* النهوض الوطني وحركة الهيئة
- مقدمات النهوض :
لعبت الصحافة الوطنية وخاصة صوت البحرين دورا ً كبيرا ً في توعية المواطنين ، وفي ربط قضية البحرين بالنضال القومي الذي كان يتصاعد في المنطقة العربية إثر نجاح الثورة المصرية ، كما أن المظالم التي يشكو منها المواطنين لا تجد لها حلولا ً مرضية لا من قبل المستشار البريطاني ولا من قبل الحاكم .
وأمام المسارات الطائفية التي حاولت السلطة أن توجه الأحداث والأنظار إليها في العام 1953 ، فقد بات ضروريا ً أن تشتد المطالبة بالوحدة الوطنية وتلاحم كل المطالبين من أجل الإصلاحات في البلاد .
وشهدت البحرين إضرابا ً شاملا ً من منتصف ليلة 24 سبتمبر 1954م لسائقي سيارات التاكسي ، والباصات ، والشاحنات مطالبين بتعديلات في مسألة التأمين الإلزامي والمعدلات العالية لذلك ، والأجور المفروضة على السيارات التجارية التي تستعمل جسر المحرق ، والغرامة المفروضة على السائقين بالإضافة للسجن على من يتسبب في إحداث جروح بسبب السياقة الخطة . وكان من مطالبهم كذلك السماح بتكوين نقابة لسائقي التاكسي وطرح خطة حكومية للتأمين . ودعم الإضراب بنثر المسامير في الشوارع وإحداث تدمير للقناني الفارغة . وبعد أن استمر لمدة أسبوع كامل ، تم إنهاؤه بموافقة الحكومة على إصدار قرار بالسماح لأصحاب السيارات بتكوين صندوق مؤقت يشكل المساهمة فيه بديلا ً للتأمين طرف ثالث .
وأقدمت الحكومة على إيقاف صدور مجلة " صوت البحرين " التي تصدر مرة كل أسبوعين لمدة غير محددة . ويقال أن بعض المقالات التي نشرتها حول السعودية قد وصلت للملك سعود الذي أرسل رسالة احتجاج للحاكم عن طريق سعود بن جلوي . كما يقال إن محرر المجلة كان له دور في إضراب سواق التاكسي .
- التحالف الوطني وبروز الهيئة التنفيذية العليا :
هذه الأحداث كانت مقدمة للعمل الذي قام به الوطنيون في التلاقي والتشاور للوصول إلى قواسم مشتركة وتحقيق التحالف المطلوب . وفي ذلك يقول تقرير المعتمد البريطاني ما يلي (1) :
" يبدو أن توقيف " صوت البحرين " وسحب الجواز البحراني من محررها ، عبد الرحمن الباكر قد دفعه لتصدر الهدف المشترك للشيعة والسنة من أجل تكوين حكومة ممثلة ، ويعتبر المقيم السياسي أن سحب جواز الباكر ساهم في توتير الأجواء وخلق أجواء المواجهة ، طبقا ً لما جاء في تقريره الشامل لوزير الخارجية البريطاني ، أنتوني ايدن في 26 سبتمبر 1954 . فقد اعتبرت احتفالات الذكرى الأربعين لاستشهاد الحسين مسألة مشتركة واستعملت الفرصة لإظهار بعض نتائج النشاط الذي كان يجري من وراء الستار طوال موسم الصيف . فقد انتخبت " الهيئة التنفيذية العليا " من خمسين شخصا ً ، واختارت هذه الهيئة ثمانية من أعضائها لتقديم " المطالب الوطنية " للحاكم .
وهؤلاء الممثلون الثمانية يتكونون من أربعة من الشيعة وأربعة من السنة ، ليس منهم رجل ذو قيمة . أما الناس الذين سوف يخسرون من جراء ذلك وكثير منهم يتعاطف بدرجة ما مع المطالب فقد بقوا في الخلفية . ويقود " مجموعة الأنتلجنسيا " السنية محرر " صوت البحرين " المعلقة . ومساعد مدير في البنك كان يتعاون مع تلك المطبوعة . ومع المطبوعة التقدمية الأخرى " القافلة " . وفي 28 أكتوبر أعلن عن إرسال العريضة المتضمنة للمطالب إلى الحاكم . وأهم نقاطها المطالبة بمجلس تشريعي منتخب ، إعداد قانون مدني وجنائي من قبل لجنة من المحامين ، إصلاح المحاكم وتعيين قضاة أكفاء وحق تكوين النقابات .
ويكون للمجلس التشريعي السلطة في كل التشريعات . ويشتمل جهاز هذه الحملة الدستورية على رأس مال يتم جمعه من تبرعات بمبلغ من كل مؤيد ، ولجنة مالية ولجنة إعلامية . ويعارض الحاكم فكرة المجلس التشريعي ويدعمه في ذلك أفراد عائلته الذين يعارض أكثرهم أي إصلاح في المحاكم يؤدي إلى تقليل تأثيرهم ، ولكن بعضهم مستعد لقبول فكرة مجالس تمثيلية أو هيئات في الدوائر العامة . ويقول " الدستوريون " بأن خطتهم هي متابعة أهدافهم بوسائل قانونية ولكنها لا تستثني فكرة الاتصال المباشر بحكومة صاحب الجلالة إذا ما رفض الحاكم العريضة " .
وكتب في 13 ديسمبر 1954 ما يلي (2) :
" رد الحاكم على عريضة الهيئة التنفيذية العليا في 3 نوفمبر بإصدار إعلان مختصر قال فيه إن إنشاء مجلس تشريعي غير ممكن ولكن الحكومة تنوي اتخاذ كل الإجراءات العملية لضمان سعادة وتطور الشعب . ثم أصدرت الهيئة التنفيذية العليا إعلانا ً معلقة فيه على ذلك باستغراب واستخفاف الوعود " .
وفي 20 نوفمبر ، ونتيجة نشاط وسيط معين ، ذهب الأفراد الثمانية الأعضاء في الهيئة لمقابلة الحاكم ( وكان كل جانب يعتقد أن الطرف الآخر هو الذي طلب المقابلة ) . ورفض الحاكم مناقشة مطالبهم ورفض تحديد موعد آخر للمقابلة . وأعلنت الهيئة هذا الرفض في اليوم التالي .
في 23 نوفمبر ، التقى عبد الرحمن الباكر ، سكرتير الهيئة التنفيذية مع المعتمد وأخبره بأن الهيئة قد صبرت طويلا ً وأنها تبذل جهدها لإبقاء أفرادها هادئين . وأعلن استغرابه من سياسة الحاكم الذي يصر على رفض مطالب شعبه باستمرار ولا يبدو لديه رغبة في الإصلاح . وقال الباكر أنه ما لم يحدث تطور ما على صعيد المطالب خلال أسبوع فإن الهيئة لن تستطيع منع الإضراب . وقال المعتمد أنه يرفض هذا الإضراب ليس بسبب مخاطره المباشرة ولكن لأنه سيؤخر عملية الإصلاحات . وأخبر المعتمد الباكر بأن الحكومة البريطانية تساند حاكم البحرين وحكومته .
أقيم احتفال عام مشترك بين الطائفتين المسلمتين بمناسبة مولد الرسول الأكرم في نوفمبر أثيرت فيه مسألة رفض الحاكم المطالب التي وصفتها بأنها جاءت من قبل بعض المحرضين وليست مطالب الناس . وحضر الاحتفال آلاف من المواطنين من الطائفتين ، وبلغ التعاون بين فئات الشعب إلى درجة أن أصحاب السيارات وسائقي التاكسي لم يكونوا يتقاضون أجرة مقابل نقل الناس من القرى للمدينة . وأكد المتحدثون مطالبهم بتكوين مجلس تشريعي الذي اعتبروه وسيلة مضمونة لتحقيق الإصلاحات وتوفير الخدمات الاجتماعية المطلوبة وفي الوقت نفسه فإنه لا يقلل من سلطة الحاكم . وتحدث في الاحتفال الأفراد الذين تحدثوا في الاحتفال بذكرى أربعينية الإمام الحسين . وطرح في الاحتفال موضوع المجلس التشريعي الذي أصر المتحدثون على أنه لن يقلص من سلطات الحاكم ، ولكنه سوف يكون وسيلة لضمان الإصلاحات وتحسين الخدمات الاجتماعية . وجمعت في الاحتفال توقيعات الحاضرين لتخويل الأشخاص الثمانية صلاحية التحدث باسم الشعب في المطالبة بتحسين الأوضاع في البلاد .
وفي اجتماع عقد بعد بضعة أيام ، اتخذ قرار بالدعوة لإضراب عام في 29 نوفمبر . ولكن في 28 نوفمبر كانت هناك آراء أخرى وتم إصدار بيان بأن الهيئة تعتزم القيام بمحاولة أخرى للمفاوضات وطلب من الناس أن يبقوا صابرين لمدة أسبوع واحد . ويبدو أن الجانب الشيعي من الهيئة ومؤيديهم ، وبدفع السوابق والدوافع التي انبعثت لديهم من العداء الطويل ضد آل خليفة كان مشجعا ً للتظاهر .
ولكن السنة ( عبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان ) ولعدم وجود قوة دافعة لديهم سوى الفكرة الجديدة بإنشاء نظام ديمقراطي ، كانوا يشككون في الحكمة من وراء تشجيع هذه الحركة التي قد تخرج عن السيطرة .
وحدث نقاش طويل بين عبد الرحمن الباكر مع كل من المستشار والمعتمد السياسي . وترك الانطباع بأنه مدرك لخطر استعمال قوة التأثير الشعبي ، ولكنه سيضطر لذلك إذا لم يكن الحاكم مرنا ً معه . وكان الحاكم يبني آماله على مغادرة الباكر لقطر ، ولكن في نهاية الشهر بدا أنه ما زال بالإمكان موافقة الحاكم على مقابلة اثنين أو ثلاثة من الهيئة .
قامت الحكومة أخيرا ً بتعليق إصدار جريدة " القافلة " ( التي تبنت الهدف الوطني ) في الوقت نفسه بدأ الحاكم يدرك الحاجة لإعلام أكثر من جانبه وبدأ إصدار ( Gassette Weekly ) أسبوعيا ً بدلا ً من شهريا ً . وتم إدخال بعض الأخبار فيها إلى جانب الإعلانات الحكومية . وبدأ يدرس بعض التحديدات حول الطباعة الخاصة للإعلانات السياسية والمنشورات الكبيرة .
كان واضحا ً أن هناك أزمة موقف بالنسبة للحكومة البريطانية . فمن جهة رفض الحاكم إجراء أي إصلاحات أو الاستماع لمطالب الهيئة . وفي المقابل لا تريد الحكومة البريطانية تقليص دعمها للحاكم رغم استبداده . وكان الحاكم يطلب من المعتمد في نهاية نوفمبر دعما ً مكتوبا ً من الحكومة البريطانية ليقوي موقفه أمام الهيئة ، ولكن المعتمد كان يربط ذلك بإحداث تغييرات وإصلاحات ليلتقي مع الهيئة في منتصف الطريق ، وكما سيتضح لاحقا ً فإن نتيجة تعنت الحاكم كانت حدوث الإضراب الذي شل الحركة في البلاد بشكل كامل .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن المطالب الوطنية كانت تحظى إلى جانب الدعم الشعبي الكلي ، بتعاطف الجالية الأجنبية التي كانت تعمل في البحرين ، حتى الإنجليز والأمريكيين ، وكان هناك شعور لدى هؤلاء ( حسب تقرير المقيم لوزير الخارجية البريطاني 26 / 12 / 1954 ) بأن الإضراب سبب إزعاجا ً لهم ولكنه الطريقة الوحيدة لإيصال الصوت إلى آذان الحاكم بأن عليه أن يتحرك مع الزمن إذا ما أراد البقاء في مركزه .
وفي 1 ديسمبر 1954م كتب المعتمد السياسي السيد باروز رسالة لحاكم البحرين جاء فيها ما يلي (3) :
1- كما هو معروف فإن حكومة صاحبة الجلالة كانت مهتمة دائما ً بكل ما يتعلق بنمو البلاد وخيرها . وقد اطلعت على الإجراءات التي أعلن عنها سموكم في إعلان 15 يوليو وأقروها . لأن سموكم كان حسن التصرف بمناقشة المشاكل التي طرأت على الأوضاع الداخلية في البحرين التي أنتم مسؤولون عنها مع المعتمد السياسي ومعي شخصيا ً . ولذلك فإنني أرغب في إعلام سموكم بأن نصيحة حكومة صاحبة الجلالة هي بأن يقوم سموكم بتعيين لجنة صغيرة تختارون أفرادها ، وتكون مهمتها سماع آراء الناس في القضايا التي تؤثر على حياتهم . وبعد الاستماع لهذه الآراء ترفع اللجنة تقريرها لسموكم ويمكن اتخاذ القرارات حول أي عمل يعتبر ضروريا ً لمصلحة البحرين .
2- سوف يتوفر الدعم الكامل لسموكم من حكومة صاحبة الجلالة للاستمرار في هذا العمل وفي اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد تقرير اللجنة . ويعتقدون أن تبني هذه الطريقة سوف يوفر فرصة مناسبة للتعبير عن الرأي بأسلوب منتظم وسوف يزيل أي حجة للانتقاد والاضطراب .
ورد الحاكم على الرسالة بشكر الحكومة البريطانية على مساعدتها والتمني بما فيه الصلاح . أصدر الحاكم بيانا ً في 1 ديسمبر عن تكوين لجنة للاستماع لشكاوي الناس حسب التعليمات البريطانية . ولكن الناس فهموا من الإعلان أن صلاحياتها محدودة بالصحة والتعليم ، مما أغضب الناس ، وجعلهم يدركون عدم جدية الحاكم في إجراء الإصلاحات . وفي اليوم التالي اجتمع عبد الرحمن الباكر والسيد علي السيد إبراهيم مع المعتمد وعبروا له عن عدم رضاهم بالبيان ، إذ لم يتطرق للمحاكم القانونية التي كان موضوعها من أهم المواضيع .
وكانت الهيئة قد دعت لإضراب عام ابتداء من الساعة 6:00 صباحا ً يوم 4 ديسمبر حتى غروب الشمس في 10 ديسمبر . وكان البيان الحكومي يهدف لمنع الإضراب . ولكن الصيغة التي خرج بها البيان لم تقنع الهيئة التنفيذية وبالتالي قد أصرت على الاستمرار في إجراءات الإضراب ، رغم توجيه المعتمد إنذارا ً لهم بأنهم سيكونون مسئولين عن تبعات الإضراب .
وكان الإضراب شاملا ً بنسبة 90% حسب ما نقله المعتمد لوزارة الخارجية البريطانية . وقامت الشرطة بمراقبة الشوارع والمخارج من المنامة ، واستعمل البدو التابعون للحاكم في ثلاثة مراكز خارج المنامة وكذلك لحراسة أنبوب النفط ( من السعودية للبحرين ) . ولم يوزع البريد ولا البرقيات ، وكذلك توقف العمل في الميناء وإن كانت عمليات المطار لم تتأثر .
وفي اليوم الأول ذهب إلى العمل في بابكو حوالي 5% من العمال ، أما في اليوم الثاني فقد ذهب أقل من ذلك ، وأضرب جميع موظفي الشركات البريطانية في المنامة . وكان الإضراب منظما ً حسب اعترافات الإنجليز ، رغم قيام البدو الذين أوكلت لهم مهمة مراقبة شارع عوالي باستفزازات معينة .
انتهى الإضراب في مساء يوم العاشر من ديسمبر ورجعت الحياة إلى حالتها الطبيعية تقريبا ً في اليوم التالي . وفي هذا اليوم ( 10 ديسمبر ) أعلن الحاكم الشيخ سلمان عن تكوين لجنة من ستة أشخاص للبحث في قضايا الصحة العامة والقضاء والأمن العام ، وألفت اللجنة من ثلاثة أفراد من آل خليفة ، وشخص حكومي وتاجر وكذلك مدير الجمارك الإنجليزي . وهذه التشكيلة لم تكن مرضية لأحد لوجود عدد كبير من آل خليفة فيها .
وذكر الإعلان نفسه تعيين مستشار قضائي بريطاني " هو " ومساعد بريطاني لقومندان الشرطة هو الكولونيل همرسلي ومفتش شرطة بريطاني وطيبي بريطاني مساعدا ً State Medical Officer .
بعد الإنتهاء من الإضراب ، أرسل الباكر رسالة إلى الملك سعود ذكر فيها أن الهيئة تأمل منه أن يتفهم ما يعملون وترجو مساعدته وحملها أ؛د أفراد الهيئة إلى الدمام حيث كان الملك موجودا ً . وجاءت الرسالة الجوابية بأنه ( الملك ) لا يقر إسلوب المضربين ، وأعرب عن أسفه لأي اختلاف بينهم وبين الشيخ سلمان " لأن ذلك لا يفيد إلا طرفا ً ثالثا ً وأرسل الملك سعود نسخا ً من الرسائل إلى الشيخ سلمان .
وحاول الحاكم انهاء الإضراب قبل موعده المحدد وذلك بإصدار مسودة لبيان حكومي يعد بأن يجعل اللجنة المقترحة من مهمات البحث في القضايا القضائية ، وقام كل من منصور العريض وأحمد فخرو بالإتصال بالهيئة وحث أعضائها على انهاء الإضراب ، ولكنهما لم ينجحا في ذلك .
أما الإضراب فقد جاء صدمة للحاكم وللمسؤولين البريطانيين الذين لم يستطيعوا إلا الإعتراف بدقة تنظيمه وفاعليته . ويقول المقيم في رسالته المذكورة (4) :
" إن من الملفت للنظر أنهم أثبتوا قدرتهم على إخراج العمال بهذا العدد من أعمالهم وأن الإضراب جرى بهذه الدرجة من النظام والترتيب " . ويعزو ذلك إلى عدة أسباب منها للشيعة مشاعرهم بالظلم من قبل آل خليفة وخصوصا ً احتكارهم للقضاء . وكان لأصحاب المحلات التجارية بالمنامة دوافعهم للإضراب متمثلة بصعود إيجارات المتاجر التي يملك معظمها آل خليفة . أما الفئات المثقفة والتجار فهم يدركون نواقص حكومة آل خليفة بسبب أسفارهم للخارج ، ومن ذلك هبوط مستوى الحاكم ، ويدركون كذلك هبوط المستوى العلمي لآل خليفة مقارنة بقطاع التجار . ومن الأسباب التي يراها المقيم فشل الشيخ سلمان وحكومته في إقامة علاقات عامة مع الشعب خلال الفترة منذ بدء الاضطرابات .
وبناء على اقتراحات المقيم لتحسين صورة الحكومة بدأ العمل بتحسين إخراج المجلة الرسمية وبدأت إذاعة البحرين في وقت لاحق .
- الرؤية البريطانية :
بعد تطور الأحداث على أثر حادثة القلعة ( 1 يوليو ) وطرح المطالب الوطنية المشتركة في 5 يوليو أصبح الإنجليز يفكرون جديا ً في خطورة الموقف . فقد كانوا يراهنون على استمرار الشكل الطائفي للإضطرابات ، ولكن بروز عامل الوحدة في الموقف والإتفاق على مطالب مشتركة أصبح يشكل عامل قلق لدى المسؤولين البريطانيين في البحرين وفي لندن . ويعبر المقيم السياسي عن هذا القلق في الموقف في رسالته لوزير الخارجية في 26 اكتوبر 1954 بطرح التساؤلين التاليين :
" إن المشاكل التي نوجهها هي باختصار :
أ- هل علينا أن نضغط على الحاكم إما للقبول بالمطالب السياسية للهيئة التنفيذية العليا أو بإحداث تحسينات كبيرة في إدارته لتقليل مدى الدعم للهيئة ؟
ب- ماذا نقول لقادة هذه الحركة السياسية عندما يأتون لمقابلتي أو مقابلة المعتمد السياسي ، أو عندما يذهب وفد منهم للمملكة المتحدة لطرح قضيتهم أمام حكومة صاحبة الجلالة كما يخططون . ؟ "
ثم يتعرض لموقف الحاكم في حال ممارسة الضغط عليه فيقول : " ربما يفضل الإستقالة بدلا ً من القبول بالنصيحة المقدمة له في هذه الظروف . وأقول بأننا لن يكون لنا مبرر للإقدام على هذه المخاطرة . فالشيخ سلمان هو أفضل الحكام للبحرين . والبديل هو إما شخص آخر من عائلته ، الذين هم بدون استثناء أقل قدرة واستقامة ، أو ديمقراطية برلمانية يسيطر عليها مجموعة من الديماغوغيين تحت تأثير مصر . ويبدو إذن ، وكما لاحظنا قبل بضعة أشهر في الكويت وفي ظروف مشابهة تقريبا ً ، أنا علينا أن نقبل بتقليل الضغط ( على الحاكم ) خوفا ً من بديل أسوأ " .
وفي حال قبول هذا المنطق ، فإن النتيجة الطبيعية هي : " إنه ليس لدينا أي قدر من التعاطف لتقديمه لـ " ديمقراطيي المستقبل " . وكل ما نستطيع أن نقوله أنهم محظوظون لأن يكونوا محكومين كما هو الحال الآن " .
أما عن آلية الإتحاد القائم بين الشيعة والسنة ، فيرى المعتمد السياسي أنه نتيجة لمصالح مشتركة في جوانب مختلفة في جوانب أخرى . ففي رسالته للمعتمد السياسي في 25 أكتوبر يرى أن الإتحاد بين الطائفتين إنما كان موجودا ً في أذهان بعض الصحافيين السنة في نشرتي " صوت البحرين " و" القافلة " ، ويعترف بأن الإتحاد الذي تمخض لاحقا ً لم يكن بحسبان أحد . ويرى أن للشيعة مطالب أساسية تختلف عن مطالب السنة ، فهم يؤكدون على ثلاث قضايا هي التعويضات عن حادثة القلعة التي حدثت قبل عام واحد وعن حادثة عراد في محرم العام الماضي والأحكام التي فرضت على بعض الشيعة بعد حادثة سترة . بينما ليس للسنة مثل هذه المطالب وإنما يطالبون بالمجلس التشريعي المنتخب ، الذي ظهرت المطلية به في عريضة 3 يوليو . ويسند وجهة نظره بالإشارة لمذكرة رفعها السيد علي السيد إبراهيم للحاكم في 25 سبتمبر حول مسألة التعويضات وإعادة النظر في أحكام السجن المذكورة . ولكنه يعتقد أن وجهة نظر المعارضة السنية تقوم على أساس أن الحكومة التي تحتوي على عنصر التمثيل هي أفضل وسيلة لضمان حريات الشيعة وحقوقهم .
ويرى المعتمد أن الشيعة والسنة متفقون بشكل كامل على توجيه اللوم للبريطانيين لكل ما يحدث من أخطاء في البحرين . وأنهم يعتقدون أن الدعم البريطاني لآل خليفة إنما هو نتيجة طبيعية للأهداف الإمبريالية للإنجليز . ويعزو المعتمد تصاعد النشاط السياسي المتمثل بالهيئة خلال الأسابيع الأخيرة إلى سوء تصرف الحاكم بسحب جواز سفر عبد الرحمن الباكر بعد توقيف نشرة صوت البحرين في سبتمبر 1954 . ولكن يعترف بأن الوضع أصبح يتطلب وضوحا ً في الموقف لأن الحاكم لا يعترف بشيء اسمه المطالبة بالحقوق والدستور والانتخابات وغيرها . وعبر المعتمد في رسالته عن قلقه من رفض الحاكم المطلق لكل مطالب الهيئة واستعداده للسماح للقبائل لمواجهة الهيئة في حال رفض الإنجليز اعتقال القادة الثمانية للهيئة . ولكن قوة طرح المطالب جعلت المعتمد في وضع لا يحسد عليه لأنها منطقية وتنسجم مع تطلعات الشعوب في العصر الحديث .
أما موقف المستشار فكان كعادته يستخف بقوة المعارضة ويعتبرها هامشية ولا تعدو كونها تكرارا ً لما حدث في الماضي وأن قادتها ليسوا ذوي وزن اجتماعي كبير . ويختتم المعتمد رسالته قائلا ً :
" إن هؤلاء .. الصحافيين ، بمانشيتاتهم ، يطالبون بأشياء يعتبرها عدد كبير من المواطنين البحرانيين الهادئين والعقلاء أمورا ً ضرورية . وليس هناك خارج العائلة الخليفية من يستطيع الدفاع عن الحكم المطلق ذي النمط القديم ، ولذلك ففي الوقت الحاضر فإن " القادة الوطنيين " أصبحوا يحتكرون المبادئ الديمقراطية " .
ومع استمرار الحركة الوطنية وتصاعد نشاطها وشعبتيها ، وجد البريطانيون أنفسهم في حيرة من الأمر ، بين الرضوخ لمطالب الهيئة وما يترتب على ذلك من إضعاف الحاكم ورفض المطالب الشعبية وما يترتب على ذلك من فقدان المصداقية بين الشعب . وفي مذكرة داخلية بوزارة الخارجية البريطانية كتب أحد المعنيين بالقضية وهو إيوات ربيغز حول تبعات كلا الخيارين : " إن ورطتنا هي أننا إذا أبدينا ميلا ً للإصلاحيين وذلك بالضغط على الحاكم لإدخال نوع من الحكم أكثر تمثيلا ً :
1- فإننا سنقلل من ثقته فينا وربما يتنازل ( عن الحكم ) .
2- إن سيادته الشخصية ستصبح أضعف ، وكذلك موقعنا الذي يعتمد كليا ً على علاقتنا معه شخصيا ً .
3- إن أي نوع من الهيئة التمثيلية سوف يرجح أن ينتقد ، وفي النهاية يقطع العلاقات مع بريطانيا .
4- إن النظام الحالي الذي تحكم به البلاد والمناخ الهادئ الذي تعمل ضمنه شركة النفط سوف يذوب في بوتقة القومية العربية . وأي درجة من الرضوخ إلى مبدأ التمثيل ستؤدي إلى حركة سريعة باتجاه حكومة برلمانية كاملة وإزاحة نفوذها .
5- وإذا ما قضي على النمط التقليدي في البحرين ، فإن موقفنا كله في الخليج وخصوصا ً في الكويت وقطر سيتأثر بذلك .
وفي اللقاء الذي حصل بين الحاكم ووزير الخارجية البريطاني . قال الأخير أنه وحكومة صاحبة الجلالة قد تابعوا بتعاطف الصعوبات التي نشأت في البحرين خلال الشهور الأخيرة . وقال أنه يشعر بضرورة شرح الحكومة وسياستها للناس بخصوص ما تقوم به الآن وما تنوي القيام به في المستقبل . وأجاب الحاكم بأن حكومته تعمل على ذلك من خلال الإعلانات الحكومية والصحف والمجلات وأنه مستعد لسماع أي اقتراحات إضافية أخرى . وسأل عما إذا كان وزير الخارجية يعتبر أعمال حكومة البحرين حسنة أم سيئة ، وذكر له أن حكومة البحرين ترغب في دعم حكومة صاحبة الجلالة لها داخليا ً وخارجيا ً . فأجاب وزير الخارجية بأنهم يقدرون التقدم الذي تحقق في البحرين ولكن لأن الناس الآن أصبحوا أكثر ثقافة وأصبح لديهم متسع من الوقت فإن من المستحيل البقاء في حالة الجمود . أما بشأن المساعدة البريطانية فقد قال سلوين لويد بأن الأفضل دراسة المشاكل عند حدوثها ومناقشتها بين الجميع . وربما هناك اختلاف في الآراء حول توقيت الإجراءات الإضافية ولكنا إذا ما اتفقنا نستطيع أن نعلن عن دعمنا لوجهة نظر البحرين .
وكانت الهيئة قد طلبت من المعتمد السياسي السماح لها بمقابلة وزير الخارجية أثناء وجوده في البحرين ، ولكنه لم يفعل ذلك ، وطلب منهم كتابة رسالة يضمنونها ما لديهم من أفكار ، ففعلوا ذلك وسلموه رسالة طويلة بتاريخ 21 فبراير 1955 ( انظر الملحق رقم 6 ) وتضمنت الرسالة عتابا ً على الحكومة البريطانية لعدم تجاوبها مع المطالب الإصلاحية ، وذكّر قادة الهيئة في الرسالة بموقف حكومة البحرين السلبي من المطالب التي تقدم لها ، ذلك الموقف الذي اضطر الهيئة لإعلان الإضراب العام في شهر ديسمبر وذكروا له كذلك محاولتهم المستمرة مع الحكومة البريطانية للضغط على الحاكم لوقف الاستفزازات ضد الشعب ومنها توقيف رواتب الموظفين بعد الإضراب . كما تطرقوا لمحاولات الحكومة لشق الصف واعتبروا موقف الإخوان المسلمين المعارض للهيئة جانبا ً من تلك المحاولات .
وذكّروا الحكومة البريطانية بالديمقراطية وما تمنحه من حريات . كما لفتوا نظره إلى الهيمنة الاقتصادية للعائلة الحاكمة قائلين : " هل الحكومة البريطانية تمنح ثلث دخل بريطانيا مثلا ً لصاحبة الجلالة ملكة بريطانيا ؟ " ثم وجهوا تهمهم للمستشار الذي أطلقوا عليه اسم " الديكتاتور " مؤكدين أن الذي كان صالحا ً لعام 1926 ( وهو العام الذي عين فيه بلجريف ) لا يمكن أن يكون صالحا ً لعام 1955 ؟ .
وأكدوا على ضرورة أن ترتبط الحكومة البريطانية بالشعب وليس بآل خليفة ، وذكروها بمبدأ حقوق الإنسان الذي وقعت عليه بريطانيا . ووقع الأعضاء الثمانية في الهيئة على هذه الرسالة التي سلمت للمعتمد الذي قام بدوره بتسليمها لوزير الخارجية .
ويصف المعتمد السياسي هذه الرسالة بأنها " ذات منطق جيد ، رغم أنها غامضة ، وكان واضحا ً أنها حظيت بتفكير جيد . وليس هناك شك بأن الهيئة تستطيع ممارسة السيطرة بدرجة واسعة لدرجة تدعو للقلق على شعب البحرين عندما تريد ذلك . وخلال الإضراب العام في ديسمبر ، كان ضبطهم للأمور مثيرا ً للعجب سواء من حيث شمول الإضراب أم من حيث التنظيم الذي تم به . وهذا يعكس تنظيما ً جيدا ً . وأعتقد أن معظم قوة الهيئة ناتجة عن حقيقة أن هناك شعورا ً عاما ً وحقيقيا ً بعدم الرضا عن بطء حكومة البحرين . وعن المواقع المتميزة للعائلة الحاكمة ، وخصوصا ً في ممارسة القضاء ، والتخلف النسبي وانعدام الثقافة لدى العائلة ككل " .
أما جواب الوزير البريطاني فلم يكتبه بنفسه بل أوعز للمعتمد السياسي بكتابته على هيئة تصريح مكتوب بتاريخ 17 مارس 1955 ، جاء فيه ما يلي :
" إن الحكومة البريطانية تتعاطف مع كل الشعوب من أجل إقامة حكومة منتظمة وتقدمية تقوم على ثلاثة أسس : ممارسة الحكومة الإصلاحات لاستغلال المصادر وتعليم الناس ، وجود قناة دستورية لإبداء الآراء المشتركة في المجالس البلدية ، والاستفادة من هذه القنوات لإبداء الآراء والمشاركة في إدارة البلاد ، وأكد على أن من غير اللائق تكوين منظمات منافسة تثير الفوضى وتسعى للتأثير على الحكومة بوسائل غير دستورية . ثم ذهب لإثبات وجود العاملين الأولين وذكر بما يلي :
1- إن الحاكم أعلن عن عزمه على وضع قانون شامل يغطي أوضاع العمال وقضايا العمل في البحرين ، ووظف السيد أودسلي لذلك .
2- وضع مسودة قانون جزائي من قبل رجال خبراء في القانون .
3- تعيين مستشار قضائي بريطاني هو السيد بيس لتحسين جهاز القضاء .
4- تعيين نائب قومندان للشرطة ، هو السيد همرسلي لإعادة تنظيم جهاز الشرطة .
5- وافق الحاكم على تحديث قانون مجالس البلديات في البحرين ، وعين لجانا ً للإشراف على إدارة التعليم والصحة العامة طبقا ً لتوصيات اللجنة الرسمية التي عينت للنظر في إدارة البلاد .
6- تعيين طبيب بريطاني لمساعدة مدير الصحة ، وعينت طبيبة بريطانية في قسم النساء ، وعين اختصاصي بريطاني في التخدير .
7- سوف تفتتح محطة الجفير الكهربائية في شهر يونيه 1955 لمد الكهرباء للقرى .
8- بناء مدرستين للأولاد والبنات في المنامة . وأشارت الرسالة إلى المبدأ الثاني ، والمؤشرات على وجوده ومنها ما يلي :
أ – مجالس الحاكم .
ب- الجريدة ستبدأ من جديد تقريبا ً .
ج- اللجان القديمة ، مجلس التجارة والأوقاف ولجنة الزراعة .
د- اللجنة العامة التي عينت لاستماع وجهات نظر الناس ، ويأسف الوزير لمقاطعة من يسمون " ممثلي شعب البحرين " لهذه اللجنة .
هـ- اللجنتان الدائمتان اللتان عينتهما الحكومة للصحة والتعليم .
و- اللجنة العمالية التي سيمثل فيها أصحاب العمل والعمال بعدد متساو .
ز- البلديات ، التي سوف تعطى صلاحيات أكبر .
ثم يبدي الوزير أسفه لغياب المبدأ الثالث وهو استغلال هذه الوسائل القانونية من قبل من يعنيهم الأمر ، ويتهم الهيئة التنفيذية بمقاطعة هذه الوسائل وخلق مصاعب في طريقها . ويعترف بضرورة إيجاد تطوير أكبر ، ولكن ينصح بعدم محاولة الركض قبل الجري .
وبعد تأكيده على رغبة بريطانيا في استمرار الأمن والسلام في البحرين ، يؤكد الوزير رفض حكومته الاعتراف بالهيئة : " إن الحكومة البريطانية لا تستطيع الاعتراف بمجموعة الأفراد الذين وقعوا الرسالة " .. ويضيف مهددا ً : " إذا ما ابتعد أي قطاع من شعب البحرين عن الوسائل القانونية ولجأ للعنف أو الضغط غير القانوني ، فإنه سيخسر تعاطف الحكومة البريطانية " .
وينهي الرسالة بتوجيه ثلاث نصائح للشعب البحراني ، وهي الاعتراف بوجود التقدم والإصلاحات التي تحققت مؤخرا ً بمساعدة الحكومة البريطانية ، والمساهمة بأوسع قدر ممكن في اللجان المتعددة والمجالس المنتخبة المزمع إنشاؤها والتخلي عن أفكار العنف ، والأعمال الغير قانونية وعدم التعاون .
صدم أعضاء الهيئة برسالة وزير الخارجية البريطاني ، فقاموا بكتابة رسالة أخرى للوزير ، سلوين لويد ، في 29 / 3 / 1955 ردوا على ما قاله الوزير البريطاني بالتفصيل ، وكانت لغتها قوية بمقاييس الأوضاع السائدة فقد وافقت الهيئة في رسالتها على ما ذكره الوزير البريطاني عن ضرورة توافر ثلاثة عناصر أساسية لكل تقدم وتطور ، ولكنها مضت لتفنذ مزاعمه على الأسس التالية :
1- إن الحكومة لم تتطور في تكفيرها أو أساليبها أو نظرتها للحكم والمؤسسات الدستورية ، فتقول : " في ما يتعلق بالعنصر الأول ( أي وجود حكومة تساير التطور ... إلخ . يؤسفنا أن نخالفكم تماما ً هذا الرأي فالجهاز الحكومي منذ نشوئه – ولا يزال – يسير على نفس النمط الذي رسم له منذ أكثر من ثلاثين عاما ً دون أن يتأثر بالتطورات الزمنية والأساليب الإدارية الحديثة " . ثم تطرقت للنقاط التي استشهد بها الوزير لإثبات وجهة نظره في هذا المجال ووصفتها بأنها " جزئية لا تمس جوهر الأوضاع السائدة التي يشكو منها الشعب " . وتناولتها نقطة نقطة لتفندها .
2- إن ما يسمى بـ " الوسائل الملائمة الكافية لأن يعبر الشعب بها عن أفكاره ورغباته ويشارك بها في الإدارة العامة " هو ضرب من الخيال ، وتفند الرسالة دعوى أن هذه الوسائل فاعلة أو دستورية فمثلا ً بخصوص ما ذكرته رسالة الوزير البريطاني عن مجالس الحاكم تقول رسالة الهيئة التنفيذية : " نود أن نتسائل عن صفة هذه المجالس وعن القرارات التي اتخذت فيها ومدى اختلافها عن أي مجلس من المجالس الشخصية المنتشرة في أرجاء البلاد ؟ وهذه أول مرة نسمع فيها أن مجالس صاحب العظمة وجدت لتكون وسيلة من وسائل التعبير عن رغبات الشعب وآرائه ومشاركة هذا الشعب في شؤون الإدارة " .
3- واستغربت الهيئة في رسالتها موقف الحكومة البريطانية من الهيئة نفسها حيث وصفتها بأنها " جماعة " وطالبت بإجراء استفتاء شعبي عام لمعرفة موقف الشعب من هذه الهيئة ، وذلك في مجال مناقشتها العنصر الثالث من المذكرة البريطانية وهو عدم مساهمة الشعب في المؤسسات " الدستورية " المتاحة زاعمة أن الهيئة التنفيذية هي السبب في اتخاذ هذا الموقف لمقاطعتها لجنة التحقيق ووضعها العراقيل في سبيل تشكيل لجنة العمل والعمال ومحاولتها – على حد تعبير المذكرة – منع الأشخاص المرشحين للجنتين الإداريتين الجديدتين من قبول التشريح . وبررت الرسالة موقف الهيئة بعدم انطباق صفة " الدستورية " على الوسائل المذكورة .
ثم شكرت الرسالة الحكومة البريطانية على رسالتها " على ما أبدته في كتابها من اهتمام بالتقدم والتطور السلمي في البحرين ، ولكننا ندعوها لأن تكون أكثر فهما ً لحقيقة الأوضاع القائمة في البحرين " . ومضت تؤكد : إن الهيئة هي الممثلة الحقيقية لشعب البحرين لوجود عشرات الألوف من التواقيع على ذلك وللاستجابة الكبيرة لكل نداء توجهه إلى الشعب وبواقع الطريقة الدستورية التي انتخبت بها أعضاء الهيئة " .
وأكدت على الطبيعة السلمية للحركة الإصلاحية مستنكرة إشارة وزير الخارجية البريطاني لمسألة الإخلال بالأمن .
ووقع على الرسالة الأعضاء الثمانية في الهيئة التنفيذية وهم السيد علي السيد إبراهيم ، ومحسن التاجر ( وعق عنه شخص آخر لغيابه في الخارج ) والحاج عبد علي العليوات ، والحاج عبد الله أبو ذيب والحاج إبراهيم بن موسى ، وعبد العزيز سعد الشملان ، وإبراهيم محمد حسن فخرو ، وعبد الرحمن الباكر .
وفي هذه الأثناء ، كتبت الهيئة رسالة إلى الحاكم ، في 9 فبراير 1955 تذكره فيها بمسؤولياته تجاه البلاد وتذكره بالمطالب التي قدمتها له في رسالة سابقة بتاريخ 28 أكتوبر 1954 وهي :
1- إنشاء مجلس تشريعي ينتخب الشعب أعضاءه .
2- تقنين الأحكام الجنائية والمدنية .
3- السماح بإنشاء نقابات عمالية .
4- إنشاء محكمة استئناف عليا .
كما أعلنت الحكومة عن استعدادها للسماح بإصدار جريدة جديدة بناء على طلب الهيئة التنفيذية العليا بعد توقف جريدتي " القافلة " و " صوت البحرين " هذا في الوقت الذي تصاعدت فيه حدة الشائعات عن وجود خطط لاغتيال أفراد من العائلة الخليفية وأن الشيخ دعيج ، أخ الحاكم يخطط عمليات عنف ليقوم بتوجيه اللوم على ضوئها للهيئة .
هذا في الوقت الذي كان المقيم السياسي ، السيد باروز يقترح على الخارجية البريطانية السماح بإصدار جريدة مستقلة إلى جانب نشرة الأخبار الرسمية وإدخال شخصين من أعضاء الهيئة في اللجنة الحكومية المعنية بالنظر في القضايا العمالية ، وذلك بعد أن قدمت الهيئة تصورا ً عاما ً عن المسألة العمالية في مذكرة طويلة هي عبارة عن القوانين واللوائح المتصورة لما سمته " اتحاد العمال " .
وجاء اهتمام المسؤولين البريطانيين بالهيئة وحملها محمل الجد بعد أن نجحت في إقناع الناس بقاطعة انتخابات بلدية المنامة في شهر فبراير 1955 على أساس أن هذه المجالس البلدية ليست مستقلة عن السيطرة الحكومية . ولهذا فقد كان المقيم السياسي يسعى للتوفيق بين الهيئة والحكم وذلك بمحاولة إقناع الحاكم بقبل قدر بسيط من التعديل على نظام حكومته لتحديد موقف الهيئة والمطالب الشعبية . وكانت هناك حساسية بريطانية متميزة من أهم مطلبين وهما إنشاء المجلس التشريعي وتكوين النقابات العمالية ، لما لذلك من أثر على الأوضاع في الخليج بشكل عام . وكمخرج من ذلك فقد طرح المقيم اقتراحا ً بتكوين مجلس استشاري ينتخب بعض أفراده ويعين البعض الآخر ، وتكون له صلاحية النظر في بعض الأمور ومنها الشؤون المالية .
وقد اقتراحاته للخارجية البريطانية التي ردت في 10 مارس بموافقتها على اقتراحات المقيم السياسي المذكورة ، ومنها توسيع اللجنة الحكومية المكلفة بالنظر في الهيكل الإداري العام للدولة لتشمل شخصا ً أو شخصين من أعضاء الهيئة وتصبح بذلك شبيهة بمجلس استشاري وتكون حكومة البحرين قادرة على القول بوجود وسائل مشروعة لمشاركة الشعب في عملية الإصلاحات .
وكتب المقيم السياسي باروز ، للخارجية البريطانية في 19 مارس 1955 لنقل آخر تطورات الاتصالات الحثيثة مع الهيئة . وقال بأن الهيئة قد أخبرت بأن اللجنة العمالية سوف يتم تكوينها من :
1- ثلاثة ممثلين عن الحكومة ( اثنين من آل خليفة والثالث مسئول بريطاني ) .
2- ثلاثة ممثلين عن أصحاب الأعمال ( شخص أمريكي أو بريطاني من شركة نفط البحرين ، وآخر من أكبر شركة بحرانية ومقاول عربى ) .
3- ثلاثة عمال ( أحدهم يمثل شركة النفط ، وآخر يمثل عمال الحكومة والثالث تختاره الحكومة من قائمة من أربعة أسماء تقدمها الهيئة لتمثيل كل العمال ) . وقد قام السيد أوزلي ( الخبير البريطاني لشؤون العمال ) بلقاء سكرتير الهيئة وشرح هذا المشروع وقد بعض النصائح حول القضايا العمالية . والمجالس الشوروية ، والنقابات العمالية التي سيقدمها للجنة الحكومية . وأخبر الباكر بعدم جدوى مشروع النقابة العمالية الواحدة وطلب منه الاستفادة من ذهاب البعض والتوقف عن الحديث عن الإضرابات والتظاهرات .
ويقول المقيم أن الهيئة قبلت هذه المقترحات بالإجماع في لقاء لاحق ، ولكنها غيرت موقفها بعد ذلك وأخبرت السيد أودزلي في 10 مارس ما يلي :
1- إنها ترفض تقديم أربعة أسماء وأن على الحكومة القبول بإسم واحد تقدمه الهيئة كما هو الحال مع الممثلين الآخرين .
2- أن على الحكومة الاعتراف بالهيئة التنفيذية العليا وذلك بالكتابة لها والطلب منها بتقديم اسم ممثل واحد .
3- إنها مستمرة في اختيار أعضاء مجلسها ولكن ليس للأغراض المتعلقة بالقضايا العمالية .
وقامت الحكومة بمراجعة الموقف بعد تقديم الهيئة هذه الشروط خصوصاً مسألة الاعتراف الرسمي بها ، وكان المقيم يعتقد بأن غير الصحيح الضغط على الحاكم للاعتراف بالهيئة . ولكن الحكومة قامت بتكوين لجنة عمالية لوضع قانون للعمل متكونة من ممثلين عن الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال أنفسهم في مطلع أبريل 1955 . أما الهيئة فقد استمرت في المطالبة بالاعتراف الرسمي بها كمقدمة للتعاون في اللجنة العمالية .
وحاولت الحكومة الاستفادة من موقع منصور العريض فطلبت منه إقناع الهيئة بالتعاون مع اللجنة العمالية . وقام بذلك وخفت المعارضة للجنة الحكومية . واستمر الوضع على ما هو عليه تتخلله الاتصالات والمفاوضات وخصوصا ً حول المسألة العمالية . وكان المقيم السياسي يعترف بأن للهيئة تنظيما ً جيدا ً بين العمال يستطيعون استعماله للضغط وقت الحاجة ، ولذلك لم يكن يستهدف تطوير الأمور إلى حد المواجهة . ولذلك فقد عملت اللجنة الاستشارية العمالية التابعة للحكومة على كتابة قانون عمل تحت إشراف المستشار العمالي البريطاني السيد أودزلي الذي كان على اتصال مع عبد الرحمن الباكر سكرتير الهيئة التنفيذية . ويبدو أن الباكر كان قد أعطى تطمينات للمسئولين البريطانيين بأن الهيئة ستشارك في اللجنة العمالية الحكومية إذا ما استطاعت صياغة قانون عمالي جيد .
وفي 6 ابريل ذهب الباكر لمقابلة المعتمد السياسي ، السيد غولت ، وسأله عن موع رجوع أودزلي الذي كان قد ذهب إلى القاهرة قبل فترة قصيرة وقال أنه كان قد أخبر أودزلي بأنه لن يعلن عن تكوين نقابة عمالية أو اتحاد تابع للهيئة حتى يرجع من القاهرة . وكان شائعات قد انتشرت بأن أودزلي لن يعود إلى البحرين . فما كان من المعتمد إلا أن تكلم بلهجة شديدة للباكر وأخبره بأن لن يسمح لأحد بتهديد حكومة البحرين ، في الوقت الذي يرفضون ( المعارضة ) التعاون معها في الخطوات " الإيجابية " . وبعد أكثر من لقاء تنازلت الهيئة عن الإصرار على الاعتراف كمقدمة للتعاون مع اللجنة العمالية ، وجرت على أثر ذلك انتخابات لاختيار ثلاثة ممثلين للعمال ليكونوا أعضاء في اللجنة العمالية . وقد أجريت الانتخابات في بابكو لاختيار ممثل واحد وانتخابات في المنامة لانتخاب ممثل العمال في المؤسسات الحكومية وآخر للعمال في غير هذين القطاعين . وصدرت نتائج الانتخابات في 26 إبريل وقد تكونت اللجنة العمالية الجديدة من الأفراد التالية أسماؤهم :
- عن الحكومة : الشيخ علي بن أحمد الخليفة ، الشيخ علي بن محمد الخليفة ، السيد جي . دبليو . آر . سميث ( مدير الجمارك ) .
- من أصحاب العمال : السيد إل . أي . سميث عن بابكو ، السيد محمد كانو ( تاجر ) ، السيد إي . إم . أوجي ( مقاول بناء ) .
- عن العمال : السيد محمود بن السيد أحمد العلوي ( عن عمال حكومة البحرين .
السيد علي بن السيد حسين ( عن عمال بابكو ) .
السيد محمد قاسم الشيراوي ( عن العمال الباقين ) .
على أثر ذلك قامت الحكومة بنشر حلقات عن قانون العمل الجديد في نشرتها الأسبوعية لتعط ِ انطباعا ً بأن لديها مبادرات مستقلة وأنها ليست في موقع الدفاع باستمرار .
كما سمحت الحكومة بإصدار جريدة يرأس تحريرها علي سيّار الذي كان يحرر جريدة " القافلة " التي أوقفتها الحكومة في العام السابق . واسم الجريدة الجديدة " الوطن " وستكون بديلا ً عن القافلة ونشرت الحكومة كذلك ملخصا ً عن تقرير اللجنة الحكومية ( المكلفة بالنظر في الدوائر الحكومية ) عن الدائرة الطبية ، وبذلك تكون اللجنة المذكورة قد انتهت من عملها بعد أن فحصت دوائر التعليم والأمن العام .
وواضح أن هناك انتقادات واسعة في تقارير اللجنة مما يدل على فقدان التنسيق والتخطيط في الدوائر الحكومية بشكل كامل . ويبقى أن المسألة المهمة هي أن تتحول هذه التقارير إلى برامج عمل إصلاحية يتبناها الحاكم والمستشار .
ورغم حدوث بعض التطور على الجانب العمالي فإن الوضع السياسي استمر لأن البريطانيين لم يريدوا تغييره . وإلى ذلك يشير المقيم في رسالته إلى السيد هارولد ماكميلان بوزارة الخارجية في 9 مايو 1955 بقوله (5) :
" إن من التسرع بمكان الاستنتاج بأن الصعوبات السياسية في البحرين قد حلت . فنحن في الواقع نقوم بتجربة غريبة ما بإدخال العملية الديمقراطية الصناعية في مجتمع تغيب عنه الديمقراطية السياسية بشكل كامل ، وأن من غير الحكمة التلاعب بالوضع الدستوري القائم " .
وكان البريطانيون يعتقدون أن إحداث بعض الإصلاحات في الحقل العمالي سيؤدي إلى هدوء العمال وفقدان الهيئة من الأنصار والأعوان . ويرى المقيم أن اندفاع العمال لمساندة العاملين السياسيين إنما يعود لغياب وسائل التعبير الشعبي : " حتى الآن كان الخطر هو أن عدم وجود وسائل التعبير العام ، أدى إلى سهولة اقتناع الإنسان العادي بضرورة العمل السياسي لتوفير طرق التعبير عن الظلامات " .
كما كانوا يحاولون إضعاف الحركة السياسية بتشجيع اللجنة الحكومية المكلفة بالنظر في الجهاز الإداري الحكومي في القيام بعملها لإزالة الدواعي المباشرة للشعور بالظلامة لدى عامة الشعب ، ولذلك بفحص إدارة كافة الدوائر الحكومية . كما كانوا يسعون لإصلاح جهاز الشرطة على يدي الكولونيل همرسلي لاعتقادهم بأن انشغال بلجريف الذي يحمل لقت " قمندان الشرطة " بدون فاعلية ، وعدم فاعلية الشيخ خليفة بن محمد ( ابن عم الحاكم ) في منصب المدير العام للأمن العام ، سببا استمرار الوضع الضعيف للشرطة . وكان المقيم السياسي والمعتمد السياسي يلفتان نظر بلجريف لوضع جهاز الشرطة ولكنه لم يعمل شيئا ً لإصلاحه لـ " عوامل شخصية " على حد تعبير المقيم .
كان هناك قلق متزايد لدى المسؤولين البريطانيين في البحرين بأن الاضطرابات قد تحدث في موسم العاشوراء الذي يصل إلى ذروته في 28 و 29 أغسطس فقد هددت الهيئة بمظاهرات ضد البريطانيين بعد 13 محرم ( 2 سبتمبر ) وهي فترة صعبة حيث تكون فيها المشاعر هائجة . وزاد من قلق البريطانيين أن قوة الشرطة في البحرين ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها في حال حدوث انفجار شعبي كبير ، وأن سمعتها سيئة بعد حادثة 1 يوليو من السابق . وهذا يعني أن الأمر قد يتطلب تدخل القوات البريطانية بشكل مباشر . فرغم جهود همرسلي لتكوين جهاز شرطة قوي ، فإن الأمر ليس مضمونا ً في حال حدوث اضطرابات كبيرة . وعليه فإن الحل الوحيد لدى آل خليفة والمستشار هو إنزال القوات البريطانية إلى البلاد . وإن كان المقيم السياسي يزداد قناعة بأن الحركة السياسية في البحرين متأثرة إلى حد كبير بمصر والنداءات الثورية من القاهرة ، وبالثورة الجزائرية التي انطلقت من العام الماضي . وكان الباكر قد أخبر بعض موظفي المقيمية السياسية بأنه حاول إقناع أعضاء الهيئة بعدم التهجم على بريطانيا في منشورهم الذي وزع في شهر أغسطس ولكنه لم ينجح في ذلك . ويعتقد المقيم أن هناك شبابا ً من الشيعة والسنة في الهيئة يقوم عداؤهم لآل خليفة لأنهم متحالفون مع بريطانيا (6) . ولذلك فقد كان يطالب بإبقاء إحدى السفن الحربية البريطانية راسية قبالة البحرين .
وكانت تتردد شائعات بأن هناك إضرابا ً عاما ً يوم السبت 3 سبتمبر وأن أعمال عنف سوف ترتكب ومنها قطع أسلاك التليفون ومنع الوظفين الأمريكيين والأوروبيين من الذهاب إلى مصفاة النفط . ولذلك فقد طلب المعتمد السيد غولت ، من الخارجية البريطانية توفير غطاء عسكري في الخليج وسعى لإقناع الشيخ بإنزال عدد من القوات من المدمرة " فلامينجو " في قاعدة الجفير ، كما طلب من المدمرة " لوخ لوموند " التوجه من الكويت إلى البحرين لمواجهة ما قد يحدث في قمة فترة العاشوراء وهو يوم 29 أغسطس .
ولكن شيئا ً من ذلك لم يحدث ، فرغم أن مواكب العزاء كانت ذات طابع سياسي خلال يومي التاسع والعاشر من المحرم ، إلا أنه لم يتحدث حوادث تذكر في هذين اليومين . ولذلك حاول المعتمد تهدئة الموقف وذلك بإعلان عدم العمل بالقانون الجزائي الذي كتب مؤخرا ً وذلك بعد أن عرض على الزعماء الدينيين في الأزهر والنجف . فقد أفتى علماء النجف عدم ملاءمته للقانون الإسلامي ، وبالتالي فإنه غير ذي جدوى ما دام معارضا ً لمعتقدات المسلمين . وقد عينت الحكومة لجنة لدراسته في الوقت الذي أعلنت الهيئة عزمها على التظاهر ضد البريطانيين الذين كانوا أساس المشكلة .
وكان للتحالف الجماهيري ضد القانون الجزائي المذكور أثره على الرأي العام . بل أن أصداءه وصلت إلى القاهرة حيث نشرت مجلة " التحرير " في 9 أغسطس مقالا ً من صفحتين بعنوان : " البركان سينفجر الشهر القادم " وجاء في مقدمة المقال ما يلي :
" عندما تبدأ حكومة البحرين في العمل بقانون الجزاء في سبتمبر القادم فسوف تحدث ثورة . القانون ينص على أن كل المنظمات ، سواء ً المسجلة أم غير المسجلة التي تقوم بنشاطات محظورة سوف تحل . وستكون عقوبة الإعدام ضد من يعملون على قلب الدستور ، أم يثورون على الحكومات الإمبريالية في المنطقة أو يهينون الحاكم ، الشيخ سلمان بن حمد ( الذي يأخذ ثلث واردات البلاد راتبا ً شخصيا ً له ) " .
وكان القانون قد ظهر للمرة الأولى في شهر يونيه ، وبدأت المعارضة له منذ ذلك الوقت ، ومع حلول أغسطس كانت هذه المعارضة قد أصبحت شاملة في البحرين فقام الشيخ بتعيين لجنة لدراسته قبل موسم العاشوراء لكي يقنع الشيعة بأنه مستعد لقبول اعتراضهم على القانون في وقت مثل العاشوراء . ولكن الهيئة أصدرت بيانا ً ( رقم 25 ) ضد القانون وهددت بإجراءات قوية بعد العاشر من المحرم ، خصوصا ً وأن الرأي العام كان كله ضد القانون ، حتى الذين كانوا في الميزان البريطاني " المعتدلون " .
تصادف مع ذلك إعلان بابكو عزمها على الاستعانة بمقاولين لأعمال الصيانة ، وكان معظم المقاولين الذين تقدموا للعرض أجانب .
واعتزمت كذلك تقليص عدد عمالها ونقل بعضهم إلى الشركات التي تفوز بمشاريع الصيانة ، ولكن العمال وجدوا أنهم بانتقالهم من بابكو سوف يخسرون قدرا ً من الحقوق المادية والتسهيلات التي كانوا يحصلون عليها في بابكو ، ومن هنا جاءت الاحتجاجات .
في 24 أغسطس قام عبد الرحمن الباكر بزيارة المعتمدية للمرة الأولى ، والتقى أحد المسؤولين فيها وصرح بأنه قد بذل جهده لإقناع رفاقه في الهيئة بعدم التهجم على بريطانيا في بيانهم الأخير ، ولكنه لم ينجح . وكان أنداده الأساسيون هم محمود المردي وعلي سيّار ، الذيْن رجعا من مصر لتوهما وكانا مشوحنين بالأفكار الجديدة حول الحركة الوطنية . وكان المردي موظفا ً في البنك البريطاني للشرق الأوسط في الخبر بالسعودية ولكنه ترك البنك والتحق ببنك القاهرة في فرعه الجديد بالخبر . أم علي سيّـار فهو رئيس تحرير الجريدة الأسبوعية " الوطن " وقد كان من قبل محررا ً لـ " القافلة " التي أوقفت العام الماضي ، ويعمل في الشركة الشرقية الأفريقية المتحدة . قال الباكر بأنه قدم استقالته للهيئة ولكن طلب منه تأجيلها ، كما قال بأنه فقد السيطرة على الحركة الوطنية لأنه كان يدعو باستمرار للوسائل السلمية .
في 30 أغسطس ذكر نائب المستشار ، السيد سميث للمعتمد أن لديه معلومات مفادها أنه إذا أعلن تأجيل العمل بالقانون الجزائي فإن الإضراب سوف يلغى ، فتم الإعلان بذلك المعنى وألغي الإضراب الذي كان من المقرر القيام به في 3 سبتمبر . المشكلة أن الشيخ سلمان كان يعتمد بشكل كامل على المستشار بلجريف في اتخاذ القرارات بل حتى في الاتصال بالشخصيات المعروفة في البحرين ، وهذا ما جعل المستشار هدفا ً واضحا ً للحركة الوطنية . وفي هذا الصدد يقول المعتمد ، السيد غولت بعد أن غادر بلجريف البلاد في إجازة في خريف عام 1955 : " الآن وبعد أن غادر بلجريف في إجازته ، وأصبح السيد سميث يعمل كمستشار ، فقد أصبحت أنا أصنع القرارات السياسية نيابة عن الحاكم أو اقترحها عليه . فالسيد سميث غير ذي تجربة في القضايا السياسية ، ويميل لرفع كل شيء للحاكم ، وعندما أذهب لمناقشة القضية مع الحاكم يقول لي : " كما تحب أنت ، بمعنى أنه إذا كانت حكومة صاحبة الجلالة تريد أن يعمل شيء بطريقة ما فإنه يوافق على ذلك ... وفي الحالات النادرة عندما يأخذ الحاكم قرارا ً بنفسه ، فإنه في الغالب يكون القرار الخاطئ (7) " . وفي هذا الصدد يقول بلجريف : " يبدو أن ما أن يتم مناقشة سياسة جديدة ويتفق عليها من قبل الشيخ حتى يتم تغييرها بعد بعض ساعات ، بسبب التعليمات من لندن " .
وعن بلجريف يقول المعتمد : " إننا الآن ندفع ( ضريبة ) ثلاثين عاما ً من استبداد تشارلز بلجريف في البحرين فمن جهة فإن الحاكم يميل باستمرار لأن يترك نفسه كي تحمله حكومة صاحبة الجلالة ويترك العمل للمستشار ، ومن جهة أخرى ، فإن أسلوب بلجريف المتمثل بإدارة الرجل الواحد حيث ركز كل شيء له أهمية في يديه . إلى درجة أن عليه أن يوقع شيكات بمبلغ 10 روبيات أصبح يظهر يوميا ً بدرجة من عدم الكفاءة وعدم القدرة على مواجهة العدد المتزايد من المشاكل التي تعصف بالبحرين " .
بعد الإعلان عن تأجيل العمل بالقانون الجزائي أصدرت الهيئة بيانها رقم 26 للتأكيد على التزامها بالمطالب الأساسية المتمثلة بتحقيق الحياة الدستورية في البلاد ، وأشارت فيه إلى إلغاء الإضراب المزمع القيام به كما ذكرت أنها بصدد إعداد مذكرة للحكومة تطالبها فيها بالاستجابة للمطالب الشعبية وفي مقدمتها إنشاء مجلس تشريعي منتخب .
ومع استمرار الضغط الشعبي على الحكومة كتب المقيم السياسي في الخليج السيد غولت إلى الخارجية البريطانية يطلب منهم معلومات حول ما هو موجود من مجالس تشريعية في المستعمرات البريطانية ذات الظروف المشابهة لظروف البحرين من دون أن يؤكد تأييده أو رفضه لتحقيق مطالب الهيئة في 5 سبتمبر 1955 . وجاء رد وزارة الخارجية في 30 ديسمبر ملخصا ً كما يلي :
1- أن المسئولين البريطانيين يشاركون في إدارة المستعمرات وفق إجراءات دستورية محددة ، وهذا الوضع لا يعتبر نموذجا ً للبحرين .
2- إن وضع البحرين يشبه إلى حد ما الوضع في الملايو ويمكن دراسة ما يمكن عمله على ضوء ذلك ، وذلك بالرجوع إلى الهيكل الدستوري لتلك البلاد .
3- ويمكن كذلك الاستفادة مما هو معمول به في زنجبار .
4- وهناك وضع مواز للوضع في البحرين هو وضع " Cyrenaica " ودستورها الموضوع في عام 1949 التي أصبحت فيما بعد الفدرالية الليبية . وكان الدستور مصمما ً ليكون صالحا ً لبلد يتمتع بحكومة ذاتية على الصعيد الداخلي وتقوم الحكومة البريطانية بشؤون العلاقات الخارجية والدفاع . وكان الشعور السائد لدى المسؤولين البريطانيين ومنهم المقيم السياسي هو أن الحاكم لم يقم بأي جهد لتحقيق رغبات الهيئة والشعب وأن هناك حاجة للضغط عليه لتقديم تنازلات محدودة لكي لا ينفجر الوضع عليه . ولا شك أن المستشار كان معارضا ً لأي تلبية لمطالب الهيئة ، في الوقت الذي كان فيه الرأي العام السائد يطالب بالمزيد من الإصلاحات .
وكان الشيخ نفسه يشعر بأنه هو والمستشار يقفان على جهة ويقف الشعب والآخرون على الجهة الأخرى . ويقول المقيم في هذا الصدد " في إحدى الحالات خلال فصل الربيع عندما كنا نضغط عليه للقبول بإدخال قانون للعمل وتكوين اتحادات عمالية ، اشتكى إليّ بأنه هو والمستشار يجدان أنفسهما وحيدين في البحرين ، ويبدو أن كل إنسان آخر هو ضدهم " . ويعترف المقيم في الرسالة نفسها إلى وزارة الخارجية البريطانية بفشل السياسة البريطانية في إقناع الشيخ بالقبول بالإصلاحات ( أو بمعنى آخر عدم قيام الحكومة بأي ضغط على الشيخ ) : " لقد فشلنا حتى الآن في إقناع الحاكم أو مستشاريه بإدخال شيء ذي آثار بعيدة على مستوى التحسين الإداري أو تطوير مبدأ التمثيل في الشؤون الحكومي والبلدية " . ويعتقد أن أهم أسباب ذلك هو وقوف الهيئة ضد التعامل المباشر مع السلطات الحكومية ، فقد نتج عن مقاطعتها الانتخابات البلدية في المنامة ( في شهر فبراير 1955 ) عدم إجراء الانتخابات . ويعترف بقوة الهيئة على المستوى الشعبي وحتى على مستوى التجار الذين يتمتعون بشيء من الوعي بسبب أسفارهم واحتكاكهم بالشعوب الأخرى . ويقول في هذا المجال : " وفي الحقيقة أعتقد أن بإمكاني أن أقول بأن الرغبة الشعبية لنوع من المجلس التمثيلي العام أصبحت منتشرة ، وأن من مصلحة الحاكم أن يقطع شوطا ً لتحقيق هذا المطلب " . ولكنه في الوقت نفسه يعترف بأن أي مجلس تمثيلي سوف يكون منبرا ً لانتقاد المواقف البريطانية : " أعتقد بصحة القول أنه لم يكن هناك شعور قوي ضد بريطانيا سواء ً في العراق أم الأردن أم ليبيا عندما أنشئت المجالس التشريعية في هذه البلدان كما هو الحال في البحرين الآن " .
ويصف المقيم في رسالته تلك المستشار بأنه ( رجعي مثل الحاكم ) . ولكنه يصر على عدم التعرض له لأن الحاكم يعتمد عليه . وكأن المقيم يخشى من أن تؤدي المشاعر العامة في البلاد إلى إسقاط آل خليفة . ( أن المشاعر الشعبية قد أصبحت قوية جدا ً ، ولو كانت أكثر تنظيما ً لاستطاعت إسقاط الحكومة ) .
وكان التعبير عن هذه المشاعر يتخذ أشكالا ً شتى ، وقد يأخذ شكلا ً عنيفا ً أحيانا ً . ومن ذلك أن أحد الأشخاص المؤيدين للحكومة ضرب ضربا ً مبرحا ً في منتصف سبتمبر ، وأن عددا ً آخر من المؤيدين حوصروا في أحد الدكاكين بالمنامة من قبل الشباب ولم يرفع الحصار عنهم إلا بعد أن تدخلت الهيئة لتخليصهم (9) . وقد قدم عدد من الأشخاص إلى المحاكمة في ما بعد بسبب أدوارهم في المواجهات العنيفة . وقام الحاكم ينشر عدد من الشرطة في السوق لإثبات سيطرته على الأمور ومنع تكرر ما حدث في منتصف شهر سبتمبر .
في الأسبوع الأول من أكتوبر التقى الحاكم مع شخصين هما عبد العزيز الشملان والسيد علي السيد إبراهيم ومن الهيئة التنفيذية العليا في خطوة مفاجئة وتباحث معهما حول بعض القضايا ومنها تشكيل لجان للإشراف على أجهزة التعليم والصحة والبلديات تتكون من أفراد تعيّنهم الحكومة وأفراد ينتخبهم الشعب . ويبدو أن الشخصين قدما له بهذا المضمون وطالبا كذلك بإصلاحات في الأمن العام وفي المحاكم القانونية ومنها القانون الجزائي والمدني ، ووقعت الرسالة بإسم " ممثلي الشعب (10) .
في هذه الأثناء كان الحديث في الدوائر البريطانية يدور حول توفير قوات بريطانية للتدخل إلى جانب الحكومة فيما لو حدثت مواجهة مسلحة أو اختل النظام في المنامة مثلا ً . وكان الرأي المشترك هو أن إنزال القوات البريطانية من البحرين سوف يخلق مشاكل كثيرة ، وأن السلطات العسكرية لن ترحب بهذا الاقتراح . ورأى السياسيون أن إنزال القوات يجب ألا يتم إلا عندما يصبح وجودها ضروريا ً.
وبعد بضعة أيام ( في مساء 6 أكتوبر 1954 ) أذاع راديو البحرين الخبر وكان الإعلان عن الخبر في ذلك الوقت ليتزامن مع اجتماع عام دعت إليه الهيئة في صباح اليوم التالي بمناسبة ذكرى الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين . وتحدث في ذلك الاجتماع العام عبد الرحمن الباكر وشكر الحاكم على قراره بتشكيل لجان الإشراف على الدوائر الحكومية المذكورة . ولكن في الوقت ذاته كان هناك شعور بخيبة الأمل لعدم احتواء البيان الحكومي على أي ذكر للإصلاحات المطلوبة في أجهزة الأمن العام والمحاكم القانونية التي تضمنتها رسالة الهيئة للحاكم . وكان الناس يرغبون في استبدال القضاة غير المؤهلين من العائلة الحاكمة برجال ذوي خبرات معقولة من خارج العائلة . ويبدو أن بلجريف أقنع الحاكم بعدم التعرض لجهاز الشرطة والمحاكم مما أثار الرأي العام من جديد ، وأعلنت الهيئة عن اجتماع عام في 28 أكتوبر ليتصادف مع ذكرى مولد الرسول الأكرم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام . كان الشيخ يعتقد بأن الهيئة سوف تقوم بجمع التبرعات في هذا الاجتماع لدعم مصر في شرائها أسلحة سوفياتيه . وذلك بسبب زيارة الشملان مصر أثناء عودته من زيارة بريطانيا ، وكانت حملات لجمع التبرعات لمصر قد نظمت في مصر وسوريا والسعودية والأردن (11) .
وقد اجتمع الحاكم مع ممثلين عن الهيئة في 27 أكتوبر ( أي قبل يوم واحد من الاجتماع المزمع عقده ) وأعلن خلاله موافقته على استقلال لجان الصحة والتعليم ، أي حرية هذه اللجان في صرف الأموال المخصصة لها . ووافق كذلك على تدريب قضاة محليين بدلا ً من الأجانب وذلك بعد اكتمال القانون الجزائي الذي كان العمل عليه جاريا ً .
استقبل البريطانيون هذه التطورات بتحفظ بالغ ، ففيما رحبوا بتفاهم الحاكم مع الهيئة واعتبروه نتيجة لجهودهم ، بدؤوا يبدون قلقهم من أن ذلك سوف يؤدي إلى ازدياد النفوذ المصري في البلاد على حسابهم وتوقعوا أن يزداد عدد المصرين في مجالات التعليم والطب والخبراء والقضاء وأبدوا قلقهم كذلك من اللجان المشرفة على الدوائر الحكومية وأنها ستبدأ لاحقا ً في النظر في نصيب الحاكم من عمولات النفط .
وبدأت الاستعدادات لانتخابات اللجان المذكورة ، وكانت هناك بعض الاختلافات حول عمر الناخبين وما إذا كانت يجب إعطاء حق التصويت للنساء ، وكانت خشية البريطانيين كبيرة من أن تؤدي الإجراءات الجديدة لعزل عدد من البريطانيين ، وفي مقدمتهم الدكتور آر . إج . بي . سنو الطبيب الأول لدى الحكومة بعد انتشار الاحتجاجات ضده لعدم كفاءته الطبية .
جرت الانتخابات للجنة التعليمية في يوم الجمعة 10 فبراير 1956 ، وقد رشحت الهيئة ستة أشخاص للمقاعد المطلوبة وهم الحاج خليل المؤيد ، محمد قاسم الشيراوي ، قاسم فخرو ، تقي البحارنه ، علي بن إبراهيم عبد العال ، وفي 24 يناير طرح حزب جديد لمواجهة الهيئة تحت إسم " الجبهة الوطنية " وطرحت ثلاثة مرشحين وهم السيد حامد بن مبارك الفاضل ، أحمد بن عبد الله الصباح البنعلي وسالم راشد العيسى ، فكان ذلك يعني أن هناك تسعة مرشحين للمقاعد الستة . وعندما جرت الانتخابات فاز مرشحو الهيئة فوزا ً ساحقا ً ( صوت في تلك الانتخابات 18981 شخصا ً وكان المؤهلون للتصويت 23479 شخصا ً أي بنسبة 81% وحصل كل مرشحي الهيئة عددا ً من الأصوات ما بين 17000-18000 ، بينما حصل مرشحو الجبهة الوطنية الموالية للحكومة بين 1100 – 1400 صوتا ً .
ورغم الاتفاق المذكور ، فقد تباطأت الحكومة في تنفيذه ، مما حدا بالهيئة لإعلان استيائها عبر منشورات عديدة طالبت فيها بالبدء في إجراء انتخابات للجان الإشراف ، وهددت بأعمال غير محددة إذا لم تتم تلبية ذلك . وأضافت الهيئة مطلبين جديدين هما الاعتراف الرسمي بها وعدم استقدام عناصر الشرطة من العراق . وفي نهاية فبراير أجريت انتخابات للجنة التعليم بعد تأخر دام بضعة شهور .
وبخصوص إعادة النظر في القانون الجزائي والقوانين الأخرى ، فقد طرح اسم السنهوري ، المصري الجنسية كخبير في القضايا القانونية للقيام بذلك العمل ، ولكنه لم يتمكن من المجيء إلى البحرين إلا في شهر مايو 1956 .
- زيارة سلوين لويد للبحرين ومضاعفاتها :
في 2 فبراير 1956 توقف وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد في البحرين عندما كان متوجها ً إلى كراشي وبانكوك . تزامنت زيارة سلوين لويد للبحرين مع نبأ إقالة الضابط البريطاني في الجيش الأردني ، غلوب باشا من قبل الملك حسين . وكان الحدث مادة للنقاش الطويل في السوق وأماكن التجمعات الاجتماعية . وكان هناك شعور بالنصر لدى الهيئة التنفيذية العليا والناس بشكل عام لأنه اعتبروا ذلك التطور " صفعة للاستعمار البريطاني " على حد تعبير المستشار بلجريف ( Personal Column ) الذي اعتبر ذلك الحدث أحد العوامل التي ساعدت على حدوث ما حدث يوم الجمعة ، عندما كان سلوين لويد متوجها ً في الموكب الرسمي من المطار بالمحرق إلى حفلة الغذاء الذي كان الشيخ قد أعده له في قصر المنامة .
ذهب إلى المطار لاستقبال وزير الخارجية البريطاني الشيخ سلمان وأفراد عديدون من عائلته ، والمقيم السياسي ، السيد برنارد باروز وموظفوه وآخرون من بينهم المعتمد والمستشار . وحسب رواية المستشار لم يكن هناك ما يدل على احتمال حدوث اضطراب من أي نوع . فقد توقف المستشار وهو في طريقه إلى المطار لمشاهدة مباراة كرة القدم في أستاد مدينة المحرق ، الذي كان مكتظا ً بالمشاهدين وبعد مراسم اللقاء في المطار توجه الموكب الذي كان يضم سلوين لويد والمقيم السياسي والشيخ سلمان إلى مبنى المقيمية السياسية البريطانية بالجفير ، وكانت دراجات الشرطة تصاحب الموكب في الأمام والخلف .
وعندما وصل الموكب إلى المنعطف الذي يربط شارع المطار بشارع الجسر كانت أعداد كبيرة من الشباب في انتظار الموكب في تظاهرة احتجاجية عاصفة . ويبدو أن هؤلاء خرجوا من ملعب كرة القدم عندما علموا بقدوم الموكب وتحركوا للاحتجاج على الممارسات البريطانية في البلاد عن طريق ممثليهم البريطانيين . ورفعوا شعارات ضد سلوين لويد والمستشار وبريطانيا ، حسب رواية بلجريف . وقام المتظاهرون برفس سيارات الموكب وقذفوا بالحجارة والرمال على الذين كانوا بداخلها .
وكان نصيب السيارات التي كانت في مؤخرة الموكب كبيرا ً . فقد هشمت نوافذها ومصابيحها ، وأعطب العديد منها . كما أوقف المتظاهرون باصا ً تابعا ً لشركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار ( BOAC ) كان يسير خلف الموكب وحاولوا إحراقه . وقام المستشار بعد أن عرف بما حدث ( لأنه حسب روايته كان في مؤخرة الموكب ولم يدرك حقيقة ما حدث ، بإرسال مفرزة من الشرطة للسيطرة على الموقف بعد ساعات عديدة كان المتظاهرون مسيطرين على الموقف . فقد كانوا واقفين على جانب الشارع أو في الأزقة المجاورة ينتظرون سيارات الإنجليز ويقذفونها بالحجارة . ويقول المستشار أن اثنين من أعضاء الهيئة كانا في المنطقة قبيل حدوث الاضطرابات وأن أحدهم ألقى خطابا ً حماسيا ً شجع فيه على استعمال العنف . ومن الطبيعي أن يترك ما حدث آثاره على وليمة العشاء المعدة سلفا ً. ويقول بلجريف في هذا الصدد " إنني لن أنسى حفلة العشاء تلك في القصر . فقد كانت أكثر الحفلات التي حضرتها تحديا ً . فرغم محاولة إظهار الأمور طبيعية إلا أن الواقع كان مختلفا ً تماما ً . فقد شعر الشيخ سلمان بالحرج الشديد ، إذ لم يحدث من قبل أن تعرض هو وبصحبته ضيف من هذا الوزن لموقف شعبي من هذا النوع . أما الضيوف البريطانيون فكانوا هم أيضا ً في حالة قلق بعد سماعهم نبأ طرد غلوب باشا عندما كانوا في الطائرة وبعد ما تعرضوا له من إهانة على أيدي المتظاهرين . واستمرت حالة التوتر عدة ساعات كان المستشار خلالها يحاول تهدئة الوضع وإيجاد طريقة لسفر وزير الخارجية البريطاني بدون أن يتعرض لما تعرض له عند قدومه . ولكن لم يقبل بالمغامرة . واضطر الوفد البريطاني للبقاء في المقيمية حتى صباح اليوم التالي . وكان المتظاهرون قد انتظروا طوال اليوم الأول رجوع الوفد على الطريق نفسه ، ولكنهم يئسوا من ذلك وتفرقوا . وفي الصباح الباكر من اليوم الثاني مر الوفد إلى المطار وغادر البلاد .
بعد مغادرة وزير الخارجية البريطاني ، وخلال الأسبوع التالي كان القلق يتعمق في نفوس كل من الشيخ سلمان وبلجريف بعد حادثة المحرق ، وقامت الهيئة بإصدار اعتذار عن الحادثة مؤكدة أنها لم تخطط لها وإنما كانت تعبيرا ً عن مشاعر الناس تجاه ما يحصل في البلاد .
شعر المسؤولون البريطانيون في البحرين بالحرج الشديد مما حدث في اليوم الثاني من مارس 1956 ، ووضعوا ثلاثة احتمالات للجهة التي نظمت التظاهرة وهي كالتالي (12) :
1- إما أن الهيئة قد خدعت الحكومة ونظمت المظاهرة .
2- أو أن قسما ً منهم ، أو ربما شخصا ً واحدا ً فقط ، قد حرض الناس على التظاهر .
3- أو أن مجموعة أخرى مختلفة تماما ً ذات اتجاه يميني متطرف ، تعرف بإسم الجبهة الوطنية وبتوجيه من بعض أفراد العائلة الحاكمة هي التي قامت بذلك .
وفي تقييمه لهذه الاحتمالات الثلاثة ، لم يستطع المقيم السياسي ( السير باروز ) حسم موقفه سوى أن يستبعد الاحتمال الأولى لأنه لو كانت الهيئة وراء التظاهرة لكانت " أكبر بكثير وأكثر تنظيما ً ) . ولكنه لم يستبعد أيّا ً من الاحتمالين الآخرين ، حيث يرى أن لبعض أفراد العائلة الحاكمة رغبة في التحريض ضد الهيئة ، وليس من المستعبد أن يكونوا قد خططوا لمظاهرة أصغر حجما ً ، ولكن بسبب وجود مباراة لكرة القدم على استاد المحرق في ذلك الوقت ، فقد أصبحت التظاهرة كبيرة . كما لم يستبعد المقيم أن يكون أحد أعضاء الهيئة من وراء التظاهرة . فقد شوهد عبد العزيز الشملان – على حد قول المقيم – وهو يحرض الجماهير على التظاهر .
وبسبب غضب الحاكم الذي شعر بالإهانة الكبيرة بسبب ما حدث فقد أعطى لبلجريف المسئولية الكاملة للحفاظ على الأمن والهدوء في البلاد حتى ولو اضطر لاعتقال الأعضاء الثمانية في الهيئة . ولكن بلجريف ذكر للمقيم في الرسالة المذكورة أن حكومة البحرين لا تستطيع القيام بذلك وحدها لعدم وجود قوات كافية لديها . وكانت وجهة نظر الحاكم وعائلته هي أن اعتقال الهيئة أو بعض أفرادها سوف يؤدي بها إلى الانهيار الكامل . ولكن بلجريف ذكر بأن هناك احتمالا ً آخر وهو أن يؤدي الاعتقال لمزيد من الهيجان الشعبي .
أما فكرة الاعتقال فتقوم على أساس اتهام الهيئة بالتحريض على العنف بسبب المنشور الذي وزعته في 21 فبراير الذي طرحت فيه مطالبها وقالت فيه في حال عدم استجابة الحكومة لذلك " فسيقوم الشعب بإجراءات مضادة ... ولذلك فإننا نحذر المسئولين من تعبات ذلك " .
ورغم النقاش الطويل حول اعتقال قادة الهيئة ، إلا أن الرأي البريطاني لم يوافق على الاعتقال لأن الحركة السياسية سوف تستمر حتى بعد الاعتقال ، وأنه بالتأكيد سوف يحدث إضراب شامل أكثر تأثيرا ً من الإضرابات السابقة . وكان المقيم يعتقد أن حدوث الإضراب سوف يؤدي إلى تنازلات حكومية أكبر ، وأن من غير المناسب استخدام القوات البريطانية لأن الحركة السياسية استمرت في مطالبها ضمن حدود القانون ، بالإضافة لذلك فإن تدخل القوات البريطانية سوف يجعل المسؤولين البريطانيين يفكرون حالا ً في الخروج ، وسف يجعلهم يشعرون بضرورة فرض إصلاحات واسعة لكي يستطيعوا الخروج .
هذا وقد تضمنت رسالة المقيم طلبا ً إلى وزارة الخارجية البريطانية بالموافقة على اقتراح بإنشاء مجلس استشاري من مهماته الاستماع إلى التعليقات والانتقادات من الناس أو من أي جمعية حتى من الهيئة التنفيذية العليا تحت اسم آخر ، ثم إصدار بيان رسمي بريطاني بمساندة الاقتراح .
كما تضمنت الرسالة حث المقيم للمستشار على تقوية جهاز الشرطة . وقال المقيم بأن مساعده العسكري يعد اقتراحات لتوظيف ضباط بريطانيين برواتب عليا . وبشأن توظيف رجال للشرطة اقترح الاستمرار في توظيف بحرانيين مع عدد من العراقيين ( مثلا 30 شخص من العراق كحل وسط بعد أن رفضت الهيئة استقدام ضباط عراقيين ) .
وفي 3 مارس أصدرت الهيئة بيانا ً طالبت فيه بإقالة المستشار تشارلز بلجريف الذي هو الرجل المخطط والمنفذ الرئيسي الذي يعتمد عليه الحاكم والذي ركز معظم الأمور التنفيذية بيده حتى ضاق مكتبه بالملفات مما سبب تأخير البت في قضايا الناس (13) .
وقد رفض الحاكم اقتراح تكوين مجلس استشاري ، ولكنه لم يعترض كليا ً على إقامة علاقات مع الهيئة بشرط أن تغير أسمها لأن الإسم يعني في نظره منافسة له وأنها أعلى من الحكومة . كما طلب الحاكم أن يطلب من عبد الرحمن الباكر السفر إلى الخارج في تلك الظروف بسبب الاضطرابات التي لا بد أن للهيئة يدا ً فيها حسب وجهة نظره . وكانت الحكومة قد كونت هيئة لتقصي الحقائق حول التظاهرات المذكورة بعد أن أصرت العائلة الخليفية على الحاكم بأن يقوم بعمل ما ضد الهيئــة (14) .
كما أثارت مطالبة الحاكم باعتقال أعضاء الهيئة نقاشا ً بين المسئولين البريطانيين ولم يوافقوا على ذلك في النهاية لأن الهيئة ، رغم عدائها للإنجليز ، قدمت بعض الخدمات لهم ومنها تقديم معلومات أمنية ضد الشيوعية . ولأن حكومة البحرين ليس لديها جهاز شرطة قادر على مواجهة تبعات الاعتقال ولعدم وجود دليل ملموس على دور واضح للهيئة في اضطرابات المحرق ، ولعدم رغبة الإنجليز في تدخل قواتهم مباشرة في تلك الفترة المتوترة في المنطقة .
* حادثة البلديات 11 مارس 1956 :
في حوالي الساعة العاشرة والربع من صباح يوم الأحد 11 مارس 1956 حصلت حادثة كانت لها آثارها على الوضع السياسي المتفجر في البلاد . جرت هذه الحادثة أمام سوق الخضرة في المنامة . فقد كان أحد باعة الخضار ( وهم عادة من الفقراء ) يضع بضاعته على الرصيف ليبيعها على الناس كما كان معتادا ً منذ سنوات عديدة ، فجاء أحد موظفي البلدية ( مفتش ) وطلب منه أن يقوم هو وبضاعته من الطريق ، ولكن رفض ذلك . فجاء مفتش البلدية بشرطي حاول أن ينقل أغراض صناديق خضرة البائع بالقوة ، إلا إن البائع رفض ذلك وحدث شجار بينهما . في هذه الأثناء تجمع الناس شيئا ً فشيئا ً وحاولوا التصدي لعدد من الشرطة كانوا موجودين بالسوق مع المفتش ، فهربوا إلى مبنى البلدية الذي كان قريبا ً من السوق والتجأوا هناك . وبدأ الناس يجتمعون عند البلدية وأخذوا يطالبون بالشرطي الذي ضرب البائع . بعد ذلك جاءت مفرزة من الشرطة ، ولكنها لم تستطع أن تعمل شيئا ً فقد حدث التجمع بسرعة بأعداد كبيرة ، وتدخل بعض أعضاء الهيئة لإقناع المتجمعين بالتفرق ولكنهم لم ينجحوا في ذلك . وفي حوالي الساعة 3:00 بعد الظهر حاولت الشرطة المجيء بسيارة شحن كبيرة إلى باب البلدية ليستقلها الشرطة المحاصرون في الداخل ، إلا إن المحاولة فشلت .
في حوالي الساعة 3:20 بعد الظهر سمعت طلقات رصاص من الشرطة سقط بسببها شخصان على الأقل ميتين في الحال ، ومات خمسة آخرون في وقت لاحق وجرح حوالي خمسة عشر شخصا ً . وذكر مسؤول الشرطة ، الكولونيل همرسلي لاحقا ً أن الشرطة " أمروا بإطلاق النار فوق الرؤوس " وهذا يؤكد أن أوامر إطلاق النار صدرت من مسؤول الشرطة البريطاني . بعدها تفرق الناس وهم يلعقون دماءهم . ولا شك أن حداثة إطلاق النار كانت نقطة تحول في حركة المعارضة لأنها أقنعت الجماهير بأن العنف هو أسلوب السلطة في نهاية المطاف ضد مطالب الشعب .
وبدأت صيحات الشجب تنطلق من حناجر الناس ومن الهيئة التنفيذية العليا ، وبدأت المطالبة بعزل المستشار ، تشارلز بلجريف ، تأخذ بعدا ً جديدا ً باعتباره المسئول عن إطلاق النار من قبل الشرطة التي يرأس جهازها بنفسه .
في الساعة التي تلت حادثة البلديات بدأت الاستعدادات البريطانية للتدخل العسكري فيما لو اقتضى الأمر . وفي مساء 11 مارس وصلت إلى البحرين قوة من خمسين شخصا ً من جنود البحرية بالإضافة إلى مدمرة كانت راسية في قاعدة الجفير . ومدمرة أخرى استدعيت لتصل في اليوم التالي . وكان هناك حرص على إبقاء أخبار تحرك القوات البريطانية سريا ً حتى تكتمل القوة المطلوبة وكانت هناك قوات جوية في قاعدة المحرق جاهزة للتدخل (15) .
بدأ إضراب شامل في اليوم التالي واستمر أسبوعا ً كاملا ً ، ولم تكن هناك دعوة رسمية من الهيئة للإضراب ولكنه حدث بسبب ما سببته الحادثة من غضب شعبي . فقد توقف العمال في شركة النفط لأن سائقي الباصات لم يذهبوا للعمل ، وأغلقت المتاجر في المنامة فيما كانت الشرطة تتجول في شوارع العاصمة . وفي صباح ذلك اليوم كانت هناك مظاهرات في المحرق وقذف الشباب السيارات الحكومية بالحجارة . وأعربت الهيئة عن غضبها للطريقة التي عالجت الشرطة بها حادثة البلدية ، وتصاعدت النقمة ضد بلجريف الذي أعتبر مسئولا ً عن قتل الأبرياء لكونه القومندان العام للشرطة .
استمر الإضراب يوم 13 مارس وتظاهر الناس في الشوارع وخصوصا ً في المنامة ، ولم تستطع السيارات الحكومية العبور من المحرق إلى المنامة بسبب المعارضة الشعبية لحركتها ، وأقيمت الحواجز في الشوارع كما حرقت بعض سيارات الأوروبيين في المنامـة .
وبلغ التضامن الشعبي مع الإضراب ومع الهيئة ومطالبها درجة كبيرة ، كما توضحه برقية من بغداد إلى الخارجية البريطانية في 14 مارس 1956 .
" لقد أعطى المسافرون عبر مطار البحرين في 10 مارس منشورا ً تخريبيا ً من قبل موظف الجوازات مع الجوازات قبل الصعود إلى الطائرة " (16) .
وكانت المنشورات في رزمتين ، بالعربية والإنجليزية ، على طاولة الموظف ، وكل منها في صفحتين ونصف فولسكاب تم طباعتها بآلة " الرونيو " وكانت المنشورات تهاجم الحكم البريطاني في البحرين وخصوصا ً بلجريف ، وتدعي أن راديو البحرين يدار من قبل البريطانيين وأنه يجب عدم الإصغاء إليه " .
في هذه الأثناء كانت الحكومة تعسى لاتخاذ إجراءات ضد الإضراب وضد المنظمين له ، وكان بلجريف يرى ضرورة اتخاذ إجراء معين ضد الهيئة في حالة استمرار الإضراب حتى ولو كان سليما ً على أساس أنه إضراب سياسي وبالتالي فإنه غير مشروع . ولكن المطالبة بإقالة بلجريف كانت مستمرة . حتى بلغ الأمر أن أحد مدراء " بنك بريطانيا " المركزي كتب في الخارجية البريطانية في 8 مارس 1956 يذكر لهم ما سمعه من أحد المصرفيين البريطانيين في الأردن منذرا ً بأن ما حدث في الأردن ( بخصوص غلوب باشا ) سوف يحدث في البحرين في وقت لاحق . وقال : " إن هناك صداقة وقبولا ً عاما ً للعلاقات مع بريطانيا هناك ، ولكن لدينا ممثلا ً لم يعد قادرا ً على الإبقاء على تلك العلاقة بصورة تناسب أوضاع اليوم . وسوف يحدث انفجار إذا لم يحدث تغيير خلال حياة الحاكم أو بعد فترة قصيرة من موته " (17) .
واستمرت المطالبة بعزل بلجريف وطرحت بدائل عديدة منها تعيين شخص بريطاني آخر ومنها تنازل بلجريف عن قيادة الشرطة ومنها تكوين مجلس إداري لمساعدة الحاكم بدلا ً من بلجريف .
ولقد استمر الإضراب بدون توقف . وفي يوم 15 مارس استمر طلاب المدارس والشباب في التظاهر ورمي السيارات الحكومية بالحجارة من المنامة . وفي ذلك اليوم التقى أربعة من أعضاء الهيئة مع المعتمد السياسي واتفقوا على تغيير اسم الهيئة كشرط للاعتراف بها ، كما طمأنهم المعتمد بأن " بقاء بلجريف لن يكون إلى الأبد " وفهموا من ذلك أن الإنجليز بدأوا يقبلون بالأمر الواقع وأن على بلجريف أن يذهب .
وفي ذلك الاجتماع كان كل من الباكر والشملان متحمسين لإنهاء الإضراب بينما الشخصان الآخران ، عبد علي العليوات ومحسن التاجر غير موافقين على إنهاء الإضراب .
وقد استمرت اللقاءات بين الهيئة والمسؤولين البريطانيين خلال أيام الإضراب ، وكان عامل الاتصال هو اللفتنانت – كولونيل أندرسون نائب قمندان الشرطة وكان يتصل مباشرة بعبد الرحمن الباكر . كما كان يوسف الشيراوي سكرتير المستشار يحضر الجلسات ( تخرج من جامعة جلاسجو ببريطانيا ) وكان مرشحا ً في ما بعد لرئاسة الوزراء من قبل البريطانيين .
وكان من ضمن ما يحث بين الجانبين مقدم من محسن التاجر وعبد علي العليوات بعدم توظيف أشخاص أجانب في جهاز الشرطة ولكن المعتمد السياسي رفض ذلك . كما كان هؤلاء الشخصان متشددين في مطالبهما على عكس الباكر والشملان اللذين كانا مستعدين للتفاهم مع الحكومة وإعطاء التنازلات على حد تعبير المعتمد (18) .
وكان الإضراب أقل تأثيرا ً من إضراب عام 1954 ، مع ذلك فقد شل الحياة تقريبا ً . فقد أغلقت المحلات التجارية وأضرب عمال شركة النفط وعمال سيارات الأجرة والباصات وبائعوا السمك والخضرة وطلاب المدارس . وقامت القوات البريطانية بالتجول في الشارع ما بين المقيمية السياسية بالجفير والقاعدة البحرية هناك . واتفق أخيرا ً على أن ينتهي في يوم الجمعة 16 مارس ويبدأ العمل يوم 17 مارس كما اتفق على عقد اجتماع مع الحاكم للاعتراف فيه بالهيئة وتعيين لجنة تقصي الحقائق وتعيين المجلس الإداري .
وفي اجتماع مع الحاكم يوم 16 مارس 1956 وافق الحاكم على ما يلي (19) :
1- الموافقة والإعلان عن اعتراف بالهيئة تحت اسم جديد .
2- إعلان لجنة التقصي في حادثة البلدية ( 11 مارس ) كجزء من لجنة عامة للنظر في الحوادث التي حدثت منذ 2 مارس .
3- إعلان تكوين المجلس الإداري .
أصدرت الهيئة في 16 مارس بيانا ً ذكرت فيه مطالبتها بإقالة بلجريف وأشارت فيه إلى موضوع الإضراب ولجنة تقصي الحقائق ووقعتها للمرة الأولى باسم " هيئة الاتحاد الوطني " .
وفي 18 مارس ذهب ممثلون عن الهيئة إلى قصر الحاكم ووقعوا على الاتفاقية التي وافق فيها الحاكم على تغيير اسم الهيئة واعترافه بها كإحدى الهيئات واللجان التي كونت على ضوء البيان الحكومي بتكوين مثل هذه الهيئات . وألقى الشملان كلمة في ذلك اللقاء شكر فيها الشيخ على اعترافه .
وفي 20 مارس أعلن الحاكم عن تكوين المجلس الإداري ليتكون من ثلاثة من آل خليفة وثلاثة مسئولين ( بريطاني ، وشخص شيعي وآخر سني ) وهؤلاء هم عبد الله بن عيسى آل خليفة ، خليفة بن محمد آل خليفة ، الشيخ دعيج الشيخ خالد محمد بن عبد الله آل خليفة ، جي . دبليو . آر . سميث ، أحمد العمران ، سالم العريض ، يوسف الشيراوي ( وعين سكرتيرا ً للمجلس ) برئاسة الشيخ عبد الله بن عيسى .
وأوضح مهمات هذا المجلس في إعلان باسم حكومة البحرين ( العدد 20- 1956 ) تحت عنوان مهمة المجلس الإداري صدر في اليوم التالي وكانت كالتالي :
1- تنسيق الجهاز الحكومي وتسهيل أعماله والاتصال بالجمهور وتنفيذ أوامر الحاكم وعدم التدخل في الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية .
2- البحث في القضايا المقدمة له من قبل الحاكم أو المستشار أو بقرار خاص من المجلس بطلب من أية دائرة أو من الجمهور .
وحدث خلاف بين الهيئة والحكومة حول مهمات المجلس الإداري وتركيبته حيث عين جميع أعضائه . كما حدث خلاف بسبب تباطؤ الحاكم عن تكوين مجلس الصحة والتعليم ، وكتبت الهيئة للحاكم كتابا ً بهذا الخصوص في 3 أبريل ذكرت فيه أن المجلس الإداري جاء غير منسجم مع رغبات الناس الذين تمثلهم الهيئة ، وأن طريقة تكوينه منافية للمبادئ التي أقرها الحاكم بإشراك الناس في المجالس التي تكون لإدارة شؤون البلاد ، واعتذرت الهيئة في رسالتها عن عدم استعدادها لمقابلة المجلس الإداري ولكنها أعربت عن استعدادها للقاء الحكام نفسه . فرد الحاكم عليها وبرر موقفه بما يلي :
1- إن مجلسي الصحة والتعليم يعالجان قضايا تهم الناس مباشرة ، وذلك فمن الممكن إشراكهم في اختيار أعضائهما . أما المجلس الإداري فليس كذلك .
2- إن المجلس الإداري معني بالجهاز الإداري للحكومة وعليه فإن عضويته يجب أن تكون من مسئولين حكوميين ليتدارسوا ما ترفعه الحكومة لهم من قضايا .
3- إن الحاكم وافق على تكوين المجلس الإداري لتكون هناك وسيلة للناس للتعبير عن آرائهم من خلاله كجزء من موافقته على تكوين اللجان العامة .
4- إن الحاكم موافق على البرامج الإصلاحية وهو عازم على المضي بتنفيذها وأن المجلس الإداري واحد منها .
وعتب الحاكم على الهيئة عدم موافقتها على الالتقاء بالمجلس الإداري واعتبر ذلك غير منسجم مع الروح الضرورية للتعاون والتفاهم التي ذكرتها الهيئة في رسالتها للحاكم .
على أثر ذلك كان هناك حديث عن إضراب عام بعد شهر رمضان للأسباب التالية :
1- معارضة هيئة الاتحاد الوطني للمجلس الإداري وعدم قبولها بمقابلته.
2- المطالبة الشعبية بمواصلة النشاط وخصوصا ً بعد إعلان نتائج لجنة التقصي في حادثة 11 مارس .
3- تصاعد الحملة ضد بلجريف والطالبة بعزله .
في هذه الأثناء كان جهاز الشرطة يعاني من هبوط حاد في المعنويات على إثر ما قامت به لجنة التقصي في حادثة البلدية ، التي أكدت استعمال الشرطة للذخيرة الحية بدون ضرورة ملحة ، فقد أثر ذلك على معنويات الشرطة وخصوصا ً بعد أن طلبت باكستان عدم استعمال الضباط الباكستانيين في أي مواجهة مع الشعب ، ومن هنا كان المسئولون البريطانيون في البحرين يطالبون الحكومة البريطانية بالاستعداد للتدخل العسكري المباشر حين تتطلب الظروف ( 20) .
وكان الحديث عن أن الإضراب مصدر قلق للمسئولين البريطانيين ولحكومة البحرين ، وكان قمندان الشرطة البريطاني يتابع موضع الإضراب عن كثب حيث كان قد أنشأ جهاز استخبارات خاص لمتابعة الهيئة . وساد اعتقاد في الأوساط البريطانية في البحرين أن الإضراب المقبل سوف يكون مصحوبا ً بموجة من العنف أعد لها 700 شاب بحراني . وانتشرت أخبار عن أن العنف سيطال حياة المستشار بلجريف وسيكون على هيئة عمليات فدائية كبيرة تستفيد من ضعف جهاز الشرطة المحلي ، وبناء على هذا فقد تمت الاستعدادات لتدخل القوات البريطانية للقضاء على الإضطرابات وقت الحاجة .
وكانت الهيئة تدرك الاستعدادات البريطانية العسكرية ، وأشارت إلى ذلك في منشور لها في بداية شهر مايو 1956 طالبت فيه بمحاكمة الشرطة إذا ثبت لدى لجنة التقصي في حادثة 11 مارس أنهم استعملوا القوة في غير مكانها وقتلوا سبعة أشخاص . كما أن الحاكم كان قلقا ً مما يحدث ولكنه غير مستعد لتقديم أية تنازلات للهيئة .
وهذا ما كان يقلق البريطانيين الذين كانوا يرون أن عليهم أن يتدخلوا في نهاية الأمر لحماية الحاكم بسبب رفضه التفاهم الإيجابي مع الهيئة . وكان المقيم السياسي ، بيرنارد باروز ، يغذي الحاكم بالأفكار وبطرق التعامل مع الهيئة التي كان من المقرر أن يلتقي بها في 9 مايو (21) . ولكن لم يحدث نقاش في ذلك الاجتماع لأن بلجريف كان حاضرا ً وكذلك عدد من آل خليفة والمسئولين البريطانيين ، وتقرر أن يكون اللقاء في 15 مايو أي بعد عيد الفطر .
وكان الإنجليز يخططون لإجراء تفتيش عام للقرى لسحب أي سلاح لدى الناس ، كما كانوا يعتقدون أن تدخلهم في حالة حدوث اضطرابات مصاحبة للإضراب الذي كان الحديث عنه في أوساط البريطانيين سوف يوفر لهم فرصة سحب السلاح من الناس .
تم الاجتماع في 15 مايو 1956 بين الحاكم والهيئة بحضور أربعة من أعضائها واستمر الاجتماع مدة ساعتين . وتم الاتفاق فيه على تنفيذ برنامج تكوين المجالس المتخصصة ، على أن يتم البدء بتكوين مجلسي الصحة والتعليم ويكون نصف أعضائهما منتخبا ً والنصف الآخر معينا ً من قبل الحاكم بشرط أن لا يكون أحد من آل خليفة فيهما ، ثم ينتخب الأعضاء رئيس اللجنة ، ولم يتم البحث في مسألة المجلس الإداري الذي لا يحتوي على أعضاء منتخبين .
وعقد اجتماع آخر بين الهيئة والحاكم في 20 مايو استمر ثلاث ساعات ، بدون التوصل إلى أية نتيجة حول المواضيع المطروحة . وحضر هذا الاجتماع مع الهيئة محمد الشيراوي الذي كان ممثلا ً عن العمال في الهيئة الاستشارية لقانون العمل ، ونوقش في الاجتماع عدد من القضايا المتعلقة بالمشاكل العمالية .
وعقد اجتماع بين الهيئة والحكم في 27 مايو نوقشت فيه مسألة المجلس الإداري حيث أكدت الهيئة على ضرورة احتوائه على أعضاء منتخبين ، بينما كان الحاكم يحاول البدء بمناقشة مجلسي الصحة والتعليم . وحاولت الهيئة التطرق للمسألة الأمنية التي كانت تمنع إصدار جريدة للهيئة . واحتجت الهيئة كذلك على إنهاء إجراءات التحقيق من قبل لجنة التقصي في حادثة 11 مارس ، وانفض الاجتماع بدون قرارات أو اتفاقات مهمة .
وفي 3 يونيه عقد اجتماع آخر بين هيئة الاتحاد الوطني والحاكم ونوقش فيه عدد من القضايا منها ما يتعلق بعدم حضور أعضاء مجلسي الصحة والتعليم المنتخبين الجلسة الافتتاحية ، وأكدت الهيئة هنا أن ذلك غير ممكن حتى يتم اتفاق عام بينها وبين الحاكم . وتم التطرق إلى تقرير لجنة التقصي الذي كان قد اكتمل وسلم للحاكم ، كما تطرق المجتمعون إلى المجلس الإداري الذي أصر الحاكم على أن يمر عام كامل على تعيين أعضائه قبل أن يعمل بمبدأ الانتخاب فيه جزئيا ً . وكانت الهيئة تصر على انتخاب بعض أعضائه . أما المقيم السياسي فكان مقتنعا ً بجدوى انتخاب شخصين آخرين للمجلس الإداري ، ويبدو أن استمرار حضور المستشار في الاجتماعات بين الهيئة والحاكم قد منع التداول في مسألة عزل بلجريف ، ولكنها بقيت في أذهان أعضاء الهيئة ولربما كانت السبب وراء طول بعض اللقاءات وعدم توصل المجتمعين إلى حلول مقبولة من الطرفين .
توقفت الاجتماعات بين الهيئة والحاكم منذ أن أجلت الهيئة اجتماعا ً كان مقررا ً عقده في 9 يونيو على أساس أن تقوم هي بالاتصال بالحاكم لتحديد موعد آخر . وفي هذه الأثناء حاولت الحكومة أن تقوم هي باطلاع الشعب على ما كان يدور في الاجتماعات فأصدرت بيانا ً في 17 يونيه جاء فيه أن الشيخ سلمان اجتمع مع هيئة الاتحاد الوطني في قصر الرفاع وتفاوض معهم بخصوص عدة أمور منها ما يلي :
1- لجنتا التعليم والصحة .
2- قانون الصحافة .
3- المجلس الإداري .
4- لجنة تقصي الحقائق .
وعرضت الحكومة ما جاء في الاجتماعات حول هذه الأمور كما ذكرنا سابقا ً ، كما عرضت فيه استعدادها في التفاوض وأنه لا جدوى من غلق باب المناقشة .
استمرت الأمور تتميز بنوع من الهدوء . في هذه الأثناء انتشرت إشاعات عن عزم المستشار على البقاء في البحرين . فما كان من الهيئة إلا أن كتبت للحاكم في 8 يونيو تطلب منه إعلانا ً بعزل المستشار وإدخال ممثلي الشعب في المجلس الإداري ، وهددت أنه ما لم تتم الاستجابة لهذه المطالب خلال عشرة أيام فإن إضرابا ً غير محدود سوف يعلن في البلاد .
ولكن البريطانيون طلبوا منه عدم التنازل للهيئة بإعلان إقالة بلجريف وأن يستمر المجلس الإداري على وضعه الحالي حتى يكتمل سنة من عمره (22) .
وكانت الهيئة قد أمرت الأعضاء المنتخبين في مجلسي الصحة والتعليم بمقاطعة الجلسات ، فاستمرت جلسات المجلسين مقتصرة على الأعضاء المعينين من قبل الحكومة ، حتى اقترح المعتمد تجميد اجتماعات المجلسين لكي لا تكون اجتماعاتهما استفزازا ً للهيئة . وكان واضحا ً أن الأمور قد وصلت إلى حالة صعبة وذلك بإصرار الهيئة على عزل بلجريف وعدم جدوى المجلس الإداري بسبب المقاطعة الشعبية لأعماله منذ بضعة أسابيع .
- لجنة تقصي الحقائق :
جاء الإعلان عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في حادثة البلدية 11 مارس في الاجتماع الذي عقد بين الهيئة والحاكم في 16 مارس الذي اعترف فيه الحاكم بالهيئة بإسم جديد هو " هيئة الاتحاد الوطني " . في اليوم نفسه أصدرت الحكومة إعلانا ً للناس عن تشكيل اللجنة تحت إدارة السيد جي . إل . بيس . المستشار القضائي لحكومة البحرين والسيد دبليو.بي . آر . مودسلي ، مساعد القاضي في المحكمة البريطانية بالبحرين .ومن مهمات اللجنة البحث في مسئولية التحريض والتشجيع على الاضطرابات وفي طريقة تعامل الحكومة مع هذه الاضطرابات . ووقع الإعلان المستشار بلجريف بإسم حكومة البحرين .
وحدد إعلان آخر في 18 ماس مجالات تقصي اللجنة وهي حادثة البلدية وحادثة المحرق يومي 2 ، 3 مارس ( أثناء زياة وزير الخارجية البريطاني البحـــرين ) .
وأهاب الإعلان بالناس بأن يتقدموا للإدلاء بمعلوماتهم حول الحادثتين ، وأعطى الصلاحية لأعضاء اللجنة لاستدعاء من يشاؤون من المواطنين للإدلاء بشهاداتهم حول الاضطرابات .
وبعد حوالي ستة أسابيع من البحث المستمر ، أصدرت اللجنة تقريرها للحاكم . وأعلن عن هذا التقرير في 9 يونيه في إذاعة البحرين . وكان المسؤولون البريطانيون قد اتفقوا مع حاكم البحرين بعد قراءتهم التقرير على أن يقوم بدفع تعويضات لعوائل ضحايا حادثة البلدية ، على أن يتم الإعلان عن ذلك في منشور يلحق بالتقرير حال نشره ، ولكن الحاكم طلب من المستشار إلغاء الفقرة المتعلقة بمسألة التعويضات .
وجاء التقرير بأن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين يوم 11 مارس بدون أوامر ، وأنهم لم يكتفوا بإطلاق النار على المتجمهرين حول البلدية بل حتى عند رجوعهم إلى القلعة ، وأنهم أطلقوا حوالي 500 طلقة نارية قتلت أكثر من خمسة أشخاص وجرت أكثر من 12 شخصا ً .
وشارك الناس خلال جهود تقصي الحقائق في استجواب الشرطة وهو ما ساهم في إضعاف معنوياتهم ، ولكن تحرك الضابط البريطاني همرسلي ، مساعد قمندان الشرطة ومنع الجماهير من حضور جلسات استجواب الشهود ، وكان ذلك بدعم المعتمد السياسي غولت (23) . وتعرض التقرير كذلك إلى المتظاهرين وشجب عملهم واتهمهم بممارسة أساليب التهديد والاستفزاز للشرطة .
وعندما صدر التقرير في 8 يونيو ( قبل إذاعته يوم 9 يونيه ) هاجت مشاعر الناس بسبب تصرفات الشرطة التي أودت بحياة سبعة مواطنين من البحارنه . وما زاد من هيجان الناس البيان الحكومي المرفق بالتقرير والذي ذكر أن الشرطة قد تلجأ لإطلاق النار في أوقات وبشكل عشوائي إذا لم يتفرق المتجمعون في منطقة ما ، هذا إلى جانب عدم التعرض إلى مسألة التعويضات التي كان متفقا ً عليها بين المسؤولين البريطانيين وحكومة البحرين .
وجاء في التقرير ما يلي :
1- أن اللجنة قد كونت للنظر في الحوادث المخلة بالنظام ما بين 2 و 16 مارس 1956 ، وأنها عقدت 21 جلسة كلها علنية واستمعت إلى 106 شهود .
2- أن اللجنة لم تستمع إلى كل الشهود ولم تجمع كل الأدلة .
3- كان سبب الاضطرابات حادثة صغيرة الساعة 9:30 أو 10 صباحا ً عندما اختلف عدد من بائعي الخضار مع مفتش السوق الذي كان يحاول جعل الباعة في الطريق يتنقلون ببضائعهم إلى مبنى السوق . وتشير الأدلة إلى أن بائع الخضرة رفض التحرك وحاول الشرطي نقل بضاعته ولكنه أمسك به من ثيابه لمنعه . وهنا تدخل شرطي يمني ، وقال هذا الشرطي أن بائع الخضرة ضربه على أنفه وخدشه بخاتم في يده ، وأنه ضرب بائع الخضرة على وجهة " لأنه شعر بالإهانة " ولم يكن الشرطي مسلحا ً ولكن كان هناك ثلاثة شرطة آخرين ومعهم مقارع . وليس هناك دليل على تدخل هؤلاء ولكن المشهد دفع الكثيرين للتجمهر وحاول هؤلاء الشرطة الالتجاء إلى مبنى البلدية حيث بقوا هناك حتى ما بعد إطلاق النار الساعة الثالثة والربع .
4- لم يعرف بالضبط عدد الذين كانوا موجودين عند البلدية ولكن بالتأكيد كان هناك عدد أكبر مما هو معتاد . في الساعة العاشرة صباحا ً جاء المفتش سلمان بن جبر من القلعة ومعه ثلاثون شرطيا ً في سيارات . وكل الشرطة كانوا مسلحين بالبنادق ، وأخذوا مواقع بالقرب من سوق السمك . وكانت الأوامر قد صدرت من نائب قمندان الشرطة ، السيد همرسلي للمفتش بتفريق المتظاهرين بدون تحديد الطريقة . وحينما لم ينجح المفتش سلمان في تفريق المتظاهرين عن طريق الإقناع طلب معونة من القلعة ، وجاءت مجموعان قوام كل منهما 30 شرطيا ً إلى المكان بقيادة المفتش ويلسون والكابتن هيلز حوالي الساعة 12:30 بعد الظهر . وكان هؤلاء مسلحين أيضا ً بالبنادق ومعهم الذخيرة وكان مع بعضهم رشاشات .
5- حوالي الساعة 3:15 كان هناك حوالي 100 شرطي أمام وبالقرب من مبنى البلدية يواجهون تجمهرا ً من 400 – 500 شخص . وكانت هناك محاولات للتحريض وللتهدئة من بعض الأشخاص .
6- في حوالي 3:15 سمع صوت انفجار صغير ( وربما اثنين ) وبعد ذلك مباشرة كان هناك إطلاق نار عام من الشرطة كان له أثر مباشر في إخلاء الساحة ولكن في الوقت نفسه ، سبب عددا ً من القتلى والجرحى .
7- وملاحظات اللجنة هي كالتالي :
أ- لم تكن الظروف تستدعي إطلاق النار من قبل الشرطة ، سواء أستلموا أوامر أو لم يستلموا .
ب- كان إطلاق النار كثيرا ً ، وطبقا ً لفحص الذخيرة المتبقية فإن 58 شرطيا ً أطلقوا 478 طلقة نارية .
ج- لم تقتنع اللجنة بشهادة بعض الناس بأنها جاءت من الشرطة ، لم تستطع اللجنة حل لغز يتعلق بإصابة شخص برصاصة بالقرب من مصنع الأحمدي .
د- كان أكثر إطلاق النار الذي جاء من الشرطة غير موجه لأحد بل في الهواء . ولو كان الرصاص موجها ً لكان عدد الإصابات كبيرا ً . وحالما بدأت الشرطة إطلاق النار ، هرعت الجماهير للتفرق ، ومع ذلك استمر إطلاق الرصاص عددا ً من الدقائق رغم أن عددا ً من الشرطة ذوي الرتبة العالية كانوا يصرخون بوقف إطلاق الرصاص . واستمر بعض الشرطة في الإطلاق فترة طويلة بعد مغادرتهم الساحة في سياراتهم في طريقهم للقلعة عن طريق شارع برايور وشارع حمد .
هـ- رغم أن الأدلة يكتنفها شيئا ً من التناقض ، فإن أغلبها يدل إلى أن الكابتن هيلز والمفتش ويلسون والمفتش خليفة المقرن كانوا داخل مبنى البلدية لحظة إطلاق النار . وأضاف التقرير أنه في الساعة 12:45 كان الكابتن هيلز يفكر في إطلاق النار ولكن الكولونيل همرسلي منعه من ذلك .
و- أن اللجنة تشعر أن من واجبها أن تعطي بعض ملاحظات حول إدارة علميات الشرطة ذلك اليوم .
ز- كان هناك ثلاث مجموعات أرسلت إلى ساحة البلدية في أوقات متفاوتة من قبل الكولونيل همرسلي بالاتفاق مع المستشار قمندان للشرطة ومدير للشرطة والأمن العام .
ح – لم يعين أي من قادة المجموعات الثلاث مسؤولا ً عاما ً عن الشرطة كلها في الساحة ، فكل من هؤلاء أعطي أوامر معينة وطلب منه أخذ موقع معين ( مع مجموعته ) بانتظار الأوامر . وكان هذا سببا ً في إضاعة الكثير من الوقت في الاتصال مع القلعة.
ط- كان في القعلة في اللحظة الحرجة ثلاثة ضباط متقدمين وهم المستشار والشيخ خليفة ، مدير الشرطة والأمن العام والكولونيل همرسلي .
ي- المسؤولية النهاية لهذا الترتيب والأوامر التي أعطيت تقع على عاتق المستشار قمندان ، وهو مخول بالاعتماد على الكولونيل همرسلي كخبير في إرشاده . ويبدو للجنة أن أحد الثلاثة كان يجب أن يذهب للساحة لإدارة الأمور .
ك- كان أكثر الثلاثة الذين كانوا في القلعة خبرة وهو الكولونيل همرسلي . وكان يمكن تخويله بالذهاب إلى الساحة خصوصا ً وأن الحديث عن إطلاق النار كان مبكرا ً ( الساعة 12:45 ) .
ل – المستشار والشيخ خليفة كانا أعلى منصبا ً من الكولونيل همرسلي وعليهما تقع مسؤولية تنظيم الشرطة قبل شهر مارس .
8- لم تستطع اللجنة فحص حادثة قال رجل أنها حدثت في الساحة يوم 11 مارس بسبب رفض الكولونيل همرسلي السماح باستعراض الشرطة يوم 2 مايو من أجل التعرف على هوية أحدهم . ويدعي الرجل أنه بينما كان مضجعا ً في مخبأ ، رفسه أحد الشرطة ثم طعنه في أعلى خده بمقراع ويستطيع التعرف على ذلك الشرطي .
ثم تعرض التقرير لحادثة المحرق في 2 مارس ، ولعدد من القضايا الصغيرة الأخرى .
وكتب القاضي البريطاني هاينز تعليقا ً أرفق بالتقرير حاول فيه مراعاة الشرطة الذين أطلقوا النار في حادثة البلدية وذلك باقتراح عدم رفع دعاوى قضائية ضد الذين أطلقوا النار لصعوبة إثبات ذلك . وكما ذكرنا سابقا ً فقد ألحق التقرير كذلك ببيان حكومي حاول توجيه اللوم لباعة الخضار بدعوى أنهم لم يلتزموا بقرارات البلدية بعد البيع في الشارع بين سوقي الخضرة ، وبدلا ً من توجيه اللوم للشرطة حاول البيان رفع معنويات الذين أطلقوا النار وذلك بتوضيح سياسة الحكومة لتوسيع جهاز الشرطة وتدريب الكوادر وإعادة تنظيمهم ، كما أكد على أن اللوم يجب أن يوجه لعموم الناس ، وحاول تبرير عمل الشرطة وذلك بالقوم أنه عندما يتظاهر الناس فإن واجب الشرطة تفريقهم ، وإن هؤلاء الشرطة يستعملون الرصاص مرة أخرى لتفريق المتظاهرين أو المتجمهرين .
- زيارة رئيس وزراء الهند :
في يوم 21 يونيه كان رئيس وزراء الهند ، بانديت نهرو ، في طريقه إلى لندن لحضور مؤتمر الكومنولث وكانت رحلته تشتمل على توقف في مطار البحرين . وقد أزعج هذا الأمر حكومة البحرين والمسئولين البريطانيين كثيرا ً لأن هبوط نهرو في مطار البحرين سوف يكون مناسبة أخرى للتظاهر أو على الأقل التجمهر الكبير في المطار لاستقباله باعتباره زعيما ً وطنيا ًولرمزا ً للموقف التحرري من الاستعمار البريطاني . وقد سبق مجيئه انسحاب القوات البريطانية من مصر ، حيث احتفل شعب البحرين بذلك يومي 18 و 19 يونيه ، واعتبر مجيء نهرو . مناسبة لإعلان المشاعر المعادية للاستعمار باعتباره أحد الزعماء الذين طردوا البريطانيين من بلادهم . وحاول البريطانيون ثني الزعيم الهندي عن المرور بالبحرين إلا أن ذلك لم يكن ممكنا ً وبقي الحاكم يشعر بالقبل مما سيحدث في ذلك اليوم (24) .
وعندما حطت طائرة نهرو يوم 21 يونيه هرع الآلاف من البحرانيين والهنود إلى المطار لاستقباله ، وبصعوبة بالغة تمكن الشرطة من مرافقة الزعيم الهندي من الطائرة إلى مبنى المطار وفي هذه الأثناء وقع الشيخ محمد بن عيسى ، عم الحاكم ، ( وكان عمره 75 عاما ً ) على الأرض بسبب الزحام . وبسبب ضغط الجموع تأخر إقلاع الطائرة 15 دقيقة وكان عدد المستقبلين أكثر من 1000 شخص معظمهم من البحرانيين وبعضهم من الهنود . وكانت الهتافات مدوية للتعبير عن مساندة الثورة الجزائرية وكذلك النضال ف تونس ضد الفرنسيين ودعم القضية الفلسطينية ودعم مصر . وساهمت الهيئة في تنظيم المتظاهرين بدور كبير نظرا ً لقلة عدد الشرطة في المطار (25) . واعتبر الإنجليز الحادثة دلالة على ضرورة تقوية جهاز الشرطة وتطوير تدريبهم ، وضرورة إيجاد حواجز تمنع الجماهير من الوصول إلى داخل أرض المطار . وبدؤوا التحرك لمنع توقف طائرة الزعيم الهندي عند عودته يوم 22 يوليو ، واقترحوا توقف الطائرة في مطار الظهران لأن الوضع في البحرين لا يحتمل ذلك إلا إن طائرته هبطت مرة أخرى وقوبل بعدد من المتظاهرين بدون حوادث .
لعبت الصحافة الوطنية وخاصة صوت البحرين دورا ً كبيرا ً في توعية المواطنين ، وفي ربط قضية البحرين بالنضال القومي الذي كان يتصاعد في المنطقة العربية إثر نجاح الثورة المصرية ، كما أن المظالم التي يشكو منها المواطنين لا تجد لها حلولا ً مرضية لا من قبل المستشار البريطاني ولا من قبل الحاكم .
وأمام المسارات الطائفية التي حاولت السلطة أن توجه الأحداث والأنظار إليها في العام 1953 ، فقد بات ضروريا ً أن تشتد المطالبة بالوحدة الوطنية وتلاحم كل المطالبين من أجل الإصلاحات في البلاد .
وشهدت البحرين إضرابا ً شاملا ً من منتصف ليلة 24 سبتمبر 1954م لسائقي سيارات التاكسي ، والباصات ، والشاحنات مطالبين بتعديلات في مسألة التأمين الإلزامي والمعدلات العالية لذلك ، والأجور المفروضة على السيارات التجارية التي تستعمل جسر المحرق ، والغرامة المفروضة على السائقين بالإضافة للسجن على من يتسبب في إحداث جروح بسبب السياقة الخطة . وكان من مطالبهم كذلك السماح بتكوين نقابة لسائقي التاكسي وطرح خطة حكومية للتأمين . ودعم الإضراب بنثر المسامير في الشوارع وإحداث تدمير للقناني الفارغة . وبعد أن استمر لمدة أسبوع كامل ، تم إنهاؤه بموافقة الحكومة على إصدار قرار بالسماح لأصحاب السيارات بتكوين صندوق مؤقت يشكل المساهمة فيه بديلا ً للتأمين طرف ثالث .
وأقدمت الحكومة على إيقاف صدور مجلة " صوت البحرين " التي تصدر مرة كل أسبوعين لمدة غير محددة . ويقال أن بعض المقالات التي نشرتها حول السعودية قد وصلت للملك سعود الذي أرسل رسالة احتجاج للحاكم عن طريق سعود بن جلوي . كما يقال إن محرر المجلة كان له دور في إضراب سواق التاكسي .
- التحالف الوطني وبروز الهيئة التنفيذية العليا :
هذه الأحداث كانت مقدمة للعمل الذي قام به الوطنيون في التلاقي والتشاور للوصول إلى قواسم مشتركة وتحقيق التحالف المطلوب . وفي ذلك يقول تقرير المعتمد البريطاني ما يلي (1) :
" يبدو أن توقيف " صوت البحرين " وسحب الجواز البحراني من محررها ، عبد الرحمن الباكر قد دفعه لتصدر الهدف المشترك للشيعة والسنة من أجل تكوين حكومة ممثلة ، ويعتبر المقيم السياسي أن سحب جواز الباكر ساهم في توتير الأجواء وخلق أجواء المواجهة ، طبقا ً لما جاء في تقريره الشامل لوزير الخارجية البريطاني ، أنتوني ايدن في 26 سبتمبر 1954 . فقد اعتبرت احتفالات الذكرى الأربعين لاستشهاد الحسين مسألة مشتركة واستعملت الفرصة لإظهار بعض نتائج النشاط الذي كان يجري من وراء الستار طوال موسم الصيف . فقد انتخبت " الهيئة التنفيذية العليا " من خمسين شخصا ً ، واختارت هذه الهيئة ثمانية من أعضائها لتقديم " المطالب الوطنية " للحاكم .
وهؤلاء الممثلون الثمانية يتكونون من أربعة من الشيعة وأربعة من السنة ، ليس منهم رجل ذو قيمة . أما الناس الذين سوف يخسرون من جراء ذلك وكثير منهم يتعاطف بدرجة ما مع المطالب فقد بقوا في الخلفية . ويقود " مجموعة الأنتلجنسيا " السنية محرر " صوت البحرين " المعلقة . ومساعد مدير في البنك كان يتعاون مع تلك المطبوعة . ومع المطبوعة التقدمية الأخرى " القافلة " . وفي 28 أكتوبر أعلن عن إرسال العريضة المتضمنة للمطالب إلى الحاكم . وأهم نقاطها المطالبة بمجلس تشريعي منتخب ، إعداد قانون مدني وجنائي من قبل لجنة من المحامين ، إصلاح المحاكم وتعيين قضاة أكفاء وحق تكوين النقابات .
ويكون للمجلس التشريعي السلطة في كل التشريعات . ويشتمل جهاز هذه الحملة الدستورية على رأس مال يتم جمعه من تبرعات بمبلغ من كل مؤيد ، ولجنة مالية ولجنة إعلامية . ويعارض الحاكم فكرة المجلس التشريعي ويدعمه في ذلك أفراد عائلته الذين يعارض أكثرهم أي إصلاح في المحاكم يؤدي إلى تقليل تأثيرهم ، ولكن بعضهم مستعد لقبول فكرة مجالس تمثيلية أو هيئات في الدوائر العامة . ويقول " الدستوريون " بأن خطتهم هي متابعة أهدافهم بوسائل قانونية ولكنها لا تستثني فكرة الاتصال المباشر بحكومة صاحب الجلالة إذا ما رفض الحاكم العريضة " .
وكتب في 13 ديسمبر 1954 ما يلي (2) :
" رد الحاكم على عريضة الهيئة التنفيذية العليا في 3 نوفمبر بإصدار إعلان مختصر قال فيه إن إنشاء مجلس تشريعي غير ممكن ولكن الحكومة تنوي اتخاذ كل الإجراءات العملية لضمان سعادة وتطور الشعب . ثم أصدرت الهيئة التنفيذية العليا إعلانا ً معلقة فيه على ذلك باستغراب واستخفاف الوعود " .
وفي 20 نوفمبر ، ونتيجة نشاط وسيط معين ، ذهب الأفراد الثمانية الأعضاء في الهيئة لمقابلة الحاكم ( وكان كل جانب يعتقد أن الطرف الآخر هو الذي طلب المقابلة ) . ورفض الحاكم مناقشة مطالبهم ورفض تحديد موعد آخر للمقابلة . وأعلنت الهيئة هذا الرفض في اليوم التالي .
في 23 نوفمبر ، التقى عبد الرحمن الباكر ، سكرتير الهيئة التنفيذية مع المعتمد وأخبره بأن الهيئة قد صبرت طويلا ً وأنها تبذل جهدها لإبقاء أفرادها هادئين . وأعلن استغرابه من سياسة الحاكم الذي يصر على رفض مطالب شعبه باستمرار ولا يبدو لديه رغبة في الإصلاح . وقال الباكر أنه ما لم يحدث تطور ما على صعيد المطالب خلال أسبوع فإن الهيئة لن تستطيع منع الإضراب . وقال المعتمد أنه يرفض هذا الإضراب ليس بسبب مخاطره المباشرة ولكن لأنه سيؤخر عملية الإصلاحات . وأخبر المعتمد الباكر بأن الحكومة البريطانية تساند حاكم البحرين وحكومته .
أقيم احتفال عام مشترك بين الطائفتين المسلمتين بمناسبة مولد الرسول الأكرم في نوفمبر أثيرت فيه مسألة رفض الحاكم المطالب التي وصفتها بأنها جاءت من قبل بعض المحرضين وليست مطالب الناس . وحضر الاحتفال آلاف من المواطنين من الطائفتين ، وبلغ التعاون بين فئات الشعب إلى درجة أن أصحاب السيارات وسائقي التاكسي لم يكونوا يتقاضون أجرة مقابل نقل الناس من القرى للمدينة . وأكد المتحدثون مطالبهم بتكوين مجلس تشريعي الذي اعتبروه وسيلة مضمونة لتحقيق الإصلاحات وتوفير الخدمات الاجتماعية المطلوبة وفي الوقت نفسه فإنه لا يقلل من سلطة الحاكم . وتحدث في الاحتفال الأفراد الذين تحدثوا في الاحتفال بذكرى أربعينية الإمام الحسين . وطرح في الاحتفال موضوع المجلس التشريعي الذي أصر المتحدثون على أنه لن يقلص من سلطات الحاكم ، ولكنه سوف يكون وسيلة لضمان الإصلاحات وتحسين الخدمات الاجتماعية . وجمعت في الاحتفال توقيعات الحاضرين لتخويل الأشخاص الثمانية صلاحية التحدث باسم الشعب في المطالبة بتحسين الأوضاع في البلاد .
وفي اجتماع عقد بعد بضعة أيام ، اتخذ قرار بالدعوة لإضراب عام في 29 نوفمبر . ولكن في 28 نوفمبر كانت هناك آراء أخرى وتم إصدار بيان بأن الهيئة تعتزم القيام بمحاولة أخرى للمفاوضات وطلب من الناس أن يبقوا صابرين لمدة أسبوع واحد . ويبدو أن الجانب الشيعي من الهيئة ومؤيديهم ، وبدفع السوابق والدوافع التي انبعثت لديهم من العداء الطويل ضد آل خليفة كان مشجعا ً للتظاهر .
ولكن السنة ( عبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان ) ولعدم وجود قوة دافعة لديهم سوى الفكرة الجديدة بإنشاء نظام ديمقراطي ، كانوا يشككون في الحكمة من وراء تشجيع هذه الحركة التي قد تخرج عن السيطرة .
وحدث نقاش طويل بين عبد الرحمن الباكر مع كل من المستشار والمعتمد السياسي . وترك الانطباع بأنه مدرك لخطر استعمال قوة التأثير الشعبي ، ولكنه سيضطر لذلك إذا لم يكن الحاكم مرنا ً معه . وكان الحاكم يبني آماله على مغادرة الباكر لقطر ، ولكن في نهاية الشهر بدا أنه ما زال بالإمكان موافقة الحاكم على مقابلة اثنين أو ثلاثة من الهيئة .
قامت الحكومة أخيرا ً بتعليق إصدار جريدة " القافلة " ( التي تبنت الهدف الوطني ) في الوقت نفسه بدأ الحاكم يدرك الحاجة لإعلام أكثر من جانبه وبدأ إصدار ( Gassette Weekly ) أسبوعيا ً بدلا ً من شهريا ً . وتم إدخال بعض الأخبار فيها إلى جانب الإعلانات الحكومية . وبدأ يدرس بعض التحديدات حول الطباعة الخاصة للإعلانات السياسية والمنشورات الكبيرة .
كان واضحا ً أن هناك أزمة موقف بالنسبة للحكومة البريطانية . فمن جهة رفض الحاكم إجراء أي إصلاحات أو الاستماع لمطالب الهيئة . وفي المقابل لا تريد الحكومة البريطانية تقليص دعمها للحاكم رغم استبداده . وكان الحاكم يطلب من المعتمد في نهاية نوفمبر دعما ً مكتوبا ً من الحكومة البريطانية ليقوي موقفه أمام الهيئة ، ولكن المعتمد كان يربط ذلك بإحداث تغييرات وإصلاحات ليلتقي مع الهيئة في منتصف الطريق ، وكما سيتضح لاحقا ً فإن نتيجة تعنت الحاكم كانت حدوث الإضراب الذي شل الحركة في البلاد بشكل كامل .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن المطالب الوطنية كانت تحظى إلى جانب الدعم الشعبي الكلي ، بتعاطف الجالية الأجنبية التي كانت تعمل في البحرين ، حتى الإنجليز والأمريكيين ، وكان هناك شعور لدى هؤلاء ( حسب تقرير المقيم لوزير الخارجية البريطاني 26 / 12 / 1954 ) بأن الإضراب سبب إزعاجا ً لهم ولكنه الطريقة الوحيدة لإيصال الصوت إلى آذان الحاكم بأن عليه أن يتحرك مع الزمن إذا ما أراد البقاء في مركزه .
وفي 1 ديسمبر 1954م كتب المعتمد السياسي السيد باروز رسالة لحاكم البحرين جاء فيها ما يلي (3) :
1- كما هو معروف فإن حكومة صاحبة الجلالة كانت مهتمة دائما ً بكل ما يتعلق بنمو البلاد وخيرها . وقد اطلعت على الإجراءات التي أعلن عنها سموكم في إعلان 15 يوليو وأقروها . لأن سموكم كان حسن التصرف بمناقشة المشاكل التي طرأت على الأوضاع الداخلية في البحرين التي أنتم مسؤولون عنها مع المعتمد السياسي ومعي شخصيا ً . ولذلك فإنني أرغب في إعلام سموكم بأن نصيحة حكومة صاحبة الجلالة هي بأن يقوم سموكم بتعيين لجنة صغيرة تختارون أفرادها ، وتكون مهمتها سماع آراء الناس في القضايا التي تؤثر على حياتهم . وبعد الاستماع لهذه الآراء ترفع اللجنة تقريرها لسموكم ويمكن اتخاذ القرارات حول أي عمل يعتبر ضروريا ً لمصلحة البحرين .
2- سوف يتوفر الدعم الكامل لسموكم من حكومة صاحبة الجلالة للاستمرار في هذا العمل وفي اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد تقرير اللجنة . ويعتقدون أن تبني هذه الطريقة سوف يوفر فرصة مناسبة للتعبير عن الرأي بأسلوب منتظم وسوف يزيل أي حجة للانتقاد والاضطراب .
ورد الحاكم على الرسالة بشكر الحكومة البريطانية على مساعدتها والتمني بما فيه الصلاح . أصدر الحاكم بيانا ً في 1 ديسمبر عن تكوين لجنة للاستماع لشكاوي الناس حسب التعليمات البريطانية . ولكن الناس فهموا من الإعلان أن صلاحياتها محدودة بالصحة والتعليم ، مما أغضب الناس ، وجعلهم يدركون عدم جدية الحاكم في إجراء الإصلاحات . وفي اليوم التالي اجتمع عبد الرحمن الباكر والسيد علي السيد إبراهيم مع المعتمد وعبروا له عن عدم رضاهم بالبيان ، إذ لم يتطرق للمحاكم القانونية التي كان موضوعها من أهم المواضيع .
وكانت الهيئة قد دعت لإضراب عام ابتداء من الساعة 6:00 صباحا ً يوم 4 ديسمبر حتى غروب الشمس في 10 ديسمبر . وكان البيان الحكومي يهدف لمنع الإضراب . ولكن الصيغة التي خرج بها البيان لم تقنع الهيئة التنفيذية وبالتالي قد أصرت على الاستمرار في إجراءات الإضراب ، رغم توجيه المعتمد إنذارا ً لهم بأنهم سيكونون مسئولين عن تبعات الإضراب .
وكان الإضراب شاملا ً بنسبة 90% حسب ما نقله المعتمد لوزارة الخارجية البريطانية . وقامت الشرطة بمراقبة الشوارع والمخارج من المنامة ، واستعمل البدو التابعون للحاكم في ثلاثة مراكز خارج المنامة وكذلك لحراسة أنبوب النفط ( من السعودية للبحرين ) . ولم يوزع البريد ولا البرقيات ، وكذلك توقف العمل في الميناء وإن كانت عمليات المطار لم تتأثر .
وفي اليوم الأول ذهب إلى العمل في بابكو حوالي 5% من العمال ، أما في اليوم الثاني فقد ذهب أقل من ذلك ، وأضرب جميع موظفي الشركات البريطانية في المنامة . وكان الإضراب منظما ً حسب اعترافات الإنجليز ، رغم قيام البدو الذين أوكلت لهم مهمة مراقبة شارع عوالي باستفزازات معينة .
انتهى الإضراب في مساء يوم العاشر من ديسمبر ورجعت الحياة إلى حالتها الطبيعية تقريبا ً في اليوم التالي . وفي هذا اليوم ( 10 ديسمبر ) أعلن الحاكم الشيخ سلمان عن تكوين لجنة من ستة أشخاص للبحث في قضايا الصحة العامة والقضاء والأمن العام ، وألفت اللجنة من ثلاثة أفراد من آل خليفة ، وشخص حكومي وتاجر وكذلك مدير الجمارك الإنجليزي . وهذه التشكيلة لم تكن مرضية لأحد لوجود عدد كبير من آل خليفة فيها .
وذكر الإعلان نفسه تعيين مستشار قضائي بريطاني " هو " ومساعد بريطاني لقومندان الشرطة هو الكولونيل همرسلي ومفتش شرطة بريطاني وطيبي بريطاني مساعدا ً State Medical Officer .
بعد الإنتهاء من الإضراب ، أرسل الباكر رسالة إلى الملك سعود ذكر فيها أن الهيئة تأمل منه أن يتفهم ما يعملون وترجو مساعدته وحملها أ؛د أفراد الهيئة إلى الدمام حيث كان الملك موجودا ً . وجاءت الرسالة الجوابية بأنه ( الملك ) لا يقر إسلوب المضربين ، وأعرب عن أسفه لأي اختلاف بينهم وبين الشيخ سلمان " لأن ذلك لا يفيد إلا طرفا ً ثالثا ً وأرسل الملك سعود نسخا ً من الرسائل إلى الشيخ سلمان .
وحاول الحاكم انهاء الإضراب قبل موعده المحدد وذلك بإصدار مسودة لبيان حكومي يعد بأن يجعل اللجنة المقترحة من مهمات البحث في القضايا القضائية ، وقام كل من منصور العريض وأحمد فخرو بالإتصال بالهيئة وحث أعضائها على انهاء الإضراب ، ولكنهما لم ينجحا في ذلك .
أما الإضراب فقد جاء صدمة للحاكم وللمسؤولين البريطانيين الذين لم يستطيعوا إلا الإعتراف بدقة تنظيمه وفاعليته . ويقول المقيم في رسالته المذكورة (4) :
" إن من الملفت للنظر أنهم أثبتوا قدرتهم على إخراج العمال بهذا العدد من أعمالهم وأن الإضراب جرى بهذه الدرجة من النظام والترتيب " . ويعزو ذلك إلى عدة أسباب منها للشيعة مشاعرهم بالظلم من قبل آل خليفة وخصوصا ً احتكارهم للقضاء . وكان لأصحاب المحلات التجارية بالمنامة دوافعهم للإضراب متمثلة بصعود إيجارات المتاجر التي يملك معظمها آل خليفة . أما الفئات المثقفة والتجار فهم يدركون نواقص حكومة آل خليفة بسبب أسفارهم للخارج ، ومن ذلك هبوط مستوى الحاكم ، ويدركون كذلك هبوط المستوى العلمي لآل خليفة مقارنة بقطاع التجار . ومن الأسباب التي يراها المقيم فشل الشيخ سلمان وحكومته في إقامة علاقات عامة مع الشعب خلال الفترة منذ بدء الاضطرابات .
وبناء على اقتراحات المقيم لتحسين صورة الحكومة بدأ العمل بتحسين إخراج المجلة الرسمية وبدأت إذاعة البحرين في وقت لاحق .
- الرؤية البريطانية :
بعد تطور الأحداث على أثر حادثة القلعة ( 1 يوليو ) وطرح المطالب الوطنية المشتركة في 5 يوليو أصبح الإنجليز يفكرون جديا ً في خطورة الموقف . فقد كانوا يراهنون على استمرار الشكل الطائفي للإضطرابات ، ولكن بروز عامل الوحدة في الموقف والإتفاق على مطالب مشتركة أصبح يشكل عامل قلق لدى المسؤولين البريطانيين في البحرين وفي لندن . ويعبر المقيم السياسي عن هذا القلق في الموقف في رسالته لوزير الخارجية في 26 اكتوبر 1954 بطرح التساؤلين التاليين :
" إن المشاكل التي نوجهها هي باختصار :
أ- هل علينا أن نضغط على الحاكم إما للقبول بالمطالب السياسية للهيئة التنفيذية العليا أو بإحداث تحسينات كبيرة في إدارته لتقليل مدى الدعم للهيئة ؟
ب- ماذا نقول لقادة هذه الحركة السياسية عندما يأتون لمقابلتي أو مقابلة المعتمد السياسي ، أو عندما يذهب وفد منهم للمملكة المتحدة لطرح قضيتهم أمام حكومة صاحبة الجلالة كما يخططون . ؟ "
ثم يتعرض لموقف الحاكم في حال ممارسة الضغط عليه فيقول : " ربما يفضل الإستقالة بدلا ً من القبول بالنصيحة المقدمة له في هذه الظروف . وأقول بأننا لن يكون لنا مبرر للإقدام على هذه المخاطرة . فالشيخ سلمان هو أفضل الحكام للبحرين . والبديل هو إما شخص آخر من عائلته ، الذين هم بدون استثناء أقل قدرة واستقامة ، أو ديمقراطية برلمانية يسيطر عليها مجموعة من الديماغوغيين تحت تأثير مصر . ويبدو إذن ، وكما لاحظنا قبل بضعة أشهر في الكويت وفي ظروف مشابهة تقريبا ً ، أنا علينا أن نقبل بتقليل الضغط ( على الحاكم ) خوفا ً من بديل أسوأ " .
وفي حال قبول هذا المنطق ، فإن النتيجة الطبيعية هي : " إنه ليس لدينا أي قدر من التعاطف لتقديمه لـ " ديمقراطيي المستقبل " . وكل ما نستطيع أن نقوله أنهم محظوظون لأن يكونوا محكومين كما هو الحال الآن " .
أما عن آلية الإتحاد القائم بين الشيعة والسنة ، فيرى المعتمد السياسي أنه نتيجة لمصالح مشتركة في جوانب مختلفة في جوانب أخرى . ففي رسالته للمعتمد السياسي في 25 أكتوبر يرى أن الإتحاد بين الطائفتين إنما كان موجودا ً في أذهان بعض الصحافيين السنة في نشرتي " صوت البحرين " و" القافلة " ، ويعترف بأن الإتحاد الذي تمخض لاحقا ً لم يكن بحسبان أحد . ويرى أن للشيعة مطالب أساسية تختلف عن مطالب السنة ، فهم يؤكدون على ثلاث قضايا هي التعويضات عن حادثة القلعة التي حدثت قبل عام واحد وعن حادثة عراد في محرم العام الماضي والأحكام التي فرضت على بعض الشيعة بعد حادثة سترة . بينما ليس للسنة مثل هذه المطالب وإنما يطالبون بالمجلس التشريعي المنتخب ، الذي ظهرت المطلية به في عريضة 3 يوليو . ويسند وجهة نظره بالإشارة لمذكرة رفعها السيد علي السيد إبراهيم للحاكم في 25 سبتمبر حول مسألة التعويضات وإعادة النظر في أحكام السجن المذكورة . ولكنه يعتقد أن وجهة نظر المعارضة السنية تقوم على أساس أن الحكومة التي تحتوي على عنصر التمثيل هي أفضل وسيلة لضمان حريات الشيعة وحقوقهم .
ويرى المعتمد أن الشيعة والسنة متفقون بشكل كامل على توجيه اللوم للبريطانيين لكل ما يحدث من أخطاء في البحرين . وأنهم يعتقدون أن الدعم البريطاني لآل خليفة إنما هو نتيجة طبيعية للأهداف الإمبريالية للإنجليز . ويعزو المعتمد تصاعد النشاط السياسي المتمثل بالهيئة خلال الأسابيع الأخيرة إلى سوء تصرف الحاكم بسحب جواز سفر عبد الرحمن الباكر بعد توقيف نشرة صوت البحرين في سبتمبر 1954 . ولكن يعترف بأن الوضع أصبح يتطلب وضوحا ً في الموقف لأن الحاكم لا يعترف بشيء اسمه المطالبة بالحقوق والدستور والانتخابات وغيرها . وعبر المعتمد في رسالته عن قلقه من رفض الحاكم المطلق لكل مطالب الهيئة واستعداده للسماح للقبائل لمواجهة الهيئة في حال رفض الإنجليز اعتقال القادة الثمانية للهيئة . ولكن قوة طرح المطالب جعلت المعتمد في وضع لا يحسد عليه لأنها منطقية وتنسجم مع تطلعات الشعوب في العصر الحديث .
أما موقف المستشار فكان كعادته يستخف بقوة المعارضة ويعتبرها هامشية ولا تعدو كونها تكرارا ً لما حدث في الماضي وأن قادتها ليسوا ذوي وزن اجتماعي كبير . ويختتم المعتمد رسالته قائلا ً :
" إن هؤلاء .. الصحافيين ، بمانشيتاتهم ، يطالبون بأشياء يعتبرها عدد كبير من المواطنين البحرانيين الهادئين والعقلاء أمورا ً ضرورية . وليس هناك خارج العائلة الخليفية من يستطيع الدفاع عن الحكم المطلق ذي النمط القديم ، ولذلك ففي الوقت الحاضر فإن " القادة الوطنيين " أصبحوا يحتكرون المبادئ الديمقراطية " .
ومع استمرار الحركة الوطنية وتصاعد نشاطها وشعبتيها ، وجد البريطانيون أنفسهم في حيرة من الأمر ، بين الرضوخ لمطالب الهيئة وما يترتب على ذلك من إضعاف الحاكم ورفض المطالب الشعبية وما يترتب على ذلك من فقدان المصداقية بين الشعب . وفي مذكرة داخلية بوزارة الخارجية البريطانية كتب أحد المعنيين بالقضية وهو إيوات ربيغز حول تبعات كلا الخيارين : " إن ورطتنا هي أننا إذا أبدينا ميلا ً للإصلاحيين وذلك بالضغط على الحاكم لإدخال نوع من الحكم أكثر تمثيلا ً :
1- فإننا سنقلل من ثقته فينا وربما يتنازل ( عن الحكم ) .
2- إن سيادته الشخصية ستصبح أضعف ، وكذلك موقعنا الذي يعتمد كليا ً على علاقتنا معه شخصيا ً .
3- إن أي نوع من الهيئة التمثيلية سوف يرجح أن ينتقد ، وفي النهاية يقطع العلاقات مع بريطانيا .
4- إن النظام الحالي الذي تحكم به البلاد والمناخ الهادئ الذي تعمل ضمنه شركة النفط سوف يذوب في بوتقة القومية العربية . وأي درجة من الرضوخ إلى مبدأ التمثيل ستؤدي إلى حركة سريعة باتجاه حكومة برلمانية كاملة وإزاحة نفوذها .
5- وإذا ما قضي على النمط التقليدي في البحرين ، فإن موقفنا كله في الخليج وخصوصا ً في الكويت وقطر سيتأثر بذلك .
وفي اللقاء الذي حصل بين الحاكم ووزير الخارجية البريطاني . قال الأخير أنه وحكومة صاحبة الجلالة قد تابعوا بتعاطف الصعوبات التي نشأت في البحرين خلال الشهور الأخيرة . وقال أنه يشعر بضرورة شرح الحكومة وسياستها للناس بخصوص ما تقوم به الآن وما تنوي القيام به في المستقبل . وأجاب الحاكم بأن حكومته تعمل على ذلك من خلال الإعلانات الحكومية والصحف والمجلات وأنه مستعد لسماع أي اقتراحات إضافية أخرى . وسأل عما إذا كان وزير الخارجية يعتبر أعمال حكومة البحرين حسنة أم سيئة ، وذكر له أن حكومة البحرين ترغب في دعم حكومة صاحبة الجلالة لها داخليا ً وخارجيا ً . فأجاب وزير الخارجية بأنهم يقدرون التقدم الذي تحقق في البحرين ولكن لأن الناس الآن أصبحوا أكثر ثقافة وأصبح لديهم متسع من الوقت فإن من المستحيل البقاء في حالة الجمود . أما بشأن المساعدة البريطانية فقد قال سلوين لويد بأن الأفضل دراسة المشاكل عند حدوثها ومناقشتها بين الجميع . وربما هناك اختلاف في الآراء حول توقيت الإجراءات الإضافية ولكنا إذا ما اتفقنا نستطيع أن نعلن عن دعمنا لوجهة نظر البحرين .
وكانت الهيئة قد طلبت من المعتمد السياسي السماح لها بمقابلة وزير الخارجية أثناء وجوده في البحرين ، ولكنه لم يفعل ذلك ، وطلب منهم كتابة رسالة يضمنونها ما لديهم من أفكار ، ففعلوا ذلك وسلموه رسالة طويلة بتاريخ 21 فبراير 1955 ( انظر الملحق رقم 6 ) وتضمنت الرسالة عتابا ً على الحكومة البريطانية لعدم تجاوبها مع المطالب الإصلاحية ، وذكّر قادة الهيئة في الرسالة بموقف حكومة البحرين السلبي من المطالب التي تقدم لها ، ذلك الموقف الذي اضطر الهيئة لإعلان الإضراب العام في شهر ديسمبر وذكروا له كذلك محاولتهم المستمرة مع الحكومة البريطانية للضغط على الحاكم لوقف الاستفزازات ضد الشعب ومنها توقيف رواتب الموظفين بعد الإضراب . كما تطرقوا لمحاولات الحكومة لشق الصف واعتبروا موقف الإخوان المسلمين المعارض للهيئة جانبا ً من تلك المحاولات .
وذكّروا الحكومة البريطانية بالديمقراطية وما تمنحه من حريات . كما لفتوا نظره إلى الهيمنة الاقتصادية للعائلة الحاكمة قائلين : " هل الحكومة البريطانية تمنح ثلث دخل بريطانيا مثلا ً لصاحبة الجلالة ملكة بريطانيا ؟ " ثم وجهوا تهمهم للمستشار الذي أطلقوا عليه اسم " الديكتاتور " مؤكدين أن الذي كان صالحا ً لعام 1926 ( وهو العام الذي عين فيه بلجريف ) لا يمكن أن يكون صالحا ً لعام 1955 ؟ .
وأكدوا على ضرورة أن ترتبط الحكومة البريطانية بالشعب وليس بآل خليفة ، وذكروها بمبدأ حقوق الإنسان الذي وقعت عليه بريطانيا . ووقع الأعضاء الثمانية في الهيئة على هذه الرسالة التي سلمت للمعتمد الذي قام بدوره بتسليمها لوزير الخارجية .
ويصف المعتمد السياسي هذه الرسالة بأنها " ذات منطق جيد ، رغم أنها غامضة ، وكان واضحا ً أنها حظيت بتفكير جيد . وليس هناك شك بأن الهيئة تستطيع ممارسة السيطرة بدرجة واسعة لدرجة تدعو للقلق على شعب البحرين عندما تريد ذلك . وخلال الإضراب العام في ديسمبر ، كان ضبطهم للأمور مثيرا ً للعجب سواء من حيث شمول الإضراب أم من حيث التنظيم الذي تم به . وهذا يعكس تنظيما ً جيدا ً . وأعتقد أن معظم قوة الهيئة ناتجة عن حقيقة أن هناك شعورا ً عاما ً وحقيقيا ً بعدم الرضا عن بطء حكومة البحرين . وعن المواقع المتميزة للعائلة الحاكمة ، وخصوصا ً في ممارسة القضاء ، والتخلف النسبي وانعدام الثقافة لدى العائلة ككل " .
أما جواب الوزير البريطاني فلم يكتبه بنفسه بل أوعز للمعتمد السياسي بكتابته على هيئة تصريح مكتوب بتاريخ 17 مارس 1955 ، جاء فيه ما يلي :
" إن الحكومة البريطانية تتعاطف مع كل الشعوب من أجل إقامة حكومة منتظمة وتقدمية تقوم على ثلاثة أسس : ممارسة الحكومة الإصلاحات لاستغلال المصادر وتعليم الناس ، وجود قناة دستورية لإبداء الآراء المشتركة في المجالس البلدية ، والاستفادة من هذه القنوات لإبداء الآراء والمشاركة في إدارة البلاد ، وأكد على أن من غير اللائق تكوين منظمات منافسة تثير الفوضى وتسعى للتأثير على الحكومة بوسائل غير دستورية . ثم ذهب لإثبات وجود العاملين الأولين وذكر بما يلي :
1- إن الحاكم أعلن عن عزمه على وضع قانون شامل يغطي أوضاع العمال وقضايا العمل في البحرين ، ووظف السيد أودسلي لذلك .
2- وضع مسودة قانون جزائي من قبل رجال خبراء في القانون .
3- تعيين مستشار قضائي بريطاني هو السيد بيس لتحسين جهاز القضاء .
4- تعيين نائب قومندان للشرطة ، هو السيد همرسلي لإعادة تنظيم جهاز الشرطة .
5- وافق الحاكم على تحديث قانون مجالس البلديات في البحرين ، وعين لجانا ً للإشراف على إدارة التعليم والصحة العامة طبقا ً لتوصيات اللجنة الرسمية التي عينت للنظر في إدارة البلاد .
6- تعيين طبيب بريطاني لمساعدة مدير الصحة ، وعينت طبيبة بريطانية في قسم النساء ، وعين اختصاصي بريطاني في التخدير .
7- سوف تفتتح محطة الجفير الكهربائية في شهر يونيه 1955 لمد الكهرباء للقرى .
8- بناء مدرستين للأولاد والبنات في المنامة . وأشارت الرسالة إلى المبدأ الثاني ، والمؤشرات على وجوده ومنها ما يلي :
أ – مجالس الحاكم .
ب- الجريدة ستبدأ من جديد تقريبا ً .
ج- اللجان القديمة ، مجلس التجارة والأوقاف ولجنة الزراعة .
د- اللجنة العامة التي عينت لاستماع وجهات نظر الناس ، ويأسف الوزير لمقاطعة من يسمون " ممثلي شعب البحرين " لهذه اللجنة .
هـ- اللجنتان الدائمتان اللتان عينتهما الحكومة للصحة والتعليم .
و- اللجنة العمالية التي سيمثل فيها أصحاب العمل والعمال بعدد متساو .
ز- البلديات ، التي سوف تعطى صلاحيات أكبر .
ثم يبدي الوزير أسفه لغياب المبدأ الثالث وهو استغلال هذه الوسائل القانونية من قبل من يعنيهم الأمر ، ويتهم الهيئة التنفيذية بمقاطعة هذه الوسائل وخلق مصاعب في طريقها . ويعترف بضرورة إيجاد تطوير أكبر ، ولكن ينصح بعدم محاولة الركض قبل الجري .
وبعد تأكيده على رغبة بريطانيا في استمرار الأمن والسلام في البحرين ، يؤكد الوزير رفض حكومته الاعتراف بالهيئة : " إن الحكومة البريطانية لا تستطيع الاعتراف بمجموعة الأفراد الذين وقعوا الرسالة " .. ويضيف مهددا ً : " إذا ما ابتعد أي قطاع من شعب البحرين عن الوسائل القانونية ولجأ للعنف أو الضغط غير القانوني ، فإنه سيخسر تعاطف الحكومة البريطانية " .
وينهي الرسالة بتوجيه ثلاث نصائح للشعب البحراني ، وهي الاعتراف بوجود التقدم والإصلاحات التي تحققت مؤخرا ً بمساعدة الحكومة البريطانية ، والمساهمة بأوسع قدر ممكن في اللجان المتعددة والمجالس المنتخبة المزمع إنشاؤها والتخلي عن أفكار العنف ، والأعمال الغير قانونية وعدم التعاون .
صدم أعضاء الهيئة برسالة وزير الخارجية البريطاني ، فقاموا بكتابة رسالة أخرى للوزير ، سلوين لويد ، في 29 / 3 / 1955 ردوا على ما قاله الوزير البريطاني بالتفصيل ، وكانت لغتها قوية بمقاييس الأوضاع السائدة فقد وافقت الهيئة في رسالتها على ما ذكره الوزير البريطاني عن ضرورة توافر ثلاثة عناصر أساسية لكل تقدم وتطور ، ولكنها مضت لتفنذ مزاعمه على الأسس التالية :
1- إن الحكومة لم تتطور في تكفيرها أو أساليبها أو نظرتها للحكم والمؤسسات الدستورية ، فتقول : " في ما يتعلق بالعنصر الأول ( أي وجود حكومة تساير التطور ... إلخ . يؤسفنا أن نخالفكم تماما ً هذا الرأي فالجهاز الحكومي منذ نشوئه – ولا يزال – يسير على نفس النمط الذي رسم له منذ أكثر من ثلاثين عاما ً دون أن يتأثر بالتطورات الزمنية والأساليب الإدارية الحديثة " . ثم تطرقت للنقاط التي استشهد بها الوزير لإثبات وجهة نظره في هذا المجال ووصفتها بأنها " جزئية لا تمس جوهر الأوضاع السائدة التي يشكو منها الشعب " . وتناولتها نقطة نقطة لتفندها .
2- إن ما يسمى بـ " الوسائل الملائمة الكافية لأن يعبر الشعب بها عن أفكاره ورغباته ويشارك بها في الإدارة العامة " هو ضرب من الخيال ، وتفند الرسالة دعوى أن هذه الوسائل فاعلة أو دستورية فمثلا ً بخصوص ما ذكرته رسالة الوزير البريطاني عن مجالس الحاكم تقول رسالة الهيئة التنفيذية : " نود أن نتسائل عن صفة هذه المجالس وعن القرارات التي اتخذت فيها ومدى اختلافها عن أي مجلس من المجالس الشخصية المنتشرة في أرجاء البلاد ؟ وهذه أول مرة نسمع فيها أن مجالس صاحب العظمة وجدت لتكون وسيلة من وسائل التعبير عن رغبات الشعب وآرائه ومشاركة هذا الشعب في شؤون الإدارة " .
3- واستغربت الهيئة في رسالتها موقف الحكومة البريطانية من الهيئة نفسها حيث وصفتها بأنها " جماعة " وطالبت بإجراء استفتاء شعبي عام لمعرفة موقف الشعب من هذه الهيئة ، وذلك في مجال مناقشتها العنصر الثالث من المذكرة البريطانية وهو عدم مساهمة الشعب في المؤسسات " الدستورية " المتاحة زاعمة أن الهيئة التنفيذية هي السبب في اتخاذ هذا الموقف لمقاطعتها لجنة التحقيق ووضعها العراقيل في سبيل تشكيل لجنة العمل والعمال ومحاولتها – على حد تعبير المذكرة – منع الأشخاص المرشحين للجنتين الإداريتين الجديدتين من قبول التشريح . وبررت الرسالة موقف الهيئة بعدم انطباق صفة " الدستورية " على الوسائل المذكورة .
ثم شكرت الرسالة الحكومة البريطانية على رسالتها " على ما أبدته في كتابها من اهتمام بالتقدم والتطور السلمي في البحرين ، ولكننا ندعوها لأن تكون أكثر فهما ً لحقيقة الأوضاع القائمة في البحرين " . ومضت تؤكد : إن الهيئة هي الممثلة الحقيقية لشعب البحرين لوجود عشرات الألوف من التواقيع على ذلك وللاستجابة الكبيرة لكل نداء توجهه إلى الشعب وبواقع الطريقة الدستورية التي انتخبت بها أعضاء الهيئة " .
وأكدت على الطبيعة السلمية للحركة الإصلاحية مستنكرة إشارة وزير الخارجية البريطاني لمسألة الإخلال بالأمن .
ووقع على الرسالة الأعضاء الثمانية في الهيئة التنفيذية وهم السيد علي السيد إبراهيم ، ومحسن التاجر ( وعق عنه شخص آخر لغيابه في الخارج ) والحاج عبد علي العليوات ، والحاج عبد الله أبو ذيب والحاج إبراهيم بن موسى ، وعبد العزيز سعد الشملان ، وإبراهيم محمد حسن فخرو ، وعبد الرحمن الباكر .
وفي هذه الأثناء ، كتبت الهيئة رسالة إلى الحاكم ، في 9 فبراير 1955 تذكره فيها بمسؤولياته تجاه البلاد وتذكره بالمطالب التي قدمتها له في رسالة سابقة بتاريخ 28 أكتوبر 1954 وهي :
1- إنشاء مجلس تشريعي ينتخب الشعب أعضاءه .
2- تقنين الأحكام الجنائية والمدنية .
3- السماح بإنشاء نقابات عمالية .
4- إنشاء محكمة استئناف عليا .
كما أعلنت الحكومة عن استعدادها للسماح بإصدار جريدة جديدة بناء على طلب الهيئة التنفيذية العليا بعد توقف جريدتي " القافلة " و " صوت البحرين " هذا في الوقت الذي تصاعدت فيه حدة الشائعات عن وجود خطط لاغتيال أفراد من العائلة الخليفية وأن الشيخ دعيج ، أخ الحاكم يخطط عمليات عنف ليقوم بتوجيه اللوم على ضوئها للهيئة .
هذا في الوقت الذي كان المقيم السياسي ، السيد باروز يقترح على الخارجية البريطانية السماح بإصدار جريدة مستقلة إلى جانب نشرة الأخبار الرسمية وإدخال شخصين من أعضاء الهيئة في اللجنة الحكومية المعنية بالنظر في القضايا العمالية ، وذلك بعد أن قدمت الهيئة تصورا ً عاما ً عن المسألة العمالية في مذكرة طويلة هي عبارة عن القوانين واللوائح المتصورة لما سمته " اتحاد العمال " .
وجاء اهتمام المسؤولين البريطانيين بالهيئة وحملها محمل الجد بعد أن نجحت في إقناع الناس بقاطعة انتخابات بلدية المنامة في شهر فبراير 1955 على أساس أن هذه المجالس البلدية ليست مستقلة عن السيطرة الحكومية . ولهذا فقد كان المقيم السياسي يسعى للتوفيق بين الهيئة والحكم وذلك بمحاولة إقناع الحاكم بقبل قدر بسيط من التعديل على نظام حكومته لتحديد موقف الهيئة والمطالب الشعبية . وكانت هناك حساسية بريطانية متميزة من أهم مطلبين وهما إنشاء المجلس التشريعي وتكوين النقابات العمالية ، لما لذلك من أثر على الأوضاع في الخليج بشكل عام . وكمخرج من ذلك فقد طرح المقيم اقتراحا ً بتكوين مجلس استشاري ينتخب بعض أفراده ويعين البعض الآخر ، وتكون له صلاحية النظر في بعض الأمور ومنها الشؤون المالية .
وقد اقتراحاته للخارجية البريطانية التي ردت في 10 مارس بموافقتها على اقتراحات المقيم السياسي المذكورة ، ومنها توسيع اللجنة الحكومية المكلفة بالنظر في الهيكل الإداري العام للدولة لتشمل شخصا ً أو شخصين من أعضاء الهيئة وتصبح بذلك شبيهة بمجلس استشاري وتكون حكومة البحرين قادرة على القول بوجود وسائل مشروعة لمشاركة الشعب في عملية الإصلاحات .
وكتب المقيم السياسي باروز ، للخارجية البريطانية في 19 مارس 1955 لنقل آخر تطورات الاتصالات الحثيثة مع الهيئة . وقال بأن الهيئة قد أخبرت بأن اللجنة العمالية سوف يتم تكوينها من :
1- ثلاثة ممثلين عن الحكومة ( اثنين من آل خليفة والثالث مسئول بريطاني ) .
2- ثلاثة ممثلين عن أصحاب الأعمال ( شخص أمريكي أو بريطاني من شركة نفط البحرين ، وآخر من أكبر شركة بحرانية ومقاول عربى ) .
3- ثلاثة عمال ( أحدهم يمثل شركة النفط ، وآخر يمثل عمال الحكومة والثالث تختاره الحكومة من قائمة من أربعة أسماء تقدمها الهيئة لتمثيل كل العمال ) . وقد قام السيد أوزلي ( الخبير البريطاني لشؤون العمال ) بلقاء سكرتير الهيئة وشرح هذا المشروع وقد بعض النصائح حول القضايا العمالية . والمجالس الشوروية ، والنقابات العمالية التي سيقدمها للجنة الحكومية . وأخبر الباكر بعدم جدوى مشروع النقابة العمالية الواحدة وطلب منه الاستفادة من ذهاب البعض والتوقف عن الحديث عن الإضرابات والتظاهرات .
ويقول المقيم أن الهيئة قبلت هذه المقترحات بالإجماع في لقاء لاحق ، ولكنها غيرت موقفها بعد ذلك وأخبرت السيد أودزلي في 10 مارس ما يلي :
1- إنها ترفض تقديم أربعة أسماء وأن على الحكومة القبول بإسم واحد تقدمه الهيئة كما هو الحال مع الممثلين الآخرين .
2- أن على الحكومة الاعتراف بالهيئة التنفيذية العليا وذلك بالكتابة لها والطلب منها بتقديم اسم ممثل واحد .
3- إنها مستمرة في اختيار أعضاء مجلسها ولكن ليس للأغراض المتعلقة بالقضايا العمالية .
وقامت الحكومة بمراجعة الموقف بعد تقديم الهيئة هذه الشروط خصوصاً مسألة الاعتراف الرسمي بها ، وكان المقيم يعتقد بأن غير الصحيح الضغط على الحاكم للاعتراف بالهيئة . ولكن الحكومة قامت بتكوين لجنة عمالية لوضع قانون للعمل متكونة من ممثلين عن الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال أنفسهم في مطلع أبريل 1955 . أما الهيئة فقد استمرت في المطالبة بالاعتراف الرسمي بها كمقدمة للتعاون في اللجنة العمالية .
وحاولت الحكومة الاستفادة من موقع منصور العريض فطلبت منه إقناع الهيئة بالتعاون مع اللجنة العمالية . وقام بذلك وخفت المعارضة للجنة الحكومية . واستمر الوضع على ما هو عليه تتخلله الاتصالات والمفاوضات وخصوصا ً حول المسألة العمالية . وكان المقيم السياسي يعترف بأن للهيئة تنظيما ً جيدا ً بين العمال يستطيعون استعماله للضغط وقت الحاجة ، ولذلك لم يكن يستهدف تطوير الأمور إلى حد المواجهة . ولذلك فقد عملت اللجنة الاستشارية العمالية التابعة للحكومة على كتابة قانون عمل تحت إشراف المستشار العمالي البريطاني السيد أودزلي الذي كان على اتصال مع عبد الرحمن الباكر سكرتير الهيئة التنفيذية . ويبدو أن الباكر كان قد أعطى تطمينات للمسئولين البريطانيين بأن الهيئة ستشارك في اللجنة العمالية الحكومية إذا ما استطاعت صياغة قانون عمالي جيد .
وفي 6 ابريل ذهب الباكر لمقابلة المعتمد السياسي ، السيد غولت ، وسأله عن موع رجوع أودزلي الذي كان قد ذهب إلى القاهرة قبل فترة قصيرة وقال أنه كان قد أخبر أودزلي بأنه لن يعلن عن تكوين نقابة عمالية أو اتحاد تابع للهيئة حتى يرجع من القاهرة . وكان شائعات قد انتشرت بأن أودزلي لن يعود إلى البحرين . فما كان من المعتمد إلا أن تكلم بلهجة شديدة للباكر وأخبره بأن لن يسمح لأحد بتهديد حكومة البحرين ، في الوقت الذي يرفضون ( المعارضة ) التعاون معها في الخطوات " الإيجابية " . وبعد أكثر من لقاء تنازلت الهيئة عن الإصرار على الاعتراف كمقدمة للتعاون مع اللجنة العمالية ، وجرت على أثر ذلك انتخابات لاختيار ثلاثة ممثلين للعمال ليكونوا أعضاء في اللجنة العمالية . وقد أجريت الانتخابات في بابكو لاختيار ممثل واحد وانتخابات في المنامة لانتخاب ممثل العمال في المؤسسات الحكومية وآخر للعمال في غير هذين القطاعين . وصدرت نتائج الانتخابات في 26 إبريل وقد تكونت اللجنة العمالية الجديدة من الأفراد التالية أسماؤهم :
- عن الحكومة : الشيخ علي بن أحمد الخليفة ، الشيخ علي بن محمد الخليفة ، السيد جي . دبليو . آر . سميث ( مدير الجمارك ) .
- من أصحاب العمال : السيد إل . أي . سميث عن بابكو ، السيد محمد كانو ( تاجر ) ، السيد إي . إم . أوجي ( مقاول بناء ) .
- عن العمال : السيد محمود بن السيد أحمد العلوي ( عن عمال حكومة البحرين .
السيد علي بن السيد حسين ( عن عمال بابكو ) .
السيد محمد قاسم الشيراوي ( عن العمال الباقين ) .
على أثر ذلك قامت الحكومة بنشر حلقات عن قانون العمل الجديد في نشرتها الأسبوعية لتعط ِ انطباعا ً بأن لديها مبادرات مستقلة وأنها ليست في موقع الدفاع باستمرار .
كما سمحت الحكومة بإصدار جريدة يرأس تحريرها علي سيّار الذي كان يحرر جريدة " القافلة " التي أوقفتها الحكومة في العام السابق . واسم الجريدة الجديدة " الوطن " وستكون بديلا ً عن القافلة ونشرت الحكومة كذلك ملخصا ً عن تقرير اللجنة الحكومية ( المكلفة بالنظر في الدوائر الحكومية ) عن الدائرة الطبية ، وبذلك تكون اللجنة المذكورة قد انتهت من عملها بعد أن فحصت دوائر التعليم والأمن العام .
وواضح أن هناك انتقادات واسعة في تقارير اللجنة مما يدل على فقدان التنسيق والتخطيط في الدوائر الحكومية بشكل كامل . ويبقى أن المسألة المهمة هي أن تتحول هذه التقارير إلى برامج عمل إصلاحية يتبناها الحاكم والمستشار .
ورغم حدوث بعض التطور على الجانب العمالي فإن الوضع السياسي استمر لأن البريطانيين لم يريدوا تغييره . وإلى ذلك يشير المقيم في رسالته إلى السيد هارولد ماكميلان بوزارة الخارجية في 9 مايو 1955 بقوله (5) :
" إن من التسرع بمكان الاستنتاج بأن الصعوبات السياسية في البحرين قد حلت . فنحن في الواقع نقوم بتجربة غريبة ما بإدخال العملية الديمقراطية الصناعية في مجتمع تغيب عنه الديمقراطية السياسية بشكل كامل ، وأن من غير الحكمة التلاعب بالوضع الدستوري القائم " .
وكان البريطانيون يعتقدون أن إحداث بعض الإصلاحات في الحقل العمالي سيؤدي إلى هدوء العمال وفقدان الهيئة من الأنصار والأعوان . ويرى المقيم أن اندفاع العمال لمساندة العاملين السياسيين إنما يعود لغياب وسائل التعبير الشعبي : " حتى الآن كان الخطر هو أن عدم وجود وسائل التعبير العام ، أدى إلى سهولة اقتناع الإنسان العادي بضرورة العمل السياسي لتوفير طرق التعبير عن الظلامات " .
كما كانوا يحاولون إضعاف الحركة السياسية بتشجيع اللجنة الحكومية المكلفة بالنظر في الجهاز الإداري الحكومي في القيام بعملها لإزالة الدواعي المباشرة للشعور بالظلامة لدى عامة الشعب ، ولذلك بفحص إدارة كافة الدوائر الحكومية . كما كانوا يسعون لإصلاح جهاز الشرطة على يدي الكولونيل همرسلي لاعتقادهم بأن انشغال بلجريف الذي يحمل لقت " قمندان الشرطة " بدون فاعلية ، وعدم فاعلية الشيخ خليفة بن محمد ( ابن عم الحاكم ) في منصب المدير العام للأمن العام ، سببا استمرار الوضع الضعيف للشرطة . وكان المقيم السياسي والمعتمد السياسي يلفتان نظر بلجريف لوضع جهاز الشرطة ولكنه لم يعمل شيئا ً لإصلاحه لـ " عوامل شخصية " على حد تعبير المقيم .
كان هناك قلق متزايد لدى المسؤولين البريطانيين في البحرين بأن الاضطرابات قد تحدث في موسم العاشوراء الذي يصل إلى ذروته في 28 و 29 أغسطس فقد هددت الهيئة بمظاهرات ضد البريطانيين بعد 13 محرم ( 2 سبتمبر ) وهي فترة صعبة حيث تكون فيها المشاعر هائجة . وزاد من قلق البريطانيين أن قوة الشرطة في البحرين ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها في حال حدوث انفجار شعبي كبير ، وأن سمعتها سيئة بعد حادثة 1 يوليو من السابق . وهذا يعني أن الأمر قد يتطلب تدخل القوات البريطانية بشكل مباشر . فرغم جهود همرسلي لتكوين جهاز شرطة قوي ، فإن الأمر ليس مضمونا ً في حال حدوث اضطرابات كبيرة . وعليه فإن الحل الوحيد لدى آل خليفة والمستشار هو إنزال القوات البريطانية إلى البلاد . وإن كان المقيم السياسي يزداد قناعة بأن الحركة السياسية في البحرين متأثرة إلى حد كبير بمصر والنداءات الثورية من القاهرة ، وبالثورة الجزائرية التي انطلقت من العام الماضي . وكان الباكر قد أخبر بعض موظفي المقيمية السياسية بأنه حاول إقناع أعضاء الهيئة بعدم التهجم على بريطانيا في منشورهم الذي وزع في شهر أغسطس ولكنه لم ينجح في ذلك . ويعتقد المقيم أن هناك شبابا ً من الشيعة والسنة في الهيئة يقوم عداؤهم لآل خليفة لأنهم متحالفون مع بريطانيا (6) . ولذلك فقد كان يطالب بإبقاء إحدى السفن الحربية البريطانية راسية قبالة البحرين .
وكانت تتردد شائعات بأن هناك إضرابا ً عاما ً يوم السبت 3 سبتمبر وأن أعمال عنف سوف ترتكب ومنها قطع أسلاك التليفون ومنع الوظفين الأمريكيين والأوروبيين من الذهاب إلى مصفاة النفط . ولذلك فقد طلب المعتمد السيد غولت ، من الخارجية البريطانية توفير غطاء عسكري في الخليج وسعى لإقناع الشيخ بإنزال عدد من القوات من المدمرة " فلامينجو " في قاعدة الجفير ، كما طلب من المدمرة " لوخ لوموند " التوجه من الكويت إلى البحرين لمواجهة ما قد يحدث في قمة فترة العاشوراء وهو يوم 29 أغسطس .
ولكن شيئا ً من ذلك لم يحدث ، فرغم أن مواكب العزاء كانت ذات طابع سياسي خلال يومي التاسع والعاشر من المحرم ، إلا أنه لم يتحدث حوادث تذكر في هذين اليومين . ولذلك حاول المعتمد تهدئة الموقف وذلك بإعلان عدم العمل بالقانون الجزائي الذي كتب مؤخرا ً وذلك بعد أن عرض على الزعماء الدينيين في الأزهر والنجف . فقد أفتى علماء النجف عدم ملاءمته للقانون الإسلامي ، وبالتالي فإنه غير ذي جدوى ما دام معارضا ً لمعتقدات المسلمين . وقد عينت الحكومة لجنة لدراسته في الوقت الذي أعلنت الهيئة عزمها على التظاهر ضد البريطانيين الذين كانوا أساس المشكلة .
وكان للتحالف الجماهيري ضد القانون الجزائي المذكور أثره على الرأي العام . بل أن أصداءه وصلت إلى القاهرة حيث نشرت مجلة " التحرير " في 9 أغسطس مقالا ً من صفحتين بعنوان : " البركان سينفجر الشهر القادم " وجاء في مقدمة المقال ما يلي :
" عندما تبدأ حكومة البحرين في العمل بقانون الجزاء في سبتمبر القادم فسوف تحدث ثورة . القانون ينص على أن كل المنظمات ، سواء ً المسجلة أم غير المسجلة التي تقوم بنشاطات محظورة سوف تحل . وستكون عقوبة الإعدام ضد من يعملون على قلب الدستور ، أم يثورون على الحكومات الإمبريالية في المنطقة أو يهينون الحاكم ، الشيخ سلمان بن حمد ( الذي يأخذ ثلث واردات البلاد راتبا ً شخصيا ً له ) " .
وكان القانون قد ظهر للمرة الأولى في شهر يونيه ، وبدأت المعارضة له منذ ذلك الوقت ، ومع حلول أغسطس كانت هذه المعارضة قد أصبحت شاملة في البحرين فقام الشيخ بتعيين لجنة لدراسته قبل موسم العاشوراء لكي يقنع الشيعة بأنه مستعد لقبول اعتراضهم على القانون في وقت مثل العاشوراء . ولكن الهيئة أصدرت بيانا ً ( رقم 25 ) ضد القانون وهددت بإجراءات قوية بعد العاشر من المحرم ، خصوصا ً وأن الرأي العام كان كله ضد القانون ، حتى الذين كانوا في الميزان البريطاني " المعتدلون " .
تصادف مع ذلك إعلان بابكو عزمها على الاستعانة بمقاولين لأعمال الصيانة ، وكان معظم المقاولين الذين تقدموا للعرض أجانب .
واعتزمت كذلك تقليص عدد عمالها ونقل بعضهم إلى الشركات التي تفوز بمشاريع الصيانة ، ولكن العمال وجدوا أنهم بانتقالهم من بابكو سوف يخسرون قدرا ً من الحقوق المادية والتسهيلات التي كانوا يحصلون عليها في بابكو ، ومن هنا جاءت الاحتجاجات .
في 24 أغسطس قام عبد الرحمن الباكر بزيارة المعتمدية للمرة الأولى ، والتقى أحد المسؤولين فيها وصرح بأنه قد بذل جهده لإقناع رفاقه في الهيئة بعدم التهجم على بريطانيا في بيانهم الأخير ، ولكنه لم ينجح . وكان أنداده الأساسيون هم محمود المردي وعلي سيّار ، الذيْن رجعا من مصر لتوهما وكانا مشوحنين بالأفكار الجديدة حول الحركة الوطنية . وكان المردي موظفا ً في البنك البريطاني للشرق الأوسط في الخبر بالسعودية ولكنه ترك البنك والتحق ببنك القاهرة في فرعه الجديد بالخبر . أم علي سيّـار فهو رئيس تحرير الجريدة الأسبوعية " الوطن " وقد كان من قبل محررا ً لـ " القافلة " التي أوقفت العام الماضي ، ويعمل في الشركة الشرقية الأفريقية المتحدة . قال الباكر بأنه قدم استقالته للهيئة ولكن طلب منه تأجيلها ، كما قال بأنه فقد السيطرة على الحركة الوطنية لأنه كان يدعو باستمرار للوسائل السلمية .
في 30 أغسطس ذكر نائب المستشار ، السيد سميث للمعتمد أن لديه معلومات مفادها أنه إذا أعلن تأجيل العمل بالقانون الجزائي فإن الإضراب سوف يلغى ، فتم الإعلان بذلك المعنى وألغي الإضراب الذي كان من المقرر القيام به في 3 سبتمبر . المشكلة أن الشيخ سلمان كان يعتمد بشكل كامل على المستشار بلجريف في اتخاذ القرارات بل حتى في الاتصال بالشخصيات المعروفة في البحرين ، وهذا ما جعل المستشار هدفا ً واضحا ً للحركة الوطنية . وفي هذا الصدد يقول المعتمد ، السيد غولت بعد أن غادر بلجريف البلاد في إجازة في خريف عام 1955 : " الآن وبعد أن غادر بلجريف في إجازته ، وأصبح السيد سميث يعمل كمستشار ، فقد أصبحت أنا أصنع القرارات السياسية نيابة عن الحاكم أو اقترحها عليه . فالسيد سميث غير ذي تجربة في القضايا السياسية ، ويميل لرفع كل شيء للحاكم ، وعندما أذهب لمناقشة القضية مع الحاكم يقول لي : " كما تحب أنت ، بمعنى أنه إذا كانت حكومة صاحبة الجلالة تريد أن يعمل شيء بطريقة ما فإنه يوافق على ذلك ... وفي الحالات النادرة عندما يأخذ الحاكم قرارا ً بنفسه ، فإنه في الغالب يكون القرار الخاطئ (7) " . وفي هذا الصدد يقول بلجريف : " يبدو أن ما أن يتم مناقشة سياسة جديدة ويتفق عليها من قبل الشيخ حتى يتم تغييرها بعد بعض ساعات ، بسبب التعليمات من لندن " .
وعن بلجريف يقول المعتمد : " إننا الآن ندفع ( ضريبة ) ثلاثين عاما ً من استبداد تشارلز بلجريف في البحرين فمن جهة فإن الحاكم يميل باستمرار لأن يترك نفسه كي تحمله حكومة صاحبة الجلالة ويترك العمل للمستشار ، ومن جهة أخرى ، فإن أسلوب بلجريف المتمثل بإدارة الرجل الواحد حيث ركز كل شيء له أهمية في يديه . إلى درجة أن عليه أن يوقع شيكات بمبلغ 10 روبيات أصبح يظهر يوميا ً بدرجة من عدم الكفاءة وعدم القدرة على مواجهة العدد المتزايد من المشاكل التي تعصف بالبحرين " .
بعد الإعلان عن تأجيل العمل بالقانون الجزائي أصدرت الهيئة بيانها رقم 26 للتأكيد على التزامها بالمطالب الأساسية المتمثلة بتحقيق الحياة الدستورية في البلاد ، وأشارت فيه إلى إلغاء الإضراب المزمع القيام به كما ذكرت أنها بصدد إعداد مذكرة للحكومة تطالبها فيها بالاستجابة للمطالب الشعبية وفي مقدمتها إنشاء مجلس تشريعي منتخب .
ومع استمرار الضغط الشعبي على الحكومة كتب المقيم السياسي في الخليج السيد غولت إلى الخارجية البريطانية يطلب منهم معلومات حول ما هو موجود من مجالس تشريعية في المستعمرات البريطانية ذات الظروف المشابهة لظروف البحرين من دون أن يؤكد تأييده أو رفضه لتحقيق مطالب الهيئة في 5 سبتمبر 1955 . وجاء رد وزارة الخارجية في 30 ديسمبر ملخصا ً كما يلي :
1- أن المسئولين البريطانيين يشاركون في إدارة المستعمرات وفق إجراءات دستورية محددة ، وهذا الوضع لا يعتبر نموذجا ً للبحرين .
2- إن وضع البحرين يشبه إلى حد ما الوضع في الملايو ويمكن دراسة ما يمكن عمله على ضوء ذلك ، وذلك بالرجوع إلى الهيكل الدستوري لتلك البلاد .
3- ويمكن كذلك الاستفادة مما هو معمول به في زنجبار .
4- وهناك وضع مواز للوضع في البحرين هو وضع " Cyrenaica " ودستورها الموضوع في عام 1949 التي أصبحت فيما بعد الفدرالية الليبية . وكان الدستور مصمما ً ليكون صالحا ً لبلد يتمتع بحكومة ذاتية على الصعيد الداخلي وتقوم الحكومة البريطانية بشؤون العلاقات الخارجية والدفاع . وكان الشعور السائد لدى المسؤولين البريطانيين ومنهم المقيم السياسي هو أن الحاكم لم يقم بأي جهد لتحقيق رغبات الهيئة والشعب وأن هناك حاجة للضغط عليه لتقديم تنازلات محدودة لكي لا ينفجر الوضع عليه . ولا شك أن المستشار كان معارضا ً لأي تلبية لمطالب الهيئة ، في الوقت الذي كان فيه الرأي العام السائد يطالب بالمزيد من الإصلاحات .
وكان الشيخ نفسه يشعر بأنه هو والمستشار يقفان على جهة ويقف الشعب والآخرون على الجهة الأخرى . ويقول المقيم في هذا الصدد " في إحدى الحالات خلال فصل الربيع عندما كنا نضغط عليه للقبول بإدخال قانون للعمل وتكوين اتحادات عمالية ، اشتكى إليّ بأنه هو والمستشار يجدان أنفسهما وحيدين في البحرين ، ويبدو أن كل إنسان آخر هو ضدهم " . ويعترف المقيم في الرسالة نفسها إلى وزارة الخارجية البريطانية بفشل السياسة البريطانية في إقناع الشيخ بالقبول بالإصلاحات ( أو بمعنى آخر عدم قيام الحكومة بأي ضغط على الشيخ ) : " لقد فشلنا حتى الآن في إقناع الحاكم أو مستشاريه بإدخال شيء ذي آثار بعيدة على مستوى التحسين الإداري أو تطوير مبدأ التمثيل في الشؤون الحكومي والبلدية " . ويعتقد أن أهم أسباب ذلك هو وقوف الهيئة ضد التعامل المباشر مع السلطات الحكومية ، فقد نتج عن مقاطعتها الانتخابات البلدية في المنامة ( في شهر فبراير 1955 ) عدم إجراء الانتخابات . ويعترف بقوة الهيئة على المستوى الشعبي وحتى على مستوى التجار الذين يتمتعون بشيء من الوعي بسبب أسفارهم واحتكاكهم بالشعوب الأخرى . ويقول في هذا المجال : " وفي الحقيقة أعتقد أن بإمكاني أن أقول بأن الرغبة الشعبية لنوع من المجلس التمثيلي العام أصبحت منتشرة ، وأن من مصلحة الحاكم أن يقطع شوطا ً لتحقيق هذا المطلب " . ولكنه في الوقت نفسه يعترف بأن أي مجلس تمثيلي سوف يكون منبرا ً لانتقاد المواقف البريطانية : " أعتقد بصحة القول أنه لم يكن هناك شعور قوي ضد بريطانيا سواء ً في العراق أم الأردن أم ليبيا عندما أنشئت المجالس التشريعية في هذه البلدان كما هو الحال في البحرين الآن " .
ويصف المقيم في رسالته تلك المستشار بأنه ( رجعي مثل الحاكم ) . ولكنه يصر على عدم التعرض له لأن الحاكم يعتمد عليه . وكأن المقيم يخشى من أن تؤدي المشاعر العامة في البلاد إلى إسقاط آل خليفة . ( أن المشاعر الشعبية قد أصبحت قوية جدا ً ، ولو كانت أكثر تنظيما ً لاستطاعت إسقاط الحكومة ) .
وكان التعبير عن هذه المشاعر يتخذ أشكالا ً شتى ، وقد يأخذ شكلا ً عنيفا ً أحيانا ً . ومن ذلك أن أحد الأشخاص المؤيدين للحكومة ضرب ضربا ً مبرحا ً في منتصف سبتمبر ، وأن عددا ً آخر من المؤيدين حوصروا في أحد الدكاكين بالمنامة من قبل الشباب ولم يرفع الحصار عنهم إلا بعد أن تدخلت الهيئة لتخليصهم (9) . وقد قدم عدد من الأشخاص إلى المحاكمة في ما بعد بسبب أدوارهم في المواجهات العنيفة . وقام الحاكم ينشر عدد من الشرطة في السوق لإثبات سيطرته على الأمور ومنع تكرر ما حدث في منتصف شهر سبتمبر .
في الأسبوع الأول من أكتوبر التقى الحاكم مع شخصين هما عبد العزيز الشملان والسيد علي السيد إبراهيم ومن الهيئة التنفيذية العليا في خطوة مفاجئة وتباحث معهما حول بعض القضايا ومنها تشكيل لجان للإشراف على أجهزة التعليم والصحة والبلديات تتكون من أفراد تعيّنهم الحكومة وأفراد ينتخبهم الشعب . ويبدو أن الشخصين قدما له بهذا المضمون وطالبا كذلك بإصلاحات في الأمن العام وفي المحاكم القانونية ومنها القانون الجزائي والمدني ، ووقعت الرسالة بإسم " ممثلي الشعب (10) .
في هذه الأثناء كان الحديث في الدوائر البريطانية يدور حول توفير قوات بريطانية للتدخل إلى جانب الحكومة فيما لو حدثت مواجهة مسلحة أو اختل النظام في المنامة مثلا ً . وكان الرأي المشترك هو أن إنزال القوات البريطانية من البحرين سوف يخلق مشاكل كثيرة ، وأن السلطات العسكرية لن ترحب بهذا الاقتراح . ورأى السياسيون أن إنزال القوات يجب ألا يتم إلا عندما يصبح وجودها ضروريا ً.
وبعد بضعة أيام ( في مساء 6 أكتوبر 1954 ) أذاع راديو البحرين الخبر وكان الإعلان عن الخبر في ذلك الوقت ليتزامن مع اجتماع عام دعت إليه الهيئة في صباح اليوم التالي بمناسبة ذكرى الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين . وتحدث في ذلك الاجتماع العام عبد الرحمن الباكر وشكر الحاكم على قراره بتشكيل لجان الإشراف على الدوائر الحكومية المذكورة . ولكن في الوقت ذاته كان هناك شعور بخيبة الأمل لعدم احتواء البيان الحكومي على أي ذكر للإصلاحات المطلوبة في أجهزة الأمن العام والمحاكم القانونية التي تضمنتها رسالة الهيئة للحاكم . وكان الناس يرغبون في استبدال القضاة غير المؤهلين من العائلة الحاكمة برجال ذوي خبرات معقولة من خارج العائلة . ويبدو أن بلجريف أقنع الحاكم بعدم التعرض لجهاز الشرطة والمحاكم مما أثار الرأي العام من جديد ، وأعلنت الهيئة عن اجتماع عام في 28 أكتوبر ليتصادف مع ذكرى مولد الرسول الأكرم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام . كان الشيخ يعتقد بأن الهيئة سوف تقوم بجمع التبرعات في هذا الاجتماع لدعم مصر في شرائها أسلحة سوفياتيه . وذلك بسبب زيارة الشملان مصر أثناء عودته من زيارة بريطانيا ، وكانت حملات لجمع التبرعات لمصر قد نظمت في مصر وسوريا والسعودية والأردن (11) .
وقد اجتمع الحاكم مع ممثلين عن الهيئة في 27 أكتوبر ( أي قبل يوم واحد من الاجتماع المزمع عقده ) وأعلن خلاله موافقته على استقلال لجان الصحة والتعليم ، أي حرية هذه اللجان في صرف الأموال المخصصة لها . ووافق كذلك على تدريب قضاة محليين بدلا ً من الأجانب وذلك بعد اكتمال القانون الجزائي الذي كان العمل عليه جاريا ً .
استقبل البريطانيون هذه التطورات بتحفظ بالغ ، ففيما رحبوا بتفاهم الحاكم مع الهيئة واعتبروه نتيجة لجهودهم ، بدؤوا يبدون قلقهم من أن ذلك سوف يؤدي إلى ازدياد النفوذ المصري في البلاد على حسابهم وتوقعوا أن يزداد عدد المصرين في مجالات التعليم والطب والخبراء والقضاء وأبدوا قلقهم كذلك من اللجان المشرفة على الدوائر الحكومية وأنها ستبدأ لاحقا ً في النظر في نصيب الحاكم من عمولات النفط .
وبدأت الاستعدادات لانتخابات اللجان المذكورة ، وكانت هناك بعض الاختلافات حول عمر الناخبين وما إذا كانت يجب إعطاء حق التصويت للنساء ، وكانت خشية البريطانيين كبيرة من أن تؤدي الإجراءات الجديدة لعزل عدد من البريطانيين ، وفي مقدمتهم الدكتور آر . إج . بي . سنو الطبيب الأول لدى الحكومة بعد انتشار الاحتجاجات ضده لعدم كفاءته الطبية .
جرت الانتخابات للجنة التعليمية في يوم الجمعة 10 فبراير 1956 ، وقد رشحت الهيئة ستة أشخاص للمقاعد المطلوبة وهم الحاج خليل المؤيد ، محمد قاسم الشيراوي ، قاسم فخرو ، تقي البحارنه ، علي بن إبراهيم عبد العال ، وفي 24 يناير طرح حزب جديد لمواجهة الهيئة تحت إسم " الجبهة الوطنية " وطرحت ثلاثة مرشحين وهم السيد حامد بن مبارك الفاضل ، أحمد بن عبد الله الصباح البنعلي وسالم راشد العيسى ، فكان ذلك يعني أن هناك تسعة مرشحين للمقاعد الستة . وعندما جرت الانتخابات فاز مرشحو الهيئة فوزا ً ساحقا ً ( صوت في تلك الانتخابات 18981 شخصا ً وكان المؤهلون للتصويت 23479 شخصا ً أي بنسبة 81% وحصل كل مرشحي الهيئة عددا ً من الأصوات ما بين 17000-18000 ، بينما حصل مرشحو الجبهة الوطنية الموالية للحكومة بين 1100 – 1400 صوتا ً .
ورغم الاتفاق المذكور ، فقد تباطأت الحكومة في تنفيذه ، مما حدا بالهيئة لإعلان استيائها عبر منشورات عديدة طالبت فيها بالبدء في إجراء انتخابات للجان الإشراف ، وهددت بأعمال غير محددة إذا لم تتم تلبية ذلك . وأضافت الهيئة مطلبين جديدين هما الاعتراف الرسمي بها وعدم استقدام عناصر الشرطة من العراق . وفي نهاية فبراير أجريت انتخابات للجنة التعليم بعد تأخر دام بضعة شهور .
وبخصوص إعادة النظر في القانون الجزائي والقوانين الأخرى ، فقد طرح اسم السنهوري ، المصري الجنسية كخبير في القضايا القانونية للقيام بذلك العمل ، ولكنه لم يتمكن من المجيء إلى البحرين إلا في شهر مايو 1956 .
- زيارة سلوين لويد للبحرين ومضاعفاتها :
في 2 فبراير 1956 توقف وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد في البحرين عندما كان متوجها ً إلى كراشي وبانكوك . تزامنت زيارة سلوين لويد للبحرين مع نبأ إقالة الضابط البريطاني في الجيش الأردني ، غلوب باشا من قبل الملك حسين . وكان الحدث مادة للنقاش الطويل في السوق وأماكن التجمعات الاجتماعية . وكان هناك شعور بالنصر لدى الهيئة التنفيذية العليا والناس بشكل عام لأنه اعتبروا ذلك التطور " صفعة للاستعمار البريطاني " على حد تعبير المستشار بلجريف ( Personal Column ) الذي اعتبر ذلك الحدث أحد العوامل التي ساعدت على حدوث ما حدث يوم الجمعة ، عندما كان سلوين لويد متوجها ً في الموكب الرسمي من المطار بالمحرق إلى حفلة الغذاء الذي كان الشيخ قد أعده له في قصر المنامة .
ذهب إلى المطار لاستقبال وزير الخارجية البريطاني الشيخ سلمان وأفراد عديدون من عائلته ، والمقيم السياسي ، السيد برنارد باروز وموظفوه وآخرون من بينهم المعتمد والمستشار . وحسب رواية المستشار لم يكن هناك ما يدل على احتمال حدوث اضطراب من أي نوع . فقد توقف المستشار وهو في طريقه إلى المطار لمشاهدة مباراة كرة القدم في أستاد مدينة المحرق ، الذي كان مكتظا ً بالمشاهدين وبعد مراسم اللقاء في المطار توجه الموكب الذي كان يضم سلوين لويد والمقيم السياسي والشيخ سلمان إلى مبنى المقيمية السياسية البريطانية بالجفير ، وكانت دراجات الشرطة تصاحب الموكب في الأمام والخلف .
وعندما وصل الموكب إلى المنعطف الذي يربط شارع المطار بشارع الجسر كانت أعداد كبيرة من الشباب في انتظار الموكب في تظاهرة احتجاجية عاصفة . ويبدو أن هؤلاء خرجوا من ملعب كرة القدم عندما علموا بقدوم الموكب وتحركوا للاحتجاج على الممارسات البريطانية في البلاد عن طريق ممثليهم البريطانيين . ورفعوا شعارات ضد سلوين لويد والمستشار وبريطانيا ، حسب رواية بلجريف . وقام المتظاهرون برفس سيارات الموكب وقذفوا بالحجارة والرمال على الذين كانوا بداخلها .
وكان نصيب السيارات التي كانت في مؤخرة الموكب كبيرا ً . فقد هشمت نوافذها ومصابيحها ، وأعطب العديد منها . كما أوقف المتظاهرون باصا ً تابعا ً لشركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار ( BOAC ) كان يسير خلف الموكب وحاولوا إحراقه . وقام المستشار بعد أن عرف بما حدث ( لأنه حسب روايته كان في مؤخرة الموكب ولم يدرك حقيقة ما حدث ، بإرسال مفرزة من الشرطة للسيطرة على الموقف بعد ساعات عديدة كان المتظاهرون مسيطرين على الموقف . فقد كانوا واقفين على جانب الشارع أو في الأزقة المجاورة ينتظرون سيارات الإنجليز ويقذفونها بالحجارة . ويقول المستشار أن اثنين من أعضاء الهيئة كانا في المنطقة قبيل حدوث الاضطرابات وأن أحدهم ألقى خطابا ً حماسيا ً شجع فيه على استعمال العنف . ومن الطبيعي أن يترك ما حدث آثاره على وليمة العشاء المعدة سلفا ً. ويقول بلجريف في هذا الصدد " إنني لن أنسى حفلة العشاء تلك في القصر . فقد كانت أكثر الحفلات التي حضرتها تحديا ً . فرغم محاولة إظهار الأمور طبيعية إلا أن الواقع كان مختلفا ً تماما ً . فقد شعر الشيخ سلمان بالحرج الشديد ، إذ لم يحدث من قبل أن تعرض هو وبصحبته ضيف من هذا الوزن لموقف شعبي من هذا النوع . أما الضيوف البريطانيون فكانوا هم أيضا ً في حالة قلق بعد سماعهم نبأ طرد غلوب باشا عندما كانوا في الطائرة وبعد ما تعرضوا له من إهانة على أيدي المتظاهرين . واستمرت حالة التوتر عدة ساعات كان المستشار خلالها يحاول تهدئة الوضع وإيجاد طريقة لسفر وزير الخارجية البريطاني بدون أن يتعرض لما تعرض له عند قدومه . ولكن لم يقبل بالمغامرة . واضطر الوفد البريطاني للبقاء في المقيمية حتى صباح اليوم التالي . وكان المتظاهرون قد انتظروا طوال اليوم الأول رجوع الوفد على الطريق نفسه ، ولكنهم يئسوا من ذلك وتفرقوا . وفي الصباح الباكر من اليوم الثاني مر الوفد إلى المطار وغادر البلاد .
بعد مغادرة وزير الخارجية البريطاني ، وخلال الأسبوع التالي كان القلق يتعمق في نفوس كل من الشيخ سلمان وبلجريف بعد حادثة المحرق ، وقامت الهيئة بإصدار اعتذار عن الحادثة مؤكدة أنها لم تخطط لها وإنما كانت تعبيرا ً عن مشاعر الناس تجاه ما يحصل في البلاد .
شعر المسؤولون البريطانيون في البحرين بالحرج الشديد مما حدث في اليوم الثاني من مارس 1956 ، ووضعوا ثلاثة احتمالات للجهة التي نظمت التظاهرة وهي كالتالي (12) :
1- إما أن الهيئة قد خدعت الحكومة ونظمت المظاهرة .
2- أو أن قسما ً منهم ، أو ربما شخصا ً واحدا ً فقط ، قد حرض الناس على التظاهر .
3- أو أن مجموعة أخرى مختلفة تماما ً ذات اتجاه يميني متطرف ، تعرف بإسم الجبهة الوطنية وبتوجيه من بعض أفراد العائلة الحاكمة هي التي قامت بذلك .
وفي تقييمه لهذه الاحتمالات الثلاثة ، لم يستطع المقيم السياسي ( السير باروز ) حسم موقفه سوى أن يستبعد الاحتمال الأولى لأنه لو كانت الهيئة وراء التظاهرة لكانت " أكبر بكثير وأكثر تنظيما ً ) . ولكنه لم يستبعد أيّا ً من الاحتمالين الآخرين ، حيث يرى أن لبعض أفراد العائلة الحاكمة رغبة في التحريض ضد الهيئة ، وليس من المستعبد أن يكونوا قد خططوا لمظاهرة أصغر حجما ً ، ولكن بسبب وجود مباراة لكرة القدم على استاد المحرق في ذلك الوقت ، فقد أصبحت التظاهرة كبيرة . كما لم يستبعد المقيم أن يكون أحد أعضاء الهيئة من وراء التظاهرة . فقد شوهد عبد العزيز الشملان – على حد قول المقيم – وهو يحرض الجماهير على التظاهر .
وبسبب غضب الحاكم الذي شعر بالإهانة الكبيرة بسبب ما حدث فقد أعطى لبلجريف المسئولية الكاملة للحفاظ على الأمن والهدوء في البلاد حتى ولو اضطر لاعتقال الأعضاء الثمانية في الهيئة . ولكن بلجريف ذكر للمقيم في الرسالة المذكورة أن حكومة البحرين لا تستطيع القيام بذلك وحدها لعدم وجود قوات كافية لديها . وكانت وجهة نظر الحاكم وعائلته هي أن اعتقال الهيئة أو بعض أفرادها سوف يؤدي بها إلى الانهيار الكامل . ولكن بلجريف ذكر بأن هناك احتمالا ً آخر وهو أن يؤدي الاعتقال لمزيد من الهيجان الشعبي .
أما فكرة الاعتقال فتقوم على أساس اتهام الهيئة بالتحريض على العنف بسبب المنشور الذي وزعته في 21 فبراير الذي طرحت فيه مطالبها وقالت فيه في حال عدم استجابة الحكومة لذلك " فسيقوم الشعب بإجراءات مضادة ... ولذلك فإننا نحذر المسئولين من تعبات ذلك " .
ورغم النقاش الطويل حول اعتقال قادة الهيئة ، إلا أن الرأي البريطاني لم يوافق على الاعتقال لأن الحركة السياسية سوف تستمر حتى بعد الاعتقال ، وأنه بالتأكيد سوف يحدث إضراب شامل أكثر تأثيرا ً من الإضرابات السابقة . وكان المقيم يعتقد أن حدوث الإضراب سوف يؤدي إلى تنازلات حكومية أكبر ، وأن من غير المناسب استخدام القوات البريطانية لأن الحركة السياسية استمرت في مطالبها ضمن حدود القانون ، بالإضافة لذلك فإن تدخل القوات البريطانية سوف يجعل المسؤولين البريطانيين يفكرون حالا ً في الخروج ، وسف يجعلهم يشعرون بضرورة فرض إصلاحات واسعة لكي يستطيعوا الخروج .
هذا وقد تضمنت رسالة المقيم طلبا ً إلى وزارة الخارجية البريطانية بالموافقة على اقتراح بإنشاء مجلس استشاري من مهماته الاستماع إلى التعليقات والانتقادات من الناس أو من أي جمعية حتى من الهيئة التنفيذية العليا تحت اسم آخر ، ثم إصدار بيان رسمي بريطاني بمساندة الاقتراح .
كما تضمنت الرسالة حث المقيم للمستشار على تقوية جهاز الشرطة . وقال المقيم بأن مساعده العسكري يعد اقتراحات لتوظيف ضباط بريطانيين برواتب عليا . وبشأن توظيف رجال للشرطة اقترح الاستمرار في توظيف بحرانيين مع عدد من العراقيين ( مثلا 30 شخص من العراق كحل وسط بعد أن رفضت الهيئة استقدام ضباط عراقيين ) .
وفي 3 مارس أصدرت الهيئة بيانا ً طالبت فيه بإقالة المستشار تشارلز بلجريف الذي هو الرجل المخطط والمنفذ الرئيسي الذي يعتمد عليه الحاكم والذي ركز معظم الأمور التنفيذية بيده حتى ضاق مكتبه بالملفات مما سبب تأخير البت في قضايا الناس (13) .
وقد رفض الحاكم اقتراح تكوين مجلس استشاري ، ولكنه لم يعترض كليا ً على إقامة علاقات مع الهيئة بشرط أن تغير أسمها لأن الإسم يعني في نظره منافسة له وأنها أعلى من الحكومة . كما طلب الحاكم أن يطلب من عبد الرحمن الباكر السفر إلى الخارج في تلك الظروف بسبب الاضطرابات التي لا بد أن للهيئة يدا ً فيها حسب وجهة نظره . وكانت الحكومة قد كونت هيئة لتقصي الحقائق حول التظاهرات المذكورة بعد أن أصرت العائلة الخليفية على الحاكم بأن يقوم بعمل ما ضد الهيئــة (14) .
كما أثارت مطالبة الحاكم باعتقال أعضاء الهيئة نقاشا ً بين المسئولين البريطانيين ولم يوافقوا على ذلك في النهاية لأن الهيئة ، رغم عدائها للإنجليز ، قدمت بعض الخدمات لهم ومنها تقديم معلومات أمنية ضد الشيوعية . ولأن حكومة البحرين ليس لديها جهاز شرطة قادر على مواجهة تبعات الاعتقال ولعدم وجود دليل ملموس على دور واضح للهيئة في اضطرابات المحرق ، ولعدم رغبة الإنجليز في تدخل قواتهم مباشرة في تلك الفترة المتوترة في المنطقة .
* حادثة البلديات 11 مارس 1956 :
في حوالي الساعة العاشرة والربع من صباح يوم الأحد 11 مارس 1956 حصلت حادثة كانت لها آثارها على الوضع السياسي المتفجر في البلاد . جرت هذه الحادثة أمام سوق الخضرة في المنامة . فقد كان أحد باعة الخضار ( وهم عادة من الفقراء ) يضع بضاعته على الرصيف ليبيعها على الناس كما كان معتادا ً منذ سنوات عديدة ، فجاء أحد موظفي البلدية ( مفتش ) وطلب منه أن يقوم هو وبضاعته من الطريق ، ولكن رفض ذلك . فجاء مفتش البلدية بشرطي حاول أن ينقل أغراض صناديق خضرة البائع بالقوة ، إلا إن البائع رفض ذلك وحدث شجار بينهما . في هذه الأثناء تجمع الناس شيئا ً فشيئا ً وحاولوا التصدي لعدد من الشرطة كانوا موجودين بالسوق مع المفتش ، فهربوا إلى مبنى البلدية الذي كان قريبا ً من السوق والتجأوا هناك . وبدأ الناس يجتمعون عند البلدية وأخذوا يطالبون بالشرطي الذي ضرب البائع . بعد ذلك جاءت مفرزة من الشرطة ، ولكنها لم تستطع أن تعمل شيئا ً فقد حدث التجمع بسرعة بأعداد كبيرة ، وتدخل بعض أعضاء الهيئة لإقناع المتجمعين بالتفرق ولكنهم لم ينجحوا في ذلك . وفي حوالي الساعة 3:00 بعد الظهر حاولت الشرطة المجيء بسيارة شحن كبيرة إلى باب البلدية ليستقلها الشرطة المحاصرون في الداخل ، إلا إن المحاولة فشلت .
في حوالي الساعة 3:20 بعد الظهر سمعت طلقات رصاص من الشرطة سقط بسببها شخصان على الأقل ميتين في الحال ، ومات خمسة آخرون في وقت لاحق وجرح حوالي خمسة عشر شخصا ً . وذكر مسؤول الشرطة ، الكولونيل همرسلي لاحقا ً أن الشرطة " أمروا بإطلاق النار فوق الرؤوس " وهذا يؤكد أن أوامر إطلاق النار صدرت من مسؤول الشرطة البريطاني . بعدها تفرق الناس وهم يلعقون دماءهم . ولا شك أن حداثة إطلاق النار كانت نقطة تحول في حركة المعارضة لأنها أقنعت الجماهير بأن العنف هو أسلوب السلطة في نهاية المطاف ضد مطالب الشعب .
وبدأت صيحات الشجب تنطلق من حناجر الناس ومن الهيئة التنفيذية العليا ، وبدأت المطالبة بعزل المستشار ، تشارلز بلجريف ، تأخذ بعدا ً جديدا ً باعتباره المسئول عن إطلاق النار من قبل الشرطة التي يرأس جهازها بنفسه .
في الساعة التي تلت حادثة البلديات بدأت الاستعدادات البريطانية للتدخل العسكري فيما لو اقتضى الأمر . وفي مساء 11 مارس وصلت إلى البحرين قوة من خمسين شخصا ً من جنود البحرية بالإضافة إلى مدمرة كانت راسية في قاعدة الجفير . ومدمرة أخرى استدعيت لتصل في اليوم التالي . وكان هناك حرص على إبقاء أخبار تحرك القوات البريطانية سريا ً حتى تكتمل القوة المطلوبة وكانت هناك قوات جوية في قاعدة المحرق جاهزة للتدخل (15) .
بدأ إضراب شامل في اليوم التالي واستمر أسبوعا ً كاملا ً ، ولم تكن هناك دعوة رسمية من الهيئة للإضراب ولكنه حدث بسبب ما سببته الحادثة من غضب شعبي . فقد توقف العمال في شركة النفط لأن سائقي الباصات لم يذهبوا للعمل ، وأغلقت المتاجر في المنامة فيما كانت الشرطة تتجول في شوارع العاصمة . وفي صباح ذلك اليوم كانت هناك مظاهرات في المحرق وقذف الشباب السيارات الحكومية بالحجارة . وأعربت الهيئة عن غضبها للطريقة التي عالجت الشرطة بها حادثة البلدية ، وتصاعدت النقمة ضد بلجريف الذي أعتبر مسئولا ً عن قتل الأبرياء لكونه القومندان العام للشرطة .
استمر الإضراب يوم 13 مارس وتظاهر الناس في الشوارع وخصوصا ً في المنامة ، ولم تستطع السيارات الحكومية العبور من المحرق إلى المنامة بسبب المعارضة الشعبية لحركتها ، وأقيمت الحواجز في الشوارع كما حرقت بعض سيارات الأوروبيين في المنامـة .
وبلغ التضامن الشعبي مع الإضراب ومع الهيئة ومطالبها درجة كبيرة ، كما توضحه برقية من بغداد إلى الخارجية البريطانية في 14 مارس 1956 .
" لقد أعطى المسافرون عبر مطار البحرين في 10 مارس منشورا ً تخريبيا ً من قبل موظف الجوازات مع الجوازات قبل الصعود إلى الطائرة " (16) .
وكانت المنشورات في رزمتين ، بالعربية والإنجليزية ، على طاولة الموظف ، وكل منها في صفحتين ونصف فولسكاب تم طباعتها بآلة " الرونيو " وكانت المنشورات تهاجم الحكم البريطاني في البحرين وخصوصا ً بلجريف ، وتدعي أن راديو البحرين يدار من قبل البريطانيين وأنه يجب عدم الإصغاء إليه " .
في هذه الأثناء كانت الحكومة تعسى لاتخاذ إجراءات ضد الإضراب وضد المنظمين له ، وكان بلجريف يرى ضرورة اتخاذ إجراء معين ضد الهيئة في حالة استمرار الإضراب حتى ولو كان سليما ً على أساس أنه إضراب سياسي وبالتالي فإنه غير مشروع . ولكن المطالبة بإقالة بلجريف كانت مستمرة . حتى بلغ الأمر أن أحد مدراء " بنك بريطانيا " المركزي كتب في الخارجية البريطانية في 8 مارس 1956 يذكر لهم ما سمعه من أحد المصرفيين البريطانيين في الأردن منذرا ً بأن ما حدث في الأردن ( بخصوص غلوب باشا ) سوف يحدث في البحرين في وقت لاحق . وقال : " إن هناك صداقة وقبولا ً عاما ً للعلاقات مع بريطانيا هناك ، ولكن لدينا ممثلا ً لم يعد قادرا ً على الإبقاء على تلك العلاقة بصورة تناسب أوضاع اليوم . وسوف يحدث انفجار إذا لم يحدث تغيير خلال حياة الحاكم أو بعد فترة قصيرة من موته " (17) .
واستمرت المطالبة بعزل بلجريف وطرحت بدائل عديدة منها تعيين شخص بريطاني آخر ومنها تنازل بلجريف عن قيادة الشرطة ومنها تكوين مجلس إداري لمساعدة الحاكم بدلا ً من بلجريف .
ولقد استمر الإضراب بدون توقف . وفي يوم 15 مارس استمر طلاب المدارس والشباب في التظاهر ورمي السيارات الحكومية بالحجارة من المنامة . وفي ذلك اليوم التقى أربعة من أعضاء الهيئة مع المعتمد السياسي واتفقوا على تغيير اسم الهيئة كشرط للاعتراف بها ، كما طمأنهم المعتمد بأن " بقاء بلجريف لن يكون إلى الأبد " وفهموا من ذلك أن الإنجليز بدأوا يقبلون بالأمر الواقع وأن على بلجريف أن يذهب .
وفي ذلك الاجتماع كان كل من الباكر والشملان متحمسين لإنهاء الإضراب بينما الشخصان الآخران ، عبد علي العليوات ومحسن التاجر غير موافقين على إنهاء الإضراب .
وقد استمرت اللقاءات بين الهيئة والمسؤولين البريطانيين خلال أيام الإضراب ، وكان عامل الاتصال هو اللفتنانت – كولونيل أندرسون نائب قمندان الشرطة وكان يتصل مباشرة بعبد الرحمن الباكر . كما كان يوسف الشيراوي سكرتير المستشار يحضر الجلسات ( تخرج من جامعة جلاسجو ببريطانيا ) وكان مرشحا ً في ما بعد لرئاسة الوزراء من قبل البريطانيين .
وكان من ضمن ما يحث بين الجانبين مقدم من محسن التاجر وعبد علي العليوات بعدم توظيف أشخاص أجانب في جهاز الشرطة ولكن المعتمد السياسي رفض ذلك . كما كان هؤلاء الشخصان متشددين في مطالبهما على عكس الباكر والشملان اللذين كانا مستعدين للتفاهم مع الحكومة وإعطاء التنازلات على حد تعبير المعتمد (18) .
وكان الإضراب أقل تأثيرا ً من إضراب عام 1954 ، مع ذلك فقد شل الحياة تقريبا ً . فقد أغلقت المحلات التجارية وأضرب عمال شركة النفط وعمال سيارات الأجرة والباصات وبائعوا السمك والخضرة وطلاب المدارس . وقامت القوات البريطانية بالتجول في الشارع ما بين المقيمية السياسية بالجفير والقاعدة البحرية هناك . واتفق أخيرا ً على أن ينتهي في يوم الجمعة 16 مارس ويبدأ العمل يوم 17 مارس كما اتفق على عقد اجتماع مع الحاكم للاعتراف فيه بالهيئة وتعيين لجنة تقصي الحقائق وتعيين المجلس الإداري .
وفي اجتماع مع الحاكم يوم 16 مارس 1956 وافق الحاكم على ما يلي (19) :
1- الموافقة والإعلان عن اعتراف بالهيئة تحت اسم جديد .
2- إعلان لجنة التقصي في حادثة البلدية ( 11 مارس ) كجزء من لجنة عامة للنظر في الحوادث التي حدثت منذ 2 مارس .
3- إعلان تكوين المجلس الإداري .
أصدرت الهيئة في 16 مارس بيانا ً ذكرت فيه مطالبتها بإقالة بلجريف وأشارت فيه إلى موضوع الإضراب ولجنة تقصي الحقائق ووقعتها للمرة الأولى باسم " هيئة الاتحاد الوطني " .
وفي 18 مارس ذهب ممثلون عن الهيئة إلى قصر الحاكم ووقعوا على الاتفاقية التي وافق فيها الحاكم على تغيير اسم الهيئة واعترافه بها كإحدى الهيئات واللجان التي كونت على ضوء البيان الحكومي بتكوين مثل هذه الهيئات . وألقى الشملان كلمة في ذلك اللقاء شكر فيها الشيخ على اعترافه .
وفي 20 مارس أعلن الحاكم عن تكوين المجلس الإداري ليتكون من ثلاثة من آل خليفة وثلاثة مسئولين ( بريطاني ، وشخص شيعي وآخر سني ) وهؤلاء هم عبد الله بن عيسى آل خليفة ، خليفة بن محمد آل خليفة ، الشيخ دعيج الشيخ خالد محمد بن عبد الله آل خليفة ، جي . دبليو . آر . سميث ، أحمد العمران ، سالم العريض ، يوسف الشيراوي ( وعين سكرتيرا ً للمجلس ) برئاسة الشيخ عبد الله بن عيسى .
وأوضح مهمات هذا المجلس في إعلان باسم حكومة البحرين ( العدد 20- 1956 ) تحت عنوان مهمة المجلس الإداري صدر في اليوم التالي وكانت كالتالي :
1- تنسيق الجهاز الحكومي وتسهيل أعماله والاتصال بالجمهور وتنفيذ أوامر الحاكم وعدم التدخل في الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية .
2- البحث في القضايا المقدمة له من قبل الحاكم أو المستشار أو بقرار خاص من المجلس بطلب من أية دائرة أو من الجمهور .
وحدث خلاف بين الهيئة والحكومة حول مهمات المجلس الإداري وتركيبته حيث عين جميع أعضائه . كما حدث خلاف بسبب تباطؤ الحاكم عن تكوين مجلس الصحة والتعليم ، وكتبت الهيئة للحاكم كتابا ً بهذا الخصوص في 3 أبريل ذكرت فيه أن المجلس الإداري جاء غير منسجم مع رغبات الناس الذين تمثلهم الهيئة ، وأن طريقة تكوينه منافية للمبادئ التي أقرها الحاكم بإشراك الناس في المجالس التي تكون لإدارة شؤون البلاد ، واعتذرت الهيئة في رسالتها عن عدم استعدادها لمقابلة المجلس الإداري ولكنها أعربت عن استعدادها للقاء الحكام نفسه . فرد الحاكم عليها وبرر موقفه بما يلي :
1- إن مجلسي الصحة والتعليم يعالجان قضايا تهم الناس مباشرة ، وذلك فمن الممكن إشراكهم في اختيار أعضائهما . أما المجلس الإداري فليس كذلك .
2- إن المجلس الإداري معني بالجهاز الإداري للحكومة وعليه فإن عضويته يجب أن تكون من مسئولين حكوميين ليتدارسوا ما ترفعه الحكومة لهم من قضايا .
3- إن الحاكم وافق على تكوين المجلس الإداري لتكون هناك وسيلة للناس للتعبير عن آرائهم من خلاله كجزء من موافقته على تكوين اللجان العامة .
4- إن الحاكم موافق على البرامج الإصلاحية وهو عازم على المضي بتنفيذها وأن المجلس الإداري واحد منها .
وعتب الحاكم على الهيئة عدم موافقتها على الالتقاء بالمجلس الإداري واعتبر ذلك غير منسجم مع الروح الضرورية للتعاون والتفاهم التي ذكرتها الهيئة في رسالتها للحاكم .
على أثر ذلك كان هناك حديث عن إضراب عام بعد شهر رمضان للأسباب التالية :
1- معارضة هيئة الاتحاد الوطني للمجلس الإداري وعدم قبولها بمقابلته.
2- المطالبة الشعبية بمواصلة النشاط وخصوصا ً بعد إعلان نتائج لجنة التقصي في حادثة 11 مارس .
3- تصاعد الحملة ضد بلجريف والطالبة بعزله .
في هذه الأثناء كان جهاز الشرطة يعاني من هبوط حاد في المعنويات على إثر ما قامت به لجنة التقصي في حادثة البلدية ، التي أكدت استعمال الشرطة للذخيرة الحية بدون ضرورة ملحة ، فقد أثر ذلك على معنويات الشرطة وخصوصا ً بعد أن طلبت باكستان عدم استعمال الضباط الباكستانيين في أي مواجهة مع الشعب ، ومن هنا كان المسئولون البريطانيون في البحرين يطالبون الحكومة البريطانية بالاستعداد للتدخل العسكري المباشر حين تتطلب الظروف ( 20) .
وكان الحديث عن أن الإضراب مصدر قلق للمسئولين البريطانيين ولحكومة البحرين ، وكان قمندان الشرطة البريطاني يتابع موضع الإضراب عن كثب حيث كان قد أنشأ جهاز استخبارات خاص لمتابعة الهيئة . وساد اعتقاد في الأوساط البريطانية في البحرين أن الإضراب المقبل سوف يكون مصحوبا ً بموجة من العنف أعد لها 700 شاب بحراني . وانتشرت أخبار عن أن العنف سيطال حياة المستشار بلجريف وسيكون على هيئة عمليات فدائية كبيرة تستفيد من ضعف جهاز الشرطة المحلي ، وبناء على هذا فقد تمت الاستعدادات لتدخل القوات البريطانية للقضاء على الإضطرابات وقت الحاجة .
وكانت الهيئة تدرك الاستعدادات البريطانية العسكرية ، وأشارت إلى ذلك في منشور لها في بداية شهر مايو 1956 طالبت فيه بمحاكمة الشرطة إذا ثبت لدى لجنة التقصي في حادثة 11 مارس أنهم استعملوا القوة في غير مكانها وقتلوا سبعة أشخاص . كما أن الحاكم كان قلقا ً مما يحدث ولكنه غير مستعد لتقديم أية تنازلات للهيئة .
وهذا ما كان يقلق البريطانيين الذين كانوا يرون أن عليهم أن يتدخلوا في نهاية الأمر لحماية الحاكم بسبب رفضه التفاهم الإيجابي مع الهيئة . وكان المقيم السياسي ، بيرنارد باروز ، يغذي الحاكم بالأفكار وبطرق التعامل مع الهيئة التي كان من المقرر أن يلتقي بها في 9 مايو (21) . ولكن لم يحدث نقاش في ذلك الاجتماع لأن بلجريف كان حاضرا ً وكذلك عدد من آل خليفة والمسئولين البريطانيين ، وتقرر أن يكون اللقاء في 15 مايو أي بعد عيد الفطر .
وكان الإنجليز يخططون لإجراء تفتيش عام للقرى لسحب أي سلاح لدى الناس ، كما كانوا يعتقدون أن تدخلهم في حالة حدوث اضطرابات مصاحبة للإضراب الذي كان الحديث عنه في أوساط البريطانيين سوف يوفر لهم فرصة سحب السلاح من الناس .
تم الاجتماع في 15 مايو 1956 بين الحاكم والهيئة بحضور أربعة من أعضائها واستمر الاجتماع مدة ساعتين . وتم الاتفاق فيه على تنفيذ برنامج تكوين المجالس المتخصصة ، على أن يتم البدء بتكوين مجلسي الصحة والتعليم ويكون نصف أعضائهما منتخبا ً والنصف الآخر معينا ً من قبل الحاكم بشرط أن لا يكون أحد من آل خليفة فيهما ، ثم ينتخب الأعضاء رئيس اللجنة ، ولم يتم البحث في مسألة المجلس الإداري الذي لا يحتوي على أعضاء منتخبين .
وعقد اجتماع آخر بين الهيئة والحاكم في 20 مايو استمر ثلاث ساعات ، بدون التوصل إلى أية نتيجة حول المواضيع المطروحة . وحضر هذا الاجتماع مع الهيئة محمد الشيراوي الذي كان ممثلا ً عن العمال في الهيئة الاستشارية لقانون العمل ، ونوقش في الاجتماع عدد من القضايا المتعلقة بالمشاكل العمالية .
وعقد اجتماع بين الهيئة والحكم في 27 مايو نوقشت فيه مسألة المجلس الإداري حيث أكدت الهيئة على ضرورة احتوائه على أعضاء منتخبين ، بينما كان الحاكم يحاول البدء بمناقشة مجلسي الصحة والتعليم . وحاولت الهيئة التطرق للمسألة الأمنية التي كانت تمنع إصدار جريدة للهيئة . واحتجت الهيئة كذلك على إنهاء إجراءات التحقيق من قبل لجنة التقصي في حادثة 11 مارس ، وانفض الاجتماع بدون قرارات أو اتفاقات مهمة .
وفي 3 يونيه عقد اجتماع آخر بين هيئة الاتحاد الوطني والحاكم ونوقش فيه عدد من القضايا منها ما يتعلق بعدم حضور أعضاء مجلسي الصحة والتعليم المنتخبين الجلسة الافتتاحية ، وأكدت الهيئة هنا أن ذلك غير ممكن حتى يتم اتفاق عام بينها وبين الحاكم . وتم التطرق إلى تقرير لجنة التقصي الذي كان قد اكتمل وسلم للحاكم ، كما تطرق المجتمعون إلى المجلس الإداري الذي أصر الحاكم على أن يمر عام كامل على تعيين أعضائه قبل أن يعمل بمبدأ الانتخاب فيه جزئيا ً . وكانت الهيئة تصر على انتخاب بعض أعضائه . أما المقيم السياسي فكان مقتنعا ً بجدوى انتخاب شخصين آخرين للمجلس الإداري ، ويبدو أن استمرار حضور المستشار في الاجتماعات بين الهيئة والحاكم قد منع التداول في مسألة عزل بلجريف ، ولكنها بقيت في أذهان أعضاء الهيئة ولربما كانت السبب وراء طول بعض اللقاءات وعدم توصل المجتمعين إلى حلول مقبولة من الطرفين .
توقفت الاجتماعات بين الهيئة والحاكم منذ أن أجلت الهيئة اجتماعا ً كان مقررا ً عقده في 9 يونيو على أساس أن تقوم هي بالاتصال بالحاكم لتحديد موعد آخر . وفي هذه الأثناء حاولت الحكومة أن تقوم هي باطلاع الشعب على ما كان يدور في الاجتماعات فأصدرت بيانا ً في 17 يونيه جاء فيه أن الشيخ سلمان اجتمع مع هيئة الاتحاد الوطني في قصر الرفاع وتفاوض معهم بخصوص عدة أمور منها ما يلي :
1- لجنتا التعليم والصحة .
2- قانون الصحافة .
3- المجلس الإداري .
4- لجنة تقصي الحقائق .
وعرضت الحكومة ما جاء في الاجتماعات حول هذه الأمور كما ذكرنا سابقا ً ، كما عرضت فيه استعدادها في التفاوض وأنه لا جدوى من غلق باب المناقشة .
استمرت الأمور تتميز بنوع من الهدوء . في هذه الأثناء انتشرت إشاعات عن عزم المستشار على البقاء في البحرين . فما كان من الهيئة إلا أن كتبت للحاكم في 8 يونيو تطلب منه إعلانا ً بعزل المستشار وإدخال ممثلي الشعب في المجلس الإداري ، وهددت أنه ما لم تتم الاستجابة لهذه المطالب خلال عشرة أيام فإن إضرابا ً غير محدود سوف يعلن في البلاد .
ولكن البريطانيون طلبوا منه عدم التنازل للهيئة بإعلان إقالة بلجريف وأن يستمر المجلس الإداري على وضعه الحالي حتى يكتمل سنة من عمره (22) .
وكانت الهيئة قد أمرت الأعضاء المنتخبين في مجلسي الصحة والتعليم بمقاطعة الجلسات ، فاستمرت جلسات المجلسين مقتصرة على الأعضاء المعينين من قبل الحكومة ، حتى اقترح المعتمد تجميد اجتماعات المجلسين لكي لا تكون اجتماعاتهما استفزازا ً للهيئة . وكان واضحا ً أن الأمور قد وصلت إلى حالة صعبة وذلك بإصرار الهيئة على عزل بلجريف وعدم جدوى المجلس الإداري بسبب المقاطعة الشعبية لأعماله منذ بضعة أسابيع .
- لجنة تقصي الحقائق :
جاء الإعلان عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في حادثة البلدية 11 مارس في الاجتماع الذي عقد بين الهيئة والحاكم في 16 مارس الذي اعترف فيه الحاكم بالهيئة بإسم جديد هو " هيئة الاتحاد الوطني " . في اليوم نفسه أصدرت الحكومة إعلانا ً للناس عن تشكيل اللجنة تحت إدارة السيد جي . إل . بيس . المستشار القضائي لحكومة البحرين والسيد دبليو.بي . آر . مودسلي ، مساعد القاضي في المحكمة البريطانية بالبحرين .ومن مهمات اللجنة البحث في مسئولية التحريض والتشجيع على الاضطرابات وفي طريقة تعامل الحكومة مع هذه الاضطرابات . ووقع الإعلان المستشار بلجريف بإسم حكومة البحرين .
وحدد إعلان آخر في 18 ماس مجالات تقصي اللجنة وهي حادثة البلدية وحادثة المحرق يومي 2 ، 3 مارس ( أثناء زياة وزير الخارجية البريطاني البحـــرين ) .
وأهاب الإعلان بالناس بأن يتقدموا للإدلاء بمعلوماتهم حول الحادثتين ، وأعطى الصلاحية لأعضاء اللجنة لاستدعاء من يشاؤون من المواطنين للإدلاء بشهاداتهم حول الاضطرابات .
وبعد حوالي ستة أسابيع من البحث المستمر ، أصدرت اللجنة تقريرها للحاكم . وأعلن عن هذا التقرير في 9 يونيه في إذاعة البحرين . وكان المسؤولون البريطانيون قد اتفقوا مع حاكم البحرين بعد قراءتهم التقرير على أن يقوم بدفع تعويضات لعوائل ضحايا حادثة البلدية ، على أن يتم الإعلان عن ذلك في منشور يلحق بالتقرير حال نشره ، ولكن الحاكم طلب من المستشار إلغاء الفقرة المتعلقة بمسألة التعويضات .
وجاء التقرير بأن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين يوم 11 مارس بدون أوامر ، وأنهم لم يكتفوا بإطلاق النار على المتجمهرين حول البلدية بل حتى عند رجوعهم إلى القلعة ، وأنهم أطلقوا حوالي 500 طلقة نارية قتلت أكثر من خمسة أشخاص وجرت أكثر من 12 شخصا ً .
وشارك الناس خلال جهود تقصي الحقائق في استجواب الشرطة وهو ما ساهم في إضعاف معنوياتهم ، ولكن تحرك الضابط البريطاني همرسلي ، مساعد قمندان الشرطة ومنع الجماهير من حضور جلسات استجواب الشهود ، وكان ذلك بدعم المعتمد السياسي غولت (23) . وتعرض التقرير كذلك إلى المتظاهرين وشجب عملهم واتهمهم بممارسة أساليب التهديد والاستفزاز للشرطة .
وعندما صدر التقرير في 8 يونيو ( قبل إذاعته يوم 9 يونيه ) هاجت مشاعر الناس بسبب تصرفات الشرطة التي أودت بحياة سبعة مواطنين من البحارنه . وما زاد من هيجان الناس البيان الحكومي المرفق بالتقرير والذي ذكر أن الشرطة قد تلجأ لإطلاق النار في أوقات وبشكل عشوائي إذا لم يتفرق المتجمعون في منطقة ما ، هذا إلى جانب عدم التعرض إلى مسألة التعويضات التي كان متفقا ً عليها بين المسؤولين البريطانيين وحكومة البحرين .
وجاء في التقرير ما يلي :
1- أن اللجنة قد كونت للنظر في الحوادث المخلة بالنظام ما بين 2 و 16 مارس 1956 ، وأنها عقدت 21 جلسة كلها علنية واستمعت إلى 106 شهود .
2- أن اللجنة لم تستمع إلى كل الشهود ولم تجمع كل الأدلة .
3- كان سبب الاضطرابات حادثة صغيرة الساعة 9:30 أو 10 صباحا ً عندما اختلف عدد من بائعي الخضار مع مفتش السوق الذي كان يحاول جعل الباعة في الطريق يتنقلون ببضائعهم إلى مبنى السوق . وتشير الأدلة إلى أن بائع الخضرة رفض التحرك وحاول الشرطي نقل بضاعته ولكنه أمسك به من ثيابه لمنعه . وهنا تدخل شرطي يمني ، وقال هذا الشرطي أن بائع الخضرة ضربه على أنفه وخدشه بخاتم في يده ، وأنه ضرب بائع الخضرة على وجهة " لأنه شعر بالإهانة " ولم يكن الشرطي مسلحا ً ولكن كان هناك ثلاثة شرطة آخرين ومعهم مقارع . وليس هناك دليل على تدخل هؤلاء ولكن المشهد دفع الكثيرين للتجمهر وحاول هؤلاء الشرطة الالتجاء إلى مبنى البلدية حيث بقوا هناك حتى ما بعد إطلاق النار الساعة الثالثة والربع .
4- لم يعرف بالضبط عدد الذين كانوا موجودين عند البلدية ولكن بالتأكيد كان هناك عدد أكبر مما هو معتاد . في الساعة العاشرة صباحا ً جاء المفتش سلمان بن جبر من القلعة ومعه ثلاثون شرطيا ً في سيارات . وكل الشرطة كانوا مسلحين بالبنادق ، وأخذوا مواقع بالقرب من سوق السمك . وكانت الأوامر قد صدرت من نائب قمندان الشرطة ، السيد همرسلي للمفتش بتفريق المتظاهرين بدون تحديد الطريقة . وحينما لم ينجح المفتش سلمان في تفريق المتظاهرين عن طريق الإقناع طلب معونة من القلعة ، وجاءت مجموعان قوام كل منهما 30 شرطيا ً إلى المكان بقيادة المفتش ويلسون والكابتن هيلز حوالي الساعة 12:30 بعد الظهر . وكان هؤلاء مسلحين أيضا ً بالبنادق ومعهم الذخيرة وكان مع بعضهم رشاشات .
5- حوالي الساعة 3:15 كان هناك حوالي 100 شرطي أمام وبالقرب من مبنى البلدية يواجهون تجمهرا ً من 400 – 500 شخص . وكانت هناك محاولات للتحريض وللتهدئة من بعض الأشخاص .
6- في حوالي 3:15 سمع صوت انفجار صغير ( وربما اثنين ) وبعد ذلك مباشرة كان هناك إطلاق نار عام من الشرطة كان له أثر مباشر في إخلاء الساحة ولكن في الوقت نفسه ، سبب عددا ً من القتلى والجرحى .
7- وملاحظات اللجنة هي كالتالي :
أ- لم تكن الظروف تستدعي إطلاق النار من قبل الشرطة ، سواء أستلموا أوامر أو لم يستلموا .
ب- كان إطلاق النار كثيرا ً ، وطبقا ً لفحص الذخيرة المتبقية فإن 58 شرطيا ً أطلقوا 478 طلقة نارية .
ج- لم تقتنع اللجنة بشهادة بعض الناس بأنها جاءت من الشرطة ، لم تستطع اللجنة حل لغز يتعلق بإصابة شخص برصاصة بالقرب من مصنع الأحمدي .
د- كان أكثر إطلاق النار الذي جاء من الشرطة غير موجه لأحد بل في الهواء . ولو كان الرصاص موجها ً لكان عدد الإصابات كبيرا ً . وحالما بدأت الشرطة إطلاق النار ، هرعت الجماهير للتفرق ، ومع ذلك استمر إطلاق الرصاص عددا ً من الدقائق رغم أن عددا ً من الشرطة ذوي الرتبة العالية كانوا يصرخون بوقف إطلاق الرصاص . واستمر بعض الشرطة في الإطلاق فترة طويلة بعد مغادرتهم الساحة في سياراتهم في طريقهم للقلعة عن طريق شارع برايور وشارع حمد .
هـ- رغم أن الأدلة يكتنفها شيئا ً من التناقض ، فإن أغلبها يدل إلى أن الكابتن هيلز والمفتش ويلسون والمفتش خليفة المقرن كانوا داخل مبنى البلدية لحظة إطلاق النار . وأضاف التقرير أنه في الساعة 12:45 كان الكابتن هيلز يفكر في إطلاق النار ولكن الكولونيل همرسلي منعه من ذلك .
و- أن اللجنة تشعر أن من واجبها أن تعطي بعض ملاحظات حول إدارة علميات الشرطة ذلك اليوم .
ز- كان هناك ثلاث مجموعات أرسلت إلى ساحة البلدية في أوقات متفاوتة من قبل الكولونيل همرسلي بالاتفاق مع المستشار قمندان للشرطة ومدير للشرطة والأمن العام .
ح – لم يعين أي من قادة المجموعات الثلاث مسؤولا ً عاما ً عن الشرطة كلها في الساحة ، فكل من هؤلاء أعطي أوامر معينة وطلب منه أخذ موقع معين ( مع مجموعته ) بانتظار الأوامر . وكان هذا سببا ً في إضاعة الكثير من الوقت في الاتصال مع القلعة.
ط- كان في القعلة في اللحظة الحرجة ثلاثة ضباط متقدمين وهم المستشار والشيخ خليفة ، مدير الشرطة والأمن العام والكولونيل همرسلي .
ي- المسؤولية النهاية لهذا الترتيب والأوامر التي أعطيت تقع على عاتق المستشار قمندان ، وهو مخول بالاعتماد على الكولونيل همرسلي كخبير في إرشاده . ويبدو للجنة أن أحد الثلاثة كان يجب أن يذهب للساحة لإدارة الأمور .
ك- كان أكثر الثلاثة الذين كانوا في القلعة خبرة وهو الكولونيل همرسلي . وكان يمكن تخويله بالذهاب إلى الساحة خصوصا ً وأن الحديث عن إطلاق النار كان مبكرا ً ( الساعة 12:45 ) .
ل – المستشار والشيخ خليفة كانا أعلى منصبا ً من الكولونيل همرسلي وعليهما تقع مسؤولية تنظيم الشرطة قبل شهر مارس .
8- لم تستطع اللجنة فحص حادثة قال رجل أنها حدثت في الساحة يوم 11 مارس بسبب رفض الكولونيل همرسلي السماح باستعراض الشرطة يوم 2 مايو من أجل التعرف على هوية أحدهم . ويدعي الرجل أنه بينما كان مضجعا ً في مخبأ ، رفسه أحد الشرطة ثم طعنه في أعلى خده بمقراع ويستطيع التعرف على ذلك الشرطي .
ثم تعرض التقرير لحادثة المحرق في 2 مارس ، ولعدد من القضايا الصغيرة الأخرى .
وكتب القاضي البريطاني هاينز تعليقا ً أرفق بالتقرير حاول فيه مراعاة الشرطة الذين أطلقوا النار في حادثة البلدية وذلك باقتراح عدم رفع دعاوى قضائية ضد الذين أطلقوا النار لصعوبة إثبات ذلك . وكما ذكرنا سابقا ً فقد ألحق التقرير كذلك ببيان حكومي حاول توجيه اللوم لباعة الخضار بدعوى أنهم لم يلتزموا بقرارات البلدية بعد البيع في الشارع بين سوقي الخضرة ، وبدلا ً من توجيه اللوم للشرطة حاول البيان رفع معنويات الذين أطلقوا النار وذلك بتوضيح سياسة الحكومة لتوسيع جهاز الشرطة وتدريب الكوادر وإعادة تنظيمهم ، كما أكد على أن اللوم يجب أن يوجه لعموم الناس ، وحاول تبرير عمل الشرطة وذلك بالقوم أنه عندما يتظاهر الناس فإن واجب الشرطة تفريقهم ، وإن هؤلاء الشرطة يستعملون الرصاص مرة أخرى لتفريق المتظاهرين أو المتجمهرين .
- زيارة رئيس وزراء الهند :
في يوم 21 يونيه كان رئيس وزراء الهند ، بانديت نهرو ، في طريقه إلى لندن لحضور مؤتمر الكومنولث وكانت رحلته تشتمل على توقف في مطار البحرين . وقد أزعج هذا الأمر حكومة البحرين والمسئولين البريطانيين كثيرا ً لأن هبوط نهرو في مطار البحرين سوف يكون مناسبة أخرى للتظاهر أو على الأقل التجمهر الكبير في المطار لاستقباله باعتباره زعيما ً وطنيا ًولرمزا ً للموقف التحرري من الاستعمار البريطاني . وقد سبق مجيئه انسحاب القوات البريطانية من مصر ، حيث احتفل شعب البحرين بذلك يومي 18 و 19 يونيه ، واعتبر مجيء نهرو . مناسبة لإعلان المشاعر المعادية للاستعمار باعتباره أحد الزعماء الذين طردوا البريطانيين من بلادهم . وحاول البريطانيون ثني الزعيم الهندي عن المرور بالبحرين إلا أن ذلك لم يكن ممكنا ً وبقي الحاكم يشعر بالقبل مما سيحدث في ذلك اليوم (24) .
وعندما حطت طائرة نهرو يوم 21 يونيه هرع الآلاف من البحرانيين والهنود إلى المطار لاستقباله ، وبصعوبة بالغة تمكن الشرطة من مرافقة الزعيم الهندي من الطائرة إلى مبنى المطار وفي هذه الأثناء وقع الشيخ محمد بن عيسى ، عم الحاكم ، ( وكان عمره 75 عاما ً ) على الأرض بسبب الزحام . وبسبب ضغط الجموع تأخر إقلاع الطائرة 15 دقيقة وكان عدد المستقبلين أكثر من 1000 شخص معظمهم من البحرانيين وبعضهم من الهنود . وكانت الهتافات مدوية للتعبير عن مساندة الثورة الجزائرية وكذلك النضال ف تونس ضد الفرنسيين ودعم القضية الفلسطينية ودعم مصر . وساهمت الهيئة في تنظيم المتظاهرين بدور كبير نظرا ً لقلة عدد الشرطة في المطار (25) . واعتبر الإنجليز الحادثة دلالة على ضرورة تقوية جهاز الشرطة وتطوير تدريبهم ، وضرورة إيجاد حواجز تمنع الجماهير من الوصول إلى داخل أرض المطار . وبدؤوا التحرك لمنع توقف طائرة الزعيم الهندي عند عودته يوم 22 يوليو ، واقترحوا توقف الطائرة في مطار الظهران لأن الوضع في البحرين لا يحتمل ذلك إلا إن طائرته هبطت مرة أخرى وقوبل بعدد من المتظاهرين بدون حوادث .
- تقاعد بلجريف :
بعد حادث المحرق وحادثة البلدية والإضرابات التي حدثت على أثرها واستمرار المطالبة الشعبية بطرد المستشار ، أصبح واضحا ً للبريطانيين أن الوقت قد حان للاستجابة . بدأت المشاورات داخل البحرين بين المعتمد السياسي والمقيم السياسي والحاكم وبلجريف ، وكذلك المشاورات مع الخارجية البريطانية ، تدور حول موضوع " تقاعد المستشار " . وكان الحديث مطروحا ً باستمرار ، وبدأ بلجريف يشعر به وراح يقاومه ويصر على أن السياسة البريطانية ، كما يمثلها المعتمد والمقيم ، هي بسبب الأزمة ، ولكن أتضح أن أيام بلجريف أصبحت معدودة ، بعد أن اقتنع المقيم والمعتمد على ضرورة إزالة بلجريف كخطوة لحل أزمة الحكومة .
ففي برقية من الخارجية البريطانية للمقيم (26) . طلبت الخارجية من المقيم السياسي أن يقول المستشار للحاكم ، بأنه يعتقد بأن الوقت قد حان له كي يتقاعد وأنه يرغب في الاستعداد لذلك . ووافقت الوزارة في برقيتها المذكورة على اقتراح المقيم بتعيين السيد جي . دبليو . آر . سميث ، ضابط الجمارك والموانئ الذي ينيب عن المستشار في حالة غيابه والذي له علاقة مع الحاكم ، مسؤولا ً للإشراف على الشؤون المالية للحاكم وحكومة البحرين تحت عنوان " سكرتير الحكومة " . وتزامن ذلك تكليف أحد الخبراء الإنجليز ، وهي جي . دبليو . كمينز ، بإجراء تقييم شامل للجهاز الإداري والمؤسسات الحكومية في البحرين . وكان الشخص المذكور قد قام بمثل ذلك لحكومة قطر .
وعندما طرح المستشار موضوع تقاعده للشيخ سلمان ، لم تبدُ منه معارضة بالدرجة التي كانت متوقعة ، ويبدو أن الحاكم قد بدأ يدرك حجم المعارضة الشعبية للمستشار ، ولذلك فقد كان مرتاحا ً لإيجاد غطاء لذلك ، لكي يستطيع الادعاء بأن تقاعد المستشار لم تكن حسب رغبته ( الشيخ ) . وقد سأل الحاكم المستشار ما إذا كان موضوع التقاعد قد جاء منه شخصيا ً أم أن الحكومة البريطانية طلبت ذلك .
فكان جواب المستشار هو أن الاقتراح الأساسي جاء من الحكومة البريطانية ولكنه شخصيا ً كان يرغب في الاستعداد للذهاب . وعندما اقترح المستشار تعيين شخص ليقوم مكانه ، أجاب الحاكم بأن السيد سميث يصلح لذلك . بقيت بعد ذلك طريقة طرح مسألة موافقة الحاكم على تقاعد بلجريف .
أما موضوع تقييم النظام الإداري والمؤسسات الحكومية والاقتراح بأن يعلن بلجريف عن ضرورة ذلك في ضوء تقاعده ، فقد رفضه الحاكم وقال بأن مجرد الإعلان عن ترقية السيد سميث إلى منصب أعلى بعد عودته من الإجازة يعني أن هناك تغييرا ً في موقع بلجريف .
وفي لقاء بين المعتمد والمقيم في 7 يونيه 1956، تمت مناقشة هذه القضايا مرة أخرى . وكان الشيخ يرفض إصدار أي إعلان عن ترقية السيد سميث حالا ً ولكنه وافق على اقتراح المقيم السياسي بأن يتم ذلك لاحقا ً بعد أن تصدر اللجنة المكلفة بتقصي حقائق اضطرابات 2 نلرس و 11 مارس . وكان هناك اعتراض آخر من قبل السيد محمود العلوي ، مدير دائرة المالية على الاقتراح بإعادة النظر في الجهاز الحكومي لأنه يعتقد أن ذلك يعني بالتحديد شؤون دائرته .
وللتغلب على هذه الصعوبات ، أعلن المستشار ، تشارلز بلجريف ، في 9 يونيه البيان التالي :
" إن السيد جي . دبليو . آر سميث ، إم . بي ، أي . ضابط الجمارك والموانئ سوف يذهب في إجازة في 16 يونيه ، وبعد عودته سوف يستلم مهمات " سكرتير الحكومة " .
وخلال وجوده في بريطانيا ، سيقوم هو والسيد محمود العلوي ، مدير دائرة المالية بوضع الترتيبات لتوظيف موظفين جدد للعمل مع السيد محمود في دائرته المالية وسوف يناقشان مع أحد الخبراء مسألة إعادة النظر في الجهاز الإداري " .
وقبل يوم واحد من ذلك الإعلان . أي في 8 يونيه ، أصدرت الحكومة تقرير لجنة التحقيق " التي أنشأتها للنظر في حادثتي 2 مارس و 11 مارس ( التي أطلقت الشرطة فيها النار على الناس ) مع تعليقاتها وتعليقات القاضي هاينز ، وكان تعليق هاينز يشير إلى أنه من غير المناسب تقديم أي من الشرطة الذين أطلقوا النار إلى المحاكمة لعدم وجود دليل على أن الشرطة أطلقت النار لجرح أو قتل المتظاهرين أو أنهم كانا ينوون ذلك . وفهم الناس من ذلك أن للشرطة الحق في إطلاق النار مستقبلا ً إذا لم يتفرق المتظاهرون .
وفي اليوم التالي أذاع راديو البحرين توضيحا ً لتلك المسألة على لسان بلجريف قال فيه أن الشرطة لا تطلق النار عادة . كما ذكر الراديو عزم الحاكم على تقديم تعويضات لعوائل ضحايا حادثة 11 مارس .
وكان يفترض أن يلحق تصريح الحاكم بتقرير لجنة التحقيق ، إلا أنه رفض ذلك لأنها قد تفهم بأنها اعتراف بالمسؤولية عما حدث . ولذلك فقد ساد اللغط في الأوساط حول ضرورة تقديم الشرطة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين إلى المحاكمة ، ولكن بعد بضعة أيام تلاشى الموضوع ، وذكر عبد العزيز الشملان لأحد موظفي المقيمية السياسية أن الهيئة لا تعتزم القيام بإضراب على أثر إصدار تقرير لجنة التحقيق .
وأصدرت هيئة الاتحاد الوطني في 26 يوليو تقريرها الخاص حول تقرير لجنة تقصي الحقائق وكان تقريرا ً مفصلا ً حول حادثة البلدية حاولت فيه دحض ما جاء في التقرير الرسمي من أن جزء من اللائحة يقع على المواطنين الذين تجمعوا أمام البلدية ، ووصف الوضع العام أمام البلدية من بداية الحادثة بين الشرطي وبائع الخضرة حتى إطلاق النار من قبل الشرطة على الجماهير ، كما تعرض للقاضي البريطاني هاينز ( الذي أرفقت وجهة نظره مع التقرير الأساسي ) واتهمه بالانحياز وعدم العدالة (27) . وللتنويه فقد سببت وجهة نظر القاضي هاينز لغطا ً حتى في الأوساط البريطانية لأنه لا يفترض فيه أن يبدي وجهة نظر من هذا النوع لحكومة البحرين لأن ذلك مناف ٍ لحياده كقاض ٍ ، بل إن وزارة الخارجية البريطانية طلبت عدم تدخل هاينز في قضايا من هذا النوع ف المستقبل كما أعرب تقرير الهيئة عن استياء كبير من الملاحظات الحكومية التي أرفقت بالتقرير عند صدوره ، ثم ذكر التقرير استنتاجات أربعة هي كالتالي :
1- إن الحكومة تجاهلت مسألة إعادة تنظيم جهاز الشرطة وفشلت في الإشراف على النظر في حادثة 1 يوليو 1954 و 11 مارس 1956 وهي مسؤولة قانونيا ً عن هذا التقصير .
2- إن مستوى قوات الشرطة قد تدهور كثيرا ً .
3- لم تكن هيئة تقصي الحقائق ذات فعالية جيدة .
4- إن ملاحظات القاضي هاينز على قرارات هيئة تقصي الحقائق لم تكن حيادية .
5- إن تعليقات الحكومة على قرار لجنة تقصي الحقائق كانت مخيبة للآمال ، بالنظر للضرورة التي أصبحت ملحة في مسألة إصلاح الآلة الحكومية كما يناسب شعبا ً كريما ً بعد مجازر غير مبررة ومتكررة .
وكان من المقرر أن يلتقى أعضاء الهيئة بالحاكم يوم 10 يونيه ولكنهم أخبروه بأنهم لم يستطيعوا لقاءه لمناقشة القضايا الدستورية التي كانت موضع النقاش عدة أسابيع .
وكانت ا لهيئة قد أصدرت بيانا ً في 4 يونيه يتضمن إنشاء فرقة كشافة من أهدافها ما يلي :
1- تدريب الشباب على الحياة الخشنة وإدارة المعسكرات .
2- تدريب الشباب على الإسعافات الأولية .
3- تدريب الشباب على مكافحة الحرائق .
4- بناء الشباب السليم جسديا ً لمواجهة صعوبات الحياة ومخاطرها .
5- نشر الوعي حول المشاكل الصحية والاجتماعية في القرى والمدن .
6- القضاء على الأمية .
أما الاشتراك في الكشافة فكان يتم بعد دفع اشتراك الدخول واشتراك شهري ، وأن يكون المتقدم بالطلب عربيا ً لا يقل عمره عن 16 عاما ً.
عقدت الهيئة اجتماعا ً كبيرا ً في أحد المساجد في 15 يونيه لإحياء ذكرى حادثة 1 يوليو 1954 التي قتل فيها أربعة أشخاص بعد أن أطلق عليهم الشرطة النار عند القلعة . وألقى عدد من الناس كلمات حماسية ، كان من بينهم عبد العزيز الشملان الذي انتقد تقرير " لجنة التحقيق " وخصوصا ً ما ذكرته عن عدم وجود أدلة لتقدم الشرطة الذين قاموا بإطلاق النار للحكومة . وأكد ولاءه لحاكم البحرين ولكنه قال بأن الهيئة تشعر بعدم جدوى استمرار المفاوضات معه لأن هذه المفاوضات لم تسفر عن شيء حتى الآن .
في 17 يونيه أصدرت الحكومة بيانا ً حول المحادثات التي أجريت مع هيئة الاتحاد الوطني والتي أوقفتها الهيئة مؤخرا ً . وكان الهيئة تصر على أن تتم الموافقة على كل مطالبها مجتمعة وليس على بعضها دون البعض الآخر . وكانت القضايا المطروحة للمناقشة بين الطرفين تشمل عضوية مجالس الصحة والتعليم ، وتعديلات قانون الصحافة الحالي ، وعضوية المجلس الإداري ، ونتائج لجنة التحقيق ، ورغم أن نوعا ً من الاتفاق كان قد تم التوصل إليه حول المسألة الأولى ، إلا إن الهيئة كانت تصر على الموافقة على المطالب مجتمعة . وفي 6 يوليو أصدرت الهيئة بيانا ً شرحت فيه أسباب توقف المفاوضات .
في 18 و 19 يونيه قررت الهيئة الاحتفال باكتمال انسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس . فقامت سيارات التاكسي والباصات برفع إشارات وأعلام بالألوان الثورة المصرية ، كما رفعت أعلام مشابهة على كثير من البيوت . وفي مساء هذين اليومين أقيمت احتفالات في ساحات مفتوحة في المحرق . ولم تحدث أية حوادث عنف .
في 9 يوليو أصدرت هيئة الاتحاد الوطني بيانها رقم 61 قالت فيه بأنها ستقدم طلبين للحاكم ، إدخال ممثلين عن الشعب في المجلس الاستشاري وإنهاء خدمات المستشار البريطاني ، تشارلز بلجريف وهدد البيان بأنه إذا لم تتم الاستجابة لهذين الطلبين ، فسوف يتم إعلان إضراب عام . وطالب البيان بمقاطعة المجلس الإداري ومجلسي الصحة والتعليم وكل اللجان الحكومية . وقد تمت الاستجابة لطلب المقاطعة من قبل الأعضاء غير الرسميين في المجالس والهيئات .
وكانت معارضة الهيئة للمجلس الإداري منطلقة من عدة عوامل منها اقتصار تعيينات الحاكم على أفراد عائلته وعدم إدخال آخرين من الرسميين . وكان المجلس قد نجح على حد تعبير المعتمد السياسي في عدد من القضايا . وقد أزعج موقف المستشار والحكام المعتمد السياسي فكتب عنهما في رسالته للمقيم 31 أغسطس 1956 ما يلي :
" إنني أعتقد أن السير تشارلز بلجريف ، بسبب إقامته الطويلة في البحرين ، ورغم ثقافته ، أخذ عادات الشيخ نفسها من حيث طريقة التفكير ووجهات النظر ( وهما في العمر نفسه ) رغم أن الشيخ ليس مثقفا ً بالمعنى الذي نفهمه من هذه الكلمة . وهذا يجعل السير تشارلز يرى ما يريد رؤيته فقط ، وإنني أعتقد أنه لم يقبل حقيقة أن تقاعده أصبح قريبا ً جدا ً حتى رأى رسالة وزير الخارجية . كذلك فهو لم يقبل حقيقة أن حكومة صاحبة الجلالة قررت أن عليه الذهاب ليس في الوقت الذي يختاره هو بنفسه وإنما في أسرع وقت ممكن . وفي الحقيقة فإن السير تشارلز – مع الأسف – يبدو أنه يحكم على القضية من وجهة النظر التي تلائم راحته الشخصية " .
جاء الإعلان عن تقاعد بلجريف في 13 أغسطس عندما كانت الأوضاع هادئة في البحرين نسبيا ً على صعيد الوضع الداخلي . وجاء في منشور إداري بالمستشارية بتاريخ 13 أغسطس 1956 ما يلي :
" لقد طلب المستشار من الحاكم قبول استقالته من حكومة البحرين . وقد وافق الحاكم على هذا الطلب بعد تردد . وسوف يقوم المستشار بتسليم مهماته في النصف الأولى من العام المقبل حالما تتسلم المسؤوليات إدارة جديدة كما جاء في إعلان 9 يونيه 1956 ، وسوف يذهب في إجازة قبل التقاعد " . ووقع المنشور ( التعميم ( بلجريف نفسه ) .
ولكن كانت أنظار الناس مشدودة لما كان يجري على الساحة السياسية العالمية بخصوص قضية قناة السويس وموقف جمال عبد الناصر منها . ومع ذلك فقد استقبل خبر تقاعد المستشار بارتياح شعبي بالغ لأنه كان يعني انتهاء عهد مظلم طويل وابتداء عهد يحمل قدرا ً من التفاؤل والأمل بالمستقبل . وكان لتوقيت إعلان الخبر أهمية معينة ، فقد جاء ذلك قبيل يومي التاسع والعاشر من المحرم ( 16 و 17 أغسطس ) مما جعل المواكب العزائية في هذين اليومين تتسم بهدوء نسبي بسبب غبطة الناس بالخبر ، وساد النظام في المسيرات إلى درجة لم يتوقعها المسؤولون البريطانيون وكانت هيئة الاتحاد الوطني قد دعت إلى إضراب عام يوم الخميس 16 أغسطس لمساندة مصر ، وكان ذلك اليوم يوم عطلة أساسا ً بمناسبة التاسع من محرم حيث كان معظم المحلات والأعمال معطلة ، ولم ترفع في ذلك اليوم أعلام مصر كما في العادة بسبب مصادفتها للمناسبة الدينية المذكورة . وكان ذلك على عكس ما حدث يوم 19 يونيه حيث خرجت المظاهرات بمناسبة إخلاء القناة ، وشوهدت في إضراب 16 أغسطس للمرة الأولى فرقة الكشافة التي كانت الهيئة قد كونتها قبيل شهور عديدة . وكان بعض الكشافة يستقل السيارات في صباح ذلك اليوم . وفي العصر كانت فرق منهم تتجول في المنامة والمحرق ومعها شرطة سابقون . وكان هؤلاء الكشافة قد أظهروا قبل ذلك بيومين في اجتماع كبير دعت إليه الهيئة لمساندة مصر في مسجد الخواجة ( قرب مأت القصاب ) في يوم الثلاثاء .
وكان الكشافة يرتدون بدلات من الخاكي وغترة عربية ، وعددهم حوالي خمسين شخصا ً ، اقتصرت مسؤولياتهم على الظهور في الاحتفالات الكبيرة التي كانت الهيئة تنظمها . وكان المستشار ينوي التصدي لهؤلاء الكشافة فيما لو ظهروا بقوة يومي التاسع والعاشر من المحرم ، ولكن المعتمد ا لسياسي حذره من تصعيد الموقف طالما لم يتسبب وجود هؤلاء الكشافة في أية مشكلة ، خصوصا ً وأن ذلك سوف يستدعي تدخل الشرطة في وقت تكون المشاعر العامة هائجة بسبب المناسبة الدينية . ولكن الإنجليز غيروا موقفهم بعد يومي العاشوراء واعتبروا الكشافة " جيشا ً خاصا ً " لأنهم بدأوا ينظمون المرور وعبور الناس في كل من المنامة والمحرق ، وأمروا حكومة البحرين باستعمال " قانون النظام العام ؟ . وكان هذا القانون قد وضع وأعطي للشرطة للعمل به وقت الحاجة ، ولم تكن الهيئة على علم به ، ولذلك فعندما أعلن عن عزم الحكومة على العمل به في 20 أغسطس دهش أعضاء الهيئة كثيرا ً.
اتصل عبد العزيز الشملان بالمقيمية السياسية وطلب اجتماعا ً عاجلا ً، وفي الاجتماع أبدى الشملان استغرابه من خطوة الحكومة الاستفزازية وحدث نقاش طويل بين الشملان وبعض مسؤولي المقيمية حول تعريف " الكشاف " . وأكد البريطانيون وقوفهم إلى جانب الحكومة في التصدي لفرق الكشافة . وقد استاءت الهيئة كثيرا ً وأصدرت منشورا ً مؤكدة شرعية الكشافة ونبل أهدافهم ، وهددت فيه برفع القضية إلى المنظمة الدولية للكشافة . وحدثت حادثة أخرى في هذا الصدد ، وذلك عندما قام بلجريف شخصيا ً بنزع زي الكشافة من شابين كانا قد التحقا بكشافة الهيئة ، وحرقها مما أحدث بلبلة اجتماعية كبيرة . وتراجع موضوع الكشافة شيئا ً فشيئا ً عندما أدركت الهيئة أن الشرطة قد زودت بعدد جديد من الضباط البريطانيين لمواجهة تطورات الموقف . وكان هناك قصص كثيرة عن تحدي الفرق الكشفية للشرطة ومواقف شجاعة أخرى .
ويبدو أن الهيئة كانت تمر في تلك الفترة ببعض المشاكل الداخلية منها عدم وجود الأموال الكافية لدعم نشاطاتها . ولربما كانت هناك بوادر عدم ارتياح في بعض الأوساط بسبب ضغوط الحكومة والإنجليز من تكرر الإضرابات ، وهو أمر لم تعهده في البحرين منذ زمن طويل ، ومع ذلك فلم تكن تلك المؤشرات حتى ذلك الوقت خطيرة على وضع الهيئة ، فقد بقيت القوة الأولى في البلاد وخصوصا ً مع تصاعد موجة المد الثورة في العالم ، ذلك المد الذي كان يستهدف تصفية المصالح الاستعمارية في البلدان المستعمرة . ولعل الحاكم ، بتوجيه من الإنجليز كان يراهن على تلك المؤشرات مما دفعه لعدم الاهتمام بتهديدات الهيئة بالإضرابات ومنها الإضراب الذي هددت به للاحتجاج على عدم الرضوخ لمطالبها بعزل بلجريف وتعديل المجلس الإداري في شهر يوليو السابق ، وإيقاف صحيفة " الوطن " التي كان يرأس تحريرها علي سيار بعد صدور عددها في 29 يونيه الذي تضمن هجوما ً خفيفا ً على السعودية وعلى الإنجليز ، وكذلك إيقافه جريدة " الشعلة " بعد صدور العدد الأولى منها في 24 أغسطس بسبب مقال فيه تهجم على العراق ولعلى مراكز المعلومات في المقيمية السياسية وعلى الإنجليز بشكل عام ، وكذلك تطبيق قانون النظام العام حول الكشافة .
كما توجهت الحكومة ، بأمر من الإنجليز ، لإجراء تعديلات جوهرية على البرامج الإخبارية في الإذاعة لأن الإنجليز كانوا يعتبرونها منحازة لمصر ، وإن وجهة النظر كانت بشكل عام لصالح مصر وضد مصالح الإنجليز لأن محرر الأخبار – في نظر الإنجليز – متعاطف مع مصر ، وقد أقيل من منصبه أخيرا ً .
كان المعتمد البريطاني في هذه الأثناء يراهن على عامل الزمن لإضعاف الهيئة ، وإن الرأي العام سوف يبتعد شيئا ً فشيئا ً عن الهيئة وأهدافها ، وشجع المعتمد على هذا الاعتقاد بعض الأمور منها :
1- تقدم كل من أحمد فخرو ومنصور العريض للمقيم السياسي لإبداء استعدادهما لتوسط بين الحكومة والهيئة على أساس أن استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه ليس في صالح البلاد . وكان هذان الشخصان قد قاما بوساطة مماثلة على أثر حادثة إطلاق النار أمام القلعة في يوليو 1954 عندما قتل أربعة من أبناء الشعب . وكان رأيهما هو أن الهيئة قد أنجزت الكثير وإن بإمكانها استغلال ذلك القبول بحلول وسط بدلا ً من تضييع الفرصة ، وإن عدم سلوكها ذلك الطريق أصبح يبعد البعض عنها . وقد شجع المقيم الشخصين على نشر هذا التوجه بين الأشخاص ذوي النفوذ في البلاد لكي يقوموا بإقناع الهيئة بالتعاون مع الحكومة والعمل من أجل التطوير السليم والتقدم بدلا ً من " إزعاج " الناس بالإضرابات والمظاهرات .
وقد قام كل من منصور العريض وأحمد فخرو بزيارة ثانية للمقيم في مطلع سبتمبر وأخبراه بأنهما تحدثا مع عبد العزيز الشملان ، الذي كان يقوم بمهام سكرتير اللجنة التنفيذية لهيئة الاتحاد الوطني في غياب عبد الرحمن الباكر بلهجة قوية وأنهما طلبا منها أن تسعى الهيئة للاستفادة من المؤسسات والتسهيلات الدستورية التي تحقق في البلاد. أجاب الشملان بأسلوب غير إلزامي وقال لهما بأنه سوف يناقش المسألة مع بقية أعضاء الهيئة . وبعد بضعة أيام عاد إليهما وأخبرهما بأن أعضاء الهيئة غير موافقين على سلوك المنهج الذي ذكراه . وعندما سأله أحمد فخرو عما إذا كان يرغب في تحقيق تقدم دستوري تدريجي أو في إسقاط حكومة البحرين أجاب الشملان بأنه مستعد لإسقاط الحكومة إذا اقتضى الأمر ، وأن ذلك ممكن في لو تنحى البريطانيون ناحية لمدة اثني عشر ساعة .
2- اتضاح موقف حكومات كل من السعودية والكويت وقطر تجاه مصر . فقد كان يعتقد أن هذه الحكومات تساند الموقف المصري ، وبالذات موقف الرئيس جمال عبد الناصر ، ولكن أتضح أن مواقفهما ليست كذلك . وهذه المواقف سوف تصبح عوامل تشجيع للحاكم ولمن يسير في خطه على الصمود والثبات بوجه مطالب الهيئة ، وأن الهيئة في النهاية سوف تخسر الدعم الذي تحظى به حاليا ً .
3- نجحت محاولات الإنجليز في إقناع عدد من المواطنين من أصول إيرانيه بالذهاب إلى الشيخ والمطالبة بتكوين هيئة تحمي مصالحهم ، فوافق على ذلك .
وكان الإنجليز يرون أن هذه التطورات تعكس حدوث تطور على صعيد فصل بعض القطاعات الشعبية عن حركة المعارضة والوقوف إلى جانب الحكومة . وفي الوقت نفسه كان البريطانيون يرون أن الهيئة ، أو أفرادا ً منها قد ذهبوا بعيدا ً في التطرف ، وأصبحوا ( البريطانيون ) قلقين من تخلي الهيئة عن سياسة العمل نحو التطور الدستوري التدريجي . وأصبح البريطانيون يفكرون في كيفية فصل " الاتجاهات المعتدلة " عن " المتطرفين " في الهيئة ، وكيفية حمل الحكومة على التمتع بإرادة وقوة كافيتين لمنع التعبير الخطير عن الفلسفة المتطرفة للهيئة . وعلى هذا الأساس كان تفكير البريطانيون ينصب حول الوسائل التي يمكن بواسطتها إعادة ثقة الناس بقدرة الحكومة على التصدي للهيئة ويعتبرون استعمال " قانون النظام العام " لضرب كشافة الهيئة خطوة مناسبة في هذا الاتجاه (28) .
كما كان البريطانيون يرغبون في الوقت نفسه من إظهار بعض الإنجازات من قبل الحكومة مثل إكمال القانون الجزائي الذي كان العمل عليه قائما ً منذ فترة والذي كان السنهوري يعمل عليه في القاهرة ومثل إنجاز بعض المهمات التي كان المجلس الإداري يناقشها قبل رفع جلساته للإجازة الصيفية . وكانوا يعتقدون أنه ما لم تنجز المهمات القضائية والإدارية فإن " العناصر المعتدلة " في البلاد سوف تخسر الموقف لصالح العناصر المتطرفة التي سوف تتحرك من جددي لإحداث الإضطرابات .
وبدأ المقيم والعاملون معه يستعملون نمطا ً جديدا ً من المنطق مع البحرانيين الذين يلتقون معهم ، ويطرحون عليهم الموقف الجديد الذي لخصه المقيم في رسالته للخارجية البريطانية في 9 سبتمبر 1956 التي قال فيها : " وبخصوص وجهة نظرنا ، فإنني والموظفين عندي بدأنا ننتهز كل فرصة لقاء مع البحرانيين لأن نقول أننا كنا في الماضي نتعاطف مع عدد من أهداف هيئة الاتحاد الوطني وساعدنا في التوسط بينهم وبين حكومة البحرين من أجل تقدم دستوري معقول ، ولكننا أصبحنا الآن مقتنعين بأن الإجراءات التي تمت الموافقة عليها ، بالإضافة للتطورات الإدارية المتوقعة إثر انتهاء مهمة " كامينز " الذي كان قد كلف بإعداد تقرير موسع عن الجهاز الإداري في البحرين ) والإصلاحات القضائية التي يعمل السنهوري لإنجازها . كل ذلك يمثل مرحلة معقولة من التطور للبحرين اليوم . وفي هذه الظروف فليس لدينا أي تعاطف مع مطالبة الهيئة بخطوات أكبر قبل أن يستفيدوا مما هو متوفر . ونحن نساند حكومة البحرين في رفضها القبول بهذه التكتيكات غير المعقولة ، وننتهز كل فرصة لتقديم النصح للتجار وأبناء الطبقة الوسطى للوقوف معا ً لمقاومة مطالبة الهيئة بتقديم مساعدات مالية والمشاركة في أية إضرابات مقبلة .
ورغم هذه السياسة الواضحة التي تبلورت بعد أن اتضح وقوف الشعب البحراني ضد السياسات البريطانية في المنطقة وخصوصا ً في ما يخص قناة السويس ، فقد بقي المسئولون البريطانيون في البحرين غير قادرين على التنبؤ باتجاه تطور الأحداث . وكانوا يتوقعون أن يتعقد الوضع الأمني في البحرين إما بسبب حدوت تطورات خطيرة على وضع قناة السويس أو بسبب عودة عبد الرحمن الباكر من الخارج ، أو فيما لو أقدمت الهيئة على عمل قوي لإعادة الاعتبار لموقعها المعارض ، أو على أثر مصادمة بين الشرطة وأبناء الشعب لسبب من الأسباب . ولذلك وضعوا الخطط العديدة لمواجهة هذه الاحتمالات ، ومنها إعداد القوات البريطانية للتدخل في وقت الحاجة . وبدأ البريطانيون أكثر عداءا ً للهيئة وهيأوا الأجواء لضرب قيادتها في أول فرصة مواتية .
رجع عبد الرحمن الباكر من الخارج في 27 سبتمبر واستقبله عدد كبير من الناس في المطار ولكنه لم يلق أي خطاب . وأخبر عددا ً من الناس أنه سوف يسعى للممارسة الضغط نحو الاعتدال في أوساط الهيئة ، وكان الحاكم وعدد من أفراد عائلته يميلون نحن اعتقال الباكر بضعة أيام ومن ثم تسفيره مرة أخرى . ولكن المقيم البريطاني كان يرى التريث لكي لا تحدث تطورات كبيرة في وقت كانت الأمور تتجه نحو هدوء نسبي ، بانتظار مولد الرسول الأكرم (ص) في 18 أكتوبر . هذا في الوقت الذي كان فيه بعض التجار يتحدثون عن خط وسط بدلا ً من التشدد (29) .
وفي 26 سبتمبر أقيم احتفال كبير بمناسبة الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام . وكان المتحدث الرئيسي فيه عبد العزيز الشملان ، الذي أشار إلى تأخر وصول الخبير القانوني لإعداد القانون الجزائي للبحرين ، وأشار كذلك لعدم توظيف قضاة أكثر وإلى الضغط على الصحافة ، ودعا إلى عدم التعاون مع اللجان الحكومية . كما تحدث في الاجتماع أيضا ً السيد علي السيد إبراهيم ، وحضر الاجتماع أكثر من ألف شخص . ثم جاء احتفال مولد الرسول (ص) في 17 أكتوبر وتحدث فيه عبد الرحمن الباكر مستعرضا ً فيه أوضاع البلاد مشيرا ً إلى أن الحكومات والشعوب العربية تساند الحركة الوطنية . وأكد أيضا ً على أن الحركة سلمية وأنه لا يوافق على الأعمال الصبيانية المتمثلة في العنف . وأشار فيه إلى عدد من القضايا كمقاطعة الهيئات الحكومية والموقف البريطاني وغيرها . كما أعرب عن أمله في أن تستأنف الهيئة حوارها مع الحكومة .
- الفصل الأخير من قصة الهيئة :
بعد الاحتفالات الدينية التي جرت خلال شهري سبتمبر وأكتوبر هدأت الأوضاع نسبيا ً بانتظار ما تتمخض عنه الاتصالات بين الحكومة والشخصيات البارزة في البلاد ( مثل منصور العريض وأحمد فخرو ) وأعضاء الهيئة ، وبانتظار تحديد سياسات الهيئة واتجاهها بعد عودة عبد الرحمن الباكر من الخارج في 27 سبتمبر ، فكما أشرنا سابقا ً فإن الباكر أصبح يتحدث عن " الاعتدال " والتفاهم مع الحكومة وسلوك سياسات هادئة وأن الشعب قد تعب ومل من تكرر الإضرابات . ويقول في كتابه ص 138 : " أخذت تردني الأخبار ( عندما كنت في القاهرة ) بأن هناك تباينا ً في الرأي بين معظم أعضاء الهيئة وبين القاعدة الشعبية ، وهناك نفور بارز يكاد يشكل خطرا ً على الوضع كله ، بين الهيئة والحكومة ، فرأيت من الأحسن إزاء هذه العوامل كلها أن أتوجه إلى البحرين لأحاول ما أمكن إيجاد تسوية أو شبه هدنة ، وتغيير التكتيك الذي مشت عليه الهيئة بعد سفري فإن فيه طابع العنف والشدة "
بهذه الروح كان أعضاء الهيئة يجتمعون ليقرروا السياسات والمواقف في فترة كانت حاسمة للغاية ، حيث أصبح الخلاف في الآراء ميزة واضحة في الأسابيع القليلة التي أعقبت رجوع الباكر . فقد رجع إلى البلاد وهو يحمل أفكارا ً جديدة ساهمت في تكوينها لديه الظروف السياسية في بيروت والقاهرة واتصاله شبه اليومي بالسياسيين والصحافيين في هاتين العاصمتين . ولذلك فعندما رجع رأى الأمر على غير ما كان يتوقع : " الحقيقة التي برزت لي بعد ساعات من وصولي كانت مؤلمة ومُرّة ، إذ أن هناك فجوة كبيرة بين القيادة والقاعدة الشعبية ، وهناك تذمر في سائر الأوساط ، وهناك الشكوى من التحكم والاستبداد من قبل بعض أعضاء الهيئة ، وهناك تذمر من الأوضاع غير المستقرة في البلاد ، وهناك النفور العام من معظم أعضاء الهيئة البارزين " .
هذا التصور العام الذي حمله الباكر ، بالإضافة لما كان يحمله من أفكار استمدها خلال وجوده في مصر دفعته للتحدث بلغة أخرى والعمل على محور آخر : " فكان لا بد من أن أباشر التنظيم الذي رسمته في مخيلتي وأبدا قبل كل شيء بالاتصال الشعبي مع سائر طبقات الشعب لألمس مدى استعدادهم للتنظيم الجديد "
" كان لا بد لي أن أقوم باتصالاتي مع مستشار البحرين ومع الحاج منصور العريض والسيد أحمد فخرو لنخرج من الأزمة المستحكمة بين الهيئة والحكومة "
هذا التصور للواقع العام لم يكن إلا سرابا ً . فسرعان ما اكتشف الباكر نفسه خطأ هذا التصور الذي ساهم بدون شك في زعزعة مكانة الهيئة .. " مضت المفاوضات بيني وبين الوسيطين والمستشار سرا ً وتوصلنا إلى حل نقاط كثيرة . وكانت الحكومة تبدي استعدادها التام للتفاهم ، ولم أعلم بأنها خطة مدبرة لاكتساب الوقت ، وقد اتضحت نواياهم في ما بعد ، فإنهم كانوا يعدون العدة للقضاء علينا حسب مخطط وضع في وزارة الخارجية البريطانية يتم تنفيذه في الوقت المناسب ... وقد خدعت في سير المفاوضات لعدم تفهمي نوايا بريطانيا وحكومة البحرين ، وكذلك خدع معي الوسيطان اللذان كانا يتعجبان للتساهل العظيم الذي كان يبديه الحاكم ومستشاره لحل الأمور المتأزمة بين الهيئة والحكومة " .
ولكن اكتشاف الباكر انخداعه جاء متأخرا ً ، وكان بإمكانه المساهمة الإيجابية في توحيد صف الهيئة ولعب دور الوسيط المحايد ولكنه لم يفعل ذلك ، مما ساه في إضعاف الموقف السياسي والشعبي للهيئة ، وأحدث تمزقا ً في صفوفها ساعد على ضربها بعد شهر واحد تقريبا ً من رجوع الباكر . ويبدو أن أفكار الباكر الجديدة اعتبرت مدخلا ً مناسبا ً لإحداث حالة من الشتات في صفوف الهيئة تكون سببا ً لفقدان مصداقيتها بين الجماهير ، وتحركت الحكومة والمستشار والبريطانيون لإحكام خطة القضاء على الهيئة . واتضح أن الخطط العسكرية التي كان المسؤولون البريطانيون يعملون لإحكامها خلال الشهور الأخيرة لم تكن ضربا ً من العبث ، فالوضع في البحرين لم يكن لينفصل عن الوضع في المنطقة العربية بشكل عام وما كان يحدث في مصر مثلا ً كان يجد له صدى مباشر في البحرين حيث كان الشعب يتحرك بوحي من عدائه للاستعمار البريطاني الذي كان يسيطر على الخليج سياسيا ً وعسكريا ً ويحيك المؤامرات السياسية والعسكرية على مصر .
فإذا كان الباكر يعتقد أن الاعتدال يعني أن الشعب البحراني سوف يوقف تأثيره بما حدث في البلاد العربية الأخرى ويمتنع عن التظاهرات والإضرابات ، فإنه يكون قد أخطأ كثيرا ً في فهم الواقع . ففي 26 أكتوبر ألقت السلطات الفرنسية القبض على الزعيم الجزائري " أحمد بن بيلا " ورفاقه بعد اختطاف طائرتهم التي كانت في طريقها من تونس إلى المغرب . وأحدثت هذه القضية هزة كبيرة في البحرين التي كان شعبها يستوحي قدرا ً من مواقفه من الثورة الجزائرية المتصاعدة . فما أن وصلت البحرين أخبار الاعتقال حتى هب الشعب معلنا ً عن سخطه واستيائه للتصرف الفرنسي الأرعن . فأعلنت الهيئة الإضراب العام احتجاجا ً على الجرم الذي ارتكبته فرنسا في حق الزعماء الجزائريين الأبطال ، وكان إضرابا ً سلميا ً إلا أنه تطور إلى استعمال العنف الشديد في المحرق ، ولكنه بقي بشكل عام إضرابا ً سلميا ً فاعلا ً أعاد للشعب ثقته بنفسه وبالهيئة التي تمر داخليا ً بأزمة لم تشهد مثيلا ً لها من قبل .
بعد ذلك بثلاثة أيام حدث العدوان الثلاثة على مصر الذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا و " إسرائيل " وتم احتلال منطقة القناة على أثر قرار الرئيس جمال عبد الناس تأميم قناة السويس . فحدث في البحرين " ما لم يحدث حتى في القاهرة عام 1952 " على حد تعبير عبد الرحمن الباكر في كتابه ( ص 141 ) .
فمع وصول أبناء العدوان إلى البحرين اتخذت الهيئة قرارا ً في صبيحة اليوم الأولى من نوفمبر بالقيام بمظاهرات واضرابات للتعبير عن سخط واستياء شعب البحرين مما قامت به القوات الأجنبية من خرق لسيادة مصر واعتداء على المدن المصرية وإلحاق الأذى بالمدنيين العزل . في مساء ذلك اليوم ذهب جاسم فخرو وماجد الجشي إلى سكرتير الهيئة ، عبد الرحمن الباكر وطلبوا منه الاجتماع إلى جميس بلجريف ، ابن المستشار للتشاور في مسألة المظاهرات ، وفعل الباكر ذلك ثم اجتمع الباكر في الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم مع تشارلز بلجريف وتحدثا مع بعضهما حول الوضع في البلد . فقد حدثت مظاهرات صاخبة وأعمال عنف في اليومين السابقين في المحرق ، وحاول المستشار الحصول من الباكر على تعهد بعدم تكرار حوادث العنف ، وحسب ما ذكره الباكر في كتابه فإنه لم يعطه ذلك التعهد وذكر أن مسألة الأمن هي من شأن الحكومة واقترح على المستشار أن يكون هناك مائتان من الشرطة لمرافقة المظاهرة ، مائة من الأمام ومائة من الخلف ، ووعد المستشار بأن يكتب للهيئة بالطرق التي يجب أن تسلكها المظاهرة .
وتكشف الوثائق البريطانية رسالة المستشار إلى قمندان الشرطة بتاريخ 1 / 11 / 1956 الساعة الثامنة مساءً جاء فيه أن هيئة الاتحاد الوطني طلبت إذنا ً من الحكومة بتنظيم مظاهرة في اليوم التالي في المنامة ، وأن الحكومة سمحت بالمظاهرة بالشروط التالية :
" تبدأ المسيرة الساعة العاشرة صباحا ً تقريبا ً من مسجد الحورة القريب من الإرسالية الأمريكية ، حيث تعقد الاجتماعات عادة . وستتبع خط السير كما يلي :
من المسجد إلى الساحة المقابلة للمعتمدية البريطانية ، ثم تتوجه لشاعر الشيخ عبد الله ومنه إلى شارع الشيخ حمد ومنه إلى شارع الساحل وتسير في شارع الساحل إلى الطرف الشمالي من شارع بلجريف ، بالقرب من ثلاجات يتيم ، وتتجه جنوبا ً عبر شارع بجلريف إلى شارع الشيخ عبد الله وترجع بعد ذلك عبر الإرسالية إلى المسجد " . وطلب المستشار من قائد الشرطة توفير سيارتين أو ثلاث " جيب " لتسير أمام المسيرة وخلفها لمتابعة المسيرة وموافاة مركز الشرطة بالتطورات .
وأضافت الرسالة ما يلي :
" إذا خرجت المسيرة عن السيطرة وحدثت محاولات لإحداث تخريب في الممتلكات فيجب استعمال الشرطة من القلعة لتفريقها ، وفي هذه الحالة فمن الضروري اعتقال البعض " .
وفي اليوم التالي تجمع الناس عند مسجد العبد بالمنامة ، ولكن لم يكن هناك شرطي واحد ، وخرج المتظاهرون ولم يرافقهم أحد من الشرطة . حدثت حادثة أخرى في الوقت نفسه حيث أقدمت الشرطة على اعتقال أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للهيئة وهو إبراهيم موسى في المحرق ، ورفضت إطلاق سراحه رغم تدخل الهيئة وتدخل منصور العريض وأحمد فخرو . هاتان الحادثتان اعتبرهما الباكر دليلا ً على وجود خطة مبيته لضرب الهيئة ، وذلك بالسماح لحالة من الفوضى بأن تعم البلاد خلال المظاهرات . فاعتقال إبراهيم بن موسى كان لا بد أن يثير مشاعر الناس ، مما يدفع بعضهم لأعمال العنف وعدم وجود شرطة تصاحب مظاهرة من هذا النوع هو الآخر يترك مجالا ً لحدوث حالات عنف كبيرة .
وقد بدأت ردود أفعال الناس لما حدث في مصر في يوم 29 أكتوبر ، فقد حدثت المظاهرات على أشدها في ذلك اليوم ، وأشعلت الحرائق في كثير من المنازل الخاصة بموظفي الطيران البريطاني في المحرق ، فقامت القوات البريطاني المكلفة بمكافحة الشغب بالتدخل مباشرة في مساء ذلك اليوم لحماية العوائل المتبقية في المجمع السكني التابع للطيران البريطاني في المحرق بعد أن تكررت أعمال العنف من قبل الشباب ضد ذلك المجمع خلال النهار . وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر التي لحقت بالعوائل البريطانية في ذلك المجمع بقيت موضع نقاش طويل في الشهور اللاحقة بعد أن تقدم عدد من العائلات بالمطالبة بالتعويضات في المحاكم في البحرين وبريطانيا متهمة القوات البريطانية بالتقصير في توفير حماية كافية .
وفي اليوم التالي ( 30 أكتوبر ) حدثت مظاهرات كبرى في المنامة وأشعلت النيران في شركة كري مكنزي والشركة الشرقية للتجارة ومحلات البنزين للزياني وفي اليوم الثالث أشعلت النيران في مباني مطابع الخليج التي يتهمها الشعب باستعماريتها . كما أصيبت مباني دائرة الأشغال لحكومة البحرين بأضرار بليغة من جراء الغضب الشعبي . وحاول البعض إشعال النار في الكنيسة الكاثوليكية ولكن تكمن رجال الإطفاء من إخماد النيران التي أشعلت فهي . وكان للطلاب دور كبير في هذه المظاهرات حيث أضربوا عن الدراسة وخرجوا في الشوارع في مظاهرات كبيرة جدا ً . وأنزلت القوات البريطانية في الشوارع ومفترق الطرقات للسيطرة على الوضع ، بعد أن تم الاستعداد لذلك قبل شهور عديدة ، وكانت خطط الإنزال جاهزة بانتظار حدوث الظروف المناسبة . تجدر الإشارة إلى أن تدخل القوات البريطانية المباشرة في البحرين أحث لها مشاكل لاحقا ً حيث حدثت حالة تمرد في أوساط الجنود الذين اعتقدوا أن هذا التدخل خارج عن دائرة العمل المرسومة للجيش .
ويتحدث البريطانيون الذين كانوا يعملون في البحرية البريطانية آنذاك عن حوادث تمرد عديدة سببت مشاكل للقيادة العسكرية ، وهناك من استقال من عمله في البحرية على أثر التدخل العسكري المكشوف في البحرين في الأسبوع الأول من نوفمبر عام 1956 .
- اعتقال قيادة الهيئة والمحاكمة والإبعاد :
في الساعات الأولى من صباح اليوم السادس من نوفمبر 1956 ألقي القبض على كل من عبد علي العليوات وعبد الرحمن الباكر وبعد العزيز الشملان ، بعد أن توجهت مجموعات مسلحة من الشرطة بقيادة الضباط الإنجليز إلى منزل كل منهم . ويصف الباكر تفاصيل عملية الاعتقال في كتابه والإهانات التي وجهت لقيادات الهيئة في تلك الليلة . وأخذ الثلاثة في سفينة صغيرة من المحرق إلى جزيرة جدة غربي البلاد . واستغرقت الرحلة ساعتين حيث وصلوا الجزيرة صباح اليوم السادس من نوفمبر ، ووضعوا في زنزانة محفورة في الصخور وعليها بوابة حديدية . وفي هذه الأثناء فوجئ الشعب ، باعتقال زعماء الهيئة ، وحدثت حالة اضطراب في صفوفه ، فقد هرب البعض واختفى آخرون . ويذرك أن محسن التاجر هرب إلى إيران واختفى السيد عليه بن السيد إبراهيم وعبد الله أبو ذيب ، وهرب عدد آخر إلى الكويت ولبنان سرا ً، بينما ألقي القبض على أكثر من خمسين شخصا ً في الأسابيع الثلاثة اللاحقة . وحدثت إضرابات ومظاهرات عديدة شارك فيها الطلاب من البنين والبنات ، ولم تهدأ الأمور إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع كاملة . ورغم عودة الحياة إ لى ما يشبه الحالة الطبيعية فقد بقيت المباني المدمرة دليلا ً على حجم العنف الذي شهدته البلاد بعد العدوان الثلاثي على مصر .
ولم يعتقل الأشخاص المذكورون مرة واحدة ، بل على دفعات وكان الإنجليز يهدفون في ذلك خلق حالة ذعر وترقب وخوف مستمر . ويقول المعتمد في رسالته في 17 يناير 1957 (30) واصفا ً سياسة الاعتقال هذه " كان لهذا الأسلوب أثره في قلق المذنبين ، لأن كلا ً منهم لم يعرف متى يأتي دوره للاعتقال " ويضيف " ووضع المعتقلون في بداية الأمر في قلعة ولكنهم نقلوا لقفص أنشئ بسرعة في الرميثة في الصحراء في جنوب الجزيرة بعيدا ً عن أي منطقة سكنية " .
وفي 22 نوفمبر أطلق شخص النار على الشرطة قتل اثنين منهم في القلعة ، وقد أمر الحاكم بإعدامه في ما بعد . وفي 25 اعتقل أحد المواطنين بعد أن حاول إشعال النار في جانب من منزل المستشار . وقد أشعلت النار ولكنها لم تكن في الجانب الذي يعيش فيه المستشار من المنزل .
وبقيت بعد ذلك مسألة المسجونين الخمسة من اللجنة التنفيذية للهيئة . فالحاكم كان يرى أن يحكم على العليوات والباكر والشملان خمسة عشر عاما ً وعلى الاثنين الباقيين عشر سنوات ( رسالة المعتمد للمقيم 17 يناير 1957 رقم 2 ) ، وأن يتم ترحيل الثلاثة الأوائل إلى خارج البحرين ، وصدر بذلك مرسوم في 19 ديسمبر 1956 بتطبيق القانون البريطاني بخصوص " إبعاد السجناء في المستعمرات البريطانية لعام 1869 " على البحرين وصدر مرسوم آخر هو قانون إبعاد السجناء ( البحرين وسانت هيلانة ) 1956 في 19 ديسمبر 1956 يعطي الصلاحية لحاكم البحرين بالترتيب مع حاكم سانت هيلانة لإبعاد السجناء إلى سانت هيلانة ، وعلق القانون الثاني على لوحة الإعلانات بالمعتمدية ويومين . قبل إصدار هذين المرسومين أجرى الحاكم مع ملكة بريطانيا اتصالات عديدة تمخض عنها موافقة بريطانيا على إرسال السجناء إلى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الأطلسي غرب أفريقيا . تمت هذه الترتيبات واتخذت القرارات بشأن المتهمين ثم إبعادهم قبل بد المحاكمات ، إذ لم تبدأ إلا 22 ديسمبر وانته في اليوم التالي :
قبل المحاكمات تعرض السجناء لتحقيقات واسعة قام بها ضباط بريطانيون وذكر الباكر تفاصيلها في كتابه . وكان المحققون قد فتشوا منازل المعتقلين ليلة اعتقالهم تفتيشا ً دقيقا ً حصلوا على بعض الأوراق والرسائل التي اعتمدوا عليها في صياغة لائحة الاتهام رغم إنكار السجناء كثيرا من التهم التي وجهت لهم بناء على ما جاء في بعض الأوراق .
ومن هذه الأوراق ما يلي :
1- ورقة في صورة منشور عليها في بيت عبد علي العليوات موقع باسم " الفدائيون " جاء فيه ما يلي :
" لقد أكملنا – بحمد الله – تكوين مجموعاتنا .. وذكر المنشور أن المجموعة سوف تقم بتنفيذ التالي :
أ- لا نترك المستشار يغادر البحرين حيا ً .
ب- نسف بعض بنايات الشركات الأجنبية .
ت- قتل بعض من أفراد العائلة الخليفية .
ث- حرق مطار المحرق بمن فيه .
ج- اغتيال سلمان الخليفة .
ح- حرق قصر سلمان .
2- منشور مؤرخ في 26 / 8 / 1956 وموجه من " الفدائيين الوطنيين " إلى الخائنين حسن بلجيك ، جاء فيه :
" إن الناس قد علموا كل النشاطات التي قمت بها ضد الشعب لمنعهم من الحصول على مطالبهم العادلة التي سوف يحصلون عليها عاجلا ً أم آجلاً . لقد بدأت بتكوين مجموعة من مستواك الهابط لا تهمها حقوق هذا البلد وشعبها .. وتدرك ومجموعتك الهابطة بأنك إن قمت بعمل ما ضد قرارات شعب البحرين فسوف ترى شيئا ً لن تستطيع الخروج منه إلا بخسارة ممتلكاتكم وحياتكم وأولادكم .. " ز
3- رسالة موقعة باسم عبد العزيز الشملان بتاريخ 1 / 8 /1955 ومرسلة إلى السادات وتتعلق بالقانون الجزائي الذي كانت تحت المناقشة جاء فيه :
" إن القانون موجه مباشرة ضد أعضاء الهيئة التنفيذية العليا التي انتخبها الشعب لتمثيله في المطالبة بحقوقه العادلة وفي مقدمتها تكوين مجلس تشريعي لتقليل سلطة الحاكم ومستشاره الإنجليزي " .
4- كما أقيمت الاتهامات على أساس ما جاء في بيانات الهيئة ومنها المنشور الأول ا لذي أعلن فهي عن انتخابات الهيئة التنفيذية ، بأن في ذلك تجاوزا ً لحكومة الشيخ .
5- رسالة موقعة باسم عبد العزيز الشملان مؤرخة 1 / 8 / 1955 ( ربما نفس الرسالة في 3 ) ومرسلة إلى الكونونيل أنور السادات جاء فيها : " بدون شك فإنك مطلع على الحركة الوطنية التي أضاء نورها في البحرين والتي تهدف لوضع نهاية لسلطات الإقطاع ، واستبداد المستشار الإنجليزي ، ومن ورائهما ، من الإمبريالية البريطانية البغيضة " .
6- أوراق جزء منها مكتوب باليد وجزء بالآلة الكاتبة تحمل ما يشبه مذكرات كتبها الشملان عن رحلته إلى القاهرة وعن اتصالاته بالمسؤولين هناك .
7- رسالة في الملفات الشخصية لعبد الرحمن الباكر وصلته من " لجنة التنسيق " بالقاهرة وموقعة من تسعة أشخاص من بينهم محمد فؤاد ومعروف الدواليبي وسليمان النابلسي وصديق شنشل جاء فيها : " إن لجنة التنسيق للمؤتمر العربي القومي تدعو لإضراب عام في كل البلاد العربية يوم الأحد 28 أكتوبر 1956 وسوف تكون هذه مناسبة كبيرة للتعبير عن دعم العالم العربي للنضال الجزائري والاحتجاج على اختطاف الجزائريين القياديين الخمسة بينما كانوا ضيوفا ً لسلطان المغرب . وتطلب منكم المشاركة في هذا الإضراب ليرى العالم وحدتنا العربية " .
8- رسالة من عدد من الطلاب بالقاهرة إلى بعض أعضاء الهيئة جاء فيها بعض أخبار مما حدث في القاهرة ويطالبون بمزيد من الأخبار والاستمرار في النضال .
9- عدد من بيانات الهيئة كالبيان رقم 7 المؤرخ 3 ربيع الثاني 1374 والبيان رقم 15 في 8 / 2 / 1955 ، وفي هذه البيانات تطرح الهيئة موقفها من عدد من القضايا كانتخابات البلدية وتكوين اللجان وقضايا أخرى .
10- برقية الاتحاد الوطني إلى النادي الثقافي القومي بالكويت بتاريخ 22 / 3 / 1956 موقعة من عبد العزيز الشملان جاء فيها شكر الهيئة على برقية من النادي المذكور وتصميم الهيئة على المضي في مقارعة الإمبريالية والإقطاع ومعبرة عن مساندتها شعب الكويت .
11- رسالة بغير تاريخ استلهما عبد الرزاق خنجي في 3 / 10 / 1956 عن طريق البريد جاء فيها : " لقد رأينا ببالغ الأسف إعلانكم في صحيفة الخليج . ونعلمك إذا كنت غير مطلع بأن هذه الجريدة مقاطعة من قبل كل الشعب وعليك مقاطعتها . وإلا سوف تحرق كل ممتلكاتك في البحرين ، فليس هناك من يعلن في هذه الصحفية إلا أنت " .
عقدت المحاكمة – كما ذكرنا – في يومي 22 و 23 ديسمبر 1956 في مركز الشرطة بالبديع . وقد تم اختيار هذا المكان لأن " الحكومة شعرت بأن إجراء المحاكمات في المحاكم القانونية يحمل مخاطر كبيرة بالتظاهر " ، حسب ما جاء في رسالة المعتمد المذكورة .
وجيء للمحاكمة بعدد من سكان البديع ( 12 – 15 شخصا ُ ) للتدليل على علنية المحاكمة ولكن لم يسمح لأي أحد من المنامة أو المحرق بالحضور ، كما لم يسمح بممثلي الصحافة بالحضور ووجهت التهم للسجناء .
وجاءت لائحة الاتهام كالتالي :
" إن التهم الموجهة للأشخاص الخمسة هي أنهم كأعضاء تنظيم غير مصرح به سمى نفسه " الهيئة التنفيذية العليا " ولكن غيرت اسمها لاحقا ً بدون تغيير أفرادها أو أهدافها لـ " هيئة الاتحاد الوطني " وهو الاسم الذي اعترف به عظمته ، قاموا بارتكاب ( أو محاولة ارتكاب ) عدة أعمال غير قانونية منها :
1- قتل الحاكم وبعض أفراد عائلته ومستشاره وتدمير قصره ، والمطار وأماكن أخرى .
2- إحداث تغيير في حكومة البلاد بوسائل غير مشروعة .
3- حرمان الحاكم من سيادته على الدولة بإزاحته .
4- إضافة لذلك ، نظمت الهيئة إضرابا ً ومظاهرة في المنامة يوم الجمعة 2 نوفمبر ، بعد أن أعطيت إذنا ً بمسيرة سليمة على أن تمر بخط سير معين ، هذه المسيرة التي نظمتها الهيئة لم تلتزم بالطريق المسموح به من قبل الحكومة والذي وافق عليه السكرتير ( سكرتير الهيئة ) ، ولم تكن المسيرة هادئة وصاحبها العنف ، وتدمير وحرق بنايات وأعمال سببت أضرارا ً بليغة لممتلكات الحاكم ، والحكومة والشركات والأفراد في البحرين .
بعد تقديم لائحة الاتهام تكلم عبد الرحمن الباكر ، باسمه وبإسم بقية المتهمين ، قال أن كلا ً من هذه التهم لو ثبتت ، كانت جديرة بتقديمهم للإعدام وأن الحكومة لو كانت تستطيع إثبات أي من هذه التهم لعقدت المحاكمات في محكمة المنامة ، وهو المكان المعتمد لمثل هذه المحاكمات . وأكد أن إجراء المحاكمات في البديع يعني أنها سرية . وطالب بنقل المحاكمات للمنامة وأن تتم علنا ً لكي يستطيع الناس سماع تهم المؤامرة المتهمين بارتكابها . تلك المؤامرة التي كانت ستطيح بأسس البحرين .
وأضاف أن للحكومة قوات كافية للحفاظ على الأمن ، وطلب نسخاً من الادعاءات ضدهم ونسخا ً من الوثائق التي ستقدم للمحكمة . وقال بأنه إذا لم تتم الاستجابة لهذه المطالب فإنهم جميعا ً لن يقولوا كلمة واحدة للدفاع عن أنفسهم .
ووافقت المحكمة على تقديم الوثائق ولكنها رفضت نقل المحاكمة إلى المنامة ، فأصر الباكر على ذلك وقال بأنه يتعهد بأنه لين تحدث أي اضطرابات هناك ، فقال أعضاء هيئة القضاء بأن إجراء المحاكمات في البديع هو بأمر الحاكم وأن لديهم أمرا ً مكتوبا ً بذلك . فرفض الباكر ورفاقه النطق بكلمة واحدة خلال المحاكمات . أما القضاة فقد استمروا في الاستماع للشهود الذين كان بينهم المستشار نفسه الذي كان قد أعد لائحة الاتهام ضد السجناء . وكلما طلب القضاة من المتهمين الكلام أجابوا ، من خلال الباكر ، بأنهم لن يتكلموا في البديع .
ثم قدمت الأدلة حول اعتقال كل من المتهمين . فإبراهيم فخرو اعتقل في 2 نوفمبر بينما كان يحاول مساعدة رجل اعتقلته الشرطة . ثم قاوم فخرو الشرطة الذين كانوا يحاولون اعتقاله . أما الآخرون فقد اعتقلوا في بيوتهم في وقت لاحق . وقدمت كذلك الوثائق التي استعملها الإدعاء ضد المتهمين وهي المذكورة أعلاه .
ثم عرض الادعاء جانبا ً من نشاطات الكشافة التي نشطت خلال الإضراب الذي تم خلال شهر أغسطس 1956 . وقال بأن هؤلاء الكشافة قد تم تنظيمهم بدون إذن الحكومة ، واتهمهم الإدعاء بأنهم كانوا يقومون بأعمال الشرطة .
كما قال الإدعاء بأن الهيئة أسست في البداية بدون إذن الحكومة وأنها كانت تعتزم البقاء سرية بعد إعلان أسماء الأعضاء الثمانية في اللجنة التنفيذية . ورغم اعتراف الحاكم بها بعد تغيير اسمها فإن عضويتها بقيت سرية ولم تتغير أهدافها .
وفي 3 نوفمبر أعلن الحاكم في بيان له بأن الهيئة لم تعد شرعية وجاء ذلك في بيان أذاعه راديو البحرين . كما قال الإدعاء بأن الوثائق المضبوطة تثبت عزم الهيئة على قتل الشيخ وآخرين ذكرت أسماؤهم في ورقة ضبطت في بيت العليوات . وقال بأنه في 2 نوفمبر ارتكبت أعمال عنف من قبل أفراد غير معروفين مشابهة للأعمال المذكورة في الوثائق التي ضبطت وخصوصا ً مع عيسى بن هندي ( والرسالة من الطلبة في القاهرة ) .
كما استدل الإدعاء بما جاء في المذكرة التي ضبط بحوزة الشملان ( والتي كان جزء منها مطبوعا ً والآخر مكتوبا باليد ) واليت كانت تصف مقابلات الباكر مع عدد من الشخصيات في مصر وأنها دليل على أهداف الهيئة بالعمل على إسقاط الحكومة بالقوة . وحسب ما جاء في الورقة فإن أحد رؤساء التحرير في مصر وعد بأنه سوف يكون أول من يحصل على أنباء الثورة في البحرين عندما تحدث .
وتحدث المستشار عما دار بينه وبين الشملان في أول نوفمبر في المستشارية حول المظاهرة وشروطها ، واعتمد في شهادته على رسالته لقمندان الشرطة في مساء الأول من نوفمبر التي ذكر فيها خط سير المظاهرة . كما رجع إلى مفكرته للاستشهاد ببعض الأعمال التي حدثت لاحقا ً . كما أحضرت رسالة قيل أنها من الحاكم للهيئة أرسلها لهم في 22 يوليو وقال فيها أن أعضاء الهيئة سوف يكونون مسؤولين شخصيا ً عن أي إخلال بالنظام العام . كما استشهد برسالة من الهيئة لأحد النوادي في الكويت وصف فيها نظام الحكم في البحرين بأنه " بقايا من الإقطاع البغيض " .
تم تحدث قومندان الشرطة عن استلامه رسالة بلجريف حول السماح للمظاهرة وعن الأحداث التي حدثت يوم 2 نوفمبر . كما تحدث عن أن الباكر اتصل به عدة مرات في ذلك اليوم يطلب منه الإفراج عن أشخاص اعتقلوا في ذلك اليوم لأن من الضروري حضورهم لاجتماع الهيئة مساء ذلك اليوم لتدارس الوضع . كما تحدث عن تدخل الباكر لإخلاء سبيل إبراهيم فخرو الذي اعتقل في ذلك اليوم في المحرق ، ولكنه رفض إطلاق سراحه ، فحمله الباكر تبعة ما يحدث في اليوم التالي .
وقد رفض الخمسة النطق بكلمة واحدة للدفاع عن أنفسهم ، فحكمت المحكمة بأن الخمسة مذنبون بدرجات مختلفة . فحلمت الثلاثة ، العليوات والباكر والشملان المسؤولية الكبرى وحكمت عليه بالسجن 14 عاما ً ( كما أراد الحاكم ) وحملت الآخرين ( إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى ) مسؤولية أقل وحكمت عليهم بالسجن عشر سنوات .
جرت المحاكمة في ظروف غير عادية ، وقام شخص بريطاني ( ضابط شرطة ) بتقديم لائحة الاتهام التي أعدها المستشار بنفسه ، وقد أدلى شخصيات بشهادته في المحكمة . وقد أقامت الشرطة حواجز في الشوارع المؤدية للبديع لمنع أي أحد من الاقتراب من المنطقة . كما كان في المنطقة مجموعة من الجنود البريطانيين ساهمت في توفير أجواء الحماية للمحاكمات داخل مركز الشرطة . وبعد أن قدم الإدعاء لائحة الاتهام قال الباكر بأنه مستعد لتقديم بيان للمحكمة إذا ما سمح لخمسة عشر شخصا ً ذكرهم بالأسماء بالحضور ، ولكن المحكمة رفضت ذلك . ولم تسمح الحكومة بمحامين للمتهمين .
بعد الحكم بالسجن للمعتقلين بدأت نقل الثلاثة الرئيسيين إلى جزيرة سانت هيلانة التي كان البريطانيون رتبوا الأمور فيها لاستقبال السجناء الثلاثة . وفي 28 ديسمبر جاءت الشرطة واقتادت عبد الرحمن الباكر وعبد عل يالعليوات وعبد العزيز الشملان إلى الفرقاطة البريطانية " إج . إم . إس . لوخ إنس " التي كانت متوجهة إلى بريطانيا . وكان الحاكم قد كتب رسالة إلى قبطان الفرقاطة يأمره فيها بتسليم السجناء إلى حاكم جزيرة سانت هيلانة . هذا في الوقت الذي تمكنت فيه الحكومة على مصير السجناء وتركت الناس في حيرة من الأمر وكان هناك اعتقاد بين الشعب بأن السجناء سوف يؤخذون إلى جزر " السيشيل " وهي الجزر التي نقل إليه الزعيم القبرصي مكاريوس . ولم تذكر أي إذاعة أو صحيفة شيئا ً عن منفاهم إلا بعد مرور أسبوع على مغادرة الفرقاطة البحرين . حيث ذكرت إذاعة القاهرة الخبر باقتضاب وذكرت أنهم ذاهبون إلى جزر السيشيل بالمحيط الهندي .
أما السجناء الآخرون فقد أطلق سراح حوالي عشرين شخصا ً في الشهرين التاليين وطلب من أكثرهم مغادرة البحرين لفترات تصل إلى سنتين ، أما الباقون فقد نقلوا إلى جزيرة جدة ولم يحاكم أحد منهم .
بعد اعتقال السجناء ومحاكمتهم وزعت منشورات كثيرة حول الوضع في البحرين . فقد وزع منشوران شهر ديسمبر هاجما الحاكم والمستشار ومنشوران آخران في بداية شهر يناير 1957 ودعيا إلى إضراب عام يوم 7 يناير . وقد أضربت طالبات مدرسة البناء يوم 7 يناير وطلبة المدرسة الثانوية بالمنامة . وكان طلبة هاتين المدرستين قد أضربوا عن الدراسة يوما ً واحدا ً في شهر ديسمبر استجابة لنداء وجهه راديو صوت العرب من القاهرة بمناسبة الأحداث التي يشهدها العراق . وقد حاولت الحكومة منع إضراب الطلاب بتوجيه إنذارات إلى الآباء وطلبت تعهدات منهم بعدم إضراب بناتهم وأولادهم .
وفي 27 ديسمبر 1957 أطلق مجهول النار على موظف بريطاني يعمل في شركة بريطانية بالبلاد اسمه مستر بليمر ، وأصابه في جانبه عندما كان واقفا ً أمام النافذة في بيته . هذا في الوقت الذي استمرت فيه المشاعر بالهيجان والاستياء مما حدث في البحرين خلال شهري نوفمبر وديسمبر . وعبر العديد من الناس ومن بينهم رجال أعمال عن الحالة الأمنية المتردية في البلاد والظلم الذي لحق بالوطنيين من أبنائها . ويقول المعتمد الخارجي في تقريره بتاريخ 17 يناير حول مشاعر الناس : " فبينما يبدو هناك نوع من الهدوء الخارجي وحتى بعض علاقات الصداقة العامة للبريطانيين في البحرين فإن المشاعر المعادية ( للإنجليز ) من قبل عدد غير قليل ما تزال موجودة رغم أنها مخفية . وهذا يعني أن احتياطاتنا الأمنية في البحرين ، مثل الإبقاء على قوات من الجنود البريطانيين لا يمكن أن تخفف في المستقبل المنظور " .
بعد اعتقال أعضاء الهيئة كان هناك شعور في الإدارة البريطانية بضرورة عمل شيء ما على طريق الإصلاحات المطلوبة شعبيا ً. وكان على رأس هذه الإصلاحات ترحيل المستشار تشارلز بلجريف الذي حاول الاستفادة من ضرب الهيئة لإعادة تثبيت نفسه في البحرين بـتأكيده على أن وجهة نظره بضرب الهيئة في وقت مبكر كانت صائبة . أما الموقف الرسمي البريطاني فكان يدافع عن تأجيل ضرب الهيئة إلى الوقت الذي تم فيه ( الأسبوع الأولى من نوفمبر 1956) وعبر عن هذا الموقف دي . إم . إج ريشي ( الموظف الكبير بوزارة الخارجية البريطانية الذي كان يتابع شؤون البحرين ) حيث قال إن الدائرة التي يعمل فيها بوزارة الخارجية ترى ما يلي (31) :
1- إن أي عمل مبكر ضد هيئة الاتحاد الوطني كان سيؤدي إلى استعداء المعتدلين من البحرانيين ، وهم الذين يتوقف عليهم استقرار وأمن البحرين.
2- وعن طريق إقناع الحاكم بالقيام ببعض الإصلاحات المعقولة والسماح بزمن كاف للمطالب المتطرفة من الهيئة لإغضاب المعتديلن ، استطعنا ( البريطانيون ) توفير دعم شعبي لضرب الهيئة من قبل الحاكم في نوفمبر .
ونظرا ً لهذا الموقف كان المسؤولون بالخارجية البريطانية يرون ضرورة إنهاء خدمات بلجريف الذي كان يحاول تأجيل ذلك والبقاء في البحرين . ولكن البريطانيين كانوا يعتقدون أن استمرار بقائه في البلاد سيؤدي لانزعاج " المعتدلين " وقد تكرر أحداث الصيف الماضي . وحيث لم يحدث أي عمل إصلاحي في البلاد خلال الشهور الثلاثة التي أعقبت اعتقال قادة الهيئة فقد كان موقف التجار من الحكام مشوبا ً بالحذر وكانوا ينظرون للتلميحات بإطالة أمد بقاء بلجريف في البلاد بريبة كبيرة . وكان بلجريف يسعى للبقاء فترة أطول من خلال اتصالاته بالحاكم ، بينما كان المعتمد والمقيم يسعيان للتعجيل برحيل المستشار لكي لا يتوتر الوضع مرة أخرى .
وأخيرا ً حدث ما لم يحسب له أحدا ً حسابا ً . فقد كشفت بعض الفحوص الطبية على المستشار وجود ورم في مثانته وأن عليه السفر إلى لندن بشكل عاجل ليتم إجراء الفحوص اللازمة هناك . فتقرر أن يغادر البحرين في 17 إبريل 1957 إلى غير رجعة . وبعد فحصه في المستشفى تأكد إصابته بالسرطان وأن علاج ذلك المرض سوف يستغرق عدة أشهر .
وقد سهلت هذه المسألة مهمة إقناع الحاكم بعدم التفكير في رجوع المستشار الذي كان يصر حتى آخر لحظة على عودته ويعتقد أن ذلك سوف يتم في المستقبل القريب .
هذا في الوقت الذي كان فيه المسئولون البريطانيون في البحرين يبتادلون الرسائل مع وزارة الخارجية حول مسألة التعويضات التي تقدمت بها شركات وعدد من العاملين في البحرين مقابل الأضرار التي لحقت بمساكنهم أثناء الإضطرابات التي حدثت في مطلع نوفمبر 1956 . وفي الوقت نفسه كانت مسألة نقل السجناء البحرانيين إلى جزيرة سانت هيلانة موضع نقاش طويل في البرلمان البريطاني بين المعارضة ممثلة بالسيد ووربي و وزير الخارجية ، وكانت التساؤلات تدور حول عدالة محكمة البديع التي أصدرت الأحكام ضد أعضاء الهيئة وحول الناحية القانونية المتعلقة بإبعاد السجناء من البحرين إلى سجن سانت هيلانة وحول أوضاعهم المعيشية في تلك الجزيرة وطريقة معاملتهم هناك . كما كانت تساؤلات عديدة ومستمرة حول أوضاع السجناء من عوائلهم الذين كانوا قلقين وخصوصا ً في الشهور الثلاثة الأولى لعدم استلامهم أي رسالة منهم . كما كانت هناك مراسلات بين لندن والبحرين وسانت هيلانة حول تكاليف سجن قادة الهيئة في الجزيرة المذكورة ومسؤولية تلك التكاليف واستقر الرأي في النهاية على أن تتحملها حكومة البحرين .
في ذلك الوقت صدر تقرير اللورد " كامينز " الذي جاء من لندن للبحرين في نوفمبر 1956 لإجراء تقييم عام للنظام الإداري في البلاد وتقديم مقترحات للحاكم على ضوء ذلك . صدر التقرير في 23 يناير 1957 وأصبح لزاما ً على السكرتير الجديد للحكومة ، السيد سميث أن يأخذه بعين الاعتبار كمحاولة لإشغال الرأي العام في التفكير بموضوع السجناء وتسفيرهم إلى سانت هيلانة . وكان الحاكم مترددا ً في تعيين سميث أملا ً في رجوع بلجريف ، ولكنه عندما يئس من ذلك بدأ يتعامل مع سميث كسكرتير للحكومة ابتداء من 1 يونيه 1957 (32) . كما وافق الحاكم على تعيين يوسف الشيراوي مساعدا ً لسكرتير حكومة البحرين بعد صدور تقرير " كمينز " ومقترحاته بخصوص النظام الإداري في البحرين ، كما وافق على اقتراح تقدم به سميث بتغيير المستشارية إلى " السكرتارية " وتم نقل بعض مكاتب الحكومة من بني باب البحرين إلى هناك .
وأكمل السير " كمينز " تقريره بإرسال الجزء الثاني منه إلى الحاكم وإلى سميث في منتصف شهر يونيه عام 1957 ، وقام الحاكم بتطبيق بعض مقترحات التقرير ومنها إعادة النظر في الدرجات الوظيفية لحوالي ألفي شخص من موظفي الحكومة ( 33 ) .
كما وافق الحاكم على أن تقوم الحكومة بدفع تكاليف وصيانة المكيفات الهوائية في بيوت الأوروبيين .
ورغبة في تدعيم موقف الحاكم اقترح المعتمد السياسي إعادة انتخابات البلدية بعد أن مر على تعيين أفرادها عام كامل . ففي ديسمبر 1956 خرج الحاكم على ما كان مألوفا ً من انتخابات مجلس لبلديتي المنامة والمحرق وعين أعضاء هذين المجلسين لمدة عام واحد . وعندما سمع المعتمد شكوى الناس من استمرار المجالس المعينة طلب الحاكم إجراء انتخابات للمجالس البلدية ( التي كان يعين الحاكم نصف أعضائها وينتخب النصف الآخر ) فوافق الحاكم على ذلك وأعلن عن انتخابات في شهر سبتمبر 1957 .
وتجدر الإشارة إلى أن المجالس البلدية بمجلس بلدية المنامة عام 1919 حيث عين الحاكم كل أعضائه . وفي 1926 سمح الحاكم للناس بانتخاب نصف أعضاء المجلس على أن يقوم هو بتعيين النصف الآخر . وفي 1927 تم تشكيل مجلس بلدية المحرق على نمط ما كان معمولا ً به في المنامة .
________________
- ملحق (1) : مناقشات في لندن :
في 5 / 8 / 1958 كتب أحد المسؤولين بوزراة الخارجية البريطانية ملاحظات للنقاش الذي طرح أثناء لقاء مسؤولي وزارة الخارجية مع أبني الحاكم ، عيسى بن سلمان وأخيه خليفة بن سلمان عندما كانا في زيارة رسمية لبريطانيا خلال شهر يوليو 1958 جاء فيها ما يلي (34):
يؤسفني أن معلوماتي حول التطور في موضوع الإصلاحات بالبحرين هي قديمة ، وأهم قضايا النقاش هي التالي :
1- الإصلاح الدستوري .
2- الإصلاح القانوني والقضائي .
3- الإصلاح الاجتماعي .
4- إصلاح تملك الأراضي .
وأعتقد أن من الأفضل الطلب من المعتمد السياسي والمقيم السياسي التحدث إلى الحاكم نفسه حول المسألة الأولى . إن صعود وهبوط حركة هيئة الاتحاد الوطني قد أقنعت آل خليفة بأن الحركات الديمقراطية يجب أن تعتبر تحديا ً لموقفهم ، ولا نستطيع لومهم لو وصلوا إلى تلك النتيجة .
ولكن منذ نوفمبر 1956 فقد صرف جهد كبير من أجل إشراك البحرانيين في إدارة الماكنة الحكومية ، وإن مما يثلج الصدر أن يوافق الحاكم على إحياء المجالس البلدية المنتخبة ، رغم أن هذه ليست مؤسسات قوية أو شعبية في الإدارية البحرانية .
ونستطيع حصر نقاشك بالإشارة إلى أن سقوط البيت الملكي العراقي ونوري السعيد مرتبط بفشلهم في التعايش مع المشاعر الديمقراطية .
- الإصلاح القضائي والقانوني :
إن هناك مطلبا ً شعبيا ً قديما ً بإصلاح المحاكم ، واستبدال القضاة من الشيوخ بقضاة متدربين . إن الإصلاح القانوني قد حصل دفعة جيدة بإدخال القانون الجزائي .
وقد أخبرنا المقيم السياسي مؤخرا ً بأنه يرى بأن قوات الشرطة تحسنت بدرجة كبيرة منذ الأزمة الأخيرة ولكن يجب علنيا الاستمرار في تشجيع بذل جهود أكبر لزيادة عدد البحرانيين في القوات العادية . رغم أن المفرزة العراقية ما تزال مفيدة إذا كان هناك ضمنا بولائها .
- الإصلاح الاجتماعي :
اعتقد أننا يجب أن نهنئ الشيخ على التطور الذي حصل في الإصلاح المادي منذ نوفمبر 1956 وخصوصا في المستشفيات وإيصال الماء إلى المحرق وعمل دائرة الشؤون القروية .
- تملك الأراضي :
رغم ما تقدم فإنه ما يزال هناك نقد كبير للتوجه الاحتكاري الذي يلتزمه آل خليفة بخصوص الأراضي ، فما يزالون يمتلكون مساحات هائلة من الأراضي ، معظمها مسروق من الفلاحين الشيعة في إطار زمني قصير . وأن مدير الزراعة ، إم فون أولنباخ ، متضايق جدا ً من هذا الوضع . فالشيوخ لا يهتمون بأراضيهم ويعرضونها على المستأجرين بشروط غير مغرية . والنتيجة هي أن العمال تركوا العمل في هذه الأراضي والتحقوا بحقول النفط ولذلك فقد دمرت المزارع .
إنني أعتقد أن الشيوخ يقبلون الانتقاد . فبمقاييسهم فإنهم متحررون ومتطورون . بالإضافة لذلك ، كان علينا أن نشجعهم على الاعتقال ( منذ نوفمبر 1956 ) بأن الوقت قد فات للأمل بأن التنازلات للديمقراطية يستطيع شراء الوقت . وقد أخبرني أخو الحاكم ، الشيخ دعيج ، بأن " الجيش البريطاني وآل خليفة يستطيعون السيطرة على البحرين إلى الأبد " .
دبليو . جي . آدمز
5 – 8 - 1958
- ملحق (2) : الدوائر الحكومية عام 1958
السكرتارية : السيد جي . دبليو . آر . سميث
سكرتير حكومة البحرين
السيد يوسف الشيراوي
نائب السكرتير .
دائرة الصحة : الدكتور آرزاجزبي سنو .
الطبيب الأول
الدكتور أي . إم . أي دوج
الطبية الأولى
الدكتور جي . دي . جرانت .
المدير الطبي في الصحة .
دائرة القضاء : الشيخ دعيج بن أحمد آل خليفة .
القاضي الرئيسي
المستشار القاضي للحكومة ( شاغر )
السيد سالم العريض .
Registrar كاتب المحكمة
دائرة المالية : السيد محمود العلوي .
مدير المالية
الشرطة والأمن العام : الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة .
مدير الشرطة والأمن العام .
الكولونيل همرسلي : قمندان الشرطة .
دائرة الجمار: السيد جي . إج ريد
مدير الجمارك
السيد محمد الساعي : نائب مدير الجمارك .
دائرة الأشغال العامة : السيد إم . إج ليس ، مدير الأشغال .
دائرة الكهرباء : دي بامر ، المهندس والمدير .
دائرة المعارف : السيد أحمد العمران مدير المعارف .
السيد وفيقة ناير ، مدير تعليم البنات .
العلاقات العامة : السيد جيمس بلجريف .
مدير العلاقات العامة .
دائرة الزراعة : السيد إي . دبليو فان أولنباخ
مدير الزراعة .
دائرة العمل : الشيخ علي بن أحمد الخليفة .
مدير العمل .
إبراهيم خلفان : مدير مكتب العمل .
دائرة الشؤون القرية : الشيخ عطية الله الخليفة : المدير
دائرة الشؤون الاجتماعية : السيد مساعد الزياني
دائرة المواصلات : اليسد جيزال موريس : مدير المواصلات .
دائرة الأوقاف الشيعية : السيد صادق البحارنه : الرئيس .
دائرة مراقبة النفط : السيد جي . بي . طومسن .
مدير الموانئ : الكوماندر بي سيمونز
دائرة الأراضي : السيد عبد العزيز الصالح : مدير .
دائرة شؤون القاصرين : محمد دويغر .
- ملحق(3) : أحداث الهيئة في الصحافة :
رغم اعتقال قيادة هيئة الاتحاد الوطني ، استمر الوضع الداخلي متوترا ً وحاول العديد من الناس القيام بنشاطات سياسية سرية ، ووزعت منشورات كثيرة في المنامة والمحرق وبعض القرى . ولكن الضربة التي واجهتها الحركة الوطني كانت كبيرة ، فبالإضافة لاعتقال قادة الهيئة فقد اعتقل أكثر من خمسين شخصا ً وسجنوا في الرميثة جنوبي البلاد وهرب العشرات إلى خارج البلاد .
وقد اهتمت الصحافة في لبنان والقاهرة بما حدث في البحرين ، وساهم بعض العناصر النشطة التي تمكنت من الخروج من البلاد تحريك الوضع الإعلامي وتزويد بعض الجرائد والمجلات في الخارج ببعض المعلومات عما يجري في البحرين .
وفي ما يلي بعض الأمثلة على ما ورد في الصحافة في خارج البلاد عما يدور فيها :
1- نشرت مجلة " العهد " اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 6 يناير 1957 مقالا ً بعنوان : " ماذا فعل الشعب العربي في إمارات الخليج " ؟ .. جاء فيه مضمون رسالة بعث بها أحد الشباب البحراني إلى أحد أصدقائه قال فيها (35) : عندما هاجمت بريطاني وفرنسا وإسرائيل أختنا الكبيرة ( مصر ) خرج شعب البحرين وطلابها في مظاهرات ضخمة منادين بسقوط الإمبريالية ، ثم توجهوا إلى مقر هيئة الاتحاد الوطني وأبدوا احتجاجهم وطالبوا بتجنيدهم للدفاع عن أمتهم وكرامتهم .
وفي اليوم التالي من الإضراب قام المتظاهرون في المحرق التي تغنى بأمجاد وبطولات بور سعيد . بإشعال النار في ثمانية بيوت يسكنها القوات البريطانية ودمروا شركة تصليح سفن بريطانية وأشعلوا النار في ثلاث سفن راسية في حوض الشركة .
ثم فجر المتظاهرون الشارع المؤدي إلى المطار بالمحرق .. وفي وقت لاحق نزلت القوات البريطانية في الشوارع وقتلت أربعة أشخاص عزل .
وعندما أعلنت الدول العربية الإضراب العام في 17 من الشهر الماضي لدعم الرجال الأبطال في العراق ، حدث إضراب عام في البحرين . وحاول الطلاب في المدرسة الثانوية بالمنامة القيام بمظاهرات ولكن مدير المدرسة منعهم خوفا ً على حياتهم عندما رأى القوات البريطانية محيطة بالمدرسة ويهددون بإطلاق النار على أي شخص يحاول الخروج .
كما أخرج البريطانيون مواطني قرية عسكر من بيوتهم وحولوها إلى ثكنات عسكرية ووضعوا مصابيح حمراء حولها . وقد جمعوا أساطيلهم في مياه البحرين .
واستمرت المقالة بعنوان آخر " أين رجال البحرين " وهي عبارة ع ن رسالة بعث بها مواطن بحراني " س . ج . ب " ووقع عليها عدد كبير من المواطنين البحرانيين جاء فيها :
" لقد جرى تنفيذ المخطط الإمبريالي ضد القاعدة البحرانيين الأحرار طبقا ً لخطة غريبة وحقيرة . فمل يسمح له بالمثول أمام محكمة قانونية علنية ، كلا بل حكم عليهم سرا ً بطريقة إمبريالية كما هو متبع في قرص وكينيا . فقد أعلنت الأحكام ضد أحرار البحرين ، الباكر ، العليوات ، فخرو وابن موسى . وهي أحكام ديكتاتورية صدرت بعد توجيه اتهامات لا أساس لها " .
إن شعب البحرين مرتبط بقيادته وهو مرتاب في أمر بعض الذين كانوا في صفوف القيادة في البحرين والذي أقسموا على الولاء للهيئة . إنهم بقيا أعضاء الهيئة الذين لم يسجنوا مع رفاقهم " .
إن شعب البحرين يحملهم المسؤولية وينذرهم من الارتباط بأولئك الذين تنكروا لعروبتهم ووطنيتهم من أمثال قاسم الشيراوي وبعض أتباعه الذين خدعوا الهيئة وشعب البحرين ، بالتظاهر بالولاء لقادة البحرين " .
2- كما نشرت المجلة المذكورة " العهد " في عددها بتاريخ 17 فبراير 1957 مقتطفات ومقالات عن الوضع في البحرين منها خبر بعنوان " بدرية خلفان في السعودية " جاء فيه (36) :
" لقد لجأت بريطاني للتنكيل بشعب البحرين لكي تقضي على حركة التحرير هناك وذلك باعتقال وتسفير من تشاء ، وقد تمكن القليلون من الهروب من مخالبها إلى البلدان المجاورة . ومن هؤلاء المناضلة بدرية خلفان التي قادت المظاهرات . فقد أعتقلها البريطانيون ووضعوها في السجن وحكموا عليها بالطرد من البلاد ، وذهبت أخيرا ً إلى السعودية " وفي العدد نفسه نشرت المجلة رسالة موقعة بإسم عبد الله المدني ( البحرين ) جاء فيها ما يلي :
" لقد انتصرنا لأننا أمة تؤمن بالحرية ، والعدالة والمساواة ، وتؤمن بحقها في حياة حرة كريمة ، لقد انتصرنا على الإمبريالية بفضل إيماننا ، ولقد انتصرنا ولا يمكن أن نهزم " .
بالإضافة للتغطيات الصحافية في الجرائد والمجلات ، اهتم راديو " صوت العرب " في القاهرة بما يجري في البحرين اهتماما ً كبيرا ً خلال أيام الأزمة وبعد اعتقال أعضاء الهيئة (37) .
ففي برنامج بعنوان " الخليج العربي والجنوب العربي " الساعة 16:45 بتوقيت غرينتش في 19- 3 – 1957 تحدث المذيع عن حياة أحد قادة الهيئة وهو عبد العزيز الشملان بإسهاب وعن دوره في النضال ضد الإمبريالية والتعسف الخليفي في البحرين .
وفي البرنامج نفسه تحدث شخص كويتي يعمل مساعدا ً للمدير الفني بوزارة التعليم بالكويت اسمه عبد المحسن الراشد عن الوضع في الخليج وسيطرة الاستعمار والإمبريالية هناك وكان مما قاله :
" أيها الأخوة : لقد انتصرنا في معركة بور سعيد ، وذلك بفضل يقظتنا ووحدتنا . وخلال العدوان على مصر ، اتخذ أبناء الخليج العربي موقفا ً أدخل الرعب والخوف في قلوب الإمبرياليين وعملائهم الذين بدأوا يالتخطيط للقضاء على الضمير الوطني الحر . واحتلالهم البحرين دليل حقيقي على ذلك ، إن البحرين العربية المقاتلة يجب أن لا تترك وحدها تعاني الإذلال على أيدي الإمبرياليين وعملائهم " .
" إن البحرين العربية تستنجد بكم ، فاستجيبوا لندائها ونضالها من أجل عروبتكم هناك . قاوموا غزو المعتمدين وعملائهم الإقطاعيين ، الذين باعوا أرضهم ووطنهم للغاصبين " .
وفي 7 / 4 / 1957 أذاع راديو " صوت العرب " بالقاهرة في البرنامج المذكور " الخليج العربي والجنوب العربي " الساعة 16:45 بتوقيت غرينتش مقابلة مع بدرية خلفان حول الأوضاع الأخيرة في البلاد واعتقال قيادات الهيئة وطرق محاكمتهم والتهم التي وجهت إليهم .
وفي 3 / 10 / 1957 أذاعت الإذاعة المذكورة تعليقا ً سياسيا ً لشخص اسمه أبو الحسن من البحرين بعنوان " السياسة الإمبريالية لتجويع الشعب " تناول فيه الوضع السياسي الراهن وخلفياته التاريخية والسياسية البريطاني في البلاد ، فكان مما قال :
" إن الحكومة البريطانية في البحرين تستعمل كل الوسائل لوضع كل العراقيل بوجه الخريجين الجامعيين ، ومنع المواطنين المتعلمين من الوصول إلى المناصب الحكومية التي تتناسب مع كفاءاتهم فالبريطانيون يقدمون لهم رواتب أقل بكثير بالمقارنة منع الموظفين البريطانيين والأوروبيين الذي لا يمتلكون الشهادات أو الخبرة . وفي مثل هذا الوضع ، يجبر البحرانيون الشباب على الهجرة من البحرين إلى الأماكن التي يحصلون فيها على رواتب تعادل ضعف ما يحصلون عليه في الوظائف الحكومية بالبحرين " .
أما الصحافة البريطانية فكانت تهتم بما يحدث في البحرين من زاويتين ، إما لتهييج الرأي العام وتضخيم الأمور لتبرير التدخل البريطاني السافر ، أو من زاوية اعتراض بعض الجهات السياسية في بريطانيا على بعض الممارسات البريطانية في البحرين . وقد نشرت في شهر أغسطس 1956 عدة أخبار عن تهديدات قيل أنها صدرت على لسان عبد الرحمن الباكر عندما كان في دمشق بقتل البريطانيين في البحرين فيما لو أقدمت بريطانيا على عمل عسكري ضد مصر ، واستعملت هذه الأخبار لاحقا ً ضد الهيئة أثناء محاكمات قادتها في شهر ديسمبر 1956 .
وفيما كان الوضع الداخلي في البحرين يتجه نحو الهدوء على أثر الضربة التي وجهت لحركة الهيئة عام 1956، كان السجناء السياسيون الخمسة يقضون أحكام السجن في مكانين مختلفين ، فكان إبراهيم موسى وإبراهيم فخرو في سجن جزيرة جدة ، بينما كان عبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان وعبد علي العليوات منفيين في جزيرة سانت هيلانة الواقعة في وسط المحيط الأطلسي غرب أفريقيا . وقد رفعت دعوى قضائية إلى المحاكم البريطانية حول عدم شرعية نقل هؤلاء السجناء من البحرين إلى سانت هيلانة . وكان واضحا ً أن القضية ستنجح ، ولذلك مارست الحكومة البريطانية لعبة تأجيل النظر في القضية وماطلت في الموافقة على حضور الحكمة ، ولم يصدر حكم المحكمة البريطانية في سانت هيلانة إلا في شهر يوليو عام 1961 حيث قضت ببطلان قرار نقل السجناء الثلاثة من بلادهم إلى الجزيرة المذكورة . وعلى أثر ذلك تم إطلاق سراحهم ونقلهم إلى لندن ومنها إلى بيروت حيث استقر عبد الرحمن الباكر حتى وفاته عام 1967 وبقي عبد علي العليوات في دمشق ثم انتقل إلى النجف الأشرف بالعراق وأقام فيها حتى توفي عام 1973 . أما عبد العزيز الشملان فقد رجع إلى البحرين عام 1970 وخاض انتخابات المجلسين التأسيسي والوطني . وفاز بعضوية كل منهما . وبعد حل المجلس الوطني عام 1975 عين سفيرا ً للبحرين في القاهرة والهند . وتفي في يناير 1989 . أما إبراهيم موسى وإبراهيم فخرو فقد قضيا تسعة أعوام في السجن ، وتفي إبراهيم موسى لاحقا ً ولم يبق على قيد الحياة ( من بين قادة الهيئة ) حتى كتابة هذا الكتاب إلا إبراهيم فخرو .
________________
* الهوامش :
1- تقرير المقيمية السياسية رقم EA1013/12 بتاريخ 12 نوفمبر 1954 في الملف السابق .
2- تقرير المقيمية السياسية رقم EA1013/13 بتاريخ 13 ديسمبر 1954 في الملف السابق .
3- ترجمة الرسالة موجودة في ملف وزارة الخارجية رقم FO 371/1/114586
4- رسالة المقيم السيد باروز إلى وزير الخارجية أنتوني أيدن رقم 113 بتاريخ 26 ديسمبر 1954 في الملف FO 371/1/114586
5- رسالة المقيم إلى وزير الخارجية ، هارواد ماكميلان ، رقم 52 بتاريخ 9 مايو 1955 في ملف وزارة الخارجية FO 371/114587
6- البرقية رقم 623 من المقيم السياسي إلى وزارة الخارجية في 25 أغسطس 1955 في الملف FO 371/114587
7- الرسالة رمق 102 من المقيم السياسي إلى وزير الخارجية ، هارولد ماكميلان ، بتاريخ 5 سبتمبر 1955 في الملف السابق .
8- الرسالة 55 / 90 / 1 / 10111 من المقيم السياسي إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 13 سبتمبر 1955 بالملف السابق .
9- برقية المقيم إلى الخارجية رقم 685 بتاريخ 19 سبتمبر 1955 بالملف السابق .
10- برقية رقم 716 من المقيم إلى الخارجية بتاريخ 6 أكتوبر 1955 بالملف السابق .
11- برقية رقم 760 من المقيم إلى الخارجية في 25 أكتوبر 1955 بالملف السابق .
12- برقية رقم 172 من المقيم إلى الخارجية في 4 مارس 1956 بالملف FO 371/120544
13- برقية المقيم السياسي لوزارة الخارجية رقم 173 بتاريخ 4 مارس 1956 في الملف السابق .
14- برقية المقيم إلى الخارجية رقم 177 بتاريخ . 4 مارس 1956 في الملف السابق .
15- برقية المقيم إلى الخارجية رقم 196 بتاريخ 11 مارس 1956 بالملف السابق .
16- برقية من الممثل البريطاني في بغداد إلى الخارجية البريطانية رقم 322 بتاريخ 4 مارس 1956 بالملف السابق .
17- رسالة السيد ما ينورز ، إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 8 مارس 1956 بالملف السابق .
18- رسالة المعتمد إلى المقيم رقم 56/ 56 / 9011 بتاريخ 22 مارس 1956 بالملف FO 371/120545
19- برقية المقيمية السياسية إلى الخارجية رقم 231بتاريخ 16 مارس 1956 بالملف السابق .
20- رسالة المقيم إلى الخارجية رقم 378 بتاريخ 30 أبريل 1956 بالملف السابق .
21- رسالة المقيم إلى الخارجية رقم 425 بتاريخ 9 مايو بملف الخارجية رقم FO 371/120546
22- رسالة الخارجية البريطانية إلى المعتمدية في البحرين رقم 730 بتاريخ 13 يونية 1956 بملف وزارة الخارجية FO 371/120546
23- رسالة المعتمد إلى المقيم السياسي رقم 56/ 125/1011 بتاريخ 3 مايو 1956 بملف وزارة الخارجية رقم FO 371/120546
24- برقية المقيم للخارجية البريطانية رقم 563 بتاريخ 19 يونيه 1956 بملف وزارة الخارجية رقم FO 371/120547
25- رسالة المعتمد السياسي إلى الخارجية رقم 578 بتاريخ يونيه 1956 بالملف السابق .
26- برقية الخارجية إلى المقيم السياسي رقم 598 بتاريخ 30 مايو 1956 بملف وزارة الخارجية رقم FO 371/120546
27- التقرير صد باللغة العربية وترجمته المقيمية السياسية إلى اللغة الإنجليزية في 24 صفحة وتوجد نسخة منه في ملف وزارة الخارجية رقم FO 371/120549
28- رسالة المقيمية السياسية إلى وزير الخارجية سلوين لويد رقم 103 بتاريخ 9 سبتمبر 1956 بملف وزارة الخارجية رقمFO371/120549
29- رسالة المقيمية إلى الخارجية رقم 50 بتاريخ 6 أكتوبر 1956 بالملف السابق .
30- رسالة المعتمد للمقيم رقم G57/6/1011 بتاريخ 17 يناير 1957 بملف الخارجية رقم FO71/1268940
31- مذكرة كتبها السيد دي . إم . ريتش في 11 إبريل 1957 يناقش فيها ملابسات الوضع في البحرين واستقالة بلجريف ، ملف الخارجية رقم FO71/126897
32- مراسلات عديدة بهذا الخصوص بين المقيم والخارجية البريطانية حول تعيين سميث بديلا ً عن بلجريف محفوظة بملف الخارجية FO71/126897
33- نسخة من تقرير السيد كامينز موجودة كوثيقة برقم EA1016 /75 ملف وزارة الخارجية FO71/126897
34- ملاحظات كتبها السيد آدمز الموظف بالخارجية في 5 أغسطس 1958 لطرحها للمناقشة مع شيخ البحرين في لندن ، ملف الخارجية FO71/132531
35- ترجمة للمقال محفوظة في ملف وزارة الخارجية رقم FO71/126895
36- ترجمة للمقال المذكور بملف الخارجية رقم FO71/126896
37- عدد من البرامج الإذاعية الخاصة التي كانت تبثها إذاعتا القاهرة وصوت العرب ترجمتها والاحتفاظ بنسخة منها في ملف وزارة الخارجية رقم FO71/126896
مرحبا ، هل أنت بحاجة إلى دعم مالي؟ هل تحتاج إلى قرض؟
ردحذفأنا سوزان بنسون من مجموعة Sunshine Financial Group. أنا مقرض وكذلك مستشار مالي.
نقدم جميع أنواع خدمات القروض (القروض الشخصية ، القروض التجارية ، قروض الرهن العقاري وغيرها الكثير). نقدم قروضًا طويلة الأجل وقصيرة الأجل ، وقروضًا مضمونة وغير مضمونة بسعر فائدة ميسور 3٪ سنويًا. لمزيد من المعلومات حول خدمتنا ، يمكنك فقط مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني: sunshinefinancialgroupinc@gmail.com أو راسلنا مباشرة على WhatsApp أو Telegram عبر: 00447903159998 واستقبل ردًا في الحال.
نحن شركة خدمات مالية شاملة ونحن ملتزمون بمساعدتك على تحسين أهدافك المالية طويلة المدى وقصيرة المدى لأن استقرارك المالي هو هدفنا النهائي.
مع ما يحدث في جميع أنحاء العالم ، يواجه الكثير من الناس تحديات مالية غير محددة الوقت ، يجد بعضهم صعوبة في الحصول على قرض من بنوكهم المحلية أو معاهد مالية أخرى لبعض الأسباب.
يمكننا مساعدتك في حل تحدياتك المالية ، فقط اكتب لشركتي وسنساعدك بقرض. لقد ساعدنا العديد من الأفراد والمنظمات الذين يواجهون صعوبات مالية في جميع أنحاء العالم. عندما تتقدم بطلب معنا ، فإنك تتقدم بطلب مع شركة موثوق بها تهتم باحتياجاتك المالية ، وأولويتنا القصوى هي استقرارك المالي.
لمزيد من المعلومات حول عرض القرض الخاص بنا ، يرجى إرسال طلب القرض الخاص بك إلينا عبر:
البريد الإلكتروني: (sunshinefinancialgroupinc@gmail.com) أو ؛
WhatsApp: +447903159998
يمكنك الكتابة إلينا في أي وقت وفي أي مكان.
2020 © جميع الحقوق محفوظة