( الفصل الثاني )
* الإصلاحات وعهد حمد بن عيسى
مما تقدم يتضح أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للغالبية الكبرى من الشعب ( البحارنه ) كانت متردية للغاية ، بشهادة الميجر ديلي وكافة المعتمدين البريطانيين ، وشكلت أرضية خصبة لأي تحرك سياسي فيما لو سمحت الظروف. ولعل هذه العوامل مجتمعة كانت وراء تنامي وعي البحارنه بقضيتهم وتحركاتهم في مطلع العشرينات . واشتملت تلك التحركات على كتابة العرائض الموقعة وتقديمها للحكومة البريطانية عن طريق المعتمد السياسي في البحرين أو المقيم السياسي في بوشهر ، وكذلك على الاحتجاجات الشعبية التي كان أهمها انتفاضة عام 1922 كما سنرى في ما بعد .وعلى ضوء التحركات الشيعية الواسعة ، وجد الإنجليز ضرورة إحداث تغييرات إدارية لوضع حد لظلم الحاكم وأقربائه وحلفائه الدواسر ، فكانت الإصلاحات الإدارية التي تبناها المعتمد السياسي آنذاك ، الميجر ديلي بموافقة حكومة الهند ، والتي وجد الإنجليز أنه لا يمكن تنفيذها إلا بإزالة الحاكم ( عيسى بن علي ) الذي تربع على كرسي الحكم حوالي 55 عاما ً وأصبح عاجزا ً عن فهم تطورات الأمور سواء داخل البلاد أو خارجها .
وهكذا عزل عيسى بن علي عام 1923م وعين ابنه الأكبر حمد بن عيسى الذي تولى الحكم حتى وفاته عام 1942م .وهناك مسالة مهمة لا بد من توضيحها ، وهي إن الإصلاحات الإدارية التي أدخلها الميجر ديلي وعزل بسببها عيسى بن علي من الحكم قوبلت بالرفض بشكل عام من قبل بعض أفراد العائلة الخليفية الموالين لعيسى بن علي نفسه ، وكذلك من قبل بعض القبائل السنية وخصوصا ً الدواسر ، وكان اعتراض الخليفيين قائما ً على أساس رفضهم التخلي عن السلطات المطلقة التي كانت بأيديهم وتسليمها للسلطة المركزية التي كان الإنجليز يسعون لخلقها من أجل تكريس سلطة الحاكم الجديد ، حمد بين عيسى . وكان الإنجليز يرون أن دوام الحكم الخليفي يقتضي ممارسة جانب من التوازن على صعيد السياسة الملحية لكي لا تحدث انتفاضات شعبية تؤدي إلى إسقاط هذا الحكم . بينما كان آل خليفة – خلال الخمسين عاما ً الماضية – يعولون على وقوف الإنجليز إلى جانبهم مهما كانت الظروف والسياسات القائمة حتى لو استدعى ذلك الوقوف استعمال القمع لإسكات الأصوات المعارضة . وكان الإنجليز أذكى من ذلك .أما القبائل السنية ، وفي مقدمتها الدواسر ، فقد انطلقت في معارضتها الإصلاحات على أساس رفض المساواة في الحقوق والواجبات مع الأغلبية الشعبية التي يمثلها البحارنه .
فالموقع المتميز في التعامل الذي كانت القبائل السنية تحظى به جعلها تعارض أية محاول لخلق سلطة مركزية قوية تخضعهم لسلطتها وتعاملهم كرعايا مثل باقي الناس ، وتسلبهم الامتيازات التي تمتعوا بها عقودا ً من الزمن على حساب حقوق الشيعة . وسنرى في ما بعد أن الدواسر وعددا ً من أفراد آل خليفة قاموا في الفترة 1920- 1924 بحملة إرهابية شاملة استهدفت البحارنه بشراسة متناهية ، مما أحدث حالة خوف مستمرة في أوساطهم ، وطالت هذه الحملات عددا ً من القرى البحرانية وأزهقت فيها أرواح عدد من البحارنه من بينهم العالم الشيعي المعروف ( الشيخ عبد الله العرب ) ، ولعل هذه الحملة كانت أحد الدوافع الأساسية لحمل الإنجليز على الإسراع في فرض الإصلاحات الإدارية برغم معارضة تلك القبائل . وبالرغم من وقوف بعض القبائل السنية ، ذات العلاقة الوثيقة مع الأسرة الحاكمة ضد الإصلاحات وضد الشيعة ، فقد كان واضحا ً أن ظلم آل خليفة كان شاملا ً للغالبية الساحقة من الشعب – الشيعة والسنة – وخاصة تلك التجمعات التي لا تربطها علاقات قبلية أو من قبائل ضعيفة في المحرق والمنامة ، كما لاحظنا من الأمثلة السابقة التي أوردها المعتمد البريطاني حول مظالم آل خليفة .ومن الجدير بالذكر أن الموقف من إزاحة عيسى بن علي والإصلاحات المقترحة من قبل البريطانيين قد تم النظر إليها من زاويا مختلفة من قبل الكتاب والمثقفين ، بحيث بدت أحيانا ً ، كما لو أنها مع الحاكم السابق في ظله ضد الشيعة ، وضد تغييره لأن البريطانيين قاموا بهذه الخطوة ، وبالتالي فإن الحاجة ماسة إلى إعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة من قبل الوطنيين ، على أرضية الفهم الصحيح للأحداث ، وليس فقط على أرضية الموقف من البريطانيين وهيمنتهم على البلاد ، وبالتالي دورهم في التغييرات التي حصلت آنذاك .كما أن من الضروري الانتباه إلى أن أحدا ً من البحارنه سواء الذين عاصروا تلك المرحلة أم الذين قرأوا عنها لا يستطيع أن يعترض على الإصلاحات وعزل عيسى بن علي إلا على أساس أنها كانت تكريسا ً لحكم آل خليفة .
فلا شك أن الممارسات التي كان أفراد العائلة الخليفية والقبائل السنية يقومون بها كانت تستدعي إزاحة الحاكم الخليفي وتعيين شخص من أبناء الشعب بدلا ً من ابنه الذي كان هو الآخر أحد أسباب عدم الاستقرار خلال فترة حكمه كما سنرى . وحيث أن ذلك كان بعيدا ً عن طريقة التفكير الإنجليزية التي كانت تكرس نفوذها في البلاد من خلال الاعتماد على جهات محتاجة في بقائها في الحكم على الدعم الإنجليزي المباشر ، فقد كان ما حدث هو أهون الشرين لأنه كان بداية لعهد جديد أزيحت فيه أغلال كثيرة من أعناق البحارنه ، كالضرائب والسخرة والتعرض لفتك " الفداوية " الذين هم جلاوزة الشيخ واعتداءات الدواسر . وللمرة الأولى شعر البحارنه أن هناك توجها ً للمساواة في المعاملات الإدارية والضريبة مع سواهم من المواطنين . فأي إنسان يستطيع رفض إصلاحات ديلي في مثل تلك الظروف ؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة البحرين الحالية ، التي على رأسها حاكم البلاد الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد بن عيسى بن علي لا تعترف بعزل عيسى بن علي عام 1923م ، فبعض المطبوعات حول تاريخ البحرين تصف عيسى بن علي بعبارة " حاكم البحرين 1869 – 1932 " أي لا تعترف بأنه أزيح من الحكم عام 1923م ونصب ابنه حمد ( وهو جد الحاكم الحالي ) مكانه .
وهو مؤشر على مدى رفض آل خليفة للإصلاحات التي اقتضت عزل عيسى بن علي والتي ساوت نسبيا ً بين الشيعة والسنة في عدد من الحقوق والواجبات .غير أن تنحية عيسى بن علي من الحكم لم تكن إلا مدخلا ً لمرحلة جديدة تتطلب عملا ً حثيثا ً على كافة المستويات وأهمها مجال الإصلاحات . ومن المجالات التي تحتاج إلى إدخال الإصلاحات ما ذكره المقيم في رسالته في 31 مايو 1923 رقم 250 إس إلى الحكومة البريطانية ( 1) :(( إن كلمة " الجمارك " تذكرني بأنه ربما تكون هذه الدائرة أول موضوع يعالجه الشيخ حمد والمعتمد السياسي . فقد أخبرت بأنه لأسباب معقولة من وجهة نظر مدير الجمارك ، فإن الحسابات تتم باللغة السندية لكي لا يقرأها العرب أو الإيرانيون أو الإنجليز الذي قد يرغب بعضهم في فحصها . ولقد أنذرت مدير الجمارك بأنه من أجل مصلحته الشخصية فإن عليه تغيير ذلك في أسرع وقت قبل حلول يوم الفحص والامتحان ... فالتجار يدفعون متى وكيف يحلو لهم من أجله مصلحتهم ، بينما التجار الصغار وأصحاب الدكاكين الصغيرة يدفعون في الوقت المحدد . وعلى صعيد الصرف ، فإن هناك ظاهرة التشويش والحاجة إلى طريقة محددة . فالشيخ عيسى يسحب 1000 روبية كل يوم ، وزوجته تحتفظ بنصفها ، بينما يقوم الشيخ عيسى بالتلاعب بالباقي على الرغم من أنه لا يصرف شيئا ً على نفسه واعتقد أن ذلك الباب أغلق الآن ، ولكن مدير جمارك المحرق ، وهو والد قاسم الشيراوي المعروف ، هو وكيل مشترك لكل عائلة آل خليفة الذي لا يسحبون علاوات كبيرة فحسب ، بل في الوقت نفسه ، يحصلون على كل مصاريفهم المنزلية من خلال وكيل المحرق الذي يزودهم بكل ما يريدون من علب الكبريت ، وخشب الوقود وعلف الجمال إلى السيارات والقوارب الآلية لأطفال آل خليفة . ولا شك أن الوكيل يضيف ريشا ً إلى عشه في هذه العملية . وبالرغم من أن آل خليفة يتمتعون بثروة لم يتعودوا عليها من قبل فإن أغلبهم مدين . ومن هذا يتضح مدى الجهد المطلوب من الشيخ حمد والمعتمد السياسي في مجال الجمارك على صعيد الدخل والصرف . ومن الممكن أن يصبح الدخل مضاعفا ً بينما مصاريف آل خليفة يمكن تقليصها إلى خمس المصاريف الحالية .ومجال آخر للإصلاحات هو " الطابو " ( تسجيل عقارات ) وهذا قد يأتي بعد وهذا قد يأتي بعد إصلاح الجمارك . وأعتقد أنني قلت ما فيه الكفاية لتوضيح مدى انشغال المعتمد السياسي قبل أن يتوصل إلى الإصلاحات المتعلقة بالغوص )) .
- الإصلاحات المقترحة (2)
1- إعادة تنظيم الجمارك : بعد إقصاء الشيخ عيسى ، تم تعيين السيد باور الذي كان يعمل في دائرة الجمارك الهندية الملكية للقيام بتلك المهمة . وقد وجد باور أن الحسابات كانت في حالة سيئة وإن حالات اختلاس واضحة فيها . وتمكن باور من استرجاع مبلغ 70000 روبية من شركة جانجارام تيكامداس التي كانت مسئولة عن تنظيم الحسابات في عهد الشيخ عيسى . وركز ذلك الشخص على تنظيم دفع الضرائب الجمركية من قبل التجار في أوقاتها المحددة بعد أن كان بعض التجار لا يدفعون إلا مرة أو مرتين في العام الواحد على أساس اتفاق بينهم وبين الحكومة .وسعى باور بعد ذلك لتوظيف مدير بريطاني للجمارك براتب شهري قدره 1000 روبية وعلاوة ( 5% ) ليصل إلى 2000 روبية في الشهر . لأن بارو نفسه كان سيغادر البلاد .
2- قوة شرطة صغيرة : بسبب غياب قوة مركزية للحفاظ على الأمن حدثت مشاكل كثيرة مع الدواسر وغيرهم . ولذلك اقترح المقيم تكوين قوة من الشرطة تتكون من 200 إلى 250 شخص كنواة لقوة داخلية أكبر ، وقال المقيم بأنه نظرا ً للأوضاع المالي الضعيفة في البلاد فإن قوة من 100 شخص قد تكون كافية في تلك الفترة . ثم اقترح أن تكون هذه القوة من البلوش ، وأن تؤخذ من قوة شرطة مسقط التي ذكر أنها سوف تستغني عن 100 شخص من أفرادها . ولو كانت هذه القوة موجودة – حسب رأي القيم – لما حدثت الاضطرابات بين النجديين والإيرانيين في شهر مايو من ذلك العام ( 1923 ) ولما استطاع الدواسر مغادرة البحرين .وكان المقيم يرى ضرورة أن تكون هذه القوة منظمة لكي لا تنقلب على الحكومة ، ولذلك فقد اقترح الاستعانة بضابط بريطاني لهذه المهمة ، رغم تكلفته العالية التي تبلغ حوالي 100 روبية شهريا ً .
3- تقدير الدخل وتسجيل الأراضي : بسبب الظلم الذي ساد في عهد الشيخ عيسى كان من الضروري إعادة تسجيل ملكية الأراضي ، واقترح المقيم تعيين مدير لهذه المهمة من الهند على أن تكون له خبرة في مسح الأراضي .وقد اختلس أفراد آل خليفة وبعض حلفائهم أراضي كثيرة من المواطنين الأصليين ومع صعوبة إثبات ملكية الأرض بعد سنوات من الظلم ، فقد اقترح المقيم أن أي شخص يقدم وثيقة ملكية مكتوبة ستكون كافية لاسترداد أرضه . أو أن يثبت ملكيته للأرض لمدة عشر سنوات ليكون مستحقا ً لاسترجاعها .
4- مدخولات الأرض : يشكل دخل الحكومة من الأراضي جزءا ً كبيرا ً من مدخولاتها ، ولكن بسبب امتلاك آل خليفة معظم الأراضي وامتناعهم عن دفع ضرائب عليها فإن الدخل الحكومي من الأراضي كان قليلا ً ، ولكن إدخال نظام ضريبة الأرض سوف يفتح الباب أمام مشاكل كبيرة ، ولذلك اقترح تجميد الموضوع والتعويض عن الدخل من ضريبة الأرض بزيادة ضريبة الاستيراد من 5% إلى 6.25% والنسبة الجديدة سوف تسهل الحسابات كثيرا ً لأنها تعني ( آنة ) واحدة لكل روبـية .
5- إصلاح نظام الغوص : وكان ذلك من أصعب المهمات ، لأن أي إصلاح فيه سيقابل بالرفض من النواخذة ، الذين تجري الأمور حاليا ً كما يشتهون ، فكل منطقة الخليج تشكو من سوء الأوضاع في هذا القطاع ولربما تكون في قطر أو الكويت أسوأ منها في البحرين . وكانت هناك خشية من المطالبة بإدخال إصلاحات شاملة في نظام الغوص في كل منطقة الخليج وليس البحرين وحدها ، ولكن المقيم كان يرى ضرورة إدخال إصلاحات في هذا القطاع الذي يعتمد عليه الاقتصاد الوطني في البحرين إلى حد بعيد .ولم يكن المقيم يطلب تغييرات جذرية في أحكام وقواعد الغوص بقدر ما كان يطالب بتطبيق هذه الأحكام لمصلحة الغواصين وبقية عمال الغوص .
أما مصالح النواخذة فهي محمية في الوقت الحاضر وكانت الإصلاحات المطلوبة على النحو التالي :
1- من الضروري أن يحتفظ النواخذة بحسابات مفهومة ومرتبة .
2- إعطاء الغواص نسخة من حساباته في كل فصل من قبل النواخذة .
3- أن يكون أعضاء محكمة السليفة من الرجال القادرين على فهم الحسابات وأن تكون شخصياتهم محترمة . ومع أن هذه النقاط قد لا تكون موضع اختلاف فإنه أميّة النواخذة ( حوالي ثلثهم أميون ) كانت تشكل صعوبة كبيرة وكذلك عدم وجود شخصيات قوية وفاهمة تجلس في محكمة السليف .وقد اقترح المقيم أنه نظرا ً لصعوبة تحقيق ذلك ، تستطيع الحكومة إنشاء دائرة خاصة للغوص تنظر في القضايا قبل شهر واحد من بدء موسم الغوص وبعد شهر واحد من انتهائه ، ويحضر لمحكمة السليفة الحكومية النواخذة والغواصون والسيبة .
وفي المحضر الذي يسبق الموسم يحضر كل نوخذة مع كل غواص وسيب لتسجيل المبلغ المدفوع مقدما ً من قبل النوخذة أمام محكمة السليفة وكذلك كل ما يعطيه النوخذة للغواص أو السيب . وفي حالة الاختلاف يتقدم الطرفان أمام هذه المحكمة للنظر في الأمر ، لأن القضايا تكون قد سجلت في سجل النوخذة وسجل الشخص الآخر .وبعد انتهاء الموسم يحضر النوخذة والغواصون أمام المحكمة بالطريقة نفسها ، حيث يقدم النوخذة حساباته مع كل الغيص والسيب وتقدم المحكمة بتقرير حصة كل منهما بعد طرح المبالغة المقدمة سلفا ً ، ويسجل كل ذلك في سجلات النواخذة والغواصين . وتستطيع المحكمة تقاضي مبلغ زهيد ( 1% مثلا ً ) من كلا الطرفين هذا بالإضافة طبعا ً للضرائب المفروضة على كل قارب كما هو معتاد .
6- ولاية العهد : بسبب المشاكل التي صاحبت مسألة انتقال الحكم من عيسى بن علي إلى ابنه حمد فقد ارتأى المقيم إعطاء موضوع الخلافة اهتماما ً في وقت مبكر . ولكنه لم ير الشيخ سلمان ، وهو الابن الأكبر لحمد إلا شخصا ً غير مثقف مغرورا ً كسولا ً ميالا ً للظلم لكل من لا يستطيع مقاومته . واقترح الاهتمام بأحد أبناء حمد الصغار وهو مبارك وإرساله مع أخوين له أصغر منه إلى الهند للدراسة .7- إدخال نظام قضائي وأحكام مدنية وجنائية أولية : كان النظام القضائي حتى ذلك الوقت على النحو التالي :
أ- الرعايا البحرانيون : يجلس الشيخ في المحكمة في الحالات المدنية والجنائية الكبرى بينما ترفع القضايا الأخرى لقاضي الشرع السني في الغالب . وقبل إدخال الإصلاحات كان كل فرد من آل خليفة يصدر أحكاما ً على البحارنه بدون محاكمة .
ب – الرعايا البحرانيون والرعايا غير البحرانيين : عندما تحدث مشكلة بين هاتين الفئتين فإنها تقدم للمحكمة المشتركة التي يجلس فيها الشيخ والمعتمد السياسي ويستعمل القانون المدني الهندي كدليل في هذه المحكمة .
ج – القضايا التجارية بين البحرانيين والأجانب وفي بعض الحالات بين الأجانب : ينظر فيها مجلس العرف الذي يعمل بالعرف والممارسة ، ويصبح حكمه نافذا ً عندما يقره الشيخ أو المعتمد السياسي .د- الرعايا البريطانيون والأجانب : يطلق عليهم نظام ( Order In Council ) : ينظر فيها المعتمد السياسي طبقا ً للقانون المدني الهندي .وفي القضايا من النوع الأول يشكو الشيخ حمد من عدم وجود دليل يرجع إليه .
ولذلك فالمطلوب إدخال قانون من نوع آخر ، وقد اتفق الشيخ حمد على ذلك .يتضح مما سبق أن اقتراحات المقيم السياسي بخصوص إدخال إصلاحات تنطوي على توظيف ثلاثة أشخاص بريطانيين في مواقع مهمة أحدهم كمدير للجمارك والثاني كضابط لقوة شرطة مقترحة وثالث لتعلم أبناء الشيخ حمد ، ويعزو اقتراحه بتوظيف البريطانيين إلى عدم وجود من يستطيع القيام بذلك من البحرانيين ، وإلى هذا يشير بوضوح في رسالته للحكومة البريطانية المذكورة :" لقد قلت مرارا ً بأن العقبة الكبرى أمام إدخال الإصلاحات في البحرين هي في عدم وجود أشخاص سواء من العائلة الحاكمة أو من بين الوجهاء يستطيعون الإضطلاع بأعبائها.
ولذلك فإن رأيي أنه ما لم نعين مسؤولين بريطانيين للإشراف على الإصلاحات . فإنها لن تطبق بنجاح " (2) .وبسبب ضعف موارد الدخل في البحرين آنذاك تساءلت حكومة الهند من المقيم السياسي عن بعض النقاط الواردة في برنامج الإصلاحات المتقرح من المقيم ، وجاءت هذه التساؤلات والاقتراحات في رسالة من وزارة الخارجية في دلهي إلى المقيم في 9 ديسمبر 1923 كما يلي (4) :
1- أليس من الممكن الاستعانة بخدمات شخص من العراق أو مصر لإدارة الجمارك تحت إشراف مشترك من الشيخ والمعتمد بدلا ً من تعيين شخص بريطاني ؟ .
2- بخصوص تكوين القوة المقترحة للشرطة ، طلبت حكومة الهند رأي المقيم حول إمكان الاستعانة بضابط من قبل المندوب السامي في العراق ، وطلبت تقدير تكاليف استقدام قوة الشرطة المقترحة من مسقط .
3- أليس من الممكن إرسال أبناء الشيخ للدراسة في مدرسة " فان إس " في البصرة حيث كان يتعلم أبناء الشيخ خزعل ؟
4- ما هو موقف الشيخ حمد من الإصلاحات في مجال اللؤلؤ ؟
5- ماذا سيكون تأثير الإصلاحات في الجمارك على مستوى المعيشة ؟وقام المقيم بتقديم هذه التساؤلات إلى المعتمد البريطاني في البحرين الذي أبدى وجهة نظره بشأنها في 17 / 12 / 1923م كما يلي (5) :
1- لم يوافق على إمكانية إدارة الجمارك من قبل أي شخص عربي ( بحراني أو مصري ) بدعوى أنه لا يوجد شخص بحراني قادر على ذلك وأن المصريين غير مرغوبين في البحرين ! .
2- قام بتقدير تكاليف استقدام كتيبة شرطة من مسقط وهو 3830 روبية شهريا ً ، ولم يستحسن فكرة استقدام شخص من العراق .
3- لم يوافق المعتمد على إرسال أبنا ء الشيخ للمدرسة المسيحية في البصرة واقترح إرسالهما إلى عليكرة في الهند .
4- الإصلاحات في مجال اللؤلؤ مسألة حساسة ، ولذلك لا بد من التريث في تطبيقها ، ويرى المعتمد أن هناك تنفيذا ً تدريجيا ً قد بدأ وأن هذه الإصلاحات سوف تحافظ على حقوق الغواصين . ويرى كذلك أن يكون للغواصين نسبة من عائدات ما يصطادونه من لؤلؤ ، مما يشجعهم على الاجتهاد في الصيد ويضمن حقوقهم ويعود بالنفع على النوخذة ويشير إلى أن الشيخ حمد متحمس للإصلاحات وأنه بدأ استعمال ملفات الحسابات .
5- الإصلاحات في الجمارك لن يكون لها تأثير كبير على مستوى المعيشة في البلاد وخصوصا ً في أوساط الفقراء . فهؤلاء يعتمدون في معيشتهم على التمر الذي لا يستورد منه شيء بل ينتج محليا ً .
ويرى أن اقتراحه بالتعديلات في معدلات الضريبة ستعود بالنفع على المواطنين . ويشير إلى أن البحارنه بدأوا يستعيدون الثقة بالوضع فأخذوا يزرعون مزارعهم ويصلحون قوارب الغوص .عل ضوء هذه الآراء بعث المقيم برسالة إلى حكومة الهند في 21 ديسمبر 1923 (6) مسهبا ً فيها موقفه القائم على أساس ما جاء في رسالة المعتمد إليه ومقترحا ً أن يكون المشرف على الشرطة ( أو القائد العام ) وعلى العائدات الجمركية والقضايا الأخرى هو شخص أنهى تدريبه كمساعد للمعتمد السياسي في الهند ، إذ يستطيع هذه الشخص الجلوس إلى جانب نائب عن الشيخ في محكمة صغرى ، ويستطيع مراقبة الشرطة ، ومتابعة شؤون الدخل في الجمارك .وفي رسالة في اليوم التالي ( 22 ديسمبر ) (7) أصر المقيم على ما يلي :
1- تعيين دي غرينيه البريطاني وهو محاسب متدرب عمل في بغداد وبوشهر مديرا ً للجمارك ومستشارا ً ماليا ً لمدة ثلاث سنوات . وأكد موقفه الرافض لتعيين شخص بحراني لتلك المهمة .
2- توظيف 100 شرطي يدربهم الكابتن ألبان ويرأسهم شخص بإشراف مساعد المعتمد السياسي .
3- تعيين مساعد للمعتمد السياسي ليعمل بالإضافة لذلك ضمن محكمة صغرى إلى جانب أمير المنامة ، ويشرف على الشرطة .
4- تعيين شخص هندي كمساعد لإدارة الجمارك .
- برنامج الإصلاح الذي قدمه الميجر ديلي :
وبحلول شهر يونيه 1923 كان المعتمد السياسي ( الميجر أي . أيه ديلي ) مشغولا ً بترتيب قضايا الإصلاح المطلوب تنفيذها بعد إزالة أكبر عائق في طريقها وهو عيسى بن علي آل خليفة . وتضمن البرنامج الإصلاحي النواحي التالية (8) :
- الناحية المالية : منذ أن غادر المقيم البحرين بعد تعيين حمد بن عيسى ، وجد المعتمد نفسه مسؤولا ً عن إعداد قائمة مدنية لتحديد المخصصات المالية لأفراد آل خليفة . فقد كان كل من هؤلاء يحصل على أموال عن طريق فرض الضرائب على البحارنه من دون خوف من سلطة عليا تحدد نشاطه . أما الآن فقد أصبح كل منهم ينتظر ما تخصصه الحكومة له . ووجه السرعة في إعداد هذه اللائحة هو اقتراب نهاية الشهر العربي والحاجة لتحديد مخصصات كل خليفي لكي يتم تقديمها له قبل نهاية الشهر ، ووضع المعتمد في ذهنه هذه المخصصات من أجل توفير مبالغ احتياطية يتم جمعها في المستقبل حين تبرز الحاجة لأموال إضافية لتنفيذ برنامج الإصلاح الإداري .قرر ديلي أن تكون مخصصات آل خليفة 30000 روبية لكل منهم وهذا المبلغ لا يشمل أموال التقاعد والرواتب الشهرية لهم .
وأحيانا ً كانت المخصصات أعلى مما كانت عليه لكي لا يكون هناك مجال لأحد من آل خليفة لاستعمال خزينة الدولة لشراء حوائجه الشخصية . وأُفهم كلا ً منهم بأن عليه تكييف حياته ضمن ما هو مخصص له من علاوات وأن عليه أن لا يتوقع أية إضافات مالية . وتقدر المصاريف الزائدة عن الحاجة لآل خليفة في السابق بحوالي 50000 روبية لكل منسم ، بالإضافة للعلاوات الشهرية . وكان ربع هذا المبلغ عبارة عن أرباح لعلي بن عبد الله عم جاسم الشيراوي الذي كان يزود آل خليفة باحتياجاتهم بأسعار خيالية .
أم الشيخ عيسى الذي أحيل على التقاعد فقد خصص له مبلغ 4000 روبية شهريا ً ، بالإضافة إلى ذلك خصصت له علاوة سنوية قدرها 2000 روبية لمساعدته في مصاريف الانتقال إلى المنامة خلال أشهر الصيف . يضاف إلى ذلك حوالي 2500 روبية لكل منسم كدخل من المزارع التي استولى عليها خلال حكمه أو التي حصلت عليه زوجته بأساليبها الملتوية . ولكن الشيخ عيسى لم يكن راضيا ً بهذه المبالغ مع العلم بأنه لم يكن مسؤولا ً عن دفع أي شيء إلا تجاه نفسه وزوجته . ويبدو أن أشخاصا ً ممن تضرروا بالإصلاحات كانوا يغذونه بالمعلومات الخاطئة لإثارته . فيوسف كانو مثلا ً كان يحركه للمطالبة بأكثر من 15000 روبية لكل منسم . بينما كان ابناه حمد وعبد الله يعتقدان بأن ذلك المبلغ كاف جدا ً لمصاريفه خصوصا ً وأن مصاريف الشؤون الاجتماعية والدعوات انتقلت إلى حمد .
وحتى أبناؤه كانوا يقولون للمعتمد بأن أفكار والدهم أصبحت صبيانية وأنه أصبح تحت تأثير زوجته وأشخاص آخرين منهم يوسف كانو الذي له دوافعه الذاتية . وعندما رفض عيسى بن علي العلاوات المخصصة له طلب من البنك الاحتفاظ بها حتى يطالب بها في وقت لاحق .وكان البنك الشرقي هو البنك الرسمي المعتمد ، فهو يحتفظ بمدخولات الجمارك ويقوم بتوزيع العلاوات الشهرية على آل خليفة ويضيف مبلغا ً شهريا ً إلى حسابات منفصلة لتكون دعما ً لمشاريع الإصلاحات الإدارية المرتقبة .
ومن الحسابات المنفصلة ما يلي :
1- صندوق الاحتفالات الدينية . حساب يضاف إليه مبلغ صغير كل شهر ويستعمل لشراء هدايا الأعياد التي يوزعها الحاكم على من يشاء .
2- صندوق الانتقال الصيفي : وهو حساب يستعمل للإنفاق على مصاريف انتقال الشيخ الصيفي كل عام ، حيث أن التنقل يكلف كثيرا ً وقد تعجز الميزانية عن دفع ذلك .
3- صندوق آخر Lainch بهدف إيجاد مبالغ كافية لتسديد المصاريف على شراء الفحم والمخازن بدون اللجوء إلى الصندوق العام .
4- صندوق احتياطي : يضاف له شهريا ً لمواجهة المصاريف الطارئة كزيارة الحاكم إلى الدول الأخرى أو عندما يزور شخص البحرين .
- الجمارك : لعل الجمارك أهم مجال يستدعي الإصلاح وبشكل سريع ، لأنها أهم مصدر للدخل العام . ويتضح أن مبالغ كبيرة تتسرب وتفقدها الميزانية العامة كل شهر . وقد أوضحت الحسابات السابقة أن المدير السابق للجمارك قد تصرف بمبالغ كبيرة من المدخول . فمثلا ً " يوسف كانو " و " يوسف فخرو " كانا يدفعان ضرائب الجمارك مرة في السنة حيث كان مدير الجمارك يأتي شخصيا ً من كراتشي لهذا الغرض . ولم توضح مدفوعاتهم في دفاتر الجمارك بل كانت توضع في ملفات مدير الجمارك الخاصة : " جانجرام تيكامداسا " ، وبهذا أمكن اختلاس مبالغ طائلة من مدخولات الجمارك .وخلال عرض موضوع الجمارك اقترح المعتمد توظيف خبير مالي ووافق الشيوخ على توظيف مدير بريطاني للجمارك ! .
- مكاتب الحكومة : أنشأ أخيرا ً مكتب جديد للحكومة يستعمله الشيخ حمد لعمله الرسمي ، وعين له مدير بحراني واقترح إنشاء " دائرة الدخل " . ولعدم وجود نظام ضريبي في السابق ، لم تتطرق الإصلاحات إلى نظام ضريبي بل تركت الأمور معلقة حتى يتم البت فيه لاحقا ً . وحيث كانت الضرائب سابقا ً تفرض على البحارنه فقط ، فقد قوبل موضوع تجميد النظام الضريبي بالترحيب في صفوف البحارنه لأنهم من الآن فصاعدا ً لن يدفعوا الضرائب التي كان الفداوية يأخذونها منهم.
- مسح جزر البحرين : كانت مسألة تسجيل العقار ملحة جدا ً ، وقد طرحت على الشيخ حمد ووافق عليها ، حيث كان نظام تسجيل العقار " الطابو " معمولا ً به في العراق . ولكن ذلك غير ممكن حتى يتم مسح جزر البحرين . واتفق على أن تخصص ميزانية لتلك العملية من مدخول الجمارك زيتضح مما سبق أن مسألة ترتيب أوضاع الجمارك أصبحت مرتبطة باقتراح من المعتمد السياسي بتوفير مستشار للجمارك يكون بريطانيا ً .
وبهذا تتم السيطرة البريطانية على أهم المرافق الاقتصادية حيوية في البلاد . وإلى هذا يشير المقيم السياسي في تعليقه على متقرحات المعتمد السياسي بقوله (9) :" بالنسبة لحملة الإصلاحات المقترحة وتأثيرها فإنها تفتح المجال للتعليق بأن اتجاهها يميل لإدخال العنصر البريطاني في إدارة البحرين بشكل مباشر . ولا يمكن إنكار أن الأمر كذلك . فمع وجود بنك بريطاني للدولة وموظف قضائي بريطاني ومستشار للجمارك بريطاني ، وربما خبير مالي بريطاني ، وهذه القضايا مجتمعة ، بالإضافة إلى كونها تتم تحت إشراف معتمد سياسي بريطاني ، فإن من غير المعقول توقع تفسير للوضع سوى أنه عملية " أنجلزة البـحرين " .
* مواقف آل خليفة من التحديد المالي :
- الشيخ عيسى بن علي : رغم العلاوات السخية التي وفرت للشيخ عيسى بن علي (10) فقد كتب رسالة لابن سعود يشكو فيها من قبلة مخصصاته ، وربما كان ذلك بدافع من زوجته في شهر أغسطس 1923 م .
ولتوضيح المواقف نستعرض ما يلي :
- ذهب خليفة بن حمد آل خليفة إلى بغداد في شهر أغسطس واشتكى للملك فيصل من قلة علاواته ، وهذا الرجل كان يبلغ من العمر 30 عاما ً وقد خصص له مبلغ 140 سنة ذهب إلى استانبول واشتكى للأتراك من الشيخ عيسى ولكنه لم يحصل على شيء .وعلى أثر ذلك بعث المقيم السياسي بتعميم إلى المعتمدين السياسيين في مسقط والكويت والقنصل في الأهواز ونائب القنصل في المحمرة يطلب منهم عدم الاستماع إلى أي شخص يدعي أنه من آل خليفة ما لم تكن بحوزته رسالة من الحاكم .
- بعث عيسى بن علي برسول إلى القاضي السني قاسم بن مهزع وسأله عما إذا كان مستعدا ً للتوقيع على " مضبطة " أو عريضة للتشكي من المعتمد السياسي والشيخ حمد بن عيسى . فأجابه القاضي : " اطلب ممن أرسلك أن يتحدث لي بنفسه وحينئد سأجيبه " ويبدو أن يوسف كانو كان وراء الشيخ عيسى في هذه المسألة حسب رأي المعتمد .
- في سبتمبر 1923 بعث الشيخ خليفة بن سلمان وعدد آخر من آل خليفة عريضة من أجل جمع توقيعات ، وهي موجهة للمقيم السياسي وتشمل المطالب التالية :
1- تنحية الشيخ حمد عن الحكم .
2- إلغاء شرطة المنامة وإلغاء البلدية .
3- إعادة أمير المنامة الذي نحي مؤخرا ً من قبل الشيخ حمد .
4- قضايا الغوص يجب أن تنظر فيها محكمة السليفة فقط .
ووقع على هذه العريضة :
1- نواخذة الغوص السنة الذين انزعجوا من معاقبة أحدهم بسبب حبسه غواصا ً بدون سبب والذي يخافون أن تؤدي الإصلاحات إلى تسجيل قوارب اللؤلؤ ضريبة عليها وإصلاح محكمة السليفة التي هي في الواقع غير موجودة .
2- الدواسر الذين انزعجوا كثيرا ً من معاقبتهم لمهاجمتهم البحارنه . وهناك إشاعات بأنهم طلبوا من ابن سعود منحهم أرضا ً بين الإحساء والقطيف . ويقال أنه رفض ذلك ، ولكنه سمح لهم بالاستقرار في القطيف ولكنهم لم يقبلوا بذلك .
3- شخص أو شخصان من آل خليفة من بينهم ابن للشيخ عبد الله كان قد رافقه في زيارته لانجلترا ويعتبر نفسه سياسيا ً كبيرا ً.
4- يوسف فخرو الذي يبدو أنه شجعهما على التوقيع على العريضة ، وهو من الذين تأثروا بإدخال الإصلاحات .
5- يقال أن العريضة كتبها عبد الوهاب الزياني . وهو أحد قادة الاتجاه المعارض لحاكم الشيخ حمد في وقت تسفير جاسم الشيراوي .
- بعث الشيخ عيسى برسالة إلى حكومة الهند يشتكي من عدم كفاية مخصصاته في سبتمبر .
- بعث الشيخ عيسى بن علي ببرقية من الكويت إلى المفوض السامي في بغداد في 6 أكتوبر 1923 يشتكي فيها من " تدخلات المعتمد السياسي في الشؤون الداخلية وذلك بالنسبة للقبائل وعزمه على إهانة واضطهاد رعايانا " . وطالب المفوض السامي بتدخل الحكومة البريطانية لإيقاف ذلك !.
- بعث عيسى بين علي بعريضة موقعة من قبل عدد من زعماء الدواسر إلى المقيم السياسي في بوشهر في 21 أكتوبر ، سلمت العريضة للمعتمد السياسي من قبل شخص قال أن عيسى بن علي أرسله لذلك الغرض . كما ذكرنا ، فقد كانت هناك عدة فئات لم تقبل بإدخال الإصلاحات الإدارية التي طرحتها الحكومة البريطانية ، وعملت خلال السنوات الأولى على زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد لكي يتم حمل الحكومة البريطانية على التخلي عن الإصلاحات التي أثرت سلبا ً على هذه الفئات التي كانت منتفعة إلى حد غير معقول من حالة التسيب التي كانت سائدة في البحرين منذ مطلع القرن حتى إزاحة الشيخ عيسى بن علي عن الحكم في 26/ 5 / 1923.
أما هذه الفئات فهي :
1- الشيخ عيسى بن علي نفسه : فقد أزيح عن منصبه بغير رضاه ولم يقبل بالتنازل لابنه إلا بعد أن هدده المقيم البريطاني ، الكولونيل ناكس ، بإزاحته بالقوة إذا لم يستجب للرغبة البريطانية . وقد حرض القبائل على التحرك ضد قرار إزاحته وضد موضوع الإصلاحات ، وشملت حملته كتابة الرسائل وإرسال البرقيات إلى المقيم السياسي في بوشهر والمندوب السامي في بغداد وحكومة الهند البريطانية وابن سعود في نجد كما قام حلفاؤه من زعماء القبائل بالكتابة في عدد من الصحف العربية في مصر وبيروت الإصلاحات ، واستعملت هذه المرة لهجة الهجوم على الحكومة البريطانية لتدخلها في شؤون البحرين وخصوصا إزالة الشيخ عيسى بن علي .
2- أفراد آل خليفة المحيطون بالشيخ عيسى بن علي ، وهؤلاء ممن كان لهم نصيب وافر من استمرار حالة التسيب وكان كل منهم يحكم عددا ً من قرى البحارنه بأسلوب فردي ويفرض على سكانها ما يحلو لهم من ضرائب وأعمال سخرة ، ولكل منهم فريق من الفداوية يفرضون أوامره على الناس بالقوة . وهذا القسم من الناس كان مصدر قلق غير قليل للإدارة الجديدة وحتى الشيخ عبد الله بن عيسى الذي أصبح اليد اليمنى للحاكم لم يتوقف عن التآمر ضد حكم أخيه ، حتى أنه في شهر أكتوبر 1923 قام بتوفير مبلغ 10000 روبية لفريق من المعارضين للإصلاحات يتزعمهم أحمد الدوسري الذي آواه ابن سعود في القطيف مما جعل الميجر يلي ينزعج كثيرا ً ويتحدث مباشرة مع عبد الله الذي أنكر ذلك .
3- قبيلة الدواسر : وهي قبيلة تسكن في قرية البديع في الزاوية الشمالية الغربية من البحرين ويبلغ عدد أفرادها بضعة آلاف ، وهي القبيلة التي ارتكبت أبشع الاعتداءات على البحارنة في السنوات التي سبقت الإصلاحات وبقيت هذه القبيلة مصدر قلق للحكم الجديد لحوالي خمس سنوات بعد إدخال الإصلاحات كما سيأتي مفصلا ً .
4- القبائل السنية : لم ترضَ القبائل السنية بالإجراءات التي اتخذها الميجر ديلي ، وعارضتها منذ البداية واستمرت في معارضتها حتى بعد إقصاء الشيخ عيسى بن عي وتعيين ابنه الشيخ حمد مكانه . ففي 24 أكتوبر كتب عدد من زعماء هذه القبائل ومن بينهم عيسى بن علي رسالة إلى الكولونيل تايلور ، المقيم السياسي (11) تهجموا فيها بلغة لاذعة على الميجر ديلي واعتبروا ما قام من إجراءات منها عزل عيسى بن علي تدخلا ً في شؤون البلاد وموقفا ً معاديا ً للأمة العربية وتخليا ً من بريطانيا عن مسؤوليتها في الخليج ، ويطالبون فيها بإعادة عيسى بن علي إلى الحكم ويهددون فيها بعدم قدرتهم على ضبط عواطف أفراد القبائل الذين قد يرتحلون من البلاد .
ووقع على الرسالة كل من عبد الوهاب الزياني ( عن قبيلة الزياني ) ومهنا بن فضل ( عن قبيلة النعيم ) وشاهين بن صقر الجلاهمة ( عن الجلاهمة ) ومحمد بن راشد المناعي ( عن المنانعة ) وجبر بن محمد المسلم ( عن قبيلة المسلم ) وأحمد بن راشد بن لاحج ( عن البوفلاسة ) وأحمد بن عبد الله الدوسري ( عن الدواسر ) والسيد عبد الله بن السيد إبراهيم ( عن قبيلة السادة ) ومحمد بن راشد آل بن علي ( عن قبلية البنعلي ) وأحمد بن جاسم بن جودر ( عن قبلية البن جودر ) ، بالإضافة إلى عيسى بن علي نفسه .
وحين سمع البحارنة بالعريضة المقدمة ضد الإصلاحات ، اضطربوا وخافوا من حدوث تغيير جديد في الموقف البريطاني فكتبوا عريضة تأييد لحكم الشيخ حمد وشنوا فيها هجوما ً على أصحاب العريضة السابقة ، وطلبوا فيها من المقيم عدم الرضوخ لمطالب القبائل السنية بإعادة عيسى بن علي إلى الحكم . ووقع على هذه العريضة مئات الأشخاص المرموقين من كافة قرى البحرين ومدنها . فكتب المقيم السياسي رسائل إلى المجموعتين . فقد وجه رسالة في 27 أكتوبر للمجموعة الأولى بإسم عيسى بن علي آل خليفة والأشخاص الموقعين معه على الرسالة ، مؤكدا ً لهم فيها على أن الإصلاحات ليست منوطة برغبة الميجر ديلي ولم تأت ِ منه شخصيا ً بل تمت بموافقة الحكومة البريطانية ، وبالتالي فلا رجوع عنها لأنها اتخذت بعد أن عم الظلم والجور في البلاد ولم يستمع عيسى بن علي لنصائح الإنجليز بسلوك طريق أكثر توازنا ً ، وذكر المقيم الشيخ بعدد من المواقف التي تجاهل فيها النصائح المقدمة له .كما كتب لعموم البحارنه الموقعين على العريضة الثانية يطمئنهم فيها بعدم وجود توجه لدى الحكومة البريطانية بالتراجع عن الخطوات التي تم اتخاذها ، لأنها قائمة ومستمرة بغض النظر عن الأشخاص الذين يقومون بمسؤوليات الحكومة البريطانية وحتى لو رحل ديلي عن البحرين فإنها لن تتغير .
وفي 26 أكتوبر اجتمع عدد من أعيان ورؤساء القبائل السنية وكتبوا عريضة بمطالب ستة وزعوها على عدد من الناس وبعثوا نسخة منها إلى المقيم في 2 نوفمبر .. وأطلق المجتمعون على القرارات التي اتخذت في ذلك الاجتماع اسم " قرارات المؤتمر الوطني البحراني المنعقد في 15 ربيع الأول " والمطالب التي ذكرت في تلك الوثيقة هي استمرار حكم الشيخ عيسى بن علي وإجراء الأحكام بحسب الشرع الإسلامي والعرف المطابق للشرع ، وإنشاء مجلس شورى وتأليف هيئة محكمة من أربعة أشخاص للنظر في قضايا الغوص واقتصار المعتمد السياسي على ما هو موجود في نص الاتفاق بين الحكومة البريطانية والشيخ عيسى بن علي .
كما ذكرت الوثيقة انتخاب 12 شخصا ً ( معظمهم من موقعي العريضة الأولى ) لمتابعة ما جاء من قرارات والعمل على تحقيقه " بكافة الوسائل المشروعة " ، وحاول بعض الأشخاص التفاهم كتابيا ً مع الحكومة في الهند لطرح الاعتداءات على الإصلاحات ، ومن هؤلاء محمد بن خليفة الذي وجه رسالة لحاكم الهند في 7 / 11 / 1923 ناشده فيها بالتدخل لمنع الإصلاحات وإعادة عيسى بن علي إلى ا لحكم . ولكن باءت كل تلك المحاولات بالفشل وبقي عيسى بن علي غاضبا حتى وفاته عام 1932 م .
______________
* الهوامش :
1- رسالة المقيم إلى وزير الخارجية بحكومة الهند رقم 250 – S بتاريخ 31 / 5 / 1923 , الملف R / 15 / 3362
2- رسالة المقيم السياسي تريفور لوزير الخارجية بحكومة الهند رقم 622- S بتاريخ 10 نوفمبر 1923 الملف R / 15 / 3883
3- المصدر السابق .
4- برقية من خارجية الهند إلى المقيم في بوشهر رقم 1688 – S بتاريخ 8 ديسمبر 1932 الملف الأسبق .
5- رسالة المقيم السياسي رقم 2 / 9 / 208 / C بتاريخ 17/ 12 / 1923 في الملف السابق .
6- الرسالة المستعجلة من المقيم إلى الخارجية البريطانية رقم C / 712 بتاريخ 21 / 12 / 1923 في الملف السابق .
7- الرسالة رقم S-716 في الملف السابق .
8- رسالة المعتمد الميجر ديلي إلى المقيم رقم C- 77 بتاريخ 10 / 6 / 1923 ، الملف R / 15 / 1 / 3379
9- رسالة ا لمقيم إلى وزارة الخارجية رقم 307 – S بتاريخ 22 / 6 / 1923 ، الملف R / 15 / 1 / 33710
10- وثائق عديدة تتعلق بمواقف أفراد آل خليفة من التحديدات المالية محفوظة في الملف رقم R / 15 / 1 / 33811
11- النص الأصلي للرسالة موجود في الصفحة 41 من ملف R / 15 / 1 / 338 بإرشيف مكتب الهند .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق