تاريخ التعايش السلمي بين الشيعة والسنّة في البحرين


بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفي وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلي قيام يوم الدين .

يعتبر نمط التعايش السلمي بين كتلتي الطائفتين المسلمتين (الشيعة والسنّة) في مملكة البحرين من الأنماط التي يمكن الإشادة والإعتزاز بها ،بل واعتبارها نموذجاً يحتذي به خصوصاً فيما يمتاز به من عفويّة وطيبة وصدق في التعامل والتعايش


والمعاشرة بدءًا من الحياة الاعتيادية وانتهاءاً بقضايا الأمة المصيريّة كما سيأتي توضيحه وبيانه .

وبمنأى عن المؤاربة والمداهنة والغدر والبطش والفتن الدامية التي نسمع عنها في بعض دول العالم الإسلامي حيث اجتاحتها وتجتاحها الكثير في ماضيها وحاضرها بفعل عوامل التعصب الطائفي الأعمي البغيض تارةً

وبفعل دسائس الإستعمار تارة أخري التي ما فتأت تبرح تحيك المؤامرات تلو الأخري لإنهاك قوي العملاق الإسلامي, وبعثرة توجهاته وصرفها عن قضاياه المصيرية الرئيسية وردع اعدائه المحدقين به المحيطين حوله الذين يتربصون به الدوائر ليل نهار.

وسأستعرض من خلال هذه الأسطر الخصائص التي يتحلي بها أبناء هذه التربة الطاهرة وما يتطبع به كل من سكنها وتنسّم هواءها وعاش علي أرضها ونبت لحمه وعظمه من ترابها , وما نجم عن ذلك من عراقة وأصالة ونبل ومجد حتي أضحت هذه البقعة الجغرافية من الأرض علي صغر حجمها وضآلة عددها من أكبر الأمم مجداً ومحتداً وحضارة علي امتداد التاريخ البشري كما تشهد به الآثار الخالدة التي لا تزال تخط بأطلالها علي أرض هذه التربة تاريخ ذلك المجد الغابر .

المدخل

مملكة البحرين من الممالك القديمة التي كانت لها شهرتها الواسعة في التاريخ البشري وبها آثار قديمة تحكي تاريخ الحضارات التي نشأت فيها . وقد كانت المساحة التي تحتلها في السابق اوسع رقعة من الوقت الحاضر فقد كانت تحدها من الغرب اليمامة ومن الشمال البصرة ومن الشرق بحر فارس ومن الجنوب عمان فيدخل في حدودها إذ ذاك من الجنوب والغرب الاحساء, ومن الشمال والشرق القطيف والجبيل ودارين وقطر ولهذا فإنه يطلق علي الجميع اسم البحرين تارة وهجر تارة أخري والأول أشهر.

وأما اليوم وبعد التقسيم السياسي الحديث الذي طرأ علي المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين فقد انحصرت حدودها في جزيرة اوال وما يحيط بها من المياه الإقليمية.

سكان البحرين
سكان البحرين الأصليين عرب من قبيلة بني عبد القيس وقبيلة تميم من مضر وما خالطهم وصاهرهم من قبيلة ربيعة , وكل ما يوجد في البحرين من الجنسيات الأخري فهم حديثوا الإستيطان بها , ويمتازون بإنتماءاتهم عن سكانها الأصليين. وهناك هجرات كثيفة في العقود الأخيرة من دول حوض الخليج ودول عربية وآسيوية فاقت عدد السكان الأصليين, وقد تطبع الكثير من أولئك بطبائع وعادات أهلها التي عرفت عنهم.

خصائص شعب البحرين
ولشعب البحرين خصائص يمتاز بها منذ القديم تعتبر من أهم ذخائره التي ورثها الأبناء عن الآباء أهمها:

الخصيصة الأولى : تجذر المدنيّة في مجتمعاته ورسوخ معالمها في حياته
وهو أهم عامل جعل من شعب البحرين في مصاف الشعوب التي كان لها السبق في تأسيس الحضارات الإنسانيّة عبر التاريخ البشري ، ولم تكن بمنأى عن الحضارات الكبرى التي تأسست في بلاد مابين النهرين ومصر والهند والصين وغيرها علي الرغم من بدائيّة وسائل الإرتباط والترحال و التنقّل والتواصل فيما بينها . بل كانت أرضها أرضاً مقدسةً لبعض هاتيك الحضارات خصوصاً للحضارات التي نشأت في بلاد مابين النهرين في العراق .

الخصيصة الثانية : ( الطيبة والتواضع )
فلم يعرف عن مجتمعه العصبية ولا الإستعلاء علي غيره من القوميات ولا الجنسيات الأخري بل كان يكن كل التقدير والإحترام للجميع وإن غايره في المذهب والدين الأمر الذي هيئاه ليكون مركزاً تجارياً هاماً في المنطقة بأسرها ومحطة للتبادل التجاري بين الحضارات عبر القرون الماضية.

الخصيصة الثالثة : ( التجانس والتأقلم فيما بين بعضهم البعض )
وبينهم وبين غيرهم و الإتسام بإرتسام طلاقة الوجه والبشاشة والانبساط على وجوههم فلم يعرف عن مجتمعه الإنطوائية ولا الإنعزالية ، لأنّ مجتمعه فضلاً عن اقتضاء الفطرة بكونه اجتماعياً بالطبع فهو اجتماعي بالتطبّع الأمر الذي يجعل المتواجد في هذا البلد منذ الوهلة الأولي يشعر وكأنه بين أهله وعشيرته لسرعة تعارفهم وتواصلهم معه وشدة ترحابهم له وحسن البشر وبشاشة الوجه.

الخصيصة الرابعة : (الكرم وحسن الضيافة )
نجد أن الكثير من أبناء البحرين خصوصاً الذين يقطنون القري علي الرغم من قلة ما في أيديهم وشح مواردهم الإقتصادية يمتازون بسخاء النفس والكرم وحسن الضيافة .

الخصيصة الخامسة : ( الجنوح للسلم والتبعيّة لنظام الحكم )
مالم يصدر منه الإخلال بمصالح الوطن والمواطن ، ويمس عقيدته ، ولهذا لم يعرف عن المجتمع البحريني أنّه مجتمع منابذ ومشاكس ومعاند من تلقاء نفسه بل نجد أن الأنظمة التي فرضت نفسها عليه من خارج طيلة القرون الماضية بالغزو والغلبة كانت تزول بقوي عسكرية خارجية أو سقوط أنظمتها في بلدها الأم أو بإنقسامها علي بعضها البعض وتآكلها بنفسها واضمحلالها وتلاشيها .

الخصيصة السادسة : ( منابذة مظاهر الفتك والبطش ) والإحجام عن كل ما يؤدي الى اراقة الدماء وازهاق الأنفس, وغلبة خيرهم علي شرهم وحلمهم علي طيشهم. ولين عريكتهم . وهذا ما يجعلنا نستغرب أي حالة شاذة طارئة قد لا تتفق مع هذه الخصيصة المتجذرة في مجتمعاتهم .

الخصيصة السابعة : ( الجنوح للوحدة ووحدة الصف) وذلك من خلال تبني كل مامن شأنه تعزيز مفهوم الوحدة ببعديه الوطني والديني لأن مجتمعه الأصيل مجتمع ليس من طبيعته الإعتداء ولا الإستعداء , وليس من ديدنه التكتل والتحزب , والدخول فيما من شأنه التأدية الى شق العصى وتفريق الكلمة . ولهذا نجد على امتداد العصور الماضية كيف كان الغالبية العظمى من أبناء الوطن يخضعون لكل زعامة دينية يكون لها البروز والصدارة مع احترام الزعامات الأخري من دون الدخول في مهاترات وصراعات عرقية أو سياسية أو دينية تسيء الى كيانهم ووطنهم كما أن من مفرزات هذه الخصيصة نجد أن المجتمع البحريني لم يعش نظام الكنتونات و أجواء التعدديّة السياسيّة طيلة تاريخه المديد .

تاريخ دخول شعب البحرين في الإسلام
دخل إبناء شعب البحرين في الإسلام طواعية من دون أن يُوْجَف علي أرضهم بخيل ولا ركاب , وذلك في السنة الثامنة من الهجرة حيث أرسل رسول اللّه صلي الله عليه وآله وسلم العلاء بن عبد اللّه الحضرمي الي أهل تلك الديار يدعوهم الى الدخول في الإسلام أو قبول الجزية، وكتب بذلك الي المنذر بن ساوة التميمي ومرزبان هجر، ولما وصل كتاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم الي هذين الإثنين الّلذين هما رئيسا تلك الولاية فدخلا في الاسلام طواعية ، وكذلك جميع العرب الذين معهما وبعض العجم وأهالي القرى، وأما الزرّاع من المجوس واليهود والنصاري فقد صالحوا علي نصف غلتهم من الزراعة والتمر، وبقوا علي اديانهم ومذاهبهم , وقد ارسل العلاء في ذلك العام للنبي صلي الله عليه وآله وسلم من مال تلك الولاية ثمانين الف دينار، وبعد ذلك عزل الرسول العلاء وولّي إبان بن العاص وسعيد بن أمية، وبقيا الي وقت وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم .

فضل البحرين وأهلها بعد الإسلام
أورد محي السنّة الحسين بن مسعود الفراء البغوي فضيلة عظيمة للبحرين وأهلها في كتابه مشكاة المصابيح، وذلك في باب حرم المدينة عن حريز بن عبد اللّه، عن النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم عدة أحاديث منها قوله :

1ـ إن اللّه اوحي إليّ، أيّ هؤلاء الثلاثة نزلتَ فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين، فقد عدل اللّه البحرين بالمدينة وخيّره في الهجرة إليها.

2 ـ إن اللّه خيّرني في هجرتي هذه بين المدينة والبحرين أو قنسرين، فأخترت المدينة.

3 ـ إذا شبّهت عليكم المذاهب والاديان فعليكم بمدينتي هذه، ومدينة يقال لها البحرين، ومن دان بدينهم من أهل الأمصار.

4 ـ سترتد اُمتي من بعدي إلا مدينتي هذه، ومدينة يقال لها البحرين، فأنها فسطاط المؤمن يومئذ.

5 ـ إذا فقدتم العلم فاطلبوه من مدينتي هذه، ومدينة يقال لها البحرين.

6 ـ لو فقد الإسلام في الأرض لوجد في هجر.

وهذا الحديث محكي عن كتاب نفس الرحمن.

7 ـ رأيت في المنام إني أهاجر إلي بلدة فيها نخل، فذهب وهمي الي انها هجر، فاذا هي المدينة يثرب.

وهذا الحديث محكي عن صحيح البخاري.

الصحابة من البحرين
والبحرين شأنها شأن سائر الأمصار التي دخلت في الإسلام , في العهد النبوي الأوّل على قصر فترته ونال إن لم نقل الكثير بعض رجالاتها شرف صحبة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم إما بالمشاهدة والمشاركة معه في معاركه مع فلول الشرك والبغي والنفاق أو الصحبة والحضور في مجالسه والرواية عنه. ولكن للأسف لم يرصد المؤرخون أولئك الصحابة المهاجرين منها , ولم أقف على اسم واحد منهم سوى نصر بن نصير البحراني و يروي عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري , وقد ذكره الشيخ غلي البلادي في أنوار البدرين, ويمكن أن يعد في التابعين. أما الوافدون اليها فقد كان أولهم الصحابي الجليل العلاء بن عبد اللّه الحضرمي عندما بعثه رسول الله لدعوة أهلها الى الإسلام كما تقدم ثم توالت الهجرات اليها إما لتولي إمرتها كالصحابي المشهورأبي هريرة أو لغير ذلك .

أصحاب أئمة أهل البيت من البحرين
هناك جمع غفير ممن هاجر من البحرين,وكان له شرف صحبة أئمة أهل البيت عليهم السلام والرواية عنهم ومن أبرز هؤلاء :

1 _ حلاس بن عمرو الراسبي الهجري من أصحاب الإمام علي ومن بعده ابنه الإمام الحسين عليهما السلام.

2 ـ رشيد الهجري من أبرز أصحاب الإمام علي والإمام الحسين والإمام السجاد

3 ـ محمد بن سهل البحراني له رواية عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام , وعاصر الإمام الكاظم موسي بن جعفر عليه السلام.

4 ـ خيثمة بن عدي الهجري الكوفي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام

5 ـ محمد بن مشعل الهجري الكوفي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام

6 ـ عبد الله بن بكير الهجري من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

7 ـ أبو الوليد البحراني (الهجري) من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

8 ـ الوليد بن عقبة الهجري من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

9 ـ الوليد بن عروة الهجري من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام.

علماء الشيعة في البحرين علي امتداد القرون
وقد نشأ علماء كثيرون من المسلمين الشيعة في البحرين ابتداءاً من القرن الخامس الهجري ناهز عددهم على العشرات بل المئات في حدود البحرين القديمة التي تشمل الأحساء والقطيف وجزيرة أوال وقد اشتهر من بين هؤلاء جمع غفير ممن اطبقت شهرته الآفاق وملأت الأسماع وذاع صيته بين العام والخاص و كان من عرف في جزيرة أوال ( البحرين حالياًَ ) الشيخ أحمد بن سعادة في حدود القرن السادس والشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني (و636هـ ـ ت 679 هـ) في القرن السابع, والشيخ أحمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المتوج البحراني (ت 820 هـ) في القرن التاس والشيخ مفلح بن حسن الصيمري في القرن العاشر والسيد ماجد بن هاشم بن علي بن المرتضي الحسيني البحراني (ت 1028 هـ) في القرن الحادي عشر والسيد هاشم السيد سليمان التوبلي المتوفي سنة 1107هـ والمحقق البحراني: الشيخ يوسف بن أحمد بن ابراهيم آل عصفور البحراني (و 1107 هـ ، ت 1186 هـ ) في القرن الثاني عشر وابن أخيه العلامة البحراني: الشيخ حسين بن محمد بن أحمد بن ابراهيم البحراني ( ، ت 1221 هـ) والشيخ عبد الله الشيخ عباس الستري والشيخ أحمد آل طعان آفي القرن الثالث عشر وجدنا الشيخ خلف آل عصفور والشيخ أحمد آل حرز في النصف الأول من القرن الرابع عشروآخرون .

تاريخ التنوّع المذهبي في البحرين

يمكن تقسيم مراحل التنوع المذهبي الي مرحلتين رئيسيتين:

التنوّع المذهبي في عصر النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم
لم يعرف المسلمون في البحرين في الصدر الأوّل للإسلام التنوّع المذهبي علي حياة خاتم المرسلين محمد بن عبد اللّه صلي الله عليه وآله وسلم كالذي نعرفه اليوم حيث كان يمثل المرجع الأعلى والقدوة والأسوة والمنهل الذي ينهل منه كافة المسلمون ،ويقطع عن أذهانهم كلّ شائبة وشبهة وفرقة واختلاف . وكان هناك ثلّة من مهاجرة الصحابة قد لازموا الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم ، ومثلوا حلقة وصل مباشرة بينه وبين القبائل القاطنة في البحرين .

التنوّع المذهبي مابعد عصر النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم
عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة الإمام علي عليه السلام ومتابعتهم ونصرتهم له في قبال خصومه السياسيين والدينيين بعد ارتحال خاتم المرسلين الى الرفيق الأعلى من أمثال:

1 ـ أبو ذر الغفاري

2 ـ عمار بن ياسر

3 ـ سلمان الفارسي

4 ـ المقداد بن عمرو الكندي

5 ـ حذيفة بن اليمان

6 ـ خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين

7 ـ أيوب الأنصاري

8 ـ خالد بن سعيد بن العاص

9 ـ قيس بن سعد بن أبي عبادة

10 ـ أبو سعيد الخدري

وكان لكل واحد من هؤلاء خصوصاً الأربعة الأولى دور بارز في الأحداث المتلاحقة التي تزامنت مع أشكال وصور الصراع على قيادة العالم الإسلامي في مهد الإسلام الأول وعاصمته الأولى في المدينة المنورة ليس هذا موضع الحديث عنها .

دخول مذهب التشيع الى البحرين
عرف شعب البحرين التنوّع المذهبي في فترات متقدمة بعد عصر إرتحال خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم الي الرفيق الأعلي حيث كان ثلّة من مهاجرة البحرين يلازمون أئمّة أهل البيت عليهم السلام كما ذكرناه آنفاً ، و كانوا يمثلون حلقة التواصل بينهم وبين قبائلهم القاطنة في البحرين , كما أن هجرات أخرى قد تمت لجملة من الصحابة والتابعين من مكة والمدينة الى البحرين وأثرت في بلورة نمط وصيغة الإنتماء المذهبي.

ومن هنا عرف شعب البحرين بمحبته الشديدة للرسول الأكرم وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام وتبعاً لذلك دخل مذهب التشيّع والنصرة للإمام علي عليه السلام في عهد متقدم كما ذكر السيد نور الدين المعروف بالشهيد الثالث في كتابه مجالس المؤمنين في ترجمة البحرين:

وتشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والأحساء من قديم الأيام الي هذه الايام ظاهر شائع، ثم أضاف قائلاً: وكان في مبدء الإسلام مدة مديدة عامل تلك الديار إبان بن سعيد من جملة محبي أهل البيت عليهم السلام ، وكان ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر مع بني هاشم، وفي زمان ولاية أمير المؤمنين عليه السلام جعل حكومة تلك الديار ـ علي ما في كتاب تحفة الإحباء ـ مذكور مدّة بمعبد بن عباس وبعض الأوقات بعمر بن أبي سلمة الذي أمه أم سلمة زوجة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وكان ممتازاً علي غيره في العلم والعبادة والعقل وطيب الطينة وصفاء السريرة، وفي ذلك المكان قرر احقية الأمير عليه السلام بالخلافة وبيعة الغدير، ونقي عن قلوبهم الشك والشبهة في ذلك. انتهي.

وكانت من أبرز القبائل التي دانت بمذهب التشيّع لأهل البيت عليهم السلام كما ذكر بعض المؤرخين قبيلة ربيعة وفروعها كعبد القيس وبكر بن وائل وغيرهما . كما فرّ جمع من شيعة الإمام علي وحوارييه من بطش عبد الملك بن مروان ولجأوا الي البحرين لما عرف عنهم من إحتضانهم للتشيْع فتبعهم الخليفة الأموي
قال العلاّمة الشيخ يوسف البحراني في كشكوله: وأمّا ما كان من خبر أهل الشام فإنّه لمّا قُتل عامر بن الطفيل بن ربيعة الشيباني وجاءت الأخبار بذلك إلي الشام، وقد كان قد مات مروان بن الحكم وتولّي الأمر من بعده عبد الملك بن مروان، فسار بنفسه إلي الكوفة في ألوف لا يحصي عددهم إلاّ اللّه، وقد آلي علي نفسه أن لا يبقي بها أحداً من شيعة علي عليه السلام إلاّ قتله، فلمّا سمع بذلك إبراهيم بن مالك الأشتر، وصعصعة بن صوحان، وعمرو بن عامر الهمداني المعلم، وجماعة من خواصّ الشيعة، هربوا من عبد الملك إلي جزيرة البحرين، وكان زيد بن صوحان العبدي والياً عليها من قِبل الحسن عليه السلام ، ولم يتمكن من عزله بنو أمية خوفاً من أهل البحرين؛ لأنّهم لم يسلّموا أمراً إلي بني أمية أبداً، وهم كانوا أشجع أهل الدنيا وأقواهم جناناً، وأفصحهم لساناً، وأحبهم لأمير المؤمنين عليه السلام قلباً.

قال: فبقي زيد بن صوحان حاكماً في البحرين الي زمان عبد الملك بن مروان، إلي أن هربوا عنده الجماعة المذكورين، فتبعهم عبد الملك الي القطيف وأرسل إليهم من أصحابه إلي البحرين، فدافعت عنهم أهل البحرين، وقتلوا جميع من أرسلهم عبد الملك، فجاء اليه الخبر وهو في القطيف بأن أهل البحرين قتلوا جميع أصحابه الذين أرسلهم إلي أهل الكوفة، فلمّا سمع بذلك حشّد عليهم من الاعراب و البوادي مالم يعلم عددهم إلاّ اللّه، وانحدر علي أهل البحرين عبد الملك بنفسه، وجلس في الطرف الغربي، وكان مخيمهم من أول الدراز إلي بني جمرة، حتي ملأت عساكره الأماكن والفلوات، وقلعة البحرين يومئذٍ في البلاد القديم عند مشهد، وهي القلعة التي بناها الملك دقيانوس وهو الذي ادّعي الربوبية، وهربوا عنه أصحاب الكهف، والرقيم جبل في الإحساء، وكان زمان هذا الملك في الفترة التي ما بين موسي بن عمران وعيسي بن مريم عليهم السلام وبقيت هذه القلعة إلي زمان رسول اللّه صلي الله عليه وآله وسلم ، وإلي زمان بني أميه، وكانت بيوت أهل البحرين يومئذ متصلة من خلف القطاع الجنوبي إلي باربار وإلي كرزكان، وكان الرجل من أهل البحرين في ذلك الزمان يعد بألف فارس.

قال ثم أنّه لمّا أنحدر عليهم عبد الملك جعل زيد بن صوحان علي القلعة من يحرسها وخرج مع أهل البحرين إلي قتال عبد الملك، وجعل إبراهيم بن مالك الأشتر، وسندر معهما عسكر كبير في وسط البلد، وجعل سهلان بن علي ومعه أهل الأطراف الشرقية علي الشرقية، وجعل صعصعة أخاه وهو أغلب عسكره في الطرف الجنوبي، وجلس الأمير زيد بن صوحان في كرزكان ومعه أهل الأطراف الغربية، ثم وقعت الحرب بينهم وبين عبد الملك، ووقعت بينهم مقابلة عظيمة يطول شرحها في هذا المكان، قال: فلما رأي عبد الملك الشجاعة من أهل البحرين وقوة بأسهم علي الحروب، ورآهم أفرس أهل الدنيا، وكان يخرج عليهم بخمسين ألف وبالمائة ألف من أصحابة فيحصدهم أهل البحرين حصد السنبل، حتي كادوا يقتلون عبد الملك، فأشاروا عليه بعد ذلك أرباب أهل دولته بان يستميل أهل البحرين بالرشاء والعطاء، فأستمال جهّالهم وأشرارهم بذلك، وأغرى’ بعضهم علي بعض، فقتل شرارهم خيارهم، وقتلوا أخا زيد بن صوحان والجماعة الذين خرجوا معهم من الكوفة والذين نصروهم من أهل البحرين.

قال: فلما ظفر عبد الملك بالبحرين وأهلها، أحضر أهل الأطراف الذين نصروه والذين أستأمنوا، ودعاهم إلي الخروج من التشيع، فأبوا أن يخرجوا من دينهم وأمتنعوا عليه وقد أخذهم الندم علي قتلهم أخيارهم، فلمّا نظر عبد الملك إلي بعضهم وإظهارهم العداوة، خاف منهم خوفاً شديداً، فقال لهم: طيبوا نفوسكم فإني أترككم علي دينكم ولكم عندي ما أردتم، ولكن أريد منكم أن تكونوا في جزيرتكم هذه ولا أحد منكم يحمل السيف ولا العصي ولا يشد وسطه إلي حرب أبداً، ولا أحد ينقل السلاح ولكم عليَّ أن لا اخذ منكم شيئاً من خراج بلدكم، ولا أتعرض لكم بعد سنتي هذه، وهذا الشرط بيني وبينكم، وعليَّ في ذلك عهد اللّه وميثاقه.

قال: فحالف أهل البحرين علي ذلك، وكتب اللّه عليهم الذلّة، فلم يشدّوا أوساطهم بعد ذلك إلي الحرب، ولم يقتتلوا إلي يومنا هذا.

ثم إنّ عبد الملك دفن عين السجور، وكانت أقوي عين في البحرين، ودفن عيوناً كثيرة منها، لإن مراده ضعف أهل البحرين، وولّي راجعاً بعد ذلك، انتهي.

ثم اردف الشيخ يوسف بعد نقل القصة المذكورة قائلاً : مضمونها موافق لما هو الموجود الآن في تلك البلاد ومشهور بين الخلف من قبور اولئك الأمجاد، فإن قبور هؤلاء المشار إليهم كلّهم موجودة في البحرين، أتّخذوها مزارات يتبركون بها وينذرون إليها ويقصدونها من كلّ جانب ومكان، سيما قبر صعصعة وأخوه زيد بن صوحان.

أقول : وهناك أيضاً عوائل شيعية كثيرة نزحت من مدن الساحل ايران المطل على الخليج واستوطنت البحرين على امتداد ما يزيد على القرن ومن أهم تلك العوائل:

كازرني ـ بوشهري ـ ديلمي ـ دواني ـ جواهري ـ بلجيك ـ كلعوض ـ البردستاني ـ لاري ـ آل شريف ـ توراني ـ الهاشمي ـ رويان ـ ترك ـ اسفندياري ـ جهرمي ـ كراشي …. الخ.

دخول المذهب السني الي البحرين
ذكر بعض المؤرخين أن جميع حكّام البحرين الذين كان يتم تعيينهم من قبل السلاطين الإيرانيين إبّان بسط نفوذهم عليها في الفترة التي سبقت الدولة الصفويّة أو بعدها كانوا من العجم السنّة وكذلك خلال الفترة التي احتل فيها البرتغاليون البحرين .

ويرجع السبب في انتهاجهم لهذه السياسة الي أن جميع سكان البحرين كانوا من المسلمين العرب الشيعة فإذا اختاروا الحكام منهم خشوا منه أن يتمردوا ويستقلوا عنهم لذا فرضوا علي أن يكون تعيين حكامهم من قبلهم وأن يكونوا من أبناء الطائفة السنيّة ومن غير العرب لضمان عدم تواطئه معهم وتمرده علي تبعيته لهم و ضمان عدم خروجه عن كونه حاكماً عليها من قبلهم .

وقد كان لهذا المنحى السياسي أثراً كبيراً في بناء وتنشئة أجيال المستقبل لتقبل أجواء التعددية الطائفية .

كما كان يمثل منعطفاً هاماُ في مسيرة شعب حضاري نحو مستقبل أكثر انفتاح على من حوله ضمن تركيبة جديدة ستسهم في تطور مدني جديد سيكون للوافد الجديد دوراً كبيراً في بناء وتقدم مستقبله الإقتصادي والمدني .

ولعل ذلك من أهم الأسباب التي هيأت أسباب النجاح لتمكين الحكم الخليفي واستمراره طيلة القرنين الماضيين على الرغم من الأحداث التي عصفت بالبحرين في القرن الأخير والإحتكام الى الإستفتاء الشعبي مرتين كما سيأتي .

حكومة آل خليفة
في سنة 1197 هـ 1783 م بسط الأمير أحمد بن محمد بن خليفة الملقب بالفاتح سلطته على البحرين وجعل الحكم لأسرته آل خليفة من بعده , ثم اعقبه سلمان بن احمد سنة1209 هـ .

غزو العمانيين الأباضيّين
وبعد ست سنوات على امارة سلمان بن أحمد غزا العمانيون الأباضيّون البحرين سنة 1215 هـ بقيادة السلطان أحمد البوسعيدي الأباضي واستمر حكمهم للبحرين حتي سنة 1221هـ و في السنة الثانية من الإحتلال حدثت الواقعة التي اصيب فيها جدنا علامة البحرين الشيخ حسين آلعصفور >ره< بالحربة علي ظهر قدمه فكانت سبب وفاته بتاريخ الحادي والعشرين من شهر شوال سنة 1216 هـ كما أثاروا الرعب والهلع والسلب والنهب وفي تلك الأجواء اضطر أهالي قريتي عسكر وجو الى ترك قراهم للأمن على أرواحهم وممتلكاتهم والنزوح الى قريتي المعامير والنويدرات. ثم عاد سلمان بن احمد سنة 1224 هـ وتولى الحكم ثانياً ثم من بعده عبد اللّه بن احمد سنة 1226هـ ثم محمد بن خليفة بن سلمان بن احمد بن محمد بن خليفة سنة 1265 هـ

الهجرة المكثفة للعوائل السنية المذهب
وفي فترة الحكم الخليفي نزحت من شبه الجزيرة العربية وقطر الى البحرين عوائل كثيرة كانت تربطها بالعائلة الخليفية علاقات وشيجة وصداقة حميمة ومصالح مشتركة ومصاهرة منها عائلة الفاضل والدوسري والزياني والسادة وشريدة والمحمود والمسلم ,والجلاهمة والغتم والبن علي و البوعينين والنعيمي والرميحي والبوفلاسة والمناعي وتزامن مع ذلك نزوح عوائل سنية أخرى من مدن الساحل الإيراني الجنوبي من أبرزها : عائلة الكوهجي وبوجيري و العوضي والشيخ ويعقوبي وشويطر وفخرو والمؤيد وكانو وبوحجي وبوكمال وسيادي والمحميد والساعي وخنجي والآخند… الخ

المناطق التي يتمركز فيها أبناء الطائفة السنيّة
أهم المدن التي تركز فيها توطن أفراد العائلة الخليفية والقبائل والعوائل الموالية لها فهي مدينتا الرفاع شرقيها وغربيها وقد أسسهما الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة و مدينة المحرق و قد أسسها الشيخ عبد الله بن أحمد بن خليفة آل خليفة وأما القرى الحادثة التي تركز فيها اقامة أبناء الطائفة السنية فهي : البديع وقلالي والجسرة والزلاق وعسكر و جو والبسيتين والحد وحالة بوماهر والدور وأم الحصم والعكر الشرقية.

الإستفتاء الأوّل
علي استمرار الإمارة الخليفيّة

بعد احتدام الصراع والنزاع بين محمد بن خليفة ومحمد بن عبد اللّه بن خليفة على السلطة سنة 1288هـ اضطر المعتمد البريطاني للتدخل فجاء من ابو شهر بالمراكب الحربية,والقى القبض عليهما وسفرهما وبسط نفوذه بالقوة وخيّر اهل البحرين في مَنْ يُريدُونه حاكماً عليهم فاختاروا عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان بن احمد الفاتح بن محمد بن خليفة فارسل اليه المعتمد وعينه حاكماً . وحكم عيسي بن علي سنة 1288هـ ثم ابنه حمد بن عيسي تولي النيابة عن ابيه في حيوته لتقاعده ثم حكم بعده سنة1351 هـ ثم سلمان بن حمد سنة1361 هـ وفي عهده سنة 1368هـ اصدر مرسوماً بإحترام شهر رمضان المبارك ومراعاة حرمته فمن هذه السنة اغلقت المقاهي والمطاعم نهارا ورسمت العقوبة علي من وجد مفطرا قال الشيخ ابراهيم المبارك في ماضي البحرين وحاضرها: وكان الشيخ سلمان عاقلا حليما عطوفا يسمع النصح ويقبل الموعظة ويحسن للرعية ويفعل الخير بالمبادرة وليس بالخب ولا المرائي مجانبا للعصبية لا يفرق بين اهل مذهبه وغيرهم بل كان يري حق الجميع علي السواء كانت وفاته بالسكتة وهي النوبة القلبية سنة 1381 هـ

الإستفتاء الثاني
علي بقاء الحكم الخليفي السني
وإجماع الشيعة علي قبولهم


عندما تمخض عن المشاورات والإجتماعات والمفاوضات التي عقدت بين عامي 1968 م و 1969م اتفاق ضمني بين عدد من الأطراف ، وفي مقدمتهم البريطانيون والإيرانيون ينص علي إحالة موضوع مستقبل إمارة البحرين إلي السكرتير العام للأمم المتحدة علي أن يقوم الأخير بترتيب بعثة تقصي لتحديد الرغبات الحقيقية لشعب البحرين حول مستقبل البلاد . وقد قامت تلك اللجنة بإجراء الإستفتاء الذي نتج عنه اختيار الشعب لأن تكون بلادهم دولة عربية مستقلة وأن يكون الحكم فيها لآل خليفة بإبقائهم علي ماكانوا عليه . وقد قام الشيخ عيسي بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين في تلك الفترة بزيارة للسيد محسن الحكيم أحد أبرز مراجع الشيعة وزعمائها الدينيين في ذلك الوقت في النجف الأشرف معقل الزعامة الدينية الشيعية في العراق،وطلب منه حث شيعة البحرين علي التصويت لصالح استقلال البحرين ووعد بإحترام حقوق الشيعة الدينية .

وتم الإعلان عن استقلال البحرين كدولة عربية مستقلة في 15 اغسطس سنة 1791م وتقدمت بطلب عضوية في الأمم المتحدة الذي قبلها بعد ثلاثة أيام من تقديم الطلب في اجتماع مجلس الأمن بتاريخ 81 أغسطس حيث اصبحت الدولة رقم 821 في المنظمة الدولية ، وانضمت الي الجامعة العربية في 11 سبتمبر سنة 1791 م في القاهرة.

أشكال وصور التعايش السلمي الفعلي بين أبناء الطائفتين
ونظراً لصغر الرقعة الجغرافية لمملكة البحرين عند الإقتصار على حدودها الفعلية ضمن التقسيم الجغرافي الحديث نجد أن ذلك قد أثمر عنه وسطاً خصباً متميزاً, و صوراً متناغمة من التعايش السلمي نذكر منها :

1 ـ التعايش الجغرافي
حيث ينتشر أبناء كل طائفة بين أحياء أبناء الطائفة الأخري ، وإن تفردت كل طائفة بمساجد خاصة بها أو ببعض الأحياء والتجمعات السكانية إلا أن التعايش ضمن إطار الحدود الجغرافية الرسمية للوطن يعبّر عن حياة اجتماعية ذات نسيج واحدة داخل دائرة تضم وتحتضن أبناء الوطن بجميع فئاته وتياراته كأسرة واحدة في بيت واحد . وفي الوقت الذي كان فيه أبناء الطائفة السنية في غير مدينتي المنامة والمحرق يختصون بقري منفردة أصبحوا يساكنون أبناء الطائفة الشيعية في جميع مدنهم وقراهم وكذلك العكس فلم تعد قرية شيعية تخلو من مساكن من أبناء السنة وكذلك لم تعد منطقة خاصة بأبناء الطائفة السنية تخلو من مساكن من أبناء الطائفة الشيعية

2 ـ التعايش السياسي
يتقاسم الشيعة الحقائب الوزارية مع إخوانهم السنة ويشاطرونهم تحمل أعباء إدارة دفة توجيه الخدمات العامة للمواطنين والإسهام في وضع إستراتيجيات خطط البناء المستقبلية وبما يحقق الحياة الكريمة للمواطن , فعلى سبيل التمثيل في الوقت الحاضر نجد على رأس زير العدل معالي الإستاذ جواد سالم العريض

وعلى رأس وزارة البلديات والزراعة معالي الدكتور محمد علي الستري

وعلى رأس وزارة العمل والشؤون الاجتماعية معالي الدكتور مجيد حسن العلوي

و على رأس وزارة الصحة معالي الدكتور خليل ابراهيم حسن

وعلى رأس وزارة التجارة معالي الأستاذ علي صالح الصالح

كما نجد بين وزراء الدولة معالي الأستاذ عبد النبي عبد الله الشعلة

ومعالي الدكتورعبد الحسين علي ميرزا

ونجد بين من هم بدرجة وزير

معالي السيد ماجد جواد الجشي المستشار بديوان سمو رئيس الوزراء

ومعالي الدكتور السيد فيصل الموسوي رئيس مجلس الشوري

ومعالي الأستاذ ابراهيم محمد حسن حميدان رئيس المحكمة الدستورية

كما نجد من بين المحافظين محافظ المنطقة الشمالية الحاج أحمد محسن السلوم

يضاف إلي ذلك كلّه أن الجمعيّات السياسيّة التي ظهرت في الوسط السياسي في العصر الحديث بعد مرحلة التصديق علي ميثاق العمل الوطني لم توجد شرخاً في النسيج المجتمعي الواحد ولم ينجم عنها أي مفرزات تؤدي الي تصدع بناء كيان الأمّة ، والوقوع به في هاوية الصراعات الطاحنة .

بل نجد أن التحالفات والتشاور وتأسيس اللجان السياسية والإجتماعية المشتركة أضحت الخيار الإستراتيجي الوحيد لإحتضان متطلبات المواطن ومعايشة هموم الشارع البحريني والسعي لتلبية طموحاته وتطلعاته ، والسعي لإستشفاف واستكشاف الحلول الأفضل واستشراف المستقبل الواعد ،والإبحار بسفينة الوطن نحو بر الأمان والمستقبل الزاهر .

3 ـ التعايش الإجتماعي
من يعيش في مدينتي المنامة العاصمة والمحرق علي وجه الخصوص يجد بجلاء صور التجانس والتآلف بين فئات المجتمع بكل فئاته وطبقاته وانتماءاته المذهبية . وقد اتسعت هذه الظاهرة في الكثير من المدن والقري الأخري مؤخراً حتي أضحت سمة من أبرز سمات المجتمع البحريني المسلم كما أن ظاهرة تبادل كل أبناء طائفة لأبناء الطائفة الأخري الزيارات الأخوية و اظهار مشاعر الأخوة الصادقة والتواصل فيما بينهم في الأفراح والأحزان من الأمور الحياتية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من واقعه الإجتماعي كمجتمع واحد متآخي لا تمايز فيه بين طائفة وأخري . و يشارك الكثير من أبناء الطائفة السنيّة الطائفة الشيعية في مراسيمهم المذهبية وإحياء شعائرهم الخاصة بذكر مآثر ووفيات ومواليد أئمّة أهل البيت عليهم السلام علي امتداد العام . كما أن هناك الكثير من حالات التزاوج والمصاهرة بين أبناء الطائفتين الأمر الذي خلق أجواءاً اجتماعية أكثر تجانساً وتلاحماً وتقارباً .

4 ـ التعايش الإقتصادي
الكثير من تجار مملكة البحرين هم من أهل السنّة ولم يسمع أحد أن الشيعة قاطعوهم ،وكذلك العكس بالنسبة لتجار الشيعة. بل يرجع الفضل في ثراء كل واحد من تجار الطائفتين ونجاحه في عمله الي تعامل وتعاطي أبناء الطائفة الأخري مع مشاريعه التجارية والإستثماريّة. بل لولا وجود مثل ذلك الإنفتاح في التعامل مع كل فئات وأبناء الطائفة الأخري بما يمثلونه من كتلة استهلاكية كبيرة وقوة شرائية هامة لها ثقلها السكاني في تأمين ربحية أي مشروع تجاري وضمان نجاحه واستمراره لما تحقق لأحد من أولئك هذا النمو والأزدهار والتوسع والإرتقاء المهني بمعياره النوعيّ والكيفي والكمي. والأمثلة والشواهد ظاهرة للعيان غنية عن البيان لا نحتاج للتدليل عليها بشواهد من أرض الواقع لكثرتها وانتشارها واشتهارها . وهناك مشاريع ضخمة مشتركة بين تجار من أبناء الطائفتين في جميع المجالات الإستثمارية ، وهي آخذة في الإطراد والنمو يوماً بعد يوم بفعل الثقة المتبادلة وأجواء . كما أن سوق الأسهم جعلت الكثير من الشركات مملوكة بشكل مشترك بين أبناء الطائفتين بشكل تلقائي ، ولا توجد في ذلك أية غضاضة أو نفرة.

5 ـ التعايش الثقافي
نجد أن المساحة التي تعكس الأنشطة والفعاليات الثقافية عبر وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة لا تقتصر علي أبناء طائفة دون أخري كما أن العاملين في جميع مؤسسات وأجهزة تلك الوسائل والأدوات الإعلاميّة هم مزيج وخليط من أبناء الطائفتين التي أضحت مرتعاً وساحة تصول فيها أقلام أبناء كل طائفة بما يجول في خلد أصحابها من خواطر وانطباعات وأحاسيس وهموم ومقترحات وشكاوي وتظلمات وتطلعات . كما أن هناك شخصيات عالمية ولدت وترعرعت في مملكة البحرين واحتضنت نتاجها وتاريخها العلمي والأدبي ،وهي وإن كانت بحكم هويتها وانتمائها الطائفي تتبع الطائفة الشيعية كالشاعر الأديب الكبير ابراهيم العريض إلا أن الإحتفاء به والتمجيد بشخصيته نجده بين الكثير من أبناء الطائفة السنية بشكل منقطع النظير بإعتباره رافداً من أهم روافد الفكر الثقافي الأدبي البحريني والعربي. وكذلك في المقابل نجد الكثير من أبناء الطائفة الشيعية يقدر المفكر الكبير الدكتور جابر الأنصاري ويقرأ له ويكن له كل التقدير والإحترام يضاف الي ذلك كله أن الندوات والمحاضرات التي تعقد في مناسبات دينية ووطنية وأمكنة مختلفة من مجالس عائلية وحسينيات وأندية وصالات لم تعد مقصورة علي أبناء طائفة دون أخري بل نجد أن المنتدين والحضور المستمعين من أبناء الطائفتين بشكل متجانس فريد أخوة متحابين في اللّه بلا حواجز أو حساسيات أو استثارات طائفية .

6 ـ التعايش المصيري
يقف جميع أبناء البحرين سنة وشيعة صفاً واحداً تجاه القضايا المصيريّة التي تفرزها الظروف السياسيّة المتلاحقة في محيطنا الإقليمي و عالمنا الإسلامي . ويشارك جميعهم في الإسهام في دعم قضايا المسلمين الكبري والتي علي رأسها قضية فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها. مضافاً الي إعلان التضامن مع شعوب تلك الدول إعلامياً ومعنوياً ومادياً عبر ارسال التبرعات العينية السخية التي تسهم في تخفيف حدّة معاناة المتضررين من أبناء الأمة الإسلامية وهذا ما نجده بين الفينة والأخري عبر مسائل الإعلام التي تنقل تقارير قوافل التبرعات العينية خصوصاً لشعب العراق الجريح أقرب دول الجوار المنكوبة .

7 ـ التعايش القضائي
نظم دستور البحرين القضاء بنحو يكفل التنسيق والتعاون بين أعلى السلطات الشرعية المذهبية واحترام كل طائفة اسلامية لخصوصيّات الطائفة الإسلامية الأخري ، و رعاية طبيعة الأحكام التي تتصف بها المنهجية الخاصة لفقهها المعتمد, وضمان عدم التداخل في المراجعات والمرافعات والمنازعات فيما يتعلق بالأحوال الشخصية لأبناء كل طائفة

فقسّم القضاء إلي ثلاث درجات

1 ـ محكمة استئناف عليا شرعية

2 ـ محكمة كبري شرعيّة

3 ـ محكمة صغري شرعية

وكلاً منها إلي دائرتين :جعفرية وسنيّة

وقد كان لكل من تسنم منصب القضاء بعد ذلك التقسيم دور ريادي في العمل علي خلق أجواء التعايش السلمي بين أبناء الطائفتين، والقضاء علي كل ما يعكر صفو التعايش الإجتماعي وأجواء الجوار الأسري والمصاهرة بين منتسبيهما،

ومن أبرز قضاة فترة التنظيم القضائي الحديث الشيخ خلف بن الشيخ أحمد آل عصفور الذي عاصر الشيخ جاسم المهزع وكانت بينهما مود ة واحترام متبادل وتبادل المشورة والمراجعات خصوصاً من قبل الشيخ جاسم وبدون غضاضة أو استنكاف واستثارات طائفية

وكذلك في الفترة التي تولاها الشيخ باقر آل عصفور

والشيخ محمد علي حميدان والشيخ عبد الحسين الحلي المميز

ثم الفترة التي أعقبتها ومن ابرز شخصياتها المرحوم الشيخ منصور الستري والمرحوم الشيخ سعيد المبارك و الشيخ أحمد الشيخ خلف آل عصفور

ثم انتهت الي الفترة الأخيرة الذي كان أحد أبرز أقطابها الشيخ سليمان الشيخ محمد علي المدني ثم الدور الذي اضطلعنا به في مجال المزيد من التقريب من خلال ما قمنا به ونقوم به من تنسيق وتعاون وتشاور مع الجيل الجديد من اخوتنا قضاة المحاكم الشرعية السنية من أمثال أصحاب الفضيلة الشيخ جاسم المطلق والدكتور عدنان القطان والشيخ عبد الله المالكي والدكتور ابراهيم المريخي وغيرهم في كل ما يهم المصلحة العامة ويعود بالنفع العام خصوصاً الوقوف في وجه الهجمات الشرسة ضد القضاء الشرعي واحباط المؤامرات التي تحاك ضدّة من قبل التيارات العلمانيّة واليساريّة .

8 ـ التعايش ضمن لجان المؤسسات المالية الإسلامية
نجد في شكلية وتركيبة أعضاء لجان الرقابة الشرعيّة في المؤسسات المالية الإسلامية داخل مملكة البحرين أعضاء اً من مشائخ الطائفتين وعلماءاً من منتسبي مدرستيهما الفقهية للبحث عن القواسم التشريعية المشتركة ، ونقاط الإلتقاء فيما يدخل ضمن دائرة المعاملات المصرفية ، ويسعون متكاتفين الي بذل قصاري جهدهم لتصحيح المعاملات المصرفية وفق الموازين الشرعية للحيلولة دون وقوع رؤوس الأموال المودعة والمستثمرةفيما يحرم من المعاملات والإستثمارات، وتجنيبها من طرو أوجه الخلل والقصور والشبهات في سائرالمعاملات المصرفية والمالية .

كما أن هناك منتديات تخصصيّة تشاورية تعقد بين الحين والآخر يحرص منظموها من القطاعين الحكومي والأهلي علي دعوة علماء من الجانبين لتوثيق وتعزيز أوجه التعاون فيما بينهما للعمل علي تطوير المؤسسات المالية الإسلامية ،و لخلق أجواء الثقة في نفوس كافة المواطنين من أبناء الطائفتين في المؤسسات المالية ومصداقيتها الشرعية وهويتها الإسلامية.

8 ـ التعايش الأمني
وختاماً نشير الي أهم الضمانات لصور التعايش السلمي ألا وهو التعايش الأمني الذي يكفل كل مظاهر وأشكال وصور التعايش المتقدمة و يحقق لها النجاح علي أرض الواقع وهو يحول بطبيعته من انتهاك حرمة الأنفس والأعراض والأملاك ويحقق الإستقرار فحق الأمن مكفول لأبناء الطائفتين علي قدم المساواة، وكثير من أفراد الشرطة وإن كان أكثرهم من أبناء الطائفة السنيّة إلا أن السهر علي أمن وسلامة جميع المواطنين هو من واجباتهم التي يضطلعون بها ويلتزمون بإقرارها وتطبيقها على الجميع بلا استثناء.

استراتيجيّة التعايش السلمي المستقبلي المطلوبة
بين الطائفتين

عندما نلاحظ خصوصية الوضع التنظيمي لأبناء الطائفة الشيعية وعمومية ما يعيشون فيه من خدمات وامكانيات نجد أن هناك حالات سلبية ملازمة لوضعهم المادي والثقافي وتسبب ارباك في تعايشهم مع غيرهم يمكن أن نوجزها فيما يلي:

1 ـ الحرمان من المؤسسات المدنية والتعليمية والثقافية الراقية الأمر الذي يسهم في تدني مستوى أبنائهم التعليمي ويخلق في نفوسهم عقدة النقص والإحساس بالدونية , وينمي في نفوسهم الحقد والإزدراء والمقت لواقعهم ولمن يتنعمون على حسابهم في وطنهم .

2 ـ النقص في الخدمات العامة بدءاً من اختراق الشوارع غير المسفلتة لقراهم ومروراً بإنعدام شبكات الصرف الصحي وانتهاءاً بالوضع المتردي للمظهر العام للقرى التي يقطنون فيها وبشكل مزري .

3 ـ تردي الأوضاع المعيشية وانخفاض معدل دخل الفرد, يضاف الى ذلك البطالة المتفشية حيث يتعذر على المتخرجين من المدارس الحكومية والجامعات الحصول على الوظائف اللائقة بل وفرص العمل الملائمة والمناسبة.
الحلول المقترحة
ومن أجل رفع مستوي الخدمات وخلق أجواء التكافؤ في التعليم والمعيشة وإزاحة أسباب التوتر والهواجس نرى ضرورة وضع بعض الحلول في ثوب استراتيجيات ومشاريع تتطلبها ظروف المرحلة المصيريّة الراهنة ،ونعتقد أنّها ستسهم بشكل كبير وفاعل في إيجاد نقلة نوعيّة في واقع التعايش السلمي والحضاري لأبناء الطائفة الشيعيّة واندماج حقيقي مع أبناء بقية المذاهب الإسلامية خصوصاً الحاكمة منها على دولهم , ونعتقد بأنها لو تم العمل بها واقرارها لتم توفير أجواء وضع مثالي سيخدم شعوب المنطقة على المدى البعيد وذلك من خلال :

1 _ العمل على استكمال المرافق الخدمية المدنية العامة للمناطق التي يقطنها الشيعة أسوة بغيرهم

2 _ العمل على الإرتقاء بالمستوى التعليمي وتذويب الفوارق الأكاديمية لأبنائهم

3 _ العمل على توفير الوظائف المناسبة للعاطلين منهم وايجاد فرص العمل التي تكفل الإستقرار المعيشي لهم وتؤمن الحياة الكريمة .

4 _ العمل على استكمال مؤسسات التثقيف الديني الوسطي والعلمي.

5 _ العمل على ايجاد مؤسسات قيادية للإندماج في المشروع السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي جنباً الي جنب مع حكوماتهم التي باتت تتطلع الي وضع جديد يسوده الأمن والترابط وتتفاعل فيه اللحمة الوطنيّة الواحدة لضمان المصلحة العامة ، ومن أجل خلق مبدأ التعايش السلمي مع الحكومات وانتهاج العقلانيّة في شكليّة الحوار ومناقشة المطالب الدستوريّة الفرديّة والإجتماعيّة والسياسيّة من دون اللجوء الي العنف وأجواء التوتر نري أن الصيغة الوحيدة لرأب الصدع وتضييق الشرخ وردم الهوة ، وتضميد جراح الماضي وإلغاء مظاهر التشنج غير العقلانيّة وغير المنطقيّة تكمن في إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلي لدول مجلس التعاون الخليجي بما يتناسب مع خصوصيّات واقعنا و خصوصيّات طبيعة التركيبة الطائفيّة فيها يضم النخبة من علماء ومفكري ومثقفي الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي لتكون الجهة المعنيّة رسميّاً بتوجيه الخطابات الحقوقيّة والسياسيّة التي تخدم الصالح العام وتحسم المناقشات في الأمور الهامة وتتوصل الي الصيغ الوسطيّة المقبولة والتي يراعي فيها جميع الجوانب ذات الأهميّة .


ومما لا شك فيه أن هذه الأطروحة التي نجحت ولو ظاهرياً في بلد كلبنان ذلك البلد الذي تتقاسمه سبعة عشر طائفة فمن الأرجح أن تنجح في مدة زمنيّة قياسيّة في بلدان كبلداننا التي لا تتقاسمها سوي طائفتان علي الأرجح ، وستسهم في خلق أجواء الثقة المتبادلة و النوايا الحسنة تجاه الأطراف المتعايشة سواء منها الحاكمة أو المحكومة وعلي كافّة الأصعدة .

وما توفيقنا إلا باللّه تعالي عليه توكلنا وإليه ننيب ،والحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين محمّد وآله الطيبين الطاهرين .

بقلم: فضيلة الشيخ محسن آل عصفور قاضي محكمة الإستئناف العليا الشرعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق