدخال تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس وعدم الاهتمام بالدروس الدينية . وانتشرت المشاعر العامة ضد الإنجليز في البحرين وخارجها ، وكان للمدرسين والطلاب دورهم في تأجيج المسألة . ووجد الشيخ عبد الله بن عيسى نفسه مستهدفا ً أيضا ً في الحملة الصحافية ، فنشر في صحيفة العراق " إعلانا ً صغيرا ً ينفي فيه ما تناقلته الصحف حول أسباب الإضراب ودوافع إقالة المديرين .وكان من بين دافع المضربين والأساتذة عدم الرضى عن مناهج التدريس ، وقد فهم المسؤولون البريطانيون في البحرين هذه المسألة ، فقام المعتمد بالتعاون مع المفتش الجديد للتعليم والمستشار بمحاولات وضع منهج دراسي جديد ، كما رأوا أن استمرار وجود عناصر من سوريا ولبنان أو غيرهما في سلك التدريس سوف يؤدي إلى مزيد من الوعي بين صفوف الطلبة ، وذلك ما لا يريدونه فقرروا الإسراع في التخلص من المدرسين العرب الذين يقفون مواقف تحررية من الاستعمار البريطاني .كما قرر الثلاثة ( الشيخ عبد الله والمستشار والمعتمد ) إلغاء مجلس المعارف الذي يضم عددا ً من المواطنين الذين يحملون أفكارا ً معادية للإنجليز ، وإقامة لجنة من الشيعة والسنة للنظر في بعض القضايا المتعلقة بالتعليم ولديها صلاحيات أقل من المجلس المنحل ، إذ عليها النظر في المناهج ولكن بدون إعطائها الصلاحية للنظر في الرواتب والتعيينات .وتجدر الإشارة إلى أن سبعة طلا بحرانيين هم خليفة بن الشيخ حمد الخليفة وحمد بن الشيخ عبد الله الخليفة وأحمد بن علي بن موسى ، وعبد العزيز بن سعد بن شملان ، وراشد بن عبد الرحمن الزياني ، وعبد الرحمن بن قاسم المعاودة ، ومحمد كمال بن الشيخ جاسم ، كانوا قد ابتعثوا إلى جامعة بيروت لإكمال دراستهم الثانوية من بينهم ثلاثة من أبناء الشيوخ ، ولكن المستشار كان في إجازة عندما تم اختيارهم عام 1928م ، ولذلك لم يكن راضيا ً عن بعضهم لأنهم يحملون أفكارا ً تحررية لا تعجبه .
وازداد غضب المسئولين ( الشيخ عبد الله والمستشار والمعتمد ) عندما بعث هؤلاء الطلبة برقية احتجاج على عزل المديرين السوريين ، وقرر المسؤولون إنهاء بعثتهم بعد رجوعهم في إجازة الصيف عام 1930م بدعوى أن دراستهم في بيروت تكلف الحكومة كثيرا ً ولا تعود على البلاد بما يتناسب مع المصاريف . وعند عودتهم طلب منهم ممارسة التدريس في المدارس الحكومية ولكنهم رفضوا ذلك مطالبين بإكمال دراستهم أولا ً ، وأدركوا أن للمستشار سياسته الخاصة المعارضة لنمو الوعي السياسي بين الطلاب والدارسين . وقد ساهم الوعي الطلابي في نشر قضية البحرين في الصحافة العربية التي كانت في مصر وسوريا معادية للاستعمار ومساندة لقوى التحرر الوطني .وكان للمستشار موقف سلبي من مجلس المعارف وطالب في رسالته للمعتمد السياسي في 15 رمضان 1348 بإلغاء مجلس المعارف قائلا ً بأن الشيخ عبد الله والمفتش الجديد ، فائق أدهم ، قادران على إدارة جهاز التعليم في البحرين ، وبأن أعضاء المجلس غير متعلمين وأنهم يشكلون حجر عثرة في طريق عمل الشيخ عبد الله .وإذا كان إضراب المدارس المذكور واحدا ً من مظاهر انتشار الحركة السياسية في البحرين فإن هناك جوانب أخرى لمسألة التعليم ، حيث أن الحركة التعليمية التي تأسست في العشرينات أخذت تنمو شيئا فشيئا ً حيث أسست مدارس جديدة خلال الثلاثينات وأصبح التعليم سمة للمجتمع البحراني .
ولكن رغم ذلك كانت هناك حاجة ماسة لتقييم المسيرة التعليمية بين الحين والآخر ، خصوصا ً وأن الحركة السياسية في المنطقة وصراعات القوى والإيديولوجيات كثيرا ً ما كانت تنطلق من المدارس وبسبب المعارضة للاستعمار التي كانت تعم عددا ً من الدول العربية مثل العراق وسوريا ومصر ، فقد أصبح الإنجليز أكثر تحسسا ً للمناهج التعليمية وتوجهاتها السياسية .وفي العام 1939 حدثت محاولة لتقييم التجربة التعليمية في البحرين ، حيث طلب أحد المسؤولين البريطانيين العاملين بالمعتمدية السياسية في الكويت ، السيد أدريان فالانس ، دراسة الوضع التعليمي في البحرين وتقديم ما يراه ضروريا ً من اقتراحات وتوصيات . فكتب تقريرا ً طويلا ً في سبتمبر 1939م موجها ً لحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى ومكونا ً من 60 صفحة . واحتوى التقرير على ملاحظاته حول مداس البحرين للأولاد التي كان عددها سبعا ً ( المنامة ، المحرق ، الحد ، الرفاع ، سوق الخميس ، البديع ، وسترة ) ولم يستطع زيارة مدرستي البنات في المنامة والمحرق . ارتكز التقرير حول الوضع التعليمي القائم في المدارس وأساليب التعليم وقدم توصيات عديدة من بينها الابتعاد عن توظيف السوريين كمدرسين أو مفتشين والتأكد من عدم وجود ميول سياسية للمدرسين . وطالب التقرير بالتركيز على تعليم تاريخ البحرين والتقليل من تدريس تاريخ الدول ذات الطابع السياسي المعادي للإنجليز مثل سوريا والعراق . كما طالب الحاكم بتعليق صوره في المدارس ن على حيطان الفصول وعلى أغلفة الكتب الدراسية . وأوصى التقرير بتعيين شخص بريطاني كمدير عام للمعارف .وكان التقرير بشكل عام موضوعيا ً في جوانبه الفنية ولكن كان مسيسا ً بشكل كبير كما هو وضاح من توصياته المذكورة .
- انتفاضة الغواصين 1932:
ان لحادثة عامي 1926 و 1927 أثر سلبي على نفوس الغواصين . كما أن تخلف النواخذة عن العمل بالإصلاحات المطلوبة أدى لتراكم المشاعر السيئة في نفوس الغواصين ، واستمر الوضع متوترا ً طوال السنوات التالية حتى انفجر عام 1923م من جديد .ففي يوم الأربعاء 25 مايو من ذلك العام ذهب عدد من الغواصين في المحرق إلى الشيخ عبد الله بن عيسى طالبين السلفة قبل أن يتوجهوا إلى الغوص ، وقال لهم عبد الله بأنه إذا كانت لديهم قضية فليطرحوها أمام المستشار .
وعندما علم الشيخ حمد بمشاعر الغواصين طلب من أخيه ومن المستشار " أن يطيب قلوب الغواصين " ، وهذب بعد ذلك إلى مصيفه في الرميثة ، في جنوب البلاد . وكانت هناك شعور عام بأن الوضع أصبح يغلي ، فما كان من المستشار إلا أن أمر باعتقال عدد من الذين اشتبه فيهم بالتحريض على الاضطرابات فاعتقلوا ووضعوا في مركز الشرطة بالقرب من الميناء . كان هذا الإجراء كافيا ً لتفجير الوضع بدلا ً من احتوائه .وفي اليوم التالي ( الخميس 26 مايو ) جاءت مجموعة من الغواصين من المحرق ومعهم عصي وتظاهروا في المنامة وأطلقوا سراح غواص من مركز الشرطة بعد كسر النوافذ .. وقامت الشرطة بتفريقهم بإطلاق النار فوق رؤوسهم وجرحوا عددا ً منهم ، ولاحقوهم إلى ساحل البحر .ومع ذلك استمرت المواجهة بين الغواصين والشرطة التابعين للمستشار على الشارع الموازي للبحر ، وفي النهاية أجبر الغواصون على التقهقر باتجاه البحر ، واعتقل عدد منهم ، بعد أن اشترك كل من هو تحت قيادة المستشار في المعركة ، من النواطير والفراشين إلى جانب شرطة القلعة وخدام المستشار نفسه . ورجع الغواصون إلى المحرق ولحقهم المستشار مع عدد من النواطير والشرطة واعتقل عددا ً منهم ، وأطلقت النار على الغواصين وجرح عدد منهم .
وعندما كان الغواصون عائدين إلى المحرق كان الشيخ عبد الله عائدا ً إلى المنامة والتقى الطرفان في عرض البحر واستغل الغواصون الفرصة لإلحاق أكبر الإهانة للشيخ عبد الله ، وهو ما أثاره بشكل كبير ونقل مشاعره للحاكم ، الشيخ حمد .وفي اليوم التالي وصلت رسائل من الحاكم للمستشار يؤيد فيها عمله وتصرفه مع الغواصين وطلب منه القيام بإجراءات أكثر صرامة وأمر باعتقال قادة الغواصين وطردهم من البلاد كما أمر بإصدار إعلان يأمر الغواصين بالعودة للعمل عند النواخذة ومن لا يفعل ذلك فللنواخذة الحق في تقديمه للحكومة .وبعد التحقق في الحادثة عرف المستشار أن حركة الغواصين ومجيئهم إلى المنامة كان من أجل إنقاذ الشخص الذي اعتقله المستشار في اليوم الأول ( 25مايو ) ، ولكنه كان مستغربا ً من العدد الذي جاء من المحرق والحد وكيف استطاعوا تنظيم تظاهرتهم .
وكما ذكرنا فقد نجح المتظاهرون في إخلاء سبيل زميلهم ولم يستطع المستشار إلقاء القبض عليه مرة أخرى .هذه الحادثة كانت تعبيرا ً عفويا ً من قبل الغواصين عن مشاعرهم وعن حاجاتهم لزيادة السلفة المقدمة لهم من النواخذة لأن مقدارها كان ضئيلا ً ولم تكن تكف ِ لحاجات عوائلهم خلال فترة غيابهم في مواقع الغوص . ولهذا عارضهم الحاكم والمستشار والنواخذة الذين لم يكونوا متحمسين لفكرة زيادة السلفة المقدمة للغواصين . وقد عبر النواخذة عن ارتياحهم للإجراءات القمعية التي اتخذها المستشار لقمع الغواصين بدون مراعاة حقيقة المشاعر التي دفعت الغواصين للقيام بما قاموا به بداية موسم الغوص . ورغم سقوط الضحايا في صفوف الغواصين ، فإن المستشار والحاكم والمعتمد لم يحاولوا فهم القضية بل اعتبروها تمردا ً يجب قمعه بأي ثمن ، على أساس أن ثورتهم العفوية كانت بسبب لين الموقف الرسمي في الأعوام السابقة .لقد كانت انتفاضة الغواصين كبيرة من حيث أبعادها ومن حيث ما كشفت عنه من ضعف في جهاز الشرطة .
فقد حاول الغواصون السيطرة على مستودع للأسلحة والذخيرة في القلعة ، ولو حدث ذلك لكانت القضية ذات بعد آخر . ومع ذلك فالمعتمد السياسي يعتبر في رسالته في 30 / 5 / 1932 أن ما حدث كان " درسا ً لا ينسى للغواصين " بعد أن قتل اثنان منهم على الأقل وجرح عدد آخر واعتقل عدد كبير . هذا إلى جانب اعترافه في الرسالة نفسها بأن السلفة التي تدفع مقدما ً للغواصين قد وصلت إلى حدها الأدنى في ذلك العام ، وأن على الحكومة إعادة النظر في القضية كلها خصوصا ً في ضوء كساد سوق اللؤلؤ وأنه فيما لو تقرر تخفيض السلفة في العام المقبل فإنه على الحكومة أن تتهيأ لمشاكل أكبر .هذا هو كل ما قام به المعتمد والمستشار على صعيد النظر في أسباب ودوافع تحرك الغواصين . أما ما أولياه أكبر فهو موضوع قوة الشرطة ومدى قدرتها على استيعاب التحدي الذي أفرزته حركة الغواصين لأن الانتفاضة قد هزت المسؤولين البريطانيين . وفي هذا الصدد كتب المقيم السياسي ، الكولونيل السير إج . في . بيسكو إلى وزير الخارجية بحكومة الهند في 4 يونيه 1932 قائلا ً :
" بالرغم من أن قدرا ً من الإضطراب كان باديا ً في صفوف الغواصين في اليوم الأول ، فإن أحدا ً لم يتوقع حدوث اضطرابات بهذا الحجم ، وكان مفاجئا ً بروز هذا العدد من المتظاهرين بدون علم السلطات مسبقا ً ولكن ليس هناك شك بأن السبب الرئيسي للإضطراب كان اقتصاديا ً ، وأن المظاهرة كانت تهدف للاحتجاج على ضآلة سلفة الغوص . وكما ذكرت في رسائل سابقة ، فإن الوضع الاقتصادي على الساحل العربي خطير جدا ً " . ورغم قتل عدد من الغواصين فإن المقيم السياسي يرى أن الشرطة قاموا بدورهم بكفاءة .ويقول المستشار في رسالة للمقيم في 28 / 6 / 1932 بـأنه تمكن من إلقاء القبض على الأشخاص الذين اقتحموا القلعة وفتحوا أقفال السجن وأفرجوا عن المعتقلين باستثناء شخص واحد على حد تعبيره .واعتبرت هذه القضية واحدة من القضايا المهمة التي طرحت حولها أسئلة عديدة في البرلمان البريطاني .
ففي 28 نوفمبر 1932 سأل النائب البرلماني البريطاني ديفيد غريفيل ، وزير الخارجية بحكومة الهند عما إذا كانت لديه معلومات حول تصرف المستشار البريطاني لشيخ البحرين وإصداره الأوامر باعتقال الغواصين الذين كانوا غير راضين بالسلطة وما تلى ذلك من إطلاق النار على الغواصين وما نتج عن ذلك من توقف الغوص كليا ً وما إذا كان ( وزير الخارجية ) عازما ً على تكوين لجنة تحقيق في الظرف التي أدت للحادثة .
وكان جواب وزير الخارجية كالتالي :" حدث اضطراب كبير في البحرين يوم 26 مايو ( أسبابه كانت اقتصادية في جانب منها ) قام خلاله جمع باقتحام مركز الشرطة والإفراج عن غواص كان معتقلا ً . وتمت السيطرة على الوضع بشكل سريع . ولم يحدث إطلاق نار من جانب الشرطة الهندية ولكن يبدو أن غواصين قد قتلا وجرح أربعة أو خمسة آخرون بسبب إطلاق النار العشوائي من قبل النواطير العرب المحليين . ولم يتوقف الغوص ولا أرى من المناسب تكوين لجنة تحقيق في القضية التي يبدو أنها عوجلت بشكل مرض ٍ من قبل السلطات الملحية " .وفي مطلع عام 1933 كتبت صحيفة ألمانية مقالا ً طويلا ً حول الغوص والغواصين واضطرابات الغواصين في مايو 1932 ، بعنوان " نشيد الوزة حول غواصي اللؤلؤ " ، بقلم إج . جي فون باسيوتيز ، تعرضت للأوضاع السيئة للغواصين البحرانيين والمعاملة السيئة التي يتلقونها من الشيخ وأسلوب قمع القوات البريطانية لحكرتهم ، وأعطى المقال إحصاء ً لحصيلة اضطرابات مايو 1932 بأن أكثر من عشرة أشخاص قد قتلوا وجرح عدد أكبر واعتقل أكثر من مائة شخص .
- ثورة الإصلاحات الوطنية 1938 :
في عام 1938 ، انطلقت أول حركة شبه منظمة في البحرين للمطالبة بوضع حد لاستبداد آل خليفة واحترام إرادة الشعب بإشراكه في حكم بلاده . ولا نقصد بالحركة هنا تنظيما ً معينا ً يحمل إسما ً وينطوي على تنظيم حزبي داخلي ، كما هو معروف في بعض الحركات الحديثة ، بل كانت الحركة تعبيرا ً عن انطلاقة شعبية قامت نتيجة لتصاعد وعي الناس ونمو إداركهم الوطني وشعورهم باختلال الميزان السياسي في بلادهم . وهذا لا يعني أنه لم تطرح أسماء معينة في تلك الفترة ، ولكن الأسماء كانت في حقيقتها وسيلة لإقناع الجماهير بوجود قيادات للتحرك الذي شهدته البلاد ولتذييل بعض المنشورات التي وزعت في المنامة والمحرق . ولعلها المرة الأولى التي يحدث فيها توزيع منشورات واضحة المغزى بطريقة سرية ، وتنتشر فيها ملصقات تتحدى سلطة آل خليفة وتستهدف التدخل البريطاني السافر في شؤون إدارة البلاد وتطالب بالخصوص بإقالة المستشار تشارلز بلجريف ( انظر نماذج من هذا لفعاليات في الملحق ) .
وانتهت الحركة مع نهاية عام 1938 باعتقال عدد من الشخصيات النشطة ، ولكن بعد أن أثبتت لكل من آل خليفة والحكومة البريطانية ممثلة بمعتمدها السياسي في البحرين ومقيمها السياسي في الخليج أن موجة وعي قد انتشرت في البلاد وأن ذلك بداية لخمسين عاما ً أخرى من المواجهة الحية بين الشعب من جهة والاستبداد الخليفي من جهة أخرى .
- حركة البحارنه كانت على الأساس :
منذ أن قام الميجر ديلي بإدخال الإصلاحات الإدارية في البحرين عام 1923م بدأ عهد جديد في البلاد سمح لحركة الوعي الاجتماعي بالتطور شيئا ً فشيئا ً ، وإن كانت تلك الإصلاحات قد كرست نظام آل خليفة بدعم بريطاني مكشوف ومستمر ، فقد تحسنت عدد من القضايا التي كانت تقلق الناس وخاصة البحارنه ، فأصبحت هناك سلطة مركزية بعد أن كان كل شيخ من آل خليفة يحكم منطقة من مناطق البحرين بالطريقة التي تروق له يجمع منها ما يشاء من ضرائب ويستولي على ما يشاء منها من أراضي ويستعبد الناس لخدمته ضمن نظام " السخرة " ويسلط " الفداوية " التابعين له على رقاب الناس وأعراضهم وكراماتهم ، ويسيطر على حقول النخيل ويتحكم في تجارة الغوص على اللؤلؤ .وكان لهذا الانتظار آثار عديدة ، منها ضبط قبيلة الدواسر التي كانت تعيث في الأرض الفساد ومنعها من الاعتداء على البحارنه والتصرف في البلاد وكأنها حكومة موازية لآل خليفة .
ومنها بداية ثقة البحارنه بأنفسهم كأكثرية في البلاد ، ومن ثم تحركهم لضمان قدر من الحقوق المشروعة لهم . ويصف المقيم السياسي في الخليج ترينجارد سي فاول في تقرير رفعه لوزير الخارجية في حكومة الهند في 18 مارس 1935 وضع البحارنه بقوله :" مهما كان هناك من عملية تقدير لعدد سكان البحرين ، فإن من المتفق عليه أن البحارنه يشكلون بكثير من نصف مجموع السكان (1) . كما يذكر في التقرير نفسه عدم استغرابه من تحرك البحارنه لنيل حقوق أكبر على صعيد إدارة الحكم والحقوق السياسية الأخرى مشيرا ً إلى توافر عدد من الظروف التي تدفعهم لذلك فيقول :
" في ضوء هذه الظروف ، ومع الأخذ بعين الاعتبار وضع البحارنه ، فإنه من غير المستغرب أبدا ً أن يظهروا علامات للتحرك ، بل على العكس من ذلك ، فإنه سيكون مستغربا ً لو لم يفعل ذلك " . وهكذا تحرك عدد من أعيان البحارنه ووجهائهم مع نهاية عام 1934 وصاغوا مطالبهم باسم البحارنه ، في رسالة سلموها للشيخ حمد بن عيسى الذي وقفوا إلى جانبه في معركة ولاية العهد قبيل إدخال الإصلاحات الإدارية عام 1923 .
وكانت مطالبهم متمثلة بثلاث نقاط (2) :
1- إصلاح محاكم البحرين وتقنين الأحكام التي يرجع إليها القضاة .
2- العمل بفكرة التمثيل النسبي وذلك بزيادة عدد ممثلي البحارنه في مجلسي التجارة ( كان يعرف سابقا ً بالمجلس العرفي ويرجع إليه في قضايا الغوص ) والبلدي الذي يدير شؤون المدن والقرى .
3- توفير المدارس التعليمية للبحارنه الذين حرموا منها حتى ذلك الوقت . ووقع هذه الرسالة التي كتبت بتاريخ 23 رمضان المبارك 1353 هـ الموافق 30 ديسمبر 1934 ثمانية أشخاص وهم منصور العريض وعبد علي العليوات ومحسن التاجر وعبد الرسول بن رجب والحاج عبد العزيز بن حجير البوري وأحمد ناصر ( باربار ) وحسين بن محمد المدحوب ( بلاد القديم ) والحاج علي بن عباس ( عالي ) .وكانت هذه الرسالة بداية لمسلسل طويل من المراسلات والاجتماعات بين الأشخاص الثمانية والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة – حاكم البحرين – والمستشار تشارلز بلجريف ، وعموم البحارنه .
واستمر هذا التحرك أكثر من عام كامل ، وذلك بسبب المعارضة شبه الكاملة للمطالب من قبل آل خليفة من جهة والحكومة البريطانية من جهة أخرى . فحين لم يحصل البحارنه على جواب إيجابي من الشيخ حمد كتبوا للمعتمد السياسي البريطاني في البحرين آنذاك الكولونيل لاخ طالبين لقاءه وشرح ا لقضية له . فقابلهم في الأول من فبراير 1935 ، وكان اللقاء عبارة عن كلمة قصيرة ألقاها عليهم ثم طلب منهم الإنصراف بقوله " مرخوصين " وجاء فيها (3) :
" يتضمن كتابكم ثلاث مسائل الأولى في خصوص القانون والثانية في خصوص تمثيلكم في مجلس التجارة والبلدية والثالثة من جهة المعارف ، هذه كلها مسائل داخلية وقد عملتم عين الصواب بمخاطبتكم سعادة الشيخ عنها الذي كتب لكم جوابا ً عادلا ً ورقيقا ً وأيضا ً قابلكم . وإني أعلم بأن سعادة الشيخ مهتم بعلم ما يمكنه أن يجري لأجلكم في خصوص هذه المسائل ، ولكن ذلك يحتاج حتما ً إلى وقت .وأنا أنصحكم بأن تحترزوا جدا ً في غضون ذلك ، فلو يحدث تشويش أو دسائس فيما بين البحارنه أو في القرى أو أي عمل مثل جمع البيزات ( الفلوس ) الذي حصل أول أمس فإنكم الثمانية تكونون مسؤولين عن ذلك ، أنتم الثمانية تكونون مسؤولين وليس الفقراء الجهلاء ، فهمتم – مرخوصين " .وكان ذلك بمثابة صدمة كبيرة ، فاللقاء كان سلبيا ً واستفزازيا ً من قبل ممثل بريطانيا في البحرين .
ولم يقتصر الموقف السلبي البريطاني على ما قاله المعتمد ، بل إن المستشار نفسه لم يكن إيجابيا ً في موقفه حيث كان يحمل عداءً شخصيا ً لبعض الأشخاص الثمانية الذين وقعوا الرسالة ، وهذا واضح من تقييمه لمهم في رسالته للمعتد السياسي بتاريخ 28 / 1 / 1935 حيث قال (4) :" منصور العريض : تاجر لؤلؤ وملاك أراض ، وهو الآن أحد أغنى الشيعة وأكثرهم نفوذا ً في المنامة ، وقد سافر كثيرا ً إلى الهند وهو عاقل وواسع الأفق وله أفكار متطورة . عبد الرسول بن رجب : رجل أمي و ... مفلس تقريبا ً ولكن له نفوذ بين البحارنه في المنامة ، وهو صاحب مأتم قريب من عبد علي بن رجب الذي يعمل في الخفاء .عبد علي العليوات : صاحب دكان في المنامة ، ومعروف بتحريضه ضد الحكومة . وكان في وقت من الأوقات في مجلس بلدية المنامة ولكنه طرد بأمر من الشيخ حمد بسبب تصرفاته قبل بضع سنوات . وقد لعب دورا ً في كل من الاضطرابات التي حدثت خلال السنوات الخمس الماضية مثل قضايا الأوقاف والمعارف .الحاج محسن التاجر : رجل يشبه عبد علي العليوات ولكنه أكثر ثقافة وأكثر ذكاءً ، وهو ملاك أراضي كبير ورجل ذو ثروة .
وهو معروف بمواقفه السلبية من آل خليفة .أحمد بن ناصر : رئيس قرية باربار ...عبد العزيز بن حجير البوري : رئيس قرية بوري .. وهو عضو في لجنة الأوقاف الشيعية ، شخص محترم وذو نفوذ .علي بن عباس ( عالي ) : زعيم أحد طرفين موجودين في عالي ، ومساند قوي للشيخ خلف العصفور .حسين المدحوب ( بلاد القديم ) : رئيس قرية البلاد ، ملاك أراض ٍ ورجل غني نسبيا ً .ومن هنا فقد كان موقف المستشار من مطالب البحارنه سلبيا ً بشكل عام وانعكس ذلك الموقف في التالي :
1- رسالة الشيخ حمد للبحارنه ردا ً على رسالتهم المتضمنة للمطالب ، ففي هذه الرسالة ، التي لا شك أن المستشار قد أملاها على الشيخ حمد ، كان موقف الشيخ حمد كالتالي :
أ- بالنسبة لموضوع المحاكم وتقنين الأحكام : لم يتطرق لتركيبة المحاكم من حيث عدد القضاة ولكنه قال بأنه سوف يكوّن لجنة لجمع ما أصدره من إعلانات وقوانين لتكون بمجموعها قانوناً جنائيا ً، وقال أن ذلك يحتاج لوقت طويل .
ب- بالنسبة للتمثيل في مجلس البلدية برر العدد القليل لممثلي البحارنه بالنسبة للأجانب بأن الأجانب أكثر اهتماما ً بالشؤون التجارية والمالية ، وأنه يأمل أن تتغير تلك النسبة في الانتخابات البلدية المقبلة .
ج – بخصوص أعضاء مجلس التجارة برر قلة الأعضاء البحارنه بأنهم غير أكفاء لتلك المناصب ، وأنه إذا وجد من يصلح لذلك فسوف يعينه .د- أما بالنسبة لموضوع التعليم علل الشيخ حمد عدم اهتمامه بتوفير المدارس للبحارنه بعدم وجود مال يكفي لذلك ، وأنه في حالة توفر ذلك فسوف يبدأ بتوفير مدارس في القرى .
2- كتب بلجريف ملاحظة صغيرة للمعتمد السياسي ، الكولونيل لاخ ، في 3 فبراير قال فيها (5) : " من خلال ما سمعته فإنني واثق بأن تحرك البحارنه سوف يتلاشى بدون حصول أي إثارة أو تشويش " وهذه الرسالة مغزاها المطالبة بعدم تلبية مطالب البحارنه .وقد انعكس موقف المستشار على مطالب البحارنه خلال السنوات التي تلت تقديم المطالب ، وفي ما عدا المحاكم ، لم يحدث تغيير يذكر بالنسبة للمطالب الأخرى .وسبق الاجتماع بالمعتمد السياسي اجتماع للبحارنه في 28 يناير 1935 في مأتم مدن بالمنامة حضره جمع غفير من سكان القرى لمناقشة مسألة توظيف البحارنه في شركة النفط لأن أكثرهم كان بدون عمل ، وتم تسجيل أسماء العاطلين عن العمل على أمل رفع القضية للحكومة . وكان الحضور الهائل بمثابة صدمة للمستشار الذي اعترف فيما بعد بأن المطالب التي قدمت كانت بإقرار الجماهير وليس م جعبة الأشخاص الثمانية ، وجاءت رسالة الشيخ حمد التي حملت الرد على المطالب في اليوم التالي .وفي مساء ذلك اليوم ( 29 يناير 1935 ) اجتمع بعض أعضاء قيادة البحارنه منصور العريض وعبد علي العليوات وعبد علي الجشي وعبد الرسول بن رجب ومحسن التاجر في مأتم بن رجب لمناقشة رد الشيخ حمد واتفقوا على الاستمرار في مطالبهم ، وفي ذلك الاجتماع طالب كل من محسن التاجر وعبد علي العليوات باستعمال كل وسائل الضغط على الحكومة .كما اجتمعت قيادة المنامة ( منصور العريض وعبد علي العليوات وعبد الرسول بن رجب ومحسن التاجر ، مع المستشار في 30 / 1 / 1935 من عدم استجابة الإدارة لمطالبهم وهددوا بالإعلان عن قضيتهم من خلال أصدقائهم في جريدة " إنديا تايمز " الهندية وطرحوا أسبابا ً لتقوية مطالبهم بقدر أكبر في الحياة السياسية وبتوظيف شركة النفط عددا ً أكبر من البحارنه ( 6) .وفي اليوم التالي اجتمع هؤلاء مع الشيخ حمد وقدموا له مطالب جديدة منها أن يشكل البحارنه أكثرية اللجنة المكلفة بإعداد القانون وأن يجري إحصاء عام في البلاد وأن يعين قاض ثالث في المحكمة الشرعية الجعفرية وأن يعين إبراهيم العريض مديرا ً لمدرسة المنامة للبنين ، وأن يتم تعيين عبد الكريم بن جاسم رئيسا ً للشرطة ، ولكن الشيخ حمد استشاط غضبا ً وقال بأنه لا يسمح لأحد بأن يعلمه كيف يدير شؤونه .وفي 9 مارس 1935 أعلنت الحكومة عن تكوين لجنة لجمع كل القوانين المسابقة الصادرة عن الحكومة ، وهذا ما ذكره المستشار في رسالته رقم 1036- 16 إلى المعتمد البريطاني بالبحرين التي قال فيها (7) :
" لي الشرف أن أخبر سعادتكم أن صاحب العظمة الشيخ سر حمد بن عيسى الخليفة ، كي سي آي ئي سي . إس . آي قد قرر تعيين الأشخاص الآتية أسماؤهم كلجنة لتنظيم قوانين الإعلانات الصادرة عن حكومة البحرين في خلال حكمه .1- سمو الشيخ سلمان بن الشيخ حمد الخليفة .2- خان صاحب بن أحمد كانو سي . أي . إم . بي .ئي . كي . ي . إج .3- الحاج منصور بن الحاج محمد حسين العريض .- لسوء الحظ أن الحاج منصور العريض في الوقت الحاضر في الهند ولكن يؤمل أنه سيعود لأجل موسم غوص البحرين . فإذا عرف أنه سوف لا يعود سيعين نائب له .- أن صاحب العظمة الشيخ سر حمد بن عيسى الخليفة كي . سي . أي . سي . إس . ي يرى أنه بالإمكان إضافة عضوين آخرين إلى اللجنة إذا دعت ذلك .لي الشرف بأن أكون يا سيدي خادمكم المخلص المطيع مستشار حكومة البحرين وكما ذكرنا فإن الموقف البريطاني من مطالب البحارنه لم يكن إيجابيا ً . وعلى سبيل المثال بعث المقيم السياسي في الخليج اللفتنانت كولونيل تي . سي . فاول بتقرير مطول إلى حكومة الهند في 18 مارس 1935 حول الوضع في البحرين ، وشرح فيه طبيعة التركيبة السكانية وسياسة حكومة آل خليفة تجاه البحارنه الذين يشكلون أغلبية السكان وطلب في نهايته من حكومة الهند السماح له بالحديث مع الشيخ حمد وحثه على الأخذ بعين الاعتبار التغييرات السياسية في العالم في حسابه والاستماع لمطالب البحارنه الذين يشكلون أغلبية السكان ، وأن يحذره من موقف الحكومة البريطانية السلبي إذا لم يستجب لتلك المطالب العادلة .وجاء جوا ب حكومة الهند في 6 نوفمبر 1935 على النحو التالي (8) : " إن حكومة الهند تشعر بأنه يجب أن لا تتقدم إلى الشيخ باقتراح إدخال مؤسسات شعبية ذات طبيعة ديمقراطية ، أو ما يتضمن بأنه دعم الحكومة ( البريطانية ) يعتمد على مد ما يقدمه الحاكم ليحقق تطلعات البحارنه ، بإدخال مؤسسات حكم ذاتيه أو شعبية " .
وهذا يعكس أن الحكومة البريطانية لم تكف ِ عن التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين رغم ما قاله المعتمد البريطاني لوفد البحارنه عام 1934 بأن الحاكم وحده المعني بشكاواهم . فقد كان المسؤولون البريطانيون معنيين مباشرة بقرارات الحكومة حول تشكيل اللجنة المكلفة بجمع القرارات الرسمية وتعيين أفرادها .وتجدر الإشارة إلى أن الميجر ديلي في العشرينات كان يتدخل في كل شيء من صغيرة أو كبيرة وكان يعتقد بصحة ما يقوم به . وحكومة الهند هي الأخرى لم تستطع السماح لنفسها اتخاذ مواقف إنسانية من قضية البحارنه . فبينما كان البحارنه يطالبون الحكومة بمدارس رسمية حديثة كان حكومة الهند تقترح في رسالتها للمقيم السياسي ( 6 نوفمبر 1935 ) " تكثير مدارس الأوقاف والمساجد " .بالإضافة لذلك ، لم يكن لديها ما تقدمه على صعيد الإصلاح القضائي .
وفشلت أيضا ً في فهم التحولات الثقافية والفكرية التي طرأت على المجتمع بعد إدخال إصلاحات عام 1923م . وكانت هناك هوة واسعة بين الحكومة البريطانية وممثليها في البحرين والخليج . فبينما كان المعتمد البريطاني في البحرين والمقيم السياسي في الخليج موافقين على إدخال إصلاحات تدريجية باتجاه الوصول إلى حكومة تمثل جزءاً من طموحات الشعب كانت الحكومة البريطانية معارضة لذلك بشكل كامل . كما أن عقلية الشيوخ أنفسهم كانت متخلفة عن الزمن ، فرغم تطور الشعوب وانتشار الوعي بين الناس ، كان هؤلاء يصرون على الاستمرار في نمط الحكم الذي كانوا يمارسونه منذ عقود من الزمن .يقول الدكتور مهدي عبد الله التاجر في كتابه ( البحرين 1920 – 1945 ) ( 9) :
" بالرغم من أن الإصلاحات كان قد تم العمل بها في عهد الشيخ حمد إلا أنه كان بطيئا ً في استيعاب معطياتها . إن حكومة الهند لم يكن لديها سياسات بعيدة المدى باتجاه البحرين . فقد فعلت وقامت بردة الفعل بطريقة عفوية . وكانت تتعامل مع كل حادثة أو أزمة حال حدوثها تقريبا ً ( أي بدون تخطيط مسبق ) . فأحيانا ً كانت تراهن على عامل الزمن ، وأحيانا ً كانت تتحاشى القضايا الحساسة في البلاد ولذلك تصاعدت الضغوط المحلية ونتجت عنها مطالب مشتركة بين الشيعة والسنة " .
وهذا ما حدث على أثر مطالب البحارنه التي تضمنتها في البداية العريضة التي قدمت في نهاية عام 1934 . وفي عام 1938 تمخض عن تفاعل الحوادث الداخلية في البحرين حركة شعبية واسعة كانت ثمرة إصرار البحارنه على تحسين الوضع السياسي في البلاد وبداية لحركات إصلاحية امتدت خلال نصف القرن الأخير من عمر البحرين .
انطلاقة الحركة الشعبية :
كان لإصرار البحارنه على المطالبة بسلسلة من الإصلاحات الإدارية ابتداء ً من عام 1934 أثره في بلورة موقف وطني موحد من مجمل الوضع في البحرين . ففيما كان وجهاء البحارنة ورؤساء القرى يجتمعون ويتداولون شؤون البلاد ويتدبرون في الخطوات التالية لتحركاتهم كان الوعي السياسي يزداد ترسخا ً في أوساط واسعة من الشباب الذين التحقوا بالمدارس وانفتحوا على العالم الخارجي . ولما كانت حكومة الهند قد تمادت في دعم آل خليفة وإبقائهم في الحكم وقمع التحركات المناوئة الأخرى ، فقد تمخض عن ذلك وعي جماهيري يمعن في المطالبة ليس بحقوق طائفية محدودة ، بل بحقوق وطنية شاملة تتسع حتى تصل حد المطالبة بمجلس تشريعي وتبلغ درجة طرح فكرة إبعاد المستشار البريطاني لحكومة البحرين ، تشارلز بلجريف عن البلاد .
ومع حلول عام 1938 كان قضية الوضع في البحرين تأخذ بعدها الدولي فتظهر المقالات في الصحف العربية وغيرها تنتقد السياسة البريطانية والخليفية في البحرين وتطالب الناس بالتحرك السياسي الواسع . وتظهر مجلات مثل " الناس " في البصرة و " المستقبل " في بغداد و " الرابطة العربية " و " الشباب " في القاهرة و " النهار " و " صوت الأحرار " في بيروت و " العمل القومي " في دمشق و " البيان " في نيويورك وكلها تتحدث عن الوجود البريطاني في البحرين وعن بناء قاعدة الجفير وعن نشاط المستشار البريطاني فيها . وتظهر مثلا ً مقالة في جريدة " الرابطة العربية " القاهرية في 14 سبتمبر 1938 تحت عنوان " مآسي دامية في البحرين ، نداء حار " موقعة باسم " عربي " تستنهض الشباب للمطالبة بحقوقهم ملخصة بأربع نقاط (10) :
1- إنشاء مجلس تشريعي يـتألف من 20 عضوا ً ويكون رئيسه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة .
2- جميع شؤون البلاد من أحكام وبلديات وجمارك والجيش والمعارف تكون بيد المجلس .
3- يكون المرجع الوحيد للمجلس هو الشيخ حمد حاكم البحرين .
4- منع الأجانب من التدخل في شؤون البحرين وتجريدهم من كل سلطة .هذه المقالة دفعت المستشار للتحري بحثا ً عن كاتبها ، وكتب بذلك مذكرة ذكر فيها أن معلوماته تشير إلى أن سبعة أشخاص لهم يد فيها وهم الحاج محمد العريض ، تاجر بحراني ، إبراهيم العريض ، مترجم في شركة امتيازات النفط المحدودة ، علي التاجر ، كاتب بمكتب السيد ليرميت أحد المسؤولين البريطانيين في البحرين ، محمد دويغر مراقب بإدارة أموال القاصرين ، السيد محمود العلوي الكاتب الرئيسي للمستشار ، عبد الله الزايد ، صاحب مطبعة البحرين ومحمد صالح الشيراوي موظف في بابكو ، أما سب اتهام الأشخاص المذكورين فيقول المستشار أن الحاج محمد العريض ذكر قبل فترة من الزمن لبعض الناس أن مقالة سوف تنشر قريبا ً في مجلة " الرابطة " بخصوص الإصلاحات في البحرين (11) .
هذه الدعوة للإصلاحات جاءت في أعقاب حركتي الإصلاحات في كل من الكويت ودبي عام 1938 ، وقد بدأها عدد من الوجهاء من الشيعة والسنة في البحرين ، ذكرهم المعتمد البريطاني في تقرير رفعه إلى المقيم السياسي في بوشهر في 27 أكتوبر 1938 ، وهم محسن ومحمد علي التاجر ، السيد سعيد بن السيد خلف ، عبد علي العليوات ، منصور العريض السيد أحمد العلوي ، الشيخ عبد الله بن محمد صالح ( وهو القاضي الجعفري السابق الذي اعتبره المعتمد السياسي أخطرهم جميعا ً ) . أما السنة فهم علي بن خليفة الفاضل ومحمد الفاضل وخليل المؤيد وبعض الأفراد من عائلة كانو . وذكر دوافع التحرك كما يلي(12) :
1- احتمال فتح موضوع خلافة الشيخ حمد .2- حوادث الكويت ودبي .3- كساد التجارة .4- تراجع سوق اللؤلؤ .5- الامتعاض من المحاكم .6- بالخصوص محكمة الشرع الشيعية .7- الاستياء من مستوى تطور التعليم ، وبصورة أقل الشرطة .8- الشكاوي من الاستعمار البريطاني وزيادة توظيف الأجانب في بابكو .
في صيف 1938 سافر الشيخ حمد للعلاج في كشمير بصحبة طبيب المعتمدية البريطانية الدكتور هولمز في الفترة 31 سبتمبر . وجرت خلالها حوادث كثيرة من بين أسبابها تردي صحة الشيخ حمد وتداول مسألة خلافته ، فقد دعا يوسف فخرو كلا من محسن التاجر والسيد سعيد بن السيد خلف ومحمد علي التاجر والسيد أحمد العلوي لمكتبه وتباحث معهم في موضوع ولاية عهد الشيخ حمد . وحضر الاجتماع كذلك الشيخ سلمان .وبعد ذلك الاجتماع بثلاثة أيام عقد هؤلاء اجتماعا ً آخر في مزرعة الشيخ سلمان بالقضيبية .
وحضر هذا الاجتماع محمد بن يوسف ناصر من المحرق وعبد اللطيف المشاري من المحرق كذلك ، وناقش الجميع موضوع الإصلاحات التي يريدونها .وفي اليوم نفسه اجتمع البحارنه وحدهم ف منزل الحاج أحمد بن خميس في السنابس ، وأقروا المطالبة بالإصلاحات الآتية (13) : 1- تكوين لجنة تشريعية .2- إصلاحات في جهاز الشرطة .3- إصلاحات في المحاكم .4- إقالة القاضيين الشيعيين الشيخ علي بن جعفر والشيخ علي بن حسين .5- الاعتراف بالشيخ سلمان بن حمد وليا ً للعهد .
ولم يوافق الحاج أحمد خميس على مسألة إقالة القاضيين بسبب ما يتمتعان به من نفوذ في القرى . وعندما عرف القاضيان بالأمر قاما بنشاط مضاد مما اضطر الزعماء البحارنه للتراجع عن مسألة إقالة القاضيين في اجتماعاتهم اللاحقة . فقد عقدوا اجتماعا ً آخر في مزرعة منصور العريض حضره كل من الشيخ باقر العصفور والشيخ عبد الله بن محمد صالح ، القاضي الجعفري السابق ، وقرروا تأجيل المسألة حتى عودة المستشار . ثم عقدوا اجتماعا ً آخر في مأتم السيد أحمد بن علوي في المنامة وأقروا مقررات الاجتماع السابق ( في ما عدا قرار المطالبة بإقالة القاضيين ) وأضافوا لها قرارين آخرين (14) :
1- أن يعطى المواطنون البحرانيون الأولوية في التوظيف على الآخرين في شركة نفط البحرين .
2- أن تتألف الهيئة التشريعية من ثلاثة أعضاء من السنة وثلاثة من الشيعة وأن تكون برئاسة الشيخ سلمان .
وتجدر الإشارة إلى أن قطاعا ً كبيرا ً من الناس كان معارضا ً لتنصيب الشيخ سلمان وليا ً للعهد وكان يريد الشيخ عبد الله بن عيسى أخ الحاكم في ذلك المنصب . ومن هذا القطاع علي بن حسين والشيخ علي بن جعفر ، وبعض البحارنه والقضاة السنة الثلاثة ومواطنو المحرق والحد ما عدا يوسف فخرو .وفي هذه الفترة كانت هناك اتصالات عديدة للضغط باتجاه تحقيق الإصلاحات المطلوبة . فقبل رجوع المستشار بأربعة أيام قام كل من يوسف فخرو وخليل المؤيد ويوسف كانو وعبد الرحمن الزياني بالإتصال بالقضاة السنة الثلاثة وطلبوا منهم التحدث مع الحكومة بخصوص الإصلاحات في جهاز الشرطة والمحاكم ووضع قوانين أكثر صرامة لمنع بيع المشروبات الروحية بعد أن انتشرت إشاعات بعزم الحكومة على المساح ببيع الخمر علنا ً في البحرين .وخلال شهر أكتوبر شاهد الناس منشورات على شكل ملصقات في كل من المنامة والمحرق وقد كتبت عليها شعارات عديدة منها (15) :
" بشرى أيها الشعب النبيل ، سوف يزول الظلم عنكم ، ولقد سمعتم من زعماء الشعب وخطبائه في المجتمعات ما أثبت لكم زوال الظلم عنكم . كونوا على أهبة الاستعداد حتى يأتيكم أمر ثاني " .وقد قامت الحكومة بإزالة معظم هذه الملصقات وعلقت مكانها إعلانات وأوامر تختص بمنع الناس من تنظيم العرائض ولكن الملصقات عادت مرة أخرى في نهاية أكتوبر وشوهد عدد منها على جدران المكاتب الرسمية ، جاء فيها : " نشكر نواب الشعب الوطني على البشرى التي أكدت لنا زوال الظلم ، ونحن متأهبون لصدور الأمر الثاني " .
وبينما كانت حركة الإصلاح تأخذ حجمها الشعبي وتمتد هنا وهناك ، قررت الحكومة إتباع سياسة جديدة لمنع تفاقم هذه الحركة ، وذلك بالانصياع لأحد أهم مطالب البحارنه وذلك بإصلاح المحكمة الشرعية الشيعية التي كانت مغلقة منذ شهر يونيه . وجاء هذا التنازل لمغازلة الشيعة ومنع تكوين تحالف شيعي - سني يتقدم بمطالب مشتركة للحكومة .
وقامت الحكومة على أثر ذلك بنشر إعلان عام في 31 أكتوبر 1938 بتعديل محكمة الشرع الجعفرية كالتالي (16) : " نخبر الجمهور أنه اعتبارا ً من يوم 8 رمضان 1357 هـ ستفتح المحكمة الشرعية الجعفرية ، ولقد صدر القرار القطعي بتعيين الأسماء التالية قضاة للمحكمة وهم : الشيخ باقر ( العصفور ) والشيخ علي بن حسن والشيخ محمد علي القاري . وأن هؤلاء سيبقون في القضاء تحت الاختبار تسعة أشهر لأجل الإطلاع على حسن إدارتهم وقضائهم بالحق ثم يثبتون بعد ذلك " بأمر حاكم البحرين .وواضح من الإعلان أن الحكومة حاولت إرضاء البحارنه وذلك بعدم إعادة كل من الشيخ علي بن جعفر والشيخ علي بن حسين إلى القضاء .
على أثر ذلك قام وفد من البحارنه متكون من منصور العريض ، السيد خلف ، محسن التاجر وأخيه محمد علي التاجر وآخرين بزيارة المستشار في 3 نوفمبر ودار بينهم وبينه حديث طويل . فقد كان واضحا ً من حديثهم ارتياحهم من الإجراءات الأخيرة بخصوص تعيين القضاة الجدد (17) إلا إنهم تطرقوا لقضايا أخرى منها عدم ارتياحهم لعدم كفاءة القضاة في محكمة البحرين وعدم وجود قانون يرجعون إليه ، حيث تصدر أحكام مختلفة لقضايا من نوع واحد ، وطالبوا بأن يكون بعض البحارنه بين الجالسين على كرسي القضاء . ثم تساءلوا عن كفاءة القضاة من آل خليفة الذين يعينون لا لكفاءاتهم الذاتية وإنما لقرابتهم من الحاكم . وأعطوا مثالا ً على ذلك ، الشيخ علي بن حمد الذي شوهد سكرانا ً قبل بضعة أيام ودخل في شجار مع أبناء إحدى القرى .كما تعرضوا لموضوع البلدية واشتكوا من عدم وجود عدد كاف من البحارنة فيها . وأن أعضاء الحكومة أميون ولا يشتركون في النقاشات التي تجري . وأن الرئيس غير ذي فائدة ( الشيخ عبد الله بن عيسى ) وأنه يترك أكثر الأمور للسكرتير . وطالبوا بزيادة عدد البحارنه في البلدية وبتكوين لجنة تعد قوائم المرشحين ليتم التصويت عليهم في الانتخابات . كما طالبوا بأن يتم دفع أجور لأعضاء مجالس التجارة والبلدية وأن يكون في كل من المجلسين عدد كاف من البحارنه .وطرحوا كذلك قضية التعليم ، وانه ليس هناك اهتمام بمدارس القرى ، وطالبوا بتعليم الأولاد أعمالا ً إضافية كالنجارة مثلا ً ولكنهم تحاشوا التحدث معهم عن المجلس التشريعي الذي كان موضوعه مطروحا ً آنذاك . وفهم المستشار من ذلك أن البحارنه قد تم تحييدهم في حركة الإصلاحات المتأججة .في هذه الأثناء كانت الأوضاع في البلاد متوترة . فقد ظهرت بعض الكتابات على جدران محكمة البحرين منها : " يسقط المستشار . تسقط تسقط هذه المحاكم الظالمة " ، وتصاعدت المطالبة بإقالة مراقب التعليم ( فائق أدهم ) ، الذي كان تعيينه شرارة التحرك الطلابي الأول من نوعه عام 1930 .
ووضعت في بيته رسائل تهدده بالقتل إذا لم يستقل من منصبه .كما تمت المطالبة بزيادة رواتب الشرطة من 25 روبية إلى 50 روبية في الشهر . وكان بعض المسؤولين في دائرة الشرطة مع هذه الإصلاحات .كما قام بعض الشباب بتشويه الإعلان الذي وزعته الحكومة بخصوص منع توزيع المنشورات والملصقات . فقاموا بشطب اسم الشيخ حمد الذي ذيل به الإعلان وكتابة " الثورة الأحمر " مكانه وكانوا يقصدون بذلك المستشار .كانت سياسة الحكومة التي يديرها المستشار ، تشارلز بلجريف ، تقوم في هذه القرى على أساس محاولة منع تبلور موقف سياسي مشترك بين السنة والشيعة ، فكان السعي لتحييد البحارنه عن طريق إحداث تغييرات في المحكمة الشرعية الجعفرية ، كما كان البحارنه يطلبون . وبعد التغيير المذكور ، اتجهت مطالب البحارنه نحو " محكمة البحرين " الكبرى واحتجوا على المستوى المتدني للقضاة من آل خليفة .
وفي لقاء بين الشيخ عبد الله بن عيسى مع المعتمد السياسي البريطاني الكولونيل لاخ حضره كذلك المستشار ( في الأسبوع الأولى من نوفمبر ) طلب المعتمد من الشيخ عبد الله تعيين قاضيين متقاعدين أو خبيرين في القانون من مصر مثلا ً ليقوم أحدهما بإكمال عمل اللجنة التي عينت لإعداد لائحة القوانين ، بينما يقوم الآخر بتدريب القضاة من آل خليفة تدريجيا ً ، لأن وجودهم على ما هم عليه من ضعف علمي يعتبر أحد دواعي الإضطراب .وفي رسالة بتاريخ 5 نوفمبر من المعتمد السياسي إلى المقيم السياسي في الخليج ذكر المعتمد أنه يتوقع حدوث إضراب من قبل موظفي الحكومة وسائقي السيارات وعمال شركة النفط .
ويبدو أنه بنى توقعه على أساس بعض الإجراءات التي كان يخطط لها هو والمستشار ويأمران الشيخ حمد بتنفيذها . (18) ففي اليوم نفسه . أي 5 نوفمبر ، اعتقلت الحكومة كلا ً من سعد الشملان وأحمد الشيراوي متهمة إياهما بالتحريض على الإضطراب ، وباستعمال كلمات غير لائقة ضد الشيخ حمد . وفي اليوم التالي ( الأحد 7 نوفمبر ) دعت " حركة الشباب الوطني " عمال شركة بابكو بالإضراب ، فتوقف العمل في مكاتب الشركة وفي حقول النفط ، وكان زعماء الإضراب من بين سائقي السيارات والفنيين وموظفي المكاتب . كما حدثت اعتصامات وتظاهرات في المنامة والشوارع الخارجة منها حيث تمكن المتظاهرون من منع العمال من الذهاب إلى الشركة . ولكن عددا ً منهم تم اعتقاله . على أثر ذلك تجمع عدد من أفراد حركة الشباب في جامع صلاة الجمعة وطلبوا رؤية المعتمد ، الذي رفض مقابلتهم . فما كان منهم إلا أن انتشروا في السوق وتمكنوا من إغلاق الدكاكين . وبعد قليل جاءت مجموعة من الشرطة إلى السوق واستعملت القوة لتفريق المتظاهرين مما أدى إلى حدوث إصابات بين المتظاهرين . وتم في الوقت نفسه اعتقال كل من خليفة الفاضل وإبراهيم كمال ، والأول كان أحد قادة الحركة .
وفي 6 نوفمبر قامت الحركة بتوزيع إعلان بتوقيع المستشار يشجع الناس على فتح دكاكينهم ويعدهم بتوفير الحماية من المتظاهرين ، ويبدو أن الاعتقالات التي حدثت في اليوم السابق أحدثت خللا ً في خطط الإضرابات والتظاهرات ، كما أن محاولات إقناع الغواصين في المحرق وبعض البحارنه في المنامة لم تنجح في توسيع الإضراب .في يوم الاثنين 7 نوفمبر بدأ معظم عمال بابكو في الرجوع إلى أعمالهم . ولكن السوق أغلقت مرة أخرى لفترة قصيرة ثم عادت للعمل . وتجمع عدد من الشباب في الشارع المقابل للمعتمدية ، ولكن الشيخ عبد الله بن حمد وخدمه هاجموهم وفرقوهم ، بعد ذلك أصدر مدراء شركة النفط إنذارا ً للعمال بالرجوع إلى العمل الأربعاء أو مواجهة عقوبات مثل الفصل عن العمل . وجاء الإنذار بعد اجتماع بين هؤلاء المدراء وكل من المستشار والمعتمد السياسي .ومع حلول يوم الأربعاء 8 نوفمبر ، كان معظم العمال قد رجعوا إلى أعمالهم ، وبدأ جو من الهدوء يعود إلى المنامة .
ولكن في اليوم التالي كانت منشورات عديدة قد وزعت موقعة باسم " الشباب الوطني " في المنامة والمحرق تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتدعو عمال النفط إلى الإضراب وتطلب من الناس مقاطعة السينما ، وتطالب بتكوين مجالس للإشراف على إصلاحات أجهزة التعليم والمحاكم وإنشاء نقابات عمالية .وفي الوقت نفسه أرسلت رسالتان إلى المعتمد السياسي أولاهما مؤرخة 9 نوفمبر وموقعة باسم شباب الأمة وفيها مطلبان رئيسيان هما الإفراج عن المعتقلين في الحوادث الأخيرة و " إصدار عفو عام عن جميع من اشترك في هذه الحركة السلمية ". أما الثانية فكانت مؤرخة 9 نوفمبر وموقعة باسم " شباب الأمة " وفيها المطالب التي ذكرت سابقا ً ومنها فك سراح المعتقلين وتشكيل مجلس المعارف وآخر لوضع قانون للمحاكم وإنشاء نقابة للعمال .لم تكن الصورة واضحة بخصوص مدى ا لتفاهم بين السنة والشيعة حول مسالة الإصلاحات ، ولم تكن هناك قيادة موحدة للحركة الشعبية التي سعت للحصول على بعض التنازلات من قبل الحكومة على صعيد إدخال هذه الإصلاحات . وبعد اضطرابات الثلث الأول من شهر نوفمبر أتضح أن من إحدى صعوبات هذه الحركة الشعبية عدم وجود قناة اتصال بين الحكومة والتوجه الشعبي الجديد الذي تبلور في مطالب مشتركة .
وفي 12 نوفمبر جاءت أول وثيقة مشتركة وهي عبارة عن رسالة إلى الحاكم من خمس شخصيات تمثل طائفتي المسلمين في البحرين وهي كالتالي : (19) " إلى حضرة ... الشيخ حمد بن عيسى الخليفة أطال الله عمره بعد تقديم جزيل الشكر والاحترام لمقامكم السامي نتشرف أن نعرض لجلالتكم بخصوص المسائل التي نلتمس إجراءها من حكومة البحرين الجليلة والتي نعتقد أن فيها راحة الحكومة ورضاء رعاياها وهي كما يأتي :
أولا ً : المعارف : تشكيل مجلس للمعارف يتألف من ثمانية أعضاء أربعة سنيين وأربعة شيعيين . يشرف المجلس على سير التعليم في المدارس وبمعرفته توضع برامج التدريس وكذلك جلب مديري المدارس والمعلمين وإرسال بعثات إلى الخارج .
ثانيا ً : المحاكم : إصلاح المحاكم بتغيير القضاة الموجودين في العدلية وتشكيل هيئة من ثلاثة قضاة لكل محكمة بحيث يكونون اثنين من الوطنيين الأهالي واحد سني وواحد شيعي ، والثالث حسب نظر الحكومة . وإنشاء محكمة خاصة للجنايات يكون يحكم فيها قاضي قانوني بمفرده يطلب من العراق ، وأن يكون من ذوي السمعة الحسنة وهو بصفة مؤقته إلى أن يوجد من الوطنيين من يحل محله .
ثالثا ً : إصلاح البلديات بتعيين الوطنيين في الوظائف محل الأجانب على السواء .
رابعا ً: تأسيس نقابة للعمال يعترف بها رسميا ً من الحكومة تتولى شؤون العمال الوطنيين جميعا ً سواء كانوا في الشركات أو في غيرها تنظر في شؤونهم وتحافظ على حقوقهم .
خامسا ً: تجنبا ً لما يحدث من سوء تفاهم غير مقصود في المستقبل بين الحكومة والأهالي نطلب اختيار ستة أشخاص ثلاثة من السنيين وثلاثة من الشيعيين يمثلون الأهالي للتفاهم مع الحكومة . والأمر لكم ودمتم .التوقيع : ( يوسف فخرو ، سيد سعيد بن السيد خلف ، منصور العريض ، محسن التاجر ، عيسى بن صالح ) .في 19 رمضان 1357 هـ وفي 24 رمضان 1357هـ ( 17 نوفمبر 1938 ) بعث عدد من أهالي الحد رسالة إلى الحاكم يعربون فيها عن عدم موافقتهم للرسالة الآنفة وكانت كالتالي (20) :
" إلى جانب عالي جانب الأجل الأمجد حاكمنا المعظم صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى الخليفة وحكومتنا الموقرة دام مجدها آمين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام .. أما بعد نحن الموقعين أسماءنا أدناه ، نفيدكم أنه قد بلغنا أنه قدم لكم مطالبنا وحنا ليس لنا ولا عن اطلاعنا وحنا راضين من حاكمنا وحكومتنا ليحيط بعلمكم حببنا اطلاعكم بذلك والسلام .التوقيع : جبر بن محمد المسلم ، السيد أحمد بن يوشع ، أحمد بن محمد بن عبد الرزاق ، السيد إبراهيم بن عبد الله ، أحمد بن محمد آل محمود ، محمد الشيخ عبد اللطيف ، ناصر بن سالم السويدي ، خليفة بن زعل البوفلاسه ، حمد بن صغير البوفلاسه ، أحمد بن سيف السويدي ، عيسى بن حمد بن مفتاح ، سعيد بن مبارك ألسليطي ، صالح بن سيف المسلم ، فهد بن حسين المسلم ، أحمد بن راشد ألنعيمي ، عبد الله بن عيسى الوادي ، جبر محمد ألعماري .وقد استلمت هذه الرسالة من قبل المعتمد كدليل على عدم شعبية حركة الشاب ، فقد كتبت بتاريخ 26 نوفمبر رسالة إلى المقيم السياسي ترينجارد فاول في 19 نوفمبر ذكر المعتمد تقييمه للموقف والعوامل التي أدت إلى الوضع القائم وجاء فيها ما يلي (21) :
أ- حركة الشباب : أدى تطور الوسائل التعليمية في السنوات الأخيرة إلى ظهور جيل جديد من الرجال قادرين على قراءة الصحف والمجلات والاستماع للراديو وتكوين مشاعر سياسية . ويعتبر هؤلاء أنفسهم تقدميين كما أنهم وطنيون وخصوصا ً لأنهم يرون كيف يحصل الأجانب على رواتب أعلى من رواتبهم بكثير ، وهؤلاء يعلمون أنهم أكثر ثقافة من العائلة الحاكمة وذلك فهم يستهزئون بهم ، ويعمل أكثرهم مع شركة النفط في مكاتب الحكومة والشركات في المنامة .
ب- الإصلاحات في الكويت ودبي : أقنعت الإصلاحات الأخيرة في كل من الكويت ودبي بعض الناس في البحرين بأن الوقت المناسب لأن يستلم الناس شؤون الحكومة وخصوصا ً الخزينة . كما أن المبالغة في تصوير الفوائد التي سيحصل عليها الناس في كل من الكويت ودبي من جزاء نقل بعض الإصلاحات من الشيخ إلى المجلس التنفيذي ساهم في إلهاب الشعور الوطني .
ج- الاقتصاد : تصاعدت نسبة البطالة بسبب الاستغناء عن بعض العمال بشركة النفط ، ووجه الغواصون موسما ً رديئا ً قلل من إيراداتهم ، وأدى إلى جمود السوق ، وقد انتقلت الثروة من التجار إلى عائلة آل خليفة ، وأصبح التجار مفلسون غير قادرين على الحصول على قروض من الحكومة ، كما أن مصاريف بعض أفراد العائلة الباهظة أدت إلى تصاعد النقمة .
د – جاءت أفكار الوطنية والقومية إلى البحرين وإلى أنصاف المثقفين من الشباب فوجدت صدورا رحبة . ويشكو بعض الشباب من عدم المساواة في الرواتب مع العمال الأجانب في شركة النفط ، ويعزو المعتمد ذلك إلى أن النظام التعليمي غير قادر على تأهيل شباب قادرين على تحمل أعباء العمل وهذا يؤدي إلى عدم قدرتهم على ضمان رواتب عالية .
- تزامنت هذه الشكاوى من قطاع صغير من المواطنين مع شكاوى عادلة شعبية من محاكم البحرين والمحكمة الشرعية الجعفرية ، فبخصوص الشكوى الأولى هناك شعور عام بأن القضاة ، وكلهم من آل خليفة ، جاهلون غير أكفاء ، وغير متعلمين ، وأحيانا ً صغارا ً في السن ، فاقدون للخبرة ، واقعون تحت تأثير كاتب المحكمة وبطيئون في فض النزاعات . ومع عدم وجود شكوى من الحكم على أساس المحسوبية ، فإنه بلا شك كان هناك عدم انتظام في الأحكام التي تصدرها المحكمة . ولكن كانت الحالة المزرية لمحكمة الشرع الجعفرية هي التي بلورت حالة الهجان والمطالبة بالإصلاحات . فقد كان هناك تشخيص لهذه الحالة منذ فترة طويلة ، ولكن كان هناك تباطؤ في إعادة تنظيم المحكمة . فقد استغل البحارنه هذه الحالة لطرح مطالب أخرى بخصوص التعليم والبلديات والتوظيف . ووقف عدد من السنة مع مطالب البحارنه وقدموا مطالب أخرى كذلك .من جانب آخر فقد أدى اعتقال عدد من الأشخاص إلى إضراب في شركة النفط بتفريقهم وضربهم واعتقال عدد منهم . وكان العديد من الشباب متمسكين بأفكارهم الثورية ويقومون بتوزيع المنشورات والملصقات .
ولذلك قدمت المطالب التي تضمنتها الرسالة الموقعة من قبل السنة والشيعة .أما ردة فعل الحاكم على ما جاء في المطالب المشتركة فكانت كالتالي :
1- المعارف : يوافق الحاكم على إنشاء لجنة استشارية للمعارف بشرط أن لا يكون من حقها التدخل في شؤون الصرف أو التعيين أو الإقالة . وتقتصر مهمة أعضائها على اقتراح طرق تعليمية جديدة وزيادة المدارس وتقديم اقتراحات للمحكمة . ويمكن استقدام شخص من العراق ليكتب تقريرا ً عن إدارة المدارس للحكومة .
2- المحاكم : يعتبر الحاكم المطالب في هذا المجال غير شرعية ، فهو يرى أن كل القضاة يجب أن تعينهم الحكومة ولا ينتخبون ( وهذا لا ينطبق على مجالس التجارة الذي هو في الأساس محكمة استشارية ) . وهو يعارض الإقالة الفورية للقضاة الحاليين ، ولكنه يعتبر بأنهم بحاجة لتعليمات واضحة . ويقترح الإسراع في العمل على تقنين الأحكام . ويعلق المعتمد على ذلك بقوله أن رفض الحاكم هذا الطلب " صحيح دون شك " . ففي الوقت الحاضر يرى المعتمد أن هناك فوائد عظيمة من اختيار القضاة من العائلة الخليفية . ولكنه يعترف كذلك بالحاجة لإرشادهم ويتقرح توظيف قاضيين من مصر أو السودان ، تكون مهمة أحدهما تثقيف آل خليفة في مجال القضاء ، ومهمة الآخر العمل على تدوين الإعلانات والأحكام الصادرة عن الحاكم لتكون قانونا ً .
3- البلدية : يعتبر الشيخ حمد أن هذه يجب أن يكون البت فيها بأيدي المجالس البلدية ويوافق المعتمد على هذا الاقتراح .
4- اللجنة العمالية : يود الحاكم تعيين شخص واحد ممثلا ً للحكومة لدى شركة النفط لكي يعمل كواسطة خلال النقاشات بين الشركة والمواطنين البحرانيين ولكنه يرفض الاقتراح بانتخاب لجنة لهذا الغرض أو للتدخل في شؤون العمال في مكان آخر غير الشركة ، ويوافق المعتمد على هذا الرأي .
- لا يرى الحاكم أي حاجة للجنة سوف تحرج الحكومة وتؤدي إلى اضطرابات . ويشير إلى وجود ما يشبه هذه اللجنة المنتخبة كالمجالس البلدية والأوقاف ومجلس أموال القاصرين . ويوافق المعتمد على ذلك .وفي النهاية يطرح المعتمد اقتراحا ً خطيا ًبتقوية قوات الأمن والشرطة لمواجهة أية اضطرابات قادمة . وواضح من مواقف كل من المعتمد والمقيم أن المطالبة بإصلاحات شبيهة بما حدث في دبي والكويت غير مقبولة لأن وضع الكويت مختلف عن البحرين كما يقولان : ويشير المعتمد إلى جزء من هذا الاختلاف في رسالته إلى المقيم في 26 نوفمبر 1926 بقوله :" كانت هناك ثورة في الكويت ودبي بسبب التلاعب وإساءة استعمال السلطة من قبل الشيوخ ، بينما في البحرين كان هناك ويجب أن يستمر وجود " التطور " .
فبشكل بطيء ولكن بثقة يدخل ممثلو الناس إلى الحكومة ، في البلديات والمجالس الأخرى ، ومن الممكن أن تستمر هذه العملية ، وفي النهاية دون شك سوف يأخذ مواطنون بحرانيون المهمات والوظائف التي يقوم بها المستشار ورفاقه ، وليس من غير الممكن أنه بمرور الزمن سيتم تكوين وزارة بحجم صغير ... إنني لا أعتقد بحتمية استمرار وانتشار الاضطرابات لطبقات أخرى . واعترف بأنه يجب عدم تجاهل روح العصر ، ويجب استعمال الحذر الشديد وبعد النظر ... ويجب أن نعرف نحن أنفسنا بأننا في الوقت الذي نشجع فيه الارتباط المتزايد بين الناس والحكومة بأساليب " التطور " فإننا ليس لدينا أي تعاطف مع نشاط الثوريين " .فهناك اعتراف بتجاهل روح العصر من قبل الحكومة وإن كان الطرح يبدو متفائلا ً .. ومع ذلك هناك معارضة لأي تنازل للمطالب التي قدمها الشعب اللهم إلا على صعيد القضاء الجعفري . هذا مع علم ممثلي الحكومة البريطانية بدور آل خليفة في تصاعد النقمة الشعبية التي أدت إلى الاضطرابات . وإلى هذا أشار المقيم في رسالته إلى المعتمد بتاريخ 17 نوفمبر بخصوص اقتراح قدمه المعتمد في رسالة سابقة بتوزيع الإعلان عن عدم موافقة المعتمدية على أية اضطرابات غير قانونية ضد الشيخ (22) . وما جاء في رسالة المقيم أن هذا الاقتراح سوف يؤدي إلى نتائج غير مقبولة لأنه سوف يعطي الانطباعات التالية :أ- إن أي تنازل تحصل عليها الحركة الوطنية من حكومة البحرين سوف يعتبر نجاحا ً ليس على حكومة البحرين بل علينا نحن .ب- سوف نعتبر أعداء للحركة الوطنية بدلا ً من أصدقاء يستطيعون الرجوع إليهم للنصيحة . بينما نكون أكثر قدرة على ضبطهم إذا جعلناهم يعتبروننا أصدقاء لهم . وهذه نتيجة مرضية في كل الأحداث الأخيرة للسياسة التي اتبعت في ظروف متشابهة في الكويت ، وأتمنى أن تكون لها نتائج مشابهة في البحرين .مضى المقيم في رسالته ليشرح وجهة نظره حول الأسباب التي أدت إلى تفاقم الوضع إلى ما هو عليه الآن :
" يبدو لي إلى درجة كبيرة بأن حكومة البحرين هي المسؤولة عن الوضع الحالي . فقد كانت متحفظة جدا ً في إدخال الإصلاحات مثل قانون البحرين .. وسمحت بالفساد وقلة الفاعلية في المحاكم القانونية رغم أنهم قاموا الآن بإصلاحات طفيفة " .
واستمر المقيم السياسي في شرح وجهة نظره حول ذلك قائلا ً (23) : " يبدو لي أن حقيقة الاضطرابات هي أن شعب البحرين من كل العناصر ليس لديهم وسائل لطرح مظالمهم ، سواء كانت حقيقية أم متطورة ، مما جعلها محصورة بقنوات غير قانونية مثل الإثارة والاضطرابات . في الأيام القديمة كان كل مواطن بحراني يستطيع الاتصال بالشيخ في مجلسه الصباحي وطرح ظلامته أمامه . وهذا هو التقليد العربي والطريقة الديمقراطية لحل المشاكل ط .أما حل هذه المشكلة فيراه المقيم ممكنا ً عن طريق : " مجلس استشاري يعنيه الشيخ " .. تماما ً كما حدث في دبي والكويت اللتين أعطى المقيم الأوامر لشيخيهما بذلك : " لقد أعطيت النصيحة نفسها للشيخين الآخرين ، في الكويت ودبي ، فلم يستمعا لها فكانت النتيجة أن أجبر كلاهما على تحمل أعباء مجالس تنفيذية ، وبكلمة أخرى فبدلا ً من أن يجلس الشيخ على المجلس ، أصبح المجلس يجلس عليه . وسيحدث هذا الأمر نفسه في البحرين في رأيي عاجلا ً أم آجلا ً ما لم يتم العمل باقتراحي " .
ويرى المقيم أن حكومة البحرين كانت قادرة على تفادي هذه المشكلة لو أنها كانت ذات نظر بعيد ، ومع ذلك فإن الآخذ بها الآن ولو متأخرة أفضل من العدم . فإن " فوائد هذا المجلس في تنظيف الجو ، وتنفيذ المطالب العادلة للحركة الشعبية ، وتحميل الأخيرة جزء من مسؤوليات الحكومة الذاتية واضحة لي تماما ً .
بالإضافة إلى ذلك فإن أداء هذا التنازل الذي سيوفر وسيلة مشروعة للتعبير عن المظالم ، سيجعل حكومة البحرين في وضع أقوى يمكنها من مواجهة الذين يستعملون وسائل غير مشروعة " .أما عن تركيبة المجلس فيقول المقيم : " جوهر المجلس هو أن أعضاءه سوف يتم تعيينهم من قبل الشيخ . لدي شعور بأنه عاجلا ً أم آجلا ً سيحدث اضطراب جديد يطالب أولا ً بأن لا يكون المجلس معينا ً بل منتخبا ً وثانيا ً بأن لا يكون استشاريا ً بل تنفيذيا ً . ولكن إذا اختار مجلسا ً جديدا ً يطالب الشيخ الأعضاء بادئ الأمر بحكمة تحت رئيس جيد ، فإن مثل هذا التأجج سيأتي لاحقا ً وليس مباشرة وعلى أية حال حتى في وقت لاحق فإن مجلسا ً تنفيذيا ً يجب أن يشكل ، وأن حل هذه الفترة بمجلس استشاري يحصل من خلاله تجربة جيدة لكل الأطراف لهي خطوة جيدة " .وفي نهاية الرسالة طلب المقيم من المعتمد عدم مفاتحة حكومة البحرين بالموضوع إلا بعد التحدث مع بلجريف ، وأشار في النهاية إلى أن من الممكن أن تتفرع من هذا المجلس لجان فرعية تهتم بشؤون المعارف والمالية .في هذه الأثناء تم تبادل رسائل عديدة بين المعتمد والمقيم حول مسألة استقدام قاضيين لتطوير محكمة البحرين العليا التي يترأسها أفراد من آل خليفة .وفي الوقت نفسه قامت بعض الجهات بالاتصال بالشيخ حمد للإفراج عن الأفراد الذين تم اعتقالهم خلال اضطرابات الأسبوع الأول من نوفمبر . فكتب القضاة السنة رسالتين للشيخ مطالبين بالإفراج عمن سموهم " الشباب الضال " .
ولكن المعتمد السياسي الذي كان ملتزما ً بموقف متشدد من كل حركة الإصلاحات نجح في جعل الشيخ يتشدد في موقفه وطلب منه كتابة رسالة للقضاة المذكورين بعدم التدخل في القضية لأنها مما لا يعنيهم . ومن جهة أخرى كانت ردة فعل المستشار بلجريف والمعتمد سلبية من اقتراح المقيم السياسي بتشكيل " مجلس استشاري " فقد كتب المعتمد رسالة للمقيم في 8 ديسمبر طرح فيها وجهات نظره حول بعض القضايا وقال فيها أنه وبلجريف متفقان في كل النقاط وجاء في الرسالة ما يلي (24) :" إن كلمة " تنفيذي " أو " استشاري " لا تعني شيئا ً لشعب البحرين فتكوين مجلس بأمر من الحكومة البريطانية سوف يفهم بشكل كامل على أنه سحب السلطة والقوة من الشيخ وحلفائه . وسيعتبر الشيخ والعائلة الحاكمة فرض المجلس عليهم من قبل الحكومة البريطانية خيانة للثقة التي أولوها للحكومة البريطانية ولصداقتهم الطويلة مع بريطانيا العظمى .
وفي هذه الأيام التي تتصاعد فيها المشاعر المعادية لبريطانيا في هذا الجز من الشرق الأدنى فإنه من غير اللائق تقليص صلاحية أحد الحكام الطيعين وإغضاب العائلة الحاكمة والعرب في البحرين " .وعن موقف العائلة الحاكمة ن الفكرة قال المعتمد : " إن فكرة إنشاء مجلس نوقشت من قبل الشيوخ منذ بداية الاضطراب السياسي الحالي . ويعتبر جميعهم اقتراح المجلس نهاية حكم آل خليفة في البحرين ويعتقد الشيوخ أن الحكومة البريطانية لن ترغب في إضعاف موقعهم كحكام للبحرين . وأنهم متأكدون بأنه حال وجود مجلس في البحرين ( مهما كان شكله أو صورته ) فإن آل خليفة لن يبقوا حكاما ً للبحرين " .
حركة عمال النفط عام 1938:
حركة عمال النفط عام 1938:
كان من العوامل التي دفعت بحركة الإصلاح في البحرين الأوضاع السيئة في شركة نفط البحرين . فقد شهد عام 1938 تقليصا ً لعدد العمال في الشركة التي كانت أكبر مجال للتوظيف بسبب اكتمال عدد من المشاريع الإنشائية في الشركة واستغنائها تبعا لذلك عن عدد كبير من العمال . فبينما بلغ عدد العمال البحرانيين 3350 عام 1937 ، نقص هذا العدد إلى 1569 عاملا ً عام 1938م ، يضاف إلى ذلك طريقة معاملة العمال المحليين مقارنة بالعمال الأجانب سواء على مستوى الأجور أم على صعيد التسهيلات الأخرى .
وما أن توترت الأوضاع السياسية في منتصف عام 1938 حتى وجد عمال شركة النفط فرصة مناسبة لطرح ظلامتهم على الرأي العام ونجحوا في إقناع القيادات الشعبية بتبني هذه المطالب .كانت حركة الشباب قد وسعت نشاطاتها في شهر أكتوبر ونوفمبر ووزعت عددا ً من المنشورات والملصقات وعبأت الناس باتجاه الضغط على الحكومة لإجراء عدد من الإصلاحات على صعيد المحاكم والمعارف والعمل النقابي . وقد اكتشفت السلطات في وقت لاحق أن عدداً من العناصر النشطة في حركة الشباب يعمل في شركة النفط ، فقامت في الخامس من نوفمبر باعتقال عدد منهم بتهمة التحريض على الشغب مما دفع العمال إلى الدعوة للإضراب ، وقد استجاب كافة عمال الشركة لذلك وأضربوا إضرابا ً شاملا ً أوقف عمليات الشركة بشكل كامل لمدة يومين في السادس والسابع من نوفمبر .منذ ذلك الوقت أصبحت مطالب عمال شركة النفط جزء من مطالب الحركة الوطنية تقدم للحكومة كلما سنحت الفرصة .
ولكن كانت هناك صعوبة واضحة في عملية الاتصالات بين العمال والحكومة ، إذ لم يكن هناك قناة رسمية معترف بها من الجانبين ، وإلى هذا أشار المعتمد السياسي في برقية منه إلى المعتمد السياسي في البحرين في 16 نوفمبر 1936 حيث طلب منه ما يلي (25) :" يجب عليك أن تخبر حكومة البحرين بالنيابة عني بأن عليهم تعيين ممثل لشركة نفط البحرين . فقد كان من الأفضل لو أن كلا ً من حكومة البحرين وشركة نفط البحرين كان لديهما النظرة البعيدة بالقيام بهذه الخطوة من قبل . ولكونها خطة جيدة ، فإن من رأيي العمل بها دون تأخير " .وكان ذلك موضوعا ً للتجاذب والتنافر بين الشركة والحركة الشعبية التي كانت تطالب بنقابات عمالية وليس بممثل عن هذه الشركة أو تلك . وعلى أية حال فقد تبنت بعض الشخصيات الوطنية موضوع حقوق عمال النفط ، وقدمت أهم رسالة بشكل رسمي للحكومة في 29 رمضان 1357هـ الموافق 22 نوفمبر 1938 موقعة من أربعة أشخاص هم : منصور العريض ، يوسف فخروا ، السيد سعيد ومحسن التاجر .
وكانت الرسالة عبارة عن رد على رسالة بعثها المستشار بلجريف ذكر فيها أن المعتمد السياسي يرغب في معرفة مهمات اللجنة العمالية المقترحة وكذلك أسباب الشكاوي العمالية . فجاءت الرسالة متضمنة برنامجا ً مفصلا ً للجنة العمالية المطلوبة . وتركزت بنود المشروع المتقرح الذي كان بعنوان " مهمات اللجنة العمالية " على ما يلي :
1- إعطاء العامل الوطني أولوية العمل في الأعمال المحلية كلما أمكن ذلك سواء كان ذلك في شركة النفط أو في الدوائر الحكومية .
2- أن يتمتع المواطنون البحرانيون بظروف عمل على الأقل مشابهة لما يتمتع به الهنود والعراقيون بالحقوق الأخرى كالرواتب والنقليات وماء الشرب والوقود والإضاءة .
3- المساواة والعدالة في تحديد الرواتب مع الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل هي حسن الأداء ونوع العمل ودرجة الخطر كما هو الحال مع الأجانب بدون التمييز على أساس الجنسية .
4- في حال موت العامل أثناء عمله أو إصابته بما يمنعه عن العمل لفترة طويلة ، فإن على الشركة دفع تعويضات مناسبة لعائلته كما يدفع للأجانب وللرجل نفسه إذا لم يمت . وفي حالة الإصابة التي لا تعيقه عن العمل فيجب تعويضه أسوة بالأجنبي .
5- مراجعة راتب الموظف الوطني الذي هو الآن هابط جدا ً .
6- يجب حماية ، حقوق العامل القديم في الشركة فلا يتم استبداله بدون أسباب مشروعة ، وأن يعطى زيادة سنوية تبعا ً للظروف .
7- الراتب يكون شهريا ً مع خصم إجازة الجمعة أو الأجازات الدينية ، وإعطاء العامل إجازة سنوية مدتها 20 يوما ً في السنة .
8- أن تقوم الشركة بتدريب المواطنين وتوفير وسائل تعلم العمل المهني كما يعمل الآن الهنود والعراقيون ودفع رواتب لهم كرواتب الأجانب .
9- منه رؤساء الأقسام من إهانة البحرانيين وضربهم .
10- معاملة العامل الوطني كما يعامل الأجنبي دون أن يكون هناك تفضيل للأجنبي .
11- أن تقوم الشركة بتوظيف من هم على قائمة اللجنة من العمال الوطنيين ولا توظيف الأجانب إلا إذا لم يوجد بحرانيون .
12- بعد عشر سنوات من العمل على الشركة دفع راتب 18 شهرا ً إذا مرض العامل براتب كامل و18 شهرا ً أخرى بنصف راتب إذا استمر مرضه .
13- أن تقوم الشركة بفتح فصول تعليمية مسائية للعمال لتعلم اللغة الإنجليزية والعربية والحساب والمواد الأخرى .
14- أن تقوم الشركة بإرسال الشباب البحراني إلى الخارج كل عام للدراسة على نفقتها .
15- أن يفتح صندوق للتقاعد يدفع العامل له آنة واحدة وتدفع الشركة نصف آنة .
16- أن يبنى مسجدان داخل الشركة ، واحد للشيعة وآخر للسنة .
أما شكاوي الموظفين البحرانيين فتسردها الرسالة كالتالي (26) :
1- أن مساكن الأجانب مبنية من الحصى بينما مساكن المواطنين بحشيش ( أي مبنية من سعف النخيل ) وهذا يعرضهم للبرد القارس .
2- يشرب العاملون الأجانب ماء مقطرا ً باردا ً بينما نصيب العمال البحرانيين ماء ملوث ملئ بالميكروبات .
3- يعمل الأجانب والمواطنون أحيانا ً نفس العمل وفي مكان واحد ويتقاضى الأجنبي 4 روبيات يوميا ً بينما يتقاضى المواطن روبية واحدة يومياً .
4- عندما يصاب العامل الأجنبي يتقاضى نصف راتبه طوال فترة مرضه ، بينما لا يتقاضى البحراني أي شيء إلا خلال مرضه .
5- عندما يحدث سوء تفاهم بين العامل الأجنبي والمواطن ، يستطيع الأجنبي إقالة المواطن بدون سبب وبدون السماح له بطرح وجهة نظره .
6- هناك سيارات تنقل العمال الأجانب من سكنهم إلى العمل وبالعكس ، بينما على العامل البحراني أن يقطع المسافة مشيا ً على قدميه ، وقد تستغرق الرحلة منه ساعتين .كان الهدف من تقديم هذه الرسالة الموسعة هو فتح المجال أمام نقاش يؤدي إلى تكوين لجنة أو نقابة عمالية تتفاوض باسم العمال مع إدارة الشركة وتدافع عن حقوقهم التي كانت مهضومة كما هو واضح من الحقائق المدرجة في الرسالة . وبعد تبادل الرسائل بين من يعنيهم الأمر عقد اجتماع مطول يوم الاثنين ( 5 ديسمبر الساعة العاشرة صباحا ً ) في المكتب الرئيسي للشركة في عالي . وحضر الاجتماع كل من المعتمد السياسي والمستشار ممثلين لإدارة البحرين ومسؤولين من شركة نفط البحرين وهم جي . إس . بلاك الممثل الرئيسي لبابكو في البحرين و م . إج . لب .. و إف . إيه ديفيس مديران بالشركة .. وحدد هدف الاجتماع بأنه من أجل " إعطاء السادة وايتمان وبلجريف المعلومات التي على أساسها سوف يمكنه الإجابة على النقاط الكثيرة المطروحة ، فكان النقاش كالتالي :
1- الإسكان : إن هناك ترددا ً بين الموظفين البحرانيين المتزوجين في أخذ زوجاتهم من المنامة والمحرق إلى الشركة لأن ذلك يحرمهم من أجواء المدينة . ولذلك لم ترغب الشركة في بناء منازل كثيرة خوفا ً من أن تبقى فارغة . وفي الوقت نفسه تريد الشركة أن يبقى عدد كاف من الموظفين بالقرب من وحدات عملهم . ويستكثر المسؤولون في الشركة وذلك المعتمد السياسي الذي كتب تقريرا ً للمعتمد على أثر الاجتماع أن يتطلع العمال البحرانيون للعيش في بيوت مبنية من الحجارة بعد أن قضوا سنوات طويلة مبنية بسعف النخيل . وذكر مسؤولوا الشركة أن لديهم 120 موظفا ً من الرجال من الدرجة الثالثة ووعدوا بتوفير منازل إضافية في المستقبل بسبب نقل بعض الفعاليات إلى المنامة . كما وعدوا بإعادة النظر في طريقة بناء المنازل اللازمة .
2- ماء الشرب : ادعى مسؤولوا الشركة أن الماء المقطر متوفر للشرب ولكنهم اعترفوا بأنه غير مبرد ، ووعدوا بأن يبدأ تبريد الماء في العام التالي . وقالوا بأن الماء الذي يوزع في مركز الرفاع هو خليط من ماء الآبار والماء المقطر . وقالوا كذلك أن ماء الزلاق أفضل صحيا ً من الماء المقطر . أما سخونة الماء فقد نفاها المسؤولون وقالوا بأنه يوضح في أوان ٍ فخارية ليبقى باردا ً .
3- الرواتب : ادعى مسؤولو الشركة بأن السبب في هبوط رواتب الموظفين البحرانيين عن معدلات الدفع للهنود هو عدم خبرة البحرانيين . ووعدوا بأن تعمل الشركة على تخفيض عدد الهنود في المصفاة من 230 إلى 132 موظفا ً ورفضوا زيادة رواتب الموظفين . وفي الوقت نفسه طرحوا قضية أخرى وهي أن الشركة مشروع تجاري وأن على المدراء المحليين أن يقنعوا رؤسائهم وكذلك أصحاب الشركة . ورفضوا رفع الراتب الحالي الذي هو بحدود 10 آنات معللين ذلك بأن مثل هذه الخطوة ستؤثر على مستوى أجور العمال في المنامة . ورفضوا كذلك مطالب العمال بتوفير وسائل النقل بدون مقابل وعللوا ذلك بأن سياستهم تقتضي تشجيع العمال على البقاء بالقرب من مواقع أعمالهم .
4- تعويضات المرض والحوادث : أصر مسئولو شركة النفط على أن العمال المواطنين يعاملون كما يعامل الأجانب وأن القول بغير ذلك جزء من الدعاية المضادة . وقالوا بأن العمال بشكل دائم يحصلون على نصف رواتبهم أثناء مرضهم . أما الموظفون من الدرجة الثالثة الذين لا يعملون ضمن عقود مع الشركة فلا يحصلون أي راتب خلال مرضهم ولكن يحصلون على نصف رواتبهم بعد انتظار سبعة أيام من حدوث إصابة صناعية . والذين يحصلون راتبا ً بمقدار روبية واحدة يوميا ً أو أقل يحصلون على 75% من راتبهم .
وذكر المسؤولون كذلك أن الموظفين من الدرجة الثانية والثالثة يتم علاجهم في مستشفى الحكومة أو الإرسالية الأمريكية ، مدعين بأن ذلك يوفر لهم فرصة تشخيص غير منحازة مقبل الأطباء ، فقد يقال بأن أطباء الشركة يقللون من درجة الإصابات لكي لا يعطوا الموظفين إجازة ، بينما لا يتوقع أن يقوم أطباء المستشفيات الأخرى بذلك .
5- الانحياز للأجانب : ذكر مسئولو الشركة أن الرسالة تريد التمييز بين البحرانيين الأصليين والذين يولدون في البحرين بينما آباؤهم من بلاد أخرى . وتحاشوا الدخول في مناقشة سبل تشجيع توظيف البحرانيين الأصليين . وأشاروا إلى أن هناك مؤشرات على هبوط توظيف الهنود وذكروا أن بعض النجديين والحساويين يحاولون العمل في الشركة كمواطنين وأن بلجريف قد طلب منه ترتيب مسألة وضع صورة شخصية لكل عامل على البطاقة التي يحصل عليها من الحكومة لكي يستطيع العمل مع الشركة . ولكن المسؤولين لم يتحدثوا عن خطط واقعية لزيادة عدد العمال الوطنيين .
6- الأجازات المدفوعة وصندوق التقاعد : قال مسئولو الشركة أن البحرانيين المسلمين لهم الحق في إجازة مدتها ستة أيام كل عام . ولكنهم أصروا على أن من المستحيل السماح للعمال البحرانيين بإجازة مدفوعة كل يوم جمعة . وقالوا بأن لدى الشركة خطة لإعطاء الموظفين إجازة سنوية قصيرة مدفوعة ولكنها بانتظار الإقرار . كما ذكروا أن هناك مشروعا ً بإقامة صندوق لمساعدة العمال ، وألمحوا إلى أنهم يشكون أن أحدا ً قد سرب خبر هذين المشروعين من خلال مراسلاتهم مع مكتبهم في نيويورك . وأكدوا في النهاية ترحيبهم بأي اقتراحات بعيدة عن الإثارة والتأجيج .وأنهى المجتمعون لقاءهم بعد أن قرروا الطلب من الحكومة تعيين ممثل للتوسط بين الشركة والعمال في حال الاختلاف ، وهذا ما وعد به المعتمد في رسالته للمقيم السياسي حيث قال بأنه سيلتقى مع الشيخ حمد لاحقا ً وسوف يضغط باتجاه تعيين الممثل المذكور .وفي تقريره للمقيم السياسي أكد المعتمد السياسي ما يلي :
" بشكل عام فإنني أنا وبلجريف راضيان عن أن الشركة مستعدة للاستماع والعمل بالمقترحات المعقولة لتحسين أوضاع موظفيها " . ومضى المعتمد في إلقاء اللوم على الدعايات المضادة بخصوص ما أثير من قضايا على صعيد حقوق موظفي شركة نفط البحرين . وأكد كلامه مستدلا ً بأنه حتى الراتب الذي لا يتجاوز 10 آنات يوميا ً فإن كثيرا ً من العمال يتسابقون للعمل مع الشركة .
وأن ما يشهده العمال من معاملة لم تشهد مثلها من قبل ، بالرغم من قوله بأنه سوف يشجع الشركة باستمرار لتحسين أوضاع العمال على صعيد الإجازة والصندوق والأوضاع المعيشية .وانهى المجتمعون لقاءهم بعد أن قرروا الطلب من الحكومة تعيين ممثل للتوسط بين الشركة والعمال في حال الاختلاف . وهذا ما وعد به المعتمد في رسالته للمقيم السياسي حيث قال بأنه سيلتقي مع الشيخ حمد لاحقا ً وسوف يضغط عليه باتجاه تعيين الممثل المذكور .وتجدر الإشارة إلى أنه في مطلع عام 1939 تم تعيين الشيخ علي بن أحمد الخليفة وسيطا ً رسميا بين الشركة وعمالها وطلب منه رفع ما لدى العمال من مطالب إلى المستشار مباشرة . أما اختيار الشيخ علي لذلك المنصب فكان بسبب كونه من العائلة الحاكمة ولكونه يعيش في الرفاع قريبا ً من عوالي .
___________________- ملحق ( 1 )
* النظام القضائي :
- المحاكم : كان النظام القضائي في مطلق الثلاثينات قائما ً على وجود خمس محاكم شبه منفصلة وهي محكمة البحرين العليا ومحكمة البحرين الصغرى والمحكمة الشرعية السنية والمحكمة الشرعية الجعفرية والمجلس العرفي ( مجلس التجارة فيما بعد ) .
- محكمة البحرين العليا منذ عام 1927 كان يجلس في هذه المحكمة كل من الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والمستشار تشارلز بلجريف .. واختصت هذه المحكمة بالاستماع للقضايا المدنية والجنائية بين المواطنين البحرانيين مثل الخلافات حول ملكية الأراضي . ومشاكل الحضور ( أماكن صيد السمك ) وآبار الماء ، والإيجارات والمزارع ، وكان الشيوخ الذين يجلسون في هذه المحكمة لا يستندون إلى أحكام قانونية مكتوبة وإنما يعالجون كل قضية حسب ما لديهم من خبرة . أما المستشار فقد كان يستند إلى وثيقة قضائية تحتوي على بعض الأحكام كان المعتمد قد أعدها للمحكمة المشتركة بين المستشارية والمعتمدية وكان المعتمد قد حصل على نسخة من ( قانون العدالة المدنية السودانية عام 1900 ) من المقيم السياسي في الخليج . وطلب المعتمد إعداد لائحة قانونية قائمة على أساس القانون السوداني والقانون الهندي يرجع إليها الشيخ في أحكامه . فالشيخ لم يكن يمتلك قدرا ً كافيا ً من الثقافة للحكم في قضايا الناس : وإلى هذا أشار المقيم السياسي في الخليج في شهر أغسطس 1929 في رسالته رقم 358 س : " إن آل خليفة غير متعلمين . ومن المستحيل عليهم إدارة الشؤون بدون مساعدة المعتمد السياسي أو المستشار . فكل من الشيخ حمد وابنه سلمان جيد في التعاطي مع القضايا التي تطلب خبرة محلية ، ولكنهما يعترفان بأنهما لن يمررا حكما ً بالموت أو يحكما على شخصية مهمة بدون مساعدة المستشار " .
- المحكمة الصغرى : كان يجلس فيها ثلاثة قضاة هم الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ محمود ، الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ سعد ، والشيخ عبد اللطيف بن جودر ، والذين عينهم الشيخ لذلك . وكانوا ينظرون في قضايا الزواج والطلاق والإرث .
- المحكمة الشرعية الجعفرية : كان يجلس فيها قاضيان هم الشيخ عبد الله بن محمد صالح والشيخ علي بن حسين الموسى ، وكانا يقضيان في قضايا الزواج والطلاق والإرث ، أما القضايا الجنائية فكانت من اختصاص المحاكم القانونية .
- مجلس العرف : كان هذا المجلس عبارة عن محكمة محدودة تنظر في قضايا الغوص وأسس في 2 أبريل عام 1919 . وكان يرأسه عام 1930 الشيخ راشد بن محمد الخليفة ، والد زوجة الشيخ حمد . وقد خلف الشيخ حمود بن صباح الذي أعفي من منصبه عام 1929 . وقد غير اسمه لاحقا ً وأصبح معروفا ً بـ " مجلس التجارة " . وكما تمت الإشارة إليه ، فقد كان من بين شكاوي البحارنه 1935 سوء إدارة المحاكم وخصوصا ً محكمة البحرين العليا والمحكمة الشرعية الجعفرية . فقد كانوا يقولون بأن أحكام الشيخ سلمان غير عادلة ومتعصبة وأنه منحازا ً في أحكامه لأقربائه ولكل من هو غير شيعي . وكان السنة أنفسهم يشتكون من عدم عدالة محكمة البحرين . وهذا ما أكده الكولونيل لاخ المعتمد السياسي الذي أقر بأن هذه الشكاوي لا تخلو من أساس ( رسالة المقيم السياسي لوزارة الخارجية في حكومة الهند في 18 مارس 1935 ) . وكان الشيخ حمد يجلس بمفرده في المحكمة ، وخصوصا في الصيف عندما يسافر المستشار ويجلس معه أخو زوجته الشيخ محمد بن علي الذي كان وجوده وعدمه سواء . وشملت شكاواهم كذلك عدم وجود أحكام قانونية مكتوبة يرجع إليها القضاة قبل إصدار أحكامــهم . وبعد إصرار البحارنه على مطالبهم اتصل المستشار بالقضاة السنة والشيعة حول مسألة تقنين الأحكام ورحبوا بالفكرة من حيث المبدأ مع بعض التحفظات التي أبداها القضاة السنة حول استعمال محكمة الشرع في قضايا معينة ( مثل الزواج وغيره ) . وتمت الإشارة كذلك بأن يجلس القاضيان الشيعيان في المحكمة مع بعضهما البعض وليسا منفصلين ، كما طالبا بتعيين قاضي ثالث لتصبح المحكمة الشرعية الجعفرية مشابهة للمحكمة الشرعية السنية . ولكن الشيخ عبد الله بن محمد صالح عارض ذلك بشدة حتى أنه في 17 مايو 1935 ركب الباخرة وسافر إلى العراق بعد أن رفض طلبه بتعيينه " مفتيا ً " في حالة الإصرار على تعيين قاضي ثالث لكي يجلسوا مجتمعين في المحكمة . وقد أدى سفره المفاجئ إلى موجة من الاستغراب والدهشة . وطلب من الشيخ علي بن حسن النظر في القضايا الشرعية وحده على أمل تعيين قاضي آخر .وفي شهر أغسطس 1935 ، فصل الشيخ عبد الله بن محمد صالح من منصبه بعد أن وجهت له اتهامات بسوء استعمال منصبه . وكان قد تقرر تعيينه قاضيا ً ثالثا ً في المحكمة الشرعية الجعفرية . وعين الشيخ حمد محكمة خاصة للنظر في قضية الشيخ عبد الله ، وحدثت احتكاكات شديدة بين أتباع الشيخ عبد الله وأتباع الشيخ علي بن حسن . وبقي كرسي القاضي الثالث شاغرا ً حتى تم تعيين الشيخ باقر العصفور قاضيا ً ثالثا ً للمحكمة الشرعية الجعفرية في أبريل عام 1936م .في العامين التاليين ازدادت نظرة البحارنه للمحكمة سوءً خصوصا ً تجاه القضاة وتجاه كاتب المحكمة الذي كان يتدخل في أحكام القضاة وفي النهاية تم إغلاق هذه المحكمة الشرعية الجعفرية في يونيو 1938 . وفي هذا الإطار كتب المعتمد السياسي واصفا ً أوضاع المحكمة ( رقم س – 704 ) : " لقد كانت الحالة للمحكمة الشرعية الجعفرية هي التي وفرت الفرصة لتبلور حالة الغليان . وكانت حكومة البحرين تدرك منذ فترة طويلة بأن هذه المحكمة بحاجة لتنقية شاملة ، ولكن حدث تأخير خارج الإرادة في إعادة تنظيمها . إن قيادات بحارنة المنامة ، وهم يطرحون الشكاوي المشروعة للشيعة تجاه المحكمة ، استغلوا الفرصة لطرح مطالب غير واضحة في عدد من الشؤون الأخرى " .أما على صعيد محكمة البحرين العليا فقد استمر الوضع فيها على ما هو عليه حيث بقي على رأسها أحد أفراد آل خليفة حسب الرغبة البريطانية . وبرر المعتمد موقف حكومة الهند البريطانية تجاه ذلك في الرسالة المذكورة أعلاه حيث قال : " في ظروف البحرين ، فإن هناك مزايا كبيرة في اختيار القاضي من العائلة الخليفية ولكنهم بدون شك يحتاجون إلى تعليم . وقد أصبح واضحا ً الجهل بالمبادئ الأساسية والحيثيات أدى إلى قرارات متضاربة في حالات متشابهة . وأصبحت إحدى الأسباب الأساسية لشكاوى الناس " .وبخصوص محكمة الشرع السنية فقد تركزت الشكاوي على القضاة الثلاثة الذين كانوا بطيئين جدا ً في طرق طرح الحيثيات ، بالإضافة إلى سعيهم باستمرار للتوصل إلى حلول وسط بدلا ً من إصدار الأحكام . وعلى مستوى تقنين الأحكام ، فقد بدأت اللجنة المذكورة التي عينت لذلك عملها في عام 1935 . ومع نهاية عام 1938 كانت قد أكملت إعداد بعض الأمور حسب رسالة المستشار إلى المعتمد : " إنهم لم يبدأوا العمل في القانون الجزائي ولم يقترحوا أي عقوبات لاختراق القوانين الحكومية . وشملت القضايا التي عالجوها قوانين الغوص ، بيع اللؤلؤ ، القواعد المتعلقة بالحضور ( أماكن شعبية لصيد السمك ) ، الإفلاس ، قواعد وتنظيمات الأراضي ، تقسم الملكية غير المتحركة بالإضافة إلى القواعد والأحكام المعمول بها حاليا ً في البحرين . وما هو أهم من تقنين الإعلانات أو تبني قانون جنائي هو إعداد أحكام لحيثيات المحكمة والتعامل مع القضايا والتوجيه للقضاة . وأن لجنة محلية لا تستطيع عمل ذلك " ( 27) .
- ملحق ( 2 ) - حركة الإصلاح في الكويت :
* خلفية حوادث 1938 :
كانت الكويت أول دولة خليجية تشهد تحركا ً جديا ً للمطالبة بحياة برلمانية ، وهي أكثر الدول الخليجية ممارسة للانتخابات النيابية . وما شهدته البلاد خلال الأعوام الأخيرة من محاولات لإعادة الحياة البرلمانية بعد حل المجلس في صيف عام 1986 م إنما كان تعبيرا ً عن تمسك الشعب الكويتي بالحرية والديمقراطية . وقد استندت تحركات أعضاء مجلس الأمة المنحل عام 1986م في مطالبتهم بعودة الحياة النيابية إلى تفاهم قديم بين الحكومة والشعب بأن يحكم آل صباح البلاد بشرط أن يكون ذلك بمشاورة الشعب .ولعل أم التحركات المطالبة بالديمقراطية عام 1938 ، التي صاحبتها اضطرابات شعبية واسعة اضطرت الحكومة البريطانية آنذاك ، عن طريق المعتمد السياسي في الكويت ، للطلب من آل صباح بتكوين مجلس استشاري . ورغم رفض الحاكم الشيخ أحمد الجابر في البداية إلا أنه وافق أخيرا ً ، فتكون " المجلس التنفيذي " الذي بدأ فورا ً باتخاذ خطوات لوضع دستور البلاد يعفي الحاكم من كثير من صلاحياته ، وكان رئيس المجلس آنذاك الشيخ عبد الله السالم . وقد حل ذلك المجلس لاحقا ً وانتخب أعضاء جدد برئاسة الشيخ عبد الله السالم نفسه .
ولكن هذا المجلس لم يعقد أي جلسة وبعد فترة من العنف ، قام الحاكم بتعيين أعضاء المجلس الاستشاري برئاسة عبد الله السالم نفسه . وهذا المجلس فشل هو الآخر في الاستمرار كمجلس فاعل بعد بضع سنوات حتى تلاشى الحماس للانتخابات في الخمسينات ولم يوضع دستور كامل للبلاد إلا بعد استقلال البلاد عام 1961م .وفي مطلع عام 1938 شوهدت كتابات عديدة على جدران بعض البيوت في الكويت ، وبعد بضعة أيام تم اعتقال محمد البراك ومن ثم جلد أمام الناس . يبدو أنه اعترف بعد تعرضه للضرب المبرح الذي وصفه المقيم السياسي البريطاني في الكويت لاحقا ً بأنه لا يفهم إلا على أنه " تعذيب " وذكر أسماء ثلاثة تجار معروفين اشتركوا معه في الكتابة . فما كان هؤلاء الثلاثة إلا أن جمعوا مؤيديهم وكوادرهم وذهبوا إلى أماكن أعمالهم مسلحين ( رسالة المعتمد إلى المقيم 19 مارس 1938 ) (28) ، بينما كان الشيخ أحمد الجابر مختفيا ً في مكان سكنه في منطقة بيان . وفي هذه الأثناء قام سكرتيره الخاص بإقناع ضابط المنطقة بإصدار بيان يطمئن فيه التجار . وخلال هذا التوتر غادر عدد من الناس الكويت باستعجال إلى العراق . على أثر ذلك كان راديو إيطاليا يتحدث باستمرار عن حكومة الكويت ويلفت الأنظار إلى الأوضاع الداخلية ، بينما ظهرت مقالة طويلة في مجلة " الكفاح " العراقية بتاريخ 11 ذو الحجة 1356هـ ( 12 / 2 / 1938 ) بعنوان " حقيقة الأوضاع في الكويت " ، كما انتشرت الكتابات الحائطية في الكويت ضد الحاكم تهدده بإزالته . وفي 1 أبريل 1938 ظهرت مقالة صغيرة في جريدة " السجل " بعنوان " ماذا يطلب الكويتيون من عظمة أمير الكويت ؟
وذكرت ستة مطالب هي :1- توسيع وسائل التعليم الفتية .2- إجراء إصلاحات مالية واقتصادية .3- إنشاء مستشفى حكومي مجاني .4- إيقاف توظيف الأجانب .5- السماح للعرب بزيارة الكويت .6- أن يبدي الأمير رعاية أكبر تجاه رعاياه ويقوم بحل مشاكلهم .
وفي 11 أبريل 1938 ظهرت مقالة أخرى في جريدة " الزمان " العراقية بعنوان " الكويتيون ومطالب الإصلاح لبلادهم " ، جاء فيها ما يلي :" أشرنا في عدد سابق إلى مطالب الكويتيين التي رفعوها إلى سمو أمير الكويت لإصلاح بلادهم من الوجهة الاقتصادية والعمرانية والثقافية . وقد أضافت جريدة السجل البصرية موادا ً أخرى رفعها الكويتيون إلى سمو الأمير ننشرها كما يلي :1- تشكيل محكمتين محكمة شرعية ، ومحكمة استئنافية تتوفر فيمها الشروط الشرعية وعد إطلاق العنان للأفراد يمثلون بأفراد الشعب ويطبقون عليهم قوانين ( خاضعة ) وانتخاب عضوين آخرين في كل محكمة ووضع سجلات منظمة يرجع إليها عند الحاجة على أن تكون الأحكام التي تصدر خاضعة للتمحيص بصورة لا تدع مجالا ً للغبن .2- تأسيس إدارة للأمن تماثل دائرة الشرطة في العراق يعرف أفرادها بإشارات معينة وهي تتولى التحقيق الابتدائي ( في القضايا ) ثم البت فيها .3- ضبط واردات الجمارك وإناطة أعمالها بهيئة تشرف على أعمال المديرية ووضع حد للفوضى الحالية وتعيين مدير عام للمالية يتولى الإشراف على جميع الأعمال .4- تأسيس مجلس شورى تعرض عليه أعمال الإمارة ويرجع إليه في المعاملات الدولية التي لها مساس مباشر بمصلحة البلد وتنظيم مكتب خاص بهذا المجلس يدون جميع ما يتصل به من أعمال .5- تأسيس إدارة لجوازات السفر والإقامة وربطها بإدارة الأمن وفصل صلاحية التأشير على الجوازات من قبل القنصل الإنجليزي بالبصرة . إذ أن امتناع القنصلية الإنجليزية عن جوازات رجالات العرب يسبب للكويت سمعة سيئة في حين أن الكويت لا تعترف بأي تدخل أجنبي في ما يخص شؤونها الداخلية والخارجية .6- الاستعانة بأنظمة الحكومة العراقية المتعلقة بشؤون المالية والتعليم ومسايرة النهضة العربية جنبا ً لجنب في جميع أنظمتها وقوانينها .7- عقد معاهدات دفاعية هجومية مع الحكومات العربية المجاورة منعا ً لما عساه أن ينجم عن المطامع لدى دولة أجنبية تريد شرا ً بالكويت .8- حصر المهن والأعمال بالكويتيين إذا لم تتوفر هذه الكفاءة فيرجح العربي على من سواه من الهنود والأرمن وغيرهم من الغرباء .9- تخصيص مبلغ في الميزانية لإبقاء بعثات علميه وصناعية تتمكن من الاشتغال في إدارة النفط وتعويد الكويتيين على الاضطلاع بالمشاريع الهامة .
* اتفاقية التجار وآل صباح :
في شهر يونيو 1938 وقع بعض أعيان البلاد التجار على اتفاقية مع الشيخ أحمد الجابر ، وكان بنودها ما يلي : (29)
1- إصلاح بيت آ ل الصباح لتفادي أي اختلاف حول تعيين الحاكم طبقا ً لقول الله : " وأصلحوا ذات بينكم " .
2- يجب على الحاكم المعين أن يرأس مجلسا ً استشاريا " مجلس شورى " طبقا ً لقول الله : " وشاورهم في الأمر " .
3- يجب اختيار عدد من آل صباح ومن الناس لإدارة البلاد على أسس صحيحة وعادلة .هذا هو محتوى المذكرة التي وضعنا عليها توقيعاتنا ، وتطرح الآن مطالبنا بخصوص تشاور الحاكم مع الذين يتم اختيارهم :
1- حل القضايا بين المواطنين ، في حال عدم الموافقة على الحل الشرعي لكي لا يعامل أحد بظلم .
2- الاهتمام بلوازم تطوير البلاد والناس مثل نشر العمل والحفاظ على النظام . ولكن الشيخ أحمد الجابر تلكأ في تكوين المجلس . فكتب إليه ثلاثة من الموقعين على الاتفاقية المذكورة وهم محمد الثنيان وعبد الله الصقر وسليمان العدساني في 28 / 6 / 1938 مذكرينه بتعهده بتكوين المجلس الاستشاري ، ويبدو أنه وافقهم من حيث المبدأ .في مساء ذلك اليوم اجتمع زعماء 150 قبيلة في الكويت وانتخبوا من بينهم 14 شخصا ً لعضوية المجلس الاستشاري المذكور .
وكان متوقعا ً أن يقوم هذا المجلس بغربلة حاشية الشيخ حال بدء نشاطاته . فما كان من هذه الحاشية وعلى رأسهم سكرتير الشيخ ومدير البلدية وتاجر آخر اسمه خالد زيد إلا أن قاموا بتنظيم أنفسهم وجمعوا أموالا ً لإغراء أعضاء المجلس بالاستقالة منه . ولكن جهودهم لم تفلح رغم أن الشيخ كان إلى جانبهم في الخفاء .وفي صباح 4 يوليو اجتمع الأعيان وأفراد العائلة الحاكمة وكذلك المجموعة المعارضة للمجلس وبينهم خالد زيد في ديوانية الشيخ لاحتساء القهوة كالعادة بالإضافة لحسم الموقف بخصوص المجلس . وطلب أعضاء المجلس من الشيخ إقرار تكوين " المجلس الإداري " الذي وافق عليه من قبل ولكنه حاول سرا ً النيل من مصداقيته .
وبعد أخذ ورد أقتنع الشيخ بعدم قيمة المجموعة المعارضة فأنكر عليها محاولتها النيل من المجلس ووقع على قرار بتكوين المجلس في اليوم التالي . وفي اليوم التالي أمر بإطلاق البراك الذي كان معتقلا ً منذ شهر فبراير ، وتعرض للضرب في شهر مارس ، ووقع على المجلس في 9 يوليو 1938 بعد أن أخذ الشيخ عبد الله السالم رئيس المجلس إعلان تكوين " المجلس الإداري " بنفسه إلى الشيخ أحمد للتوقيع .وبعد رجوعه أخبر المجلس بأن الشيخ أحمد قد انهار تماما ً أمام الوثيقة التي تأخذ منه السيطرة على واردات البلاد ، وأخّر التوقيع لبضع ساعات أخرى ، وكان وثيقة المجلس ( أو دستوره ) تتكون من خمس مواد :
أولها تنص على أن الشعب مصدر السلطة وتعطي المادة الثانية : المجلس مسؤولية وضع القوانين المتعلقة بالميزانية والعدل والأمن العام والتربية والتنمية ( لبناء الشوارع .. إلخ ) والطوارئ وكل ما تحتاجه البلاد من القوانين . وتعطي المادة الثالثة المجلس صلاحية التوقيع على الاتفاقيات والإمتيازات وغيرها . أما المادة الرابعة فتنص على قيام المجلس بمهمات وصلاحيات محكمة الاستئناف حتى تكوين محكمة جديدة . بينما تنص المادة الخامسة على أن رئيس المجلس الإداري يمثل السلطة التنفيذية في البلاد .
ووقع على الاتفاق أحمد الجابر الصباح .لم تكن العلاقات بين الشيخ والمجلس الإداري حميمة . فبعد بضعة أسابيع من إنشائه طلب المجلس من الشيخ استبدال سكرتيره الحالي ، عزت جعفر ( السوري الأصل ) بشخص آخر ، وهو ما أثار حفيظة الشيخ لأنه اعتبر ذلك تدخلا ً في حريته الشخصية في اختيار سكرتيره الخاص . كما حدث اختلاف حول ضبط مسألة خزينة الأسلحة في البلاد . ولكن الشيخ تراجع وطلب من سكرتيره الخاص الذهاب في إجازة طويلة ، ولكنه استمر في اعتبار المجلس عدوا ً له . ولم يبد أي استعداد من قبله للتعاون معه ، بل سعى للحصول على مستشار بريطاني من أجل ضمان الدعم البريطاني لنفسه .
ومع حلول شهر سبتمبر بدأ العمل لوضع دستور للكويت من قبل المجلس ، ولكن الأمور لم تمر حسب ما كان يريد الأعيان إذ بدأت الاعتراضات على بعض شؤون المجلس ومن بينها تركيبته التي لم تعترف بالوضع الديموغرافي والديني في البلاد . كما أن إصرار المجلس على الاحتفاظ بخزينة السلاح جعل الشيخ يخطط لحل المجلس شيئا ً فشيئا ً . ومع منتصف ديسمبر ساءت العلاقات حتى أصبح الجو السياسي في الكويت متوترا ً جدا ً ، فقام عبد الله السالم بتكوين لجنة مصالحة مكونة من ثمانية أشخاص ، أربعة من كل طرف ( الشيخ والمجلس ) .ولكن في 18 ديسمبر قام الشيخ أحمد بحل المجلس وأمر بإجراء انتخابات جديدة وأصبحت خزينة السلاح تحت سيطرته ، بعد أن طلب من البريطانيين حمايته في حال نشوء أي اضطراب ضده .
- ملحق (3) - حركة الإصلاح في دبي 1938:
خلال شهر مايو 1938 حدثت حادثة كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت نارا ً كبيرة . ملخص القضية أن ابن حاكم دبي الشيخ راشد ( بن سعيد المكتوم ) كان محتكرا ً لسيارات التاكسي في دبي ، في الوقت الذي كان فهي الشيخ المكتوم بن راشد ، ابن عم الحاكم ، قد بدأ بتشغيل شركة لسيارات الأجرة ( التاكسي ) بني دبي والشارقة . وفي 26 مايو جمع الشيخ راشد حوالي 30 شخصا ً مسلحا ً وهاجموا سيارة للشيخ مكتوم عندما كانت في طريقها إلى الشارقة . وجرح سائق السيارة وكذلك الأشخاص الذين كانوا فيها . وعلى أثر ذلك هدد الشيخ مكتوم بإيقاف كل السيارات التابعة لشيخ دبي ، فحاول الحاكم ، الشيخ العجوز التدخل بصب الزيت على النار . وكان الرأي العام بشكل عام ضد احتكار سيارات التاكسي من قبل راشد .وعلى أثر هذه الحادثة تصاعدت الأمور .
فقد فشل الحاكم في حل المشكلة ، بتحريض من زوجته وابنه راشد . وعندما طالب أبناء عمه ( من عائلة البوفــلاسة ) تحديد مخصصاتهم ، لم يستجب الحاكم ، فتحرك الآخرون لطرح مطالب محددة أخرى ، كانت كالتالي :
- وضع ميزانية للبلاد ونظام للخدمة المدنية .
2- وضع ترتيبان جيدة للصحة والمجاري في المدينة .
3- إعادة ترتيب أوضاع دائرة الجمارك .
4- تحديد مخصصات ثابتة لأفراد العائلة الحاكمة .
5- إلغاء الاحتكارات التي بيد الشيخ وزوجته وابنه وخصوصا ً في مجالات تفريغ البضائع من السفن والشاحنات وسيارات التاكسي .فقدمت هذه المطالب في رسالة وسلمت للشيخ . تلى ذلك احتلال أبراج الديرة من قبل عائلة راشد ، ( البوفلاسة ) ، بينما بدأ الشيخ بتجميع قواته البدوية ، وتم الاتفاق على هدنة بين الطرفين ، وتدخل المقيم السياسي بالشارقة للتقريب بينهما ، وعلى إثر ذلك وافق الشيخ على إلغاء الاحتكارات ووعد بالقيام بالإصلاحات في الجمارك والخدمات الأخرى ، كما وعد بالنظر في تثبيت مخصصات أفراد عائلته .
في 3 سبتمبر 1938 زار الشيخ دبي سعيد بن مكتوم المعتمد السياسي البريطاني للتداول في مسألة الأوضاع الداخلية في دبي . وفي 24 سبتمبر وصل إلى البحرين الشيخ جمعة بن مكتوم – أخ الحاكم – وقابله المقيم السياسي والمعتمد السياسي الذين طالبا منه إدخال بعض الإصلاحات في دبي كما يطالب بها المواطنون ، رغم معارضته لها . وقال له المسؤولان البريطانيان بأنه سلامة المواطنين سوف تقع على مسؤوليته فيما إذا حدث انفجار في الوضع الداخلي .
وفي 6 أكتوبر قام جمعة بن مكتوم – أخ الحاكم – بزيارة المعتمد السياسي وأخبره بأن الوضع متوتر في دبي وأن هناك احتمالا ً بانفجار الأوضاع مجددا ً . وسلمه المعتمد رسالة إلى أخيه الحاكم كرر فيها المعتمد المسؤولية على حاكم دبي بخصوص سلامة المواطنين البريطانيين في دبي .بعد ذلك تطورت الأمور في دبي وحدث إطلاق نار بين الطرفين المتنازعين . ودخلت مجموعة من الجنود البريطانيين إلى المدينة بأمر من المعتمد لحماية المواطنين البريطانيين . وأبدى شيوخ المنطقة اهتماما ً بما يحدث في دبي ، ومنهم الشيخ شخبوط حاكم أبو ظبي الذي حاول تسوية الأمر بطريقة سلمية . ونجح في ترتيب هدنة لمدة خمسة أيام .في هذه الأثناء توجه المعتمد السياسي إلى دبي ( على متن الباخرة دبتفورد ) حيث التقى بزعماء الحركة المطالبة بالإصلاحات التي ينتمي معظم أفرادها لقبيلة البوفلاسة .
وأخبر هؤلاء المعتمد بأنهم عازمون على تكوين مجلس على غرار ما حدث في الكويت ، للقيام بالوظائف الإدارية والتنفيذية وجعل الحاكم بدون قوة فعلية . ولكن المعتمد أكد لهم بأن بريطانيا ستستمر في اعتبار الشيخ قناة الاتصال الشرعية وليس المجلس .وفي 19 أكتوبر وبعد نقاش مطول تم التوصل إلى عدم استثناء الشيخ من الإدارة بشكل كلي . كما حددت مخصصاته من دخل البلاد بالثمن ( 1/ 8 ) . وتشكل مجلس من 15 عضوا هم سعيد بن مكتوم ، مانع بن راشد ، شر بن راشد ، سهيل بن بطي ، محمد بن عبد الله حريز ، راشد بن عبد الله حريز ، بيات بن محمد ، راشد بن محمد بن دلموك ، محمد بن سعيد القندي ، محمد بن ثاني عبد الله بن محمد البدور ، ناصر بن خليفة ، الشيخ مقرن بن سلطان ، محمد بن سعيد بن عيلان ، عبد الله بن عبيد البسطي ، وبرئاسة الحاكم . وعقد اجتماعه الأول في 22 أكتوبر 1938 حيث بدأ الطرفان المتنازعان في شكل متعاون ، واستمرت اجتماعات المجلس حيث بدأ بمناقشة شؤون البلاد بتنظيم لائحة خدمة مدنية وفرض ضريبة قدرها 2% على البضائع الواردة وقضايا عديدة .
وكان يلتقي بشكل منتظم وتسجل محاضره ويوقع عليها بعد ذلك . وتحتوي الوثائق الموجودة في مكتب الهند على محاضر آخرها لاجتماع المجلس يوم 5 محرم 1358هـ ( حوالي 24 يناير 1939م ) .ولكن رغم ذلك كان الشيخ سعيد بن مكتوم الحاكم يتغيب عن حضور جلسات المجلس مما ترك أثرا ً سلبيا ً على سير عمل المجلس ومشاعر الأعضاء فكتبوا عدة رسائل للوكيل البريطاني ( المعتمد ) السيد بعد الرزاق خان صاحب يشتكون فيها من هذا الوضع .ولكن في شهر مارس 1939 حدث ما يشبه الانقلاب في هذا المجلس . فقد انقلبت بعض المواقف الشعبية وشجعت الشيخ سعيد بن مكتوم بأن يتحرك ضد الذين أجبروه على الإصلاحات بادئ الأمر . واغتنم مناسبة زواج ابنه للمجيء بأعداد كبيرة من أفراد القبائل المسلحين للديرة . وأحدث انقلابا ً مفاجئا ً سيطر فيه على المدينة .
وحاول الآخرون الصمود بزعامة الشيخ مانع ولكنهم اضطروا للهروب إلى الشارقة مساء يوم 20 مارس . تلى ذلك تكوين مجلس استشاري مكون من 15 شخصا ً وعين مجلس آخر سمي بمجلس التجارة . وطلب الشيخ سعيد من مانع وجماعته عدم الرجوع إلى دبي وفي المقابل سوف يلتزم بإعادة أملاكهم لهم .وفي وقت لاحق ( 21 شهر مايو ) ذهب كل من مانع بن راشد والشيخ راشد بن بطي إلى البحرين والتقيا بالمعتمد السياسي . وفي اليوم التالي وصل إلى البحرين حاكم دبي نفسه . وتوسط المعتمد لدى الشيخ شخبوط ( حاكم أبو ظبي ) فسمح بإقامة الشيخ مانع وجماعته في أبو ظبي ، ولكنه بقوا في الشارقة بضعة أسابيع ثم أجبروا على الذهاب إلى رأس الخيمة ، منها إلى منطقة البريمي .وهكذا انتهت محاولة الإصلاح السياسي في دبي التي استلهمت تحركها ما حدث في الكويت عام 1938، واستمر حكم آل مكتوم حتى اليوم حيث استلم الحاكم الحالي / الشيخ راشد حكم الإمارة من أبيه بعد وفاته (30) .
__________________
* الهوامش :
1- رسالة المعتمد السياسي لوزير الخارجي بحكومة الهند رقم C / 43 بتاريخ 18 مارس 1935، الملف r / 15 / 2 / 176 بإرشيف الهند في لندن .
2- عريضة البحارنه في الصفحة 12 من الملف السابق .
3- محضر الجلسة موجود في الصفحة 31 من الملف السابق .
4- رسالة المستشار للمعتمد C 129 بتاريخ 28 / 1 / 19355
4- رسالة المستشار للمعتمد C 129 بتاريخ 28 / 1 / 19355
5- الرسالة موجودة في الصفحة 32 من الملف السابق .
6- رسالة المستشار للمعتمد C 130 بتاريخ 4 فبراير 1935 ، الملف السابق .
7- رسالة المستشار إلى المعتمد رقم 1038 – A6 بتاريخ 9 مارس 1935 في الصفحة 54 من الملف السابق .
8- رسالة نائب وزير الخارجية بحكومة الهند للمقيم السياسي في الخليج رقم N /35 – F230 بتاريخ 6 نوفمبر 1935 في الصفحة 91 من الملف السابق .
9- Bahrain Britain , the Sheikhk and the Administration ,1945 , P192 10
10- جريدة " الرابطة العربية " 14 سبتمبر 1938 ، المصدر السابق ( انظر الملحق ) .
11- وثيقة سرية غير موقعة في الصفحة 146 من الملف السابق .
12- رسالة سرية من المعتمد إلى المقيم رقم C / 666 بتاريخ 27 أكتوبر 1938.
13- مذكرة سرية مقدمة إلى المعتمدية ، الصفحة 142 من الملف السابق .
14- المصدر السابق .
15- نماذج للملصقات موجودة في الصفحة 153 و 177 من المصدر السابق انظر الملحق .
16- إعلان حكومة البحرين في الصفحة 181 من المصدر السابق .
17- رسالة المستشار إلى المعتمد بتاريخ 3 / 11/ 1938 ، الملف السابق .
18- رسالة المعتمد للمقيم رقم C / 680 بتاريخ 5 نوفمبر 1938 الملف السابق .
19- الرسالة في الصفحة 218 من الملف السابق .
20- الرسالة في الصفحة 251 من الملف السابق .
21- رسالة خاصة من المعتمد وايتمان ، إلى المقيم . ترينجارد . رقم C / 704 بتاريخ 19 نوفمبر 1938 الملف السابق .
22- رسالة المقيم إلى المعتمد رقم S – 597 بتاريخ نوفمبر 1938 ، الملف السابق .
23- رسالة المعتمد للمقيم رقم C / 738 في 3 ديسمبر 1938 بالملف 343 / R/151 .24
24- رسالة للمقيم رقم C / 751 بتاريخ 8 ديسمبر 1938 ، بالملف السابق .
25- برقية المقيم للمعتمد السياسي رقم 358 في 16 نوفمبر 1938 بالملف R / 15 / 1 / 343 26
26- ترجمة الرسالة في الصفحة 158 من الملف السابق .
27- Bahrain Intelligence Summary , Jan 1938- 31st dec 1940 الملف رقم R / 15 / 2 /313 بمكتب الهند .
28- رسالة المعتمد السياسي في الكويت إلى المقيم في بوشهر رقم C / 129 بالملف R / 15 / 5/ 205 .29
29- رسالة المعتمد إلى القيم رقم C / 235 بتاريخ 6 يوليو 1938 الملف
R / 15 / 5 /205 . 30- Rosemarie , J , and Said Al Aabhath , THE 1938 Reform Movement in-30 Dubai , Arab Studies , A Quarterely Journal for Arab Studies , Vol .23, No.1-4
مرحبا بالجميع،
ردحذفاسمي أحمد Asnul بروناي، اتصلت السيد عثمان قرض الشركة مقابل مبلغ القروض التجارية من 250،000 $، ثم قيل لي عن الخطوة الموافقة لي مبلغ القرض المطلوب، بعد المخاطرة مرة أخرى لأنني كنت حتى يائسة بكثير من إقامة الأعمال إلى أكبر مفاجأة لي، وكان الفضل مبلغ القرض إلى حساب حسابي المصرفي في غضون 24 يوما المصرفية بدون أي جهد للحصول على قرض بلدي. فوجئت لأنني كنت تقع أولا ضحية لعملية نصب واحتيال! إذا كنت مهتما تأمين أي مبلغ القرض وكنت موجودا في أي بلد، وأنا أنصحك يمكن الاتصال بالسيد عثمان قرض الشركة عبر البريد الإلكتروني osmanloanserves@gmail.com
معلومات شكل قرض التطبيق
الاسم الأول ......
الاسم الأوسط .....
2) الجنس: .........
3) مبلغ القرض مطلوب: .........
4) مدة القرض: .........
5) البلد: .........
6) عنوان المنزل: .........
7) رقم الجوال: .........
8) عنوان البريد الإلكتروني ..........
9) الدخل الشهري: .....................
10) المهنة: ...........................
11) أي موقع هل هنا عنا .....................
الشكر وأطيب التحيات.
البريد الإلكتروني ديريك osmanloanserves@gmail.com
مرحبا ، هل أنت بحاجة إلى دعم مالي؟ هل تحتاج إلى قرض؟
ردحذفأنا سوزان بنسون من مجموعة Sunshine Financial Group. أنا مقرض وكذلك مستشار مالي.
نقدم جميع أنواع خدمات القروض (القروض الشخصية ، القروض التجارية ، قروض الرهن العقاري وغيرها الكثير). نقدم قروضًا طويلة الأجل وقصيرة الأجل ، وقروضًا مضمونة وغير مضمونة بسعر فائدة ميسور 3٪ سنويًا. لمزيد من المعلومات حول خدمتنا ، يمكنك فقط مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني: sunshinefinancialgroupinc@gmail.com أو راسلنا مباشرة على WhatsApp أو Telegram عبر: 00447903159998 واستقبل ردًا في الحال.
نحن شركة خدمات مالية شاملة ونحن ملتزمون بمساعدتك على تحسين أهدافك المالية طويلة المدى وقصيرة المدى لأن استقرارك المالي هو هدفنا النهائي.
مع ما يحدث في جميع أنحاء العالم ، يواجه الكثير من الناس تحديات مالية غير محددة الوقت ، يجد بعضهم صعوبة في الحصول على قرض من بنوكهم المحلية أو معاهد مالية أخرى لبعض الأسباب.
يمكننا مساعدتك في حل تحدياتك المالية ، فقط اكتب لشركتي وسنساعدك بقرض. لقد ساعدنا العديد من الأفراد والمنظمات الذين يواجهون صعوبات مالية في جميع أنحاء العالم. عندما تتقدم بطلب معنا ، فإنك تتقدم بطلب مع شركة موثوق بها تهتم باحتياجاتك المالية ، وأولويتنا القصوى هي استقرارك المالي.
لمزيد من المعلومات حول عرض القرض الخاص بنا ، يرجى إرسال طلب القرض الخاص بك إلينا عبر:
البريد الإلكتروني: (sunshinefinancialgroupinc@gmail.com) أو ؛
WhatsApp: +447903159998
يمكنك الكتابة إلينا في أي وقت وفي أي مكان.
2020 © جميع الحقوق محفوظة