( الفصل الثامن )

* الحركة الوطنية الديمقراطية في الستينات

- الأوضاع في مطلع الستينات :
شهدت مرحلة الستينات نشاطا ً سياسيا ً ملحوظا ً ليس في البحرين فحسب بل في أغلب بلدان العالم الثالث التي كانت واقعة تحت الاستعمار . ويعتبر هذا النشاط امتدادا ً للوعي السياسي التحرري الذي انطلق بعد الحرب العالمية الثانية وتصاعد منذ بداية النصف الثاني من هذا القرن . فإذا كانت الخمسينات قد شهدت انتصار ثورة مصر ( يوليو ) عام 1952 وانطلاق ثورة الجزائر عام 1954 والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما صاحبه من تفاعل شعبي عربي مع مصر وأثر ذلك على مسيرة الحركة التحررية في العالم العربي . وسقوط الملكية في العراق عام 1958 . فإن مرحة الستينات شهدت هي الأخرى مظاهر جديدة من النضال السياسي الذي تمخضت عنه أحيانا ً انتصارات كبيرة . وكان على رأس هذه الإنجازات انتصار ثورة الجزائر عام 1962 على الاستعمار الفرنسي . وقد ترك هذا الانتصار آثارا ً كبيرة على معنويات الناس في العالم العربي قاطبة ، وفي البحرين على وجه الخصوص . فالشعب في هذه البلاد أعلن الإضراب العام عندما وصل خبر اختطاف قادة الثورة الجزائرية وعلى رأسهم أحمد بن بيلا في أكتوبر 1956 ، وكان يتابع أخبار انتصارات هذه الثورة أولا ً بأول باهتمام بالغ . ولكن المعنويات أصيبت بانتكاسات عديدة منها ضرب هيئة الاتحاد الوطني عام 1956 وتسفير ثلاثة من قيادييها إلى جزيرة سانت هيلانة وازدياد التدخل البريطاني في البلاد خصوصا ً بعد أن أنشئ القسم الخاص لملاحقة العناصر النشطة التي كان لها دور بارز في قضية الهيئة . كما استلم مقاليد الحكم في شهر أغسطس عام 1961 الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة ( الحاكم الحالي ) بعد وفاة والده بناء على " الخريطة " التي أقرت عام 1957 من قبل الحكومة البريطانية .
يضاف إلى ذلك بروز ظروف سياسية محلية وإقليمية ودولية خاصة ساهم بعضها إيجابا ً في حركة المعارضة السياسية البحرانية وبعضها سلبا ً . فالوعي التحرري الذي ساد المنطقة والذي استهدف تصفية الاستعمار كان ذا أثر جيد في تحرك الشعور الشعبي نحو النضال المستمر . أما الأجواء السائدة في العالم العربي فكانت معادية للإمبريالية الأمريكية والاستعمار البريطاني . كما أن اتساع رقعة التعليم في المنطقة واحتكاك الطلاب البحرانيين بالعالم الخارجي خلال دراستهم الجامعية . كل ذلك ساهم في تعميق الحس النضالي في الناس وحثهم على مواجهة الاستبدادي السلطوي . ولكن على المستوى الآخر كانت البلاد تشهد صراعات فكرية وأيديولوجية بين كافة التيارات السياسية . فقد نشأت الحركات اليسارية في مطلع الستينات ( وهناك من يقول أن بعضها كان قد ظهر إلى الوجود منذ العام 1955 كجبهة التحرير الوطني البحرانية ، الماركسية الاتجاه والتي يعتقد أن لحزب تودة الإيراني دورا ً في تأسيسها ) وحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب . هذه التيارات جميعا ً كان يجمعها الرغبة في مواجهة الوجود البريطاني في البلاد ووضع حد للحكم القبلي . ولكن كانت تفرقها الأطروحات السياسية . فشهدت مدارس البحرين صراعا ً أيديولوجيا ً مستمرا ً وشهدت الجامعات في العواصم العربية مثل بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة والكويت صراعات أيديولوجية غير قليلة . وحتى هذا الوقت لم يكن التيار الإسلامي فاعلا ً كحركة سياسية وأيديولوجية ولم يدخل حلبة الصراع إلا من خلال مواقف علماء الدين المناهضة للاستعمار عموما ً. ولعل الصراعات الحزبية والفكرية المذكورة كانت من العوامل التي أدت إلى بروز التيار الإسلامي في البحرين في النصف الثاني من الستينات . ومع ذلك فقد بقيت المحافظة على القيم والأخلاق والمبادئ الإسلامية هي السمات العامة للناس .
وكما ذكرنا فإن شعب البحرين عريق التدين ، ويتميز عن معظم الشعوب العربية باهتمامه بالمناسبات الإسلامية الكثيرة بشكل منقطع النظير ، ولذلك كانت هناك أصالة فكرية . وهكذا نجد الحركة الوطنية في الخمسينات ملتزمة بالمقاييس العام للإسلام سواء على صعيد المطالب أم الدوافع . بل كان من قيادات الحركة بعض علماء الدين مثل السيد علي السيد إبراهيم ، ومن هنا كانت المعارضة شعبية بالمعنى الكامل لكلمة . ولئن كان الإخوان المسلمين قد وقفوا ضد الهيئة وساندوا الحكومة الخليفية إلا أنهم لم يستطيعوا تشكيل تيار قوي ، وبقوا معزولين خلال تلك الفترة لوقوفهم بوجه النضال الوطني (1) .
أما في حركة 65 فقد سعت الحركة اليسارية لتوجيه مسار الأحداث ، وحدث لغط شعبي حول الخطاب السياسي للحركة كما كان واضحا ً من خلال المنشورات السياسية التي كانت توزع في القرى والمدن على نطاق واسع . ومع ذلك فقد انطلق الشعب لمعارضة الحكومة من دون أن يتنازل عن مبادئه . فكان للمساجد دورها والمآتم دورها ولعلماء الدين دورهم . وبقيت المطالب توجه من خلال تجمعين أساسيين " جبهة القوى التقدمية " و " جبهة القوى القومية " .. الأول كان تحالفا ً أقيم بين الحركات السياسية في البداية ، والثاني استعمل بعد انفراط التحالف الأول .

- انتفاضة مارس 1965 :
كان عود الثقاب الذي أشعل الانتفاضة هو قرار شركة نفط البحرين تسريح مئات الموظفين البحرانيين من أعمالهم . جاء هذا القرار في 7 مارس 1965 ، فأعلن بقية العمال ( وعددهم حوالي 500 شخص ) في 9 مارس الإضراب العام احتجاجا ً على فصل زملائهم ثم أعلن الطلاب إضرابا ً عاما ً تضامنا ً مع موظفي شركة النفط ، وبدأ بذلك مسلسل من الإضرابات والمظاهرات استمر حوالي ثلاثة أشهر انتشر التوتر خلالها في البحرين ، وشهدت شوارع المدن والقرى من العنف ما لم تشهده خلال أية اضطرابات أخرى ، ويدرك الذين عاصروا الأحداث الحقيقية ما حدث ويحملون في ذاكرتهم صورا ً من التطورات اليومية على صعيد المواجهة بين الشعب والحكومة .
بدأ التوتر ، كما أشرنا ، في فصل الربيع حيث الجو اللطيف الهادئ والندى الرقيق الذي يغطي أوراق الأشجار المتفتحة الأوراق . هذا الندى كان يغطي أيضا ً المنشورات التي كانت توزع سرا ً في ليالي شهري مارس وإبريل ، يقول أحد الذين عاشوا الأحداث في تلك الفترة : " في الصباح الباكر عندما كنت أذهب لشراء الخبز من الخباز كنت أرفع المنشور من الأرض لأقرأه وأنا في طريقي ذهابا ً وإيابا ً ثم أخفيه في مكان آمن من البيت . وكنا نتبادل التجارب كل يوم حيث يحكي كل شاب عن المنشور الذي قرأه وأين أخفاه بعد ذلك كان القلق ينتاب الكثيرين مما سيحدث في البلاد ونحن نسمع أنباء نزول القوات البريطانية إلى الشوارع لمواجهة الطلاب وعمال شركة النفط . كما كانت قصص الملاحم وصور المواجهة تسيطر على أجواء اللقاءات كل يوم . وكان الشباب يكونون مجموعات صغيرة ليقوموا بأعمال يعتقدونها من صلب النضال ضد الاستعمار البريطاني والنظام الخليفي . وقد عايشنا كثيرا ً من تلك الأعمال ونحن صغار في السن " .
ويروي قصة من القصص اليومية آنذاك قائلا ً : " في أحد الأيام كان العمال يشتغلون في أحد البيوت عند مدخل قرية الدراز . وكانت سيارة " جيب " تأتي يوميا ً لنقل بعض عمال دائرة الكهرباء إلى الجفير وتقف على الشارع الرئيسي الذي يدخل القرية . قررت مجموعة من الشباب أن تحرق سيارة الجيب بعد قلبها . فأرسل الشباب شخصا ً ليقف على بعد ربع ميل من موقف السيارة ويراقب قدوم سيارات الشرطة من مراكز البديع ليطلق صفارة إنذار كي ينسحب الشباب من المكان قبل وصول الشرطة . ذهب الشاب إلى المكان المناسب لمهمته وتوجهت مجموعة مكونة من عشرة أشخاص تقريبا ً إلى موقف السيارة وقاموا بتدميرها بالحجارة ، وعندما كانوا يحاولون قلبها انطلقت صفارة الإنذار من زميلهم فهرعوا في لحظة واحدة واختفوا عن الأنظار . عندما وصلت سيارة الشرطة بادروا لاستجواب عمال البناء الذين كانوا بالقرب من موقف السيارة من أجل الحصول على معلوما تمكنهم من التعرف على الشباب ، ولكنهم لم يحصلوا أية معلومات منهم وأدعى العمال لأنهم لا يعرفون أيا ً منهم . وعندما يئس الشرطة من تعاون العمال توجهوا إلى موقف السيارة ، وقد أقبل شخصان لتوهما من داخل القرية يمران قريبا ً من السيارة ، فما كان من الشرطة إلا أن ألقت القبض عليهما وأودعوهما السجن ستة أشهر ( الشابان هما خليل إبراهيم يوسف كان عمره وقتها أربع وعشرون عاما ً و عبد الواحد عبد الشهيد كان عمره حوالي عشرين عاما ً ) .
وكان الجميع يتناقلون قصصا ً وروايات من هذا النوع . وكان الأولاد يقومون بأدوارهم في المواجهة حيث كان يزرعون الشوارع بالمسامير لتعطيل عجلات السيارات الذاهبة إلى العمل وسيارات الشرطة . ويقوم آخرون بوضع الأحجار وجذوع النخل في الشوارع لمنع حركة السير " .
هذا ما كان يحدث في كثير من القرى وخصوصا ً عندما يعلن عن مقتل شخص بنيران الشرطة كما حدث مرارا ً . هذا إلى جانب التوقف عن الذهاب إلى المدارس وكتابة الشعارات على الجدران في كل مكان ، وهذه الشعارات كانت موجهة بشكل أساسي ضد البريطانيين وشركة النفط وحكومة آل خليفة ، فالشعارات تكتب ليلا ً وتأتي الشرطة والمباحث ويرشونها بالألوان لإخفائها نهارا ً.
انطلق مسلسل العنف مع انطلاقة الإضرابات والتظاهرات . وكان واضحا ً أن هناك سياسية جديدة اتبعها الإنجليز بعد أن تعلموا من دروس حركة الهيئة شيئا ً كثيرا . وهذه السياسة تقوم على القمع العنيف لأية حركة معارضة لمنع تبلورها إلى مواجهة سياسية قوية قادرة على إسقاط النظام الخليفي الذي ترعاه بريطانيا . فبعد ثلاثة أيام من إضراب الطلاب ، بدا أن الأمر سيفلت من زمام السلطة وأن هناك احتقانا ً شعبيا ً واسعا ً قد يكون استمرار التظاهرات والإضرابات مجالا ً لانفجاره بشكل مروع ، خصوصا ً وأن المشاعر الشعبية تجاه ما حدث قبل تسعة أعوام ( عام 1956 ) ما تزال هائجة مغتاظة ، وأن الحكومة لم تقم بإصلاحات سياسية أو إدارية تذكر ، ولذلك جاء رد فعل السلطات عنيــفا ً .
في 14 مارس ، أي خلال الأسبوع الأولى من إضراب عمال شركة النفط ، كان العمال قد وضعوا حاجزا ً على الشارع العام المؤدي إلى مصفاة النفط ، مما أثار غضب الشرطة ، وفي الوقت نفسه كانت المظاهرات تعم شوارع مدينتي المنامة والمحرق وعددا ً من القرى . يوقل مراسل رويتر ( 14 مارس 1965 ) : " استمرت المناوشات . بين عدد الشرطة والعرب في المنامة ، وفي المحرق طافت جموع مكونة من آلاف الأشخاص الشوارع ترفع شعارات تدعو إلى الوحدة " .
وحسب تقرير رويتر فإن الشرطة أطلقت النار على المضربين وقتلت شخصين ، وحدثت مواجهات عنيفة في منطقة الجفير حيث تعيش أغلبية الأوروبيين ، ودمرت عددا ً من المنشئات .
وفي اليوم السابق ( 13 مارس ) حدثت اضطرابات ومواجهات عنيفة قتل فيها أحد المواطنين برصاص الشرطة وجرح عدد آخر . وفي مساء ذلك اليوم ، خرجت الجماهير غاضبة في الشوارع وحرقت سبع سيــارات .
وفي 14 مارس – كما ذكرنا – كان المضربون يحاولون منع الموظفين الأوروبيين من الذهاب إلى شركة النفط ، ونجم عن ذلك حدوث مصادمات عنيفة . فمثلا جرح أحد الموظفين الأوروبيين اسمه " ألبرت بريكون " من مقاطعة يور كشير عندما هاجم المتظاهرون الباص الذي كان ينقل الأوروبيين إلى مصنع التكرير . وتعرض عدد آخر من الموظفين البريطانيين لهجمات المتظاهرين الذين كانوا يتحركون بعداء للوجود البريطاني . كما هوجمت منازل بعض البريطانيين في صباح ذلك اليوم في منطقة الجفير ومنهم الكابتن " بتيت " .
وفي تصريح من الحكومة في ذلك اليوم اعترفت بحدوث التظاهرات ، وقالت إنها حدثت بالرغم من طلب الحاكم الشيخ عيسى بن سلمان ، ومن الناس عدم التظاهر ، وإنه لهذا السبب أعطيت الأوامر الصارمة لقوات الأمن بتفريق أي تجمع أو مظاهرة تخل بالأمن . وذكر الإعلان الحكومي المواطنين بأن التظاهرات العامة كانت قد منعت منذ الانتفاضة العام 1956 وأن هذا المنع ما يزال ساري المفعول . ومما كان يثير حق المواطنين أن الأوروبيين كانوا يعملون على سد الفراغ الذي يسببه الإضراب ، وذلك بالعمل ضعف ساعات الدوام .
وفي يوم 15 مارس ، استمرت الإضطرابات في المحرق ، بينما استمر الإضراب العام من قبل عمال شركة النفط ، وبلغ القتلى من المواطنين حتى ذلك اليوم أربعة بالإضافة إلى 27 جريحا ً و 43 معتقلا ً .
واستمرت إضرابات العمال أكثر من ثلاثة أسابيع ، واستمرت معه كذلك التظاهرات والمواجهات العنيفة . ففي 30 مارس أوردت وكالة رويتر أخبارها أن الشرطة استعملت القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين في مدرستين في المنامة . وسبق ذلك يومان شهدا حوادث عنف واسعة شبت على أثرها حرائق كبيرة .

- انتفاضة 1965 في الصحافة البريطانية :
نقلت الغارديان البريطانية عن وكالة BRITISH UNITED PRESS في عددها الصادر يوم الثلاثاء 23 مارس 1965 أن حكومة البحرين أعلنت أن على جميع أصحاب المتاجر فتح متاجرهم في اليوم التالي وإلا سوف تسحب سجلاتهم التجارية . كما سوف يقدمون إلى المحاكمة . وكان هناك إضراب عام مؤخرا ً بعد توقف العمل بشركة نفط البحرين التي حدثت فيها إضطرابات بسبب الاستغناء عن بعض العمال البحرانيين (2) . ونشرت في يوم الأربعاء 24 مارس مقالا ً من أحد مراسليها بعنوان :
" إن الإضراب العام الذي حصل في البحرين هو محاولة لإبراز القوة وذلك عندما أضرب العمال المسرحون من شركة النفط ( المملوكة أمريكيا ً) عن العمل احتجاجا ً على التسريحات الكبيرة . ويبدو أن التسريحات قد أشعلت موجة من الغضب الشعبي ضد الحكم الأوتوقراطي للشيخ عيسى الذي يبدو أنه غير قادر على السيطرة على الموقف . وتتصاعد المشاعر ضد بريطانيا لأنها تحمي النظام .
وتستمد الإضطرابات قوتها الأساسية من الطبقة العاملة التي تعاني من مشاكل اقتصادية إلى جانب المشاكل السياسية . ولذلك فهي اضطرابات تختلف عما حدث عام 1956 التي حرضت عليها عناصر برجوازية تسعى للمشاركة في الحكم . وليس من الواضح مدى الدعم الذي تحصل عليه كل من المنظمات الست التي تدعي أنها الحركات القيادية .

- مطالب المعارضة :
خلال الفترة الماضية كانت هناك محاولات لجر مشيخات الخليج إلى النهج السياسي العربي العام ، ولكن يعتقد أن الشيوعيين والبعثيين والناصريين يحظون بتأييد كبير في البلاد .
وتطالب حركة المعارضة بالحريات الأساسية السياسية وحرية تكوين النقابات العمالية . أما الحكومة فلم تفعل أكثر من تعيين لجنة للنظر في أسباب اعتقال عمال النفط . وقد رفضت المعارضة ذلك مطالبة بتكوين لجنة من الحكومة والعمال ومعظم أفرادها ينتخبون من بين العمال . وإذا لم يتنازل كل طرف عن موقفه فسوف يكون هناك امتحان لقوة الإرادة لكلا الجانبين ، وسوف تصبح بريطانيا داخلة في القضية بشكل أكبر . وقد استعملت القوات البريطانية المرابطة في البلاد لقمع الاضطرابات في حالة واحدة على الأقل " .
وفي مقال لها في 18 / 3 / 1965 ذكرت صحيفة " الديلي تلغراف " البريطانية " إن الإضرابات مستمرة لليوم الخامس على التوالي ، وإن قوات الأمن اعتقلت أعدادا ً أخرى من الناس ، وإن المتظاهرين في المحرق كانوا يطالبون بإطلاق سراح 60 شخصا ً في الأسبوع الســابــق " .
كما أشارت إلى " أن البريطانيين قلقون ويخشون أن تكون الإضطرابات محركة من الخارج طمعا ً في نفط الخليج الفارسي . وأكدت كذلك أن البريطانيين كانوا مستهدفين من قبل المتظاهرين " .
هذه التطورات الميدانية كان أساسها – كما أشرنا من قبل – إضراب عمال النفط احتجاجا ً على فصلف بضع مئات مهم من قبل إدارة الشركة ، ثم إعلان الطلاب تضامنهم مع الحركة العمالية وخروجهم في مظاهرات كبيرة طيلة الأسابيع الثلاثة التي أعقبت قرار العمال بدء إضرابهم في 9 مارس . ومن الطبيعي أن تسعى الجهات المعارضة السياسية إلى استغلال حالة التوتر العامة وتوجيه الأحداث نحو ما تهدف إليه . وحيث أن التنظيمات السياسية ذات الاتجاه اليساري كانت هي الأقوى في ذلك الوقت ، فقد التقت في بداية الأمر وطرحت نفسها ضمن جبهة موحدة سمتها " جبهة القوى التقدمية " ، وأصدرت هذه الجبهة بياناً في 15 آذار حددت فيه أهداف الحركة بالنقاط التالية (3) :
1- إيقاف الفصل التعسفي وإعادة المفصولين إلى وظائفهم .
2- الاعتراف للعمال بحق تكوين نقابات خاصة بهم .
3- رفع حالة الطوارئ التي تعيشها البحرين منذ عام 1956 والسماح بحرية الصحافة وحرية التجمع والكلام والتظاهر .
4- إطلاق سراح المسجونين السياسيين والسماح بعودة المنفيين وإيقاف الملاحقات والمطاردات .
5- فصل الموظفين البريطانيين والأجانب من جهاز الشرطة وتصفية جهاز القمع والتجسس والمباحث .
6- تشكيل لجنة للقيام بالنظر في شؤون العمال على أن يشترك ممثلون عن العمال يتم انتخابهم من قبلهم في اللجنة ، ويكون عمل اللجنة النظر في شؤون جميع العمال وليس عمال شركة النفط فقط .
7- تشكيل لجنة فيها العمال والطلاب للتحقيق في حوادث إطلاق النار التي أدت إلى قتل وجرح المتظاهرين في المحرق والمنامة والرفاع الشرقي وسترة ، وغيرها من المناطق الأخرى ومعاقبة المسؤولين عن هذه الحوادث .
وفي الوقت الذي وزع فيه هذا المنشور كانت البحرين في حالة من التوتر لم تشهد لها مثيلا ً منذ انتفاضة 1956 ، فإضراب عمال شركة النفط مستمر وطلاب المدارس لمي يتوقفوا عن التظاهرات وخطباء المساجد كانوا يحثون الناس على دعم المضربين . وحتى ذلك الوقت لم تطرح واجهة سياسية ، والجماهير لم تكن تتحرك بسبب المنشورات التي توزع في الشوارع ، وإنما كانت المشاعر الكامنة بالظلامة والقمع السلطوي هي التي تدفع الناس للمشاركة .
وقد وجدت جبهة القوى التقدمية الفرصة السانحة لطرح ما كانت تراه من أهداف سياسية ، وهي أهداف في معظمها تمثل استمرارا ً للأهداف التي طرحتا الهيئة قبل عشرة أعوام . ولكن الجبهة سرعان ما اختلفت على نفسها وأصبح الخلاف بين الفصائل السياسية المشاركة فيها مانعا ً من استمرار العمل في إطارها . فبعد عشرة أيام من توزيع منشور جبهة القوى التقدمية ، قدمت " جبهة القوى التقدمية " مذكرة إلى الحكومة ( 25 مارس ) طالبت فيها بما يلي (4) :
1- إنشاء مجلس تأسيسي يمثل فيه الشعب بكافة فئاته الوطنية من عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين .
2- بدء مفاوضات مع قوات الاحتلال على أساس منح الاستقلال وإلغاء القواعد العسكرية .
3- إيجاد مناخ ديمقراطي تتوفر فيه حرية العمل النقابي والمهني والطلابي ، وإعطاء الحريات للصحافة لتعبر عن إرادة الشعب .
4- محاكمة كل العناصر التي وقفت وراء الأحداث الأخيرة وتعاونت مع الأسرة الحاكمة .
5- إطلاق سراح المعتقلين الذين زجوا في السجون منذ عام 1956 .
6- إعادة جميع العمال المسرحين إلى أعمالهم .

استمرت جبهة القوى القومية في إصدار البيانات والمنشورات وتحدثت مع الخارج ( الدول العربية الأخرى والمنظمات الدولية ) حول الأوضاع في البحرين ولكنها لم تكن المحرك الأساسي للأحداث . خصوصا ً وأن الاختلاف الداخلي بين الفصائل السياسية منه إبراز جبهة موحدة وبرنامج عام سياسي مشترك . ومع ذلك استمر إضراب عمال النفط والمظاهرات الطلابية عدة أسابيع ، فلم ينته إضراب عمال شركة النفط إلا في نهاية شهر مارس ، بينما استمرت المظاهرات الطلابية أسابيع عديدة وكانت مدارس المنامة والمحرق منطلقا ً لتلك المظاهرات ، واضطربت جداول الامتحانات النهائية لذلك العام بسبب استمرار المظاهرات .
ففي شهر يونيه ، حيث امتحانات نهاية العام خرج الطلاب من قاعات الامتحان في مدرسة السلمانية في مظاهرة صاخبة طافت شوارع المنامة قبل أن تفرقها الشرطة مما أدى إلى تأخير امتحانات بعض المواد . وتجدر الإشارة إلى أن امتحانات الصف السادس الابتدائي لجميع مدارس البحرين كانت تقام في يوم واحد في مدرسة واحدة أو مدرستين . فكان طلاب مدرسة البديع وابو صيبع وجدحفص مثلا ً يذهبون لتقديم الامتحانات في مدرسة السلمانية المذكورة . فما أن يدخل الطلاب قاعات الامتحان حتى ترتفع أصوات البعض وتقذف الحجارة على النوافذ ، فيخرج الطلاب للتظاهر ، حدثت هذه الظاهرة مرات عديدة خلال ذلك العام ، وفي العام الذي يليه 1966 بمناسبة الذكرى الأولى للانتفاضة .
وكما ذكرنا فقد صاحب المظاهرات أعمال عنف عديدة كحرق السيارات وضرب المصالح البريطانية مثل كري مكنزي ودار الاستعلامات البريطانية ومساكن الموظفين والجنود البريطانيين . وفي 30 مارس شكلت فرق فدائية تمكنت من القيام بعدة أعمال منها نسف أنابيب المياه المؤدية إلى القاعدة العسكرية البريطانية ، وتفجير مستودعات الأشغال العامة التابعة للسلطات البريطانية ، كما نسفت عددا ً من السيارات التابعة للقوات البريطانية أثناء قيامها بأعمال الدورية ، وجرت محاولة لنسف إذاعة البحرين ، وشاركت في الانتفاضة طالبات المدارس عدة مرات .
وأمام التظاهر الشعبي كانت السلطات البريطانية تتبع سياسة القمع الشديد للمظاهرات ، خصوصا ً وإن جهاز الشرطة الذي حظي باهتمام السلطات البريطانية أصبح كبيرا ً تحت إشراف الخبراء البريطانيين ( همرسلي بشكل خاص ) . واستعملت الشرطة ( والقوات البريطانية في أكثر من مرة ) لمواجهة الطلاب وعمال النفط . فدخلت الشرطة بخيولها مدرسة الثانوية في الأيام الأولى للمظاهرات وداست الخيول بحوافرها الطلاب وقتلت واحدا ً منهم وجرحت خمسة آخرين ، واعتقلت 21 . أما الاعتقالات فلم تتوقف ، بل استمرت طيلة الشهور الأربعة ( مارس – يونيه ) وألقي القبض على عدد كبير من الشباب الثائر بينما اضطر عدد آخر للهرب سرا ً من البلاد .
هذا في الوقت الذي كانت تمتلئ جدران القرى والمدن بالشعارات المعادية للبريطانيين وآل خليفة . وكان أكثرها يكتب باللون الأحمر في الليل ثم تأتي الشرطة صباحا ً لترشه باللون الأسود ، وكان هذا المنظر مألوفا ً في أزقة القرى وشوارعها . وأمام إصرار الشعب على مواجهة السلطة ، اضطرت السلطة لتكوين لجنة خاصة للنظر في مطالب الناس ، وشكلت اللجنة برئاسة خليفة بن سلمان آل خليفة – شقيق الحاكم – وعضوية كل من محمد بن مبارك الخليفة ، وعبد الله بن خالد الخليفة وصادق البحرانه وراشد الزياني ومحمود العلوي ويوسف فخرو ، ولكن هذه اللجنة لم تستطع إنجاز شيء يذكر ، واستمرت النداءات والبيانات والشعارات والتظاهرات رغم القمع والاعتقال .
ومع استمرار الاضرابات والتظاهرات اتجهت بعض الفصائل الشعبية لأساليب أخرى في المعارضة ، فتكونت مجموعات أخرى في القرى والمدن لمهمات متعددة منها كتابة الشعارات على الجدران بشكل يومي ، ومهاجمة المصالح الحكومية ، بما فيها سيارات النقل والمراكز الرسمية ، وهكذا شجع استمرار حالة التوتر على حدوث طرف جديد أدى إلى ممارسة العنف على أوسع نطاق ، خصوصا ً وأن السلطة بدأت مواجهتها مع الشعب مستخدمة العنف كخيار أول ، وهذا ما حدث في مدرسة المنامة الثانوية في الأسبوع الأول من الإضرابات والتظاهرات ، وبالقرب من مصفاة النفط عندما أقام المضربون حواجز لمنع العمال الأجانب من الذهاب إلى العمل . وكان رد فعل المتظاهرين في الأيام التي أعقبت ذلك هو القيام بحرق السيارات الحكومية وخصوصا ً سيارات الشرطة . فقد حرقت بعض السيارات يوم 16 مارس ( الديلي تلغراف 17 مارس ) وكذلك في فترات منقطعة بعد ذلك . وفي 23 مارس ذكر مراسل " الديلي تلغراف " في البحرين أن مجموعة فدائية فجرت خط أنبوب مياه يغذي مصفاة شركة النفط ، وذلك بوضع عبوة ناسفة على جانب الأنبوب .
وفي يوم الخميس 9 أبريل تمكنت مجموعة من الفدائيين من اقتحام أسوار موقف باصات شركة النفط وحرقت عدد من باصاتها . واعتبر الحادث أكبر عمل من أعمال العنف منذ اندلاع الإضطرابات قبل ذلك بشهر . كما اشتعلت الحرائق في عدد من المؤسسات البريطانية ومنها شركة كري مكنزي التي اعتبرت رمزا ً للوجود البريطاني الاقتصادي والإفسادي في البلاد ( ديلي تلغراف 18 مارس ) كما هوجمت سيارات الشحن التابعة لها ودمرت المشروبات الكحولية في مخازنها .

- زيارة الأمير فيليب :
في يوم الأربعاء 24 مارس كانت هناك زيارة رسمية للبحرين من قبل فيليب زوج ملكة بريطانيا ، عندما كان عائدا ً من باكستان ضمن جولة لعدد من بلدان جنوب شرق آسيا . وكان للجماهير موعد مع تلك الزيارة ، فخرجت الظاهرات قبل وصول الأمير البريطاني ، وأقام المتظاهرون سبعة حواجز من الحجارة وأعجاز النخيل على الشارع المؤدي إلى المطار والذي كان من المقرر أن يمر عليه موكب استقبال الأمير فيليب ، وقد أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت شخصا ً واحدا ً هو عبد الله حسن بونفور (5) . وعندها ثار المتظاهرون وقاموا بأعمال عنف عديدة ، فقذفوا السيارات الحكومية بالحجارة وقلبوا سيارة شحن تابعة لشركة كري مكنزي البريطانية وسحبوا منها ستة عشر صندوقا ً من الخمر وكسروها .
وكجزء من الاحتياطات الأمنية ، لم يمر موكب استقبال الأمير فيليب في الشارع المذكور ، بل ذهب الهيلكوبتر من القاعدة العسكرية بالمحرق إلى الجفير ، حيث القاعدة العسكرية ومحل إقامة المعتمد السياسي السير ويليام لوس الذي كان مع الشيخ عيسى في استقبال الأمير فيليب . وقد أشرف ضابط أيرلندي على الإجراءات الأمنية في المطار قبل وصول الأمير فيليب . فكان جميع الشرطة والجنود مسلحين بالبنادق ، وكان هناك رشاش موجه باتجاه البحر لمواجهة أي إنزال بحري ! . وعند وصوله قال فيليب " آمل أنني لم أقاطع حربا ً مشتعلة " ( 6) , وكان الشيخ عيسى يأمل في إقامة حفل عشاء كبير للأمير البريطاني في قصر القضيبية ولكنه عدل عن ذلك واكتفى بدعوته لعشاء خاص في قصر الرفاع حضره عدد أقل من الناس ( حوالي 80 شخصا ً ) .
وذكرت التقارير آنذاك أن طائرات الهيلكوبتر التابعة للأسطول البريطاني استعملت لتحديد موقع التظاهرات ، كما استعملت لإلقاء القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين ( ديلي تلغراف 18 مارس 1965 ) .
وكانت الحركات الوطنية تعتبر الوجود البريطاني بشكله الذي كان موجودا ً آنذاك عامل استفزاز مستمر . ففي عام 1965 كان هناك 25 مسؤولا ً بريطانيا ً من بين 65 مسؤولا ً عالي الرتبة في البحرين (7) .
وكانت الشرطة وقسم التحقيقات الجنائية قد أنشئت من عناصر مستوردة . ففي عام 1959 م . كان هناك من بين 739 شرطيا ً ، 202 بحرانيا ً و 127 يمنيا ً شماليا ً و 69 عراقيا ً و 61 عمانيا ً ومثلهم يمنيا ً جنوبيا ً ، كما كان هناك 17 ضابطا ً بريطانيا ً من 29 ضابطا ً . وكان على رأس قسم التحقيقات ثلاثة قبارصة يعرفون في البحرين بـ " بن ، بوب وجرين " وقد تقاعد الإثنان الأوليان بعد أن جرحا بقنبلة زرعت في سيارتهما عام 1966 .
وهكذا تميزت الانتفاضة الشعبية التي بدأها العمال بدرجة من العنف لم تكن موجودة من قبل ، فقد قتل ما بين 10 – 15 شخصا ً من أبناء الشعب حسب التقارير البريطانية ، وكانت ردود أفعال الناس تعكس مدى عمق الشعور بالنقمة تجاه السلطة التي استعملت القوة بأقسى صورها ، فحدثت أعمال عنف شعبية من قبيل حرق السيارات واستهدفت أماكن سكن البريطانيين واستعمال قنابل المولوتوف التي تصنع في البيوت ، كما حدثت تفجيرات عديدة كان من أكبرها انفجار كبير في مخازن الجمارك بميناء سلمان في 5 يونيه 1965 أدى على مقتل شخصين وجرح عدد آخر ، ولم يعرف سبب الانفجار ولا من كان وراءه :
وفي ما يلي أسماء بعض الذين استشهدوا في حوادث 1965 (8) :
جاسم خليل عبد الله
عبد النبي محمد سرحان
عبد الله سعيد سرحان ( 14 مارس )
عبد الله بونفور ( 24 مارس )
عبد الله الغانم ( 22 إبريل )
فيصل عباس القصاب ( 14 أبريل ) .

- الوضع السياسي المحلي والإقليمي والدولي بعد 65 :
جاءت انتفاضة 65 في وضع إقليمي ودولي متميز ، حيث الشعور التحرري في العالم الثالث على أشده ، فقد سقطت الإمامة في صناعء بفضل ثورة 26 سبتمبر 1962 واستقلت الجزائر عام 1962 وأعطى استقلالها دفعا ً للنضال الوطني ، وكان هناك طرح قومي قوي متأثر بأفكار الرئيس المصري جمال عبد الناصر ونهجه . وساهمت حركة التعليم في المنطقة في حدوث تفاعل ثقافي وسياسي بين الطلاب البحرانيين والطلاب العرب الآخرين في بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد ، وانعكس هذا التأثر على حركة المعارضة في الداخل ، هذا في الوقت الذي انتشرت فيه وسائل الإعلان العربية المسموعة والمرئية والمقروءة مما أتاح فرصا ً واسعة للإطلاع على ما يحدث في البلدان الأخرى . وكان هناك الشيوعي الصيني الذي تأثر به عدد غير قليل من الشباب . فالثورة الثقافية التي قام بها ماوتسي تونغ انعكست على معنويات الشباب الذي انتمى للحركة الماركسية ، فتحرك ذلك الشباب وهو يستند إلى جدار قوي من الدعم المادي والمعنوي ، وكان لنضال تشي غيفارا ، الثائر البوليفي المشهور ، أثره أيضا ً في رفع معنويات اليساريين بشكل عام ، خصوصا ً أن البلدان العربية كان يحكمها المحسوبون على الرأسمالية والإمبريالية الغربية . وهناك ثورة أخرى حدثت عام 1964 في مستعمرة بريطانية هي زنجبار كان لها صدى واسع في المحميات البريطانية الأخرى ومنها البحرين ، وكانت هناك خشية بريطانية أن يحدث في البحرين ما حدث في زنجبار شرق أفريقيا . وفي هذا الصدد كتب كريسترفر جونسون مراسل جريدة الفايننشال تايمز (9) : " إن البريطانيين الذين يدرسون التاريخ المعاصر لشرق السويس يأملون أنه مهما حدث ، أن لا تسير الأوضاع في البحرين على ما سارت عليه الأوضاع في الجزيرة الفردوسية الأخرى زنجبار " . كما اندلعت الثورة في جنوب اليمن بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في 14 أكتوبر 1963 .
ولذلك لم يكن غريبا ً أن ينتفض الناس في البحرين ، أسوة بالشعوب الأخرى، فكانت النتيجة تحركا ً واسعا ً قوامه عمال شركة النفط ( وهي أكبر قطاع اقتصادي ) وطلاب المدارس الابتدائية والثانوية . ولكن مشكلة هذا التحرك أنه برغم ثوريته كان يعاني من أمور مهمة منها ما يلي :
1- إن الانتفاضة الشعبية حدثت بعفوية تامة ولم تكن هناك تنظيمات قوية حركت عمال شركة النفط الذين بدأوا إضرابهم بعد أن أعلنت الشركة برنامج للإستغناء عن عدد كبير من الموظفين ، وساد العمال شعور بأن سياسة الشركة سوف تؤدي إلى مزيد من الإقالات والاستغناء عن خدمات أبناء البحرين ولذلك جاءت حركتهم تعبيرا ً طبيعيا ً عن احتجاجهم على ما يحدث .
2- إذا كانت الحركات الوطنية قد تحركت مباشرة بعد انطلاق الانتفاضة فإنها فعلت ذلك كردة فعل آنية ولم تكن مخططة ، ولذلك جاءت بروح حزبية في معظم الأحيان ، وبدافع إثبات الذات أكثر من الرغبة في تحقيق بعض الإنجازات الوطنية . ومن هنا دب الخلاف بين فصائل المعارضة اليسارية بعد أيام قليلة من طرح مشروع " جبهة القوى التقدمية " وطرحت أسماء لواجهات أخرى كان في مقدمتها " جبهة القوى القومية " وكان مجال أنشطة الفصائل السياسية ( حزب البعث والناصريين والشيوعيين ) يرتكز في القطاع الطلابي وبشكل أقل في صفوف موظفي شركة النفط .
3- كان هناك خلط في الأهداف والاستراتيجية . فعمال النفط كانوا يتحركون بدافع المطالبة بحقوقهم وضمان عدم الاستغناء عن خدماتهم ، ولذلك استمروا في الإضراب أكثر من أسبوعين لعدم وجود تجاوب رسمي مع مطالبهم . وأعلن الطلاب مساندتهم لحركة العمال على هذا الأساس . ولكن الحركات السياسية حاولت توجيه الإضطرابات لطرح مشروع سياسي واسع وهذا أمر حسن ومقبول ولكنه لم يراع الظروف القائمة . ولم يلتفت إلى حقيقة أن الحركة إنما بدأها قطاع عمال يطالب بحقوقه من دون أن يكون على وعي بالمطالب السياسية الأخرى كالتمثيل البرلماني والإصلاحات الإدارية . وهذا الخلط في تقويم الموقف أدى في النهاية إلى حدوث تصدع في صفوف الحركة السياسية من جهة وإلى انتهاء إضراب عمال النفط ( وهو العامل الأهم في استمرار الانتفاضة ) من جهة أخرى بدون أن يتحقق أي مطلب من المطالب السياسية .
4- كان لأيديولوجية الحركة السياسية دورها في إضعاف الجبهة الوطني وخصوصا ً الماركسي منه على الصعيد الشعبي ، ولم يسع القائمون على الحركات السياسية بفصائلها المختلفة لوضع برنامج علاقات عامة لشرح حقيقة توجهات الحركة السياسية ومدى قربها وبعدها عن الإسلام . هذا على عكس ما حدث في حركة 1956 التي كان في صفوف قياداتها بعض علماء الدين ورؤساء المآتم والمساجد ، ولم يطرح من خلال برنامج الحركة ما يصطدم بالإسلام والعقيدة الإسلامية ، ولذلك مع مرور الوقت تضاءل الدعم الشعبي للحركة التي كانت قد انطلقت بقوة وكان من الممكن أن تؤدي إلى إنجازات حقيقية .

- استقدام أيان هندرسون :
إثر الانتفاضة العمالية في العام 1965 أصبح واضحا ً أن الوعي الشعبي أخذ في التصاعد وأن الحكومة المدعومة من البريطانيين بشكل مباشر لن تستطيع السيطرة على الوضع بعد انسحابهم منها . صحيح أن بريطانيا لم تعلن بعد عن عزمها على الانسحاب ، إلا إن المؤشرات كانت توحي بانكماش الإمبراطورية البريطانية خصوصا ً بعد انسحابها من الهند وجنوب شرق آسيا . وقتها كان الصراع في عدن على أشده ، الأمر الذي دفع إلى الاعتقاد بحتمية تغير الوضع في المنطقة برمتها .
وكانت حوادث 65 جرس إنذار بخطورة الوضع في البحرين خصوصا ً وأن الأمور لم تستقر على مدى الثلاثين عاما ً السابقة منذ عريضة البحارنه في ديسمبر 1935 التي كانت تطالب بإعطاء دور للشيعة في إدارة شؤون البلاد ، مرورا بحركة 1938 والتحركات الشعبية الواسعة في الخمسينات بقيادة الهيئة التنفيذية العليا . وكان على البريطانيين ، ممثلييْن بالمعتمد السياسي والمقيم السياسي الذي كان قد انتقل من بوشهر إلى البحرين أن يخططوا لمرحلة ما بعد رحيلهم من الخليج وهو أمر بات وشيكا ً في ضوء التراجعات التي شهدتها الإمبراطورية البريطانية . وكما مر في الفصول السابقة فقد كانت مسألة الأمن الداخلي قد شغلت عددا ً من المعتمدين السياسيين السابقين وخصوصا ً بعد قيام الحركة الشعبية في الخمسينات بقيادة الهيئة التنفيذية العليا ، وجاءت حوادث 65 لتكرس الشعور بضرورة إعادة تنظيم جهاز الأمن والشرطة لمواجهة التحديات المستقبلية للحركة الشعبية في البحرين . ومن هنا جاء قرار التركيز على إعادة تشكيل جهاز الأمن الداخلي والشرطة .
وهنا يبرز الضابط البريطاني أيان هندرسون ، ليصبح الرجل الأول في جهاز الأمن الخاص على مدى ثلاثين عاما ً اللاحقة من تاريخ البحرين . فقد استقدمته الإدارة البريطانية في البحرين وكلفته بمهمة إعادة تركيب جهاز الشرطة والأمن نظرا ً لتجربته في كنينا لفترة عشرين عاما ً على الأقل قبل استقدامه . وقد أثبت هندرسون قدراته في القمع من خلال مواجهته ثوار الماو ماو في تلك البلاد . وهناك عدد من الكتب حول تلك الحركة تتطرق إلى دور هندرسون في قمعها . وفي العام 1992 صدر كتاب " الماو ماو وكينيا " للمؤلف وونياباري أو . مالوبا Wunyabari O .Maloba (10) . وهو توثيق لحركة الماو ماو ، ويشرح دور هندرسون في فرض السياسة البريطانية في كينيا من خلال منع المواطنين السود من استرجاع أراضيهم التي أستولى عليها البيض بدعم بريطاني ابتداء ً من العام 1900 . في ذلك العام اكتمل بناء سكة حديد أوغندا ، وبدأ المستوطنون البيض في الاستيلاء على الأراضي لتثبيت الوجود البريطاني في شرق أفريقيا ومن ضنمها المنطقة التي أصبحت منذ 1920 تعرف باسم كينيا . وبسبب عدم توفر كل من كينيا وأوغندا على ثروات منجمية فقد أصبحت سكة الحديد غير قادرة على تحقيق أرباح ما لم يكن هناك تطوير للإنتاج الزراعي . ولذلك فقد شجع البريطانيون الذين كانت كينيا تحت حمايتهم الهنود الذين كانوا تحت هيمنتهم آنذاك على استعمار الأراضي . وكان لدى البريطانيون خيار آخر : هو تشجيع اليهود على الهجرة إلى كينيا وجاء ذلك بعد إصرار المستوطنين البيض على أن يكون المسيحيون هم رواد الحضارة إلى أفريقيا وليس اليهود .
كان الموقف العام يقتضي أن تتم السيطرة على الأفارقة وأن " يتم تأديبهم " . وفي السنوات اللاحقة استمر المستوطنون البيض في إثارة موضوع الحكم الذاتي بشكل أو بآخر ، وفرض أحكام حاسمة للتعامل مع الأفارقة ، وتشريع قوانين تساعد البيض على تملك الأراضي . وبذلك شحت الأراضي الصالحة للزراعة وأدى ذلك إلى سوء سوء استغلال ما هو متوفر منها بتكثيف استصلاحها ، الأمر الذي أدى إلى مشاكل زراعية واقتصادية كبيرة . وكانت مسألة تملك الأراضي واستصلاحها من القضايا التي دارت خلافات بشأنها في أفريقيا . وتطورت أطروحة الهوية الأفريقية في فترة ما قبل 1939 من خلال سلسلة من الاحتجاجات ضد السياسات الاستعمارية . ولذلك فقد كانت مطالبهم محدودة بالإصلاح في ظل النظام الاستعماري .
يطرح المؤلف مالوبا في الفصل الثالث تحت عنوان " سنوات الصدام " تطورات الأوضاع في كينيا حيث قامت السلطات الاستعمارية بقمع انتفاضة السود فيها . وهنا يبرز أيان هندرسون مرتبطا ً بذلك القمع . وقد كتب هندرسون نفسه كتابا ً حول مغامراته بعنوان " اصطياد الرجال في كينيا " (11) في العام 1958 عكس فيه الحوادث من وجهة نظره الشخصية . وفي العام 1950 عقد الاتحاد الأفريقي الكيني اجتماعا ً مع قادة النقابات العمالية وقرروا فرض أداء القسم بين الأعضاء الحكريين بين الجماعات ليصبح التنظيم منتشرا ً على أوسع نطاق . وهنا حاول هندرسون توظيف أكبر عدد من الأفارقة كمخبرين . واكتشف الاتحاد الأفريقي الكيني أحد الجواسيس بين أعضاء لجنته المركزية واسمه Mumgai.N.J وكان يعمل كسائق تاكسي ، وقال في اعترافاته بأنه منذ العام 1944 كان يساعد أيان هندرسون في مجال عمله في قسم التحقيقات الجنائية ويمده بالمعلومات حول قادة الاتحاد .
وأدت هذه الاعترافات إلى اعتقل مارخام سينغ ( أحد قادة الاتحاد ) ثم إبعاده . وأعطى هندرسون 100 شيلينغ لهذا المخبر لكي يستطيع أداء القسم الذي فرض1ته حركة الماو ماو . واستطاع هندرسون اعتقال 400 من الأفارقة عن طريق المخبرين .
وخلال العام 1952 استطاعت الحركة الوطنية الأفريقية تجميع كميات كبيرة من الذخيرة وتوجهت المجموعات الأولى من المقاتلين إلى جبال أبردير وجبل كينيا . وكان أحد المقاتلين المعروفين واروهيو ايتوتي المعروف أيضا ً باسم " جنرال تشاينا " ينطلق من جبل كينيا . وبعد العام 1953 كان هناك توسع ملموس في القسم الخاص تحت إدارة مسؤولي الاستخبارات البريطانية ، ساهمت علميات الاختراق والمضايقات في إضعاف المنتمين إلى الماو ماو . وكان هناك فرق التفتيش التي تتكون من مخبرين أفارقة ملثمين يستعرضون الثوار المعتقلين ويختارون من بينهم ناشطي الماو ماو ، إلا أن نقطة التحول لصالح بريطانيا كانت في يناير 1954 عندما اعتقل الجنرال تشاينا . فقد استجوبه أيان هندرسون لمدة 68 ساعة . وكان هندرسون قد ولد في كينيا ويتحدث لغة كيكويو بطلاقة ، واستطاع هندرسون الحصول على معلومات مهمة حول تنظيم الماو ماو ، وإقناع الجنرال تشاينا ( General China ) بترتيب محادثات بين الحكومة والمقاتلين الذين كانوا تحت سيطرته . ولكن هذه الخطوة فشلت في تحقيق الاستسلام الجماعي الذي كان هندرسون ينتظره . وخلال الهدنة التي استمرت ثلاثة شهور جمعت قوات هندرسون معلومات كثيرة عن الثوار واعتقلت ألفا ً من قوات الاحتياط التابعة للماو ماو في ثلاثة أيام فقط .
وبعد 1955 كان أكثر الطرق فاعلية ضد الماو ماو استعمال مقاتليها القدماء في الحرب ضد ما تبقى من قواتها وكان ذلك تحت قيادة هندرسون . فقد أرسل هؤلاء الغابات بدون رؤسائهم البيض وقاموا بقتل رفاقهم السابقين . وتم ذلك ضمن عملية مقايضة ألغيت بموجبها عقوبات الإعدام بحق المقاتلين في مقابل قيامهم بقتل رفاقهم . وقد تصاعدت خسائر الماو ماو في العام 1955 حيث كان هناك حوالي ألفي مقاتل ما يزالون نشطين في الجبال . وطبقت سياسة منع الماء عن الحركة بشدة ، وذلك بفرض حبس قطاعان الماشية في حظائرها في الليل ، ومنع الفلاحين من زراعة المحاصيل على بعد ثلاثة أميال من الغابة . وأدى النقص في الذخيرة وانعدام الطعام إلى تقليص قدرة المقاتلين الذين أصبحوا مطاردين في عمق الغابات . وبحلول العام 1956 أكدت القوات البريطانية أنها قتلت 11503 من مقاتلي الماو ماو وجرحت 1053 وأسرت 1550 في المواجهات واعتقلت 26625 بينما استسلم 2714 من المقاتلين . واستمر حوالي 500 مقاتل في مقاومتهم للبريطانيين مع ديدان كيماثي . وأعلن هندرسون أن الضغط على الفدائيين لني توقف حتى يعتقل كيماثي . وفي 21 أكتوبر 1956 ألقى هندرسون القبض على كيماثي وانتهت بذلك الحملة البريطانية .
وليس غريبا ً أن يبادر وزير الداخلية في كينيا التي حصلت على استقلالها في أكتوبر 1964 ، أوغينغا أودنيغا ، بالإعلان أن هندرسون وأربعة ضباط بريطانيين آخرين أصبحوا أشخاصا ً غير مرغوب فيهم وعليهم مغادرة كينيا خلال 48 ساعة . وهكذا خرج هندرسون من كينيا غير مشكور على ما قام به إلا من قبل الحكومة البريطانية الاستعمارية التي منحته ميداليتي " صليب الملك جورج " . وبعد طرده قضى تسعة أشهر في روديسيا التي كان يحكمها النظام العنصري بزعامة أيان سميث . وبعد ذلك استقدمته الحكومة البريطانية إلى البحرين في العام 1966 ليعيد تنظيم جهاز الأمن فيها في أعقاب الحركة الشعبية التي حدثت في العام 1965 . وقد استفاد هندرسون من تجربته في قمع حركة الماو ماو وأصبح يطبق أساليب التعذيب والاستجواب ضد أبناء البحرين . وما يزال موقعه محوريا ً حتى كتابه هذه السطور .
وقد شهدت حوادث العامين المنصرمين أهمية موقعه بالنسبة لحكومة آل خليفة التي أصبحت تعتمد في أمنها على خبرة الضابط البريطاني المخضرم . وقد عرف جهاز الأمن في البحرين الذين استلم قيادته هندرسون منذ العام 1966 أساليب قمعية شرسة وانتهاكات فظة لحقوق الإنسان على نطاق واسع . وما تزال شخصية هذا المرتزق تسترعي انتباه المراقبين الإعلاميين بسبب عدم ظهوره في العلن وإصراره على تطبيق تجربته الطويلة في قمع الماو ماو لخدمة حكومة آل خليفة في البحرين .

_______________

* الهوامش :
1- الحركة الإسلامية في البلاد العربية . عبد الله أبو عزة .
2- جريدة الغارديان البريطانية The Guardian الثلاثاء ، 23 مارس 1965 .
3- الحركة الوطنية في البحرين 1914 – 1971 إبراهيم خلف العبيدي .
4- المصدر السابق .
5- جريدة " الديلي تلغراف " 25 مارس 1965 .
6- From Aden To The Gulf , Personal Diaries 1956-1966 , By Margaret Luce , 1987
7- Arabia Without Sultans , Fred Falliday
8- البحرين ، مشكلات التغيير السياسي والاجتماع للدكتور محمد الرميحي 1976
9- الفايننشال تايمز The Financial Times 16 مارس 1965 .
10- Wunyabari O . Maloba , Mau Mau and Kenya , Indian University Press , 1996
11- Lan Henderson , Man Hunt in Kenya , doubleday ,1958

هناك تعليق واحد:

  1. مرحباً سيداتي وسادتي ، هل أنتم بحاجة إلى مساعدة مالية؟ أنا سوزان بنسون. أنا مُقرض ومستشار مالي أيضًا.

    هل تحتاج إلى قرض تجاري أو قرض شخصي أو قرض عقاري أو قرض لإكمال مشروعك؟ إذا كانت إجابتك نعم ، فإنني أوصيك بالاتصال بشركتي. نقدم جميع أنواع خدمات القروض بما في ذلك القروض طويلة الأجل وقصيرة الأجل. لمزيد من المعلومات ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني: (sunshinefinancialgroupinc@gmail.com) أو راسلني مباشرة على WhatsApp عبر: 00447903159998 واستقبل ردًا في الحال.

    نحن شركة خدمات مالية شاملة ونحن ملتزمون بمساعدتك على تلبية جميع تطلعاتك. نحن متخصصون في تقديم حلول التمويل المهيكلة للأفراد والشركات بأكثر الطرق فعالية وأسرعها.

    فيما يلي بعض الأسباب التي تجعلك تتصل بنا للحصول على قرض ؛
    * الراحة - يمكنك التقدم بطلب للحصول على قرض في أي وقت وفي أي مكان.
    * المبلغ المرن - أنت من يقرر المبلغ الذي تريد اقتراضه.
    * التمويل المباشر السريع - احصل على قرضك في غضون 24 ساعة بعد الموافقة.
    * معدل فائدة مرن 3٪.
    * معدلات موافقة عالية
    * السداد المرن - لديك الفرصة لاختيار تاريخ السداد ، إما أسبوعيًا أو شهريًا أو سنويًا لمدة 1-30 عامًا.
    * تطبيق بسيط عبر الإنترنت.
    * التوجيه الشخصي والخبرة.
    * أي رسوم خفية

    لا تخسر فرصة بسبب نقص الأموال. اتصل بشركتي الآن ، يمكننا مساعدتك في الحصول على قرض لأننا ساعدنا العديد من الأفراد والمؤسسات الذين واجهوا صعوبات مالية في جميع أنحاء العالم

    لمزيد من المعلومات حول عرض القرض الخاص بنا ، يرجى إرسال طلب القرض إلينا عبر:
    البريد الإلكتروني: sunshinefinancialgroupinc@gmail.com
    WhatsApp: +447903159998

    الوسطاء / الاستشاريون / السماسرة مدعوون لجلب عملائهم وهم محميون بنسبة 100٪. في ثقة تامة ، سنعمل معًا لصالح جميع الأطراف المعنية.

    ردحذف