اعترف الكاتب مهدي عبدالله بانه اسقط بعض الاوراق من مذكرات بلجريف وذلك خلال ندور اقيمت بـ«جدحفص الثقافي» والوسط نقلت ما دار فيها:
مهدي عبدالله: صرت أعيّب بصفحات أغفلتها من ترجمة المستشار بلغريف
«أغفلت صفحات من ترجمة مذكرات بلغريف فصرت أعيّب حتى من قبل من لا يعرفني، وربما حتى من قبل من لم يقرأ الكتاب أصلاً» جاء ذلك على لسان المترجم مهدي عبدالله في محاضرة عقدها مركز جدحفص الثقافي لكتابه «مذكرات بلغريف»، بقاعة مركز جدحفص الاجتماعي.
تحدث مهدي عبدالله عن المستشار بلغريف، فعرّف به وبيّن أهمية كتابه وأتى على أهم ما
في المذكرات من آراء تبنّاها الرجل وكانت تمثل مواقفه من
البحرين وأهلها سياسياً واجتماعياً، وتوقف مع ترجمته للكتاب مبيناً أهم انطباعاته عن الكاتب وأسلوبه ناقداً بعض ما ذهب إليه بلغريف من مواقف من أهل البحرين، وختم محاضرته بما واجهه بعد نشر المذكرات من طرائف ومواقف ما زالت عالقة بذاكرته حتى الآن.
عرّف عبدالله بشخصية بلغريف فأشار إلى أنه مستشار حكومة البحرين من من 1926- 1957م واسمه تشارلز داليرمبل بلغريف، بريطاني الجنسية من مواليد 1894م، وقدم إلى البحرين 1926 بعد نشر إعلان عن وظيفة شاغرة في صحيفة التايمز كمستشار لأمير البلاد الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، ومع مرور السنين ازدادت المسئوليات التي كان يقوم بها بلغريف فأصبح مسئولا عن موازنة الإمارة وقائداً للشرطة، والمسئول الأول عن إيرادات النفط، وأمور القضاء، والصحة، والتعليم، والأشغال وقد جمع في حوزته الكثير من السلطات.
وتابع: ومع ظهور المد القومي شهدت البحرين في بداية الخمسينيات حركة سياسية وطنية وكان من مطالبها عزل بلغريف وإبعاده. وقد شهدت البلاد حالة من الاضطرابات المدنية استمرت حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 1956 حيث ألقي القبض على قيادة «الهيئة» ونفي زعماؤها، ثم أصيت بلغريف بمرض مفاجئ شديد في أبريل/ نيسان 1957 فأراد على أثره مغادرة البحرين نهائياً لإجراء عملية عاجلة في لندن ثم التقاعد.
وأشار عبدالله إلى أن أهمية الكتاب ترجع إلى أنه يؤرخ لحقبة مهمة في تاريخ البحرين الحديث ابتداءً من منتصف العشرينيات وحتى أواخر الخمسينيات. هذه الحقبة التي شهدت البلاد خلالها تغيّرات كبيرة في مجال التنمية الاجتماعية والعمرانية وإنشاء الدوائر الحكومية التي مهدت لقيام مؤسسات الدولة وأجهزتها الإدارية، كما يتطرق الكتاب إلى شرح خلفيات وظروف الكثير من الأحداث التي شكلت نقاط تحوّل في تاريخ البحرين، على سبيل المثال لا الحصر تحدثه عن بداية تعليم البنات والمشكلات التي واجهتها الحكومة ومعارضة الأهالي لدى افتتاحها لأول مدرسة للبنات العام 1928، كذلك وصفه الحي والمشوق لما حدث يوم تدفق البترول من أول بئر نفطي مؤذناً بدخول الإمارة لمرحلة جديدة من التطور الاقتصادي والتحسن في الإيرادات، كذلك تعرض لافتتاح جسر الشيخ حمد ودخول البحرين عصر السفر بالطائرات وتدرج الخدمات الصحية والتعليمية والقضائية والإعلامية، بالإضافة إلى أن مؤلفه مسئول حكومي سابق، لديه إلمام بكل الأمور والقضايا التي كانت تدور في الإمارة علاوة على كونه عنصراً مؤثراً في القرارات التي تتخذ بشأنها. فمؤلف الكتاب يروي الوقائع التي كان طرفاً فيها وشهدها، ولعل هذا ما يميز «العمود الشخصي» أو مذكرات بلغريف عن الكثير من المراجع التي كتبت بشأن البحرين عن تلك الفترة.
وأضاف أن المعلومات الواردة في الكتاب دقيقة جداً من حيث الأرقام والتواريخ فمثلاً عندما يتحدّث عن واقعة سقوط طائرتين في البحرين العام 1950 فأنه يصف بالضبط مكان وقوعهما وعدد القتلى وعدد المصابين من الرجال والنساء والأطفال وأعمارهم وحتى دياناتهم.
وتابع مبيناً أهمية الكتاب أنه يمثل وجهة نظر شخص أوروبي (بريطاني) بشأن الكثير من العادات والتقاليد والسلبيات السائدة في مجتمعنا وعبر الكتاب يمكننا أن نستشف رأي بلغريف في الرجل العربي بوجه عام والبحريني على وجه خاص. إضافة إلى ذلك يمكننا أن نلمس بوضوح موقفه المناهض من حركات التمرد في الوطن العربي ورأيه في نمو الوعي السياسي في البحرين.
يتحدث بلغريف في الكتاب عن كيفية مجيئه إلى البحرين وانطباعاته الأولى عنها، وعن عملية اكتشاف النفط في البحرين والتفاوض مع الشركات المنقبة، وازدياد الإيرادات بفضل النفط. وتحدث عن تطوّر المحاكم، والشرطة وإشرافه على تكوين أفرادها، وإعداد موازنة الإمارة وتطور المرأة في البحرين، وتقاليد الزواج حينها وتعليم البنات وعن اللؤلؤ، استخراجه وأفول تجارته بحلول العام 1932 والكساد الاقتصادي العالمي، وتطور التعليم وازدياد عدد المدارس، وإنشاء مستشفى النعيم،والتغيرات الاجتماعية مع إنشاء شركة بابكو وانتشار دور السينما حينها.
وأشار المترجم إلى أحداث الخمسينيات كما وردت في الكتاب حيث الفتنة الطائفية في العام 1953واستقالة 3 من أعضاء مجلس بلدية المنامة من الطائفة الشيعية ثم الاضطرابات المدنية في 1954، وتأسيس لجنة أهلية طالبت بإصلاحات في المحاكم وبقانون قضائي للبلاد، وحينها تم إصدار قانون جزائي من قبل المكتب البريطاني الخارجي فوافقت عليه حكومة البحرين، عارضت اللجنة الأهلية القانون لأنه أعد وكتب في بريطانيا وتم تأجيل تطبيقه، وعن إصدار الحكومة لقانون التأمين الإجباري على المركبات بسبب كثرة حوادث السيارات لكن سواق التاكسي والباصات أعلنوا الاضراب ضده بسبب مبالغ التأمين المرتفعة. ثم تأسيس شركة تأمين وطنية.
ثم تحدث المترجم عن رصد بلغريف لانبثاق الهيئة التنفيذية العليا أواخر 1954 كنواة لحزب سياسي، وأشار إلى أعضاء الهيئة 8، أربعة من الشيعة وأربعة من السنة، هم عبدعلي العليوات، والسيد علي كمال الدين ومحسن التاجر وعبدالله أبوديب. وعبدالعزيز الشملان وعبدالرحمن الباكر وإبراهيم محمد حسن فخرو وإبراهيم أحمد موسي، وذكر أهم مطالب الهيئة: من تأسيس مجلس تشريعي. ووضع قانون عام للبلاد، جنائي ومدني. والسماح بتأليف نقابة للعمال، وتأسيس محكمة عليا، للنقض والإبرام.
وأشار إلى إضراب شهر ديسمبر/ كانون الأول في القرى والمدن. وفي نهاية 1954: شكل الشيخ سلمان لجنة من الطائفتين لدراسة وجهات النظر الشعبية بشأن خدمات التعليم والصحة العامة، وقد قاطعت الهيئة هذه الجهود، ثم تم تشكيل لجنتين للتعليم والصحة.
وتعقد موقف بلغريف حين أخذت الهيئة تهاجم المشاريع التي قام بها، وازداد الوضع السياسي تعقيداً وأصبحت اجتماعات الهيئة أكثر حدة وضراوة. وفي 1955 تعاطف التجار مع الهيئة وأخذوا يمولونها، ويتصعد الموقف في البحرين بمساندة مصر للهيئة في مطالبها عبر إذاعة صوت العرب التي تشن حملات عنيفة ضد المستشار وضد الإمبريالية البريطانية في الخليج، وأعطى التأييد الذي لقيته الهيئة من مصر دفعة قوية، نتيجة لما يتمتع به جمال عبدالناصر من شعبية عارمة في العالم العربي، وفي فبراير/ شباط 1956 تجري انتخابات مجلس التعليم والصحة حيث تقرر تعيين ثلاثة أشخاص وانتخاب ثلاثة آخرين على أن يكون رئيس المجلس أحد أعضاء العائلة الحاكمة، ويفوز مرشحو الهيئة بأغلبية ساحقة في مجلس التعليم بينما لم تتم انتخابات مجلس الصحة، ولم ينعقد مجلس التعليم لسبب الكراهية المتبادلة بين الأعضاء المعينين والأعضاء المنتخبين.
ويصل في مارس وزير الخارجية البريطاني سيلوين لويد في طريقه من لندن إلى باكستان وتقوم ضده مظاهرات صاخبة حيث أساءت الجماهير استقباله فأصدرت الهيئة بياناً اعتذرت فيه عن تصرفات الجماهير تجاه وزير الخارجية وفي نفس الوقت طالبت بعزل المستشار، وفي هذا الوقت كانت دار المعتمد البريطاني تتفاوض مع أحد رجال الهيئة لكي يغادر البحرين لفترة 5 أشهر حتى يستتب الأمن وتشكل الحكومة مجالس استشارية.
وحينها نصح بلغريف بوجوب أن يجلس مع 4 أعضاء من الهيئة للتباحث معهم حيث التقى بهم في مكتبه وكان الاجتماع حسب كلامه ودياً للغاية، إذ أخبروه بأنهم لا يتمنون مغادرته البلاد، وأطلعهم على إعلان أصدره الشيخ بتكوين اللجان لصالح شعب البحرين، وأعربوا عن استعدادهم لتغيير اسم الهيئة والبدء من جديد، ولكن بعد ذلك ازدادت الأمور سوءاً حيث حدث إضراب لمدة أسبوع وسادت خلال الاضطرابات فوضى في المنامة، تم إثرها فرض حظر التجول ليلاً. ثم توقفت المواصلات وأصبحت الحياة شبه مشلولة. وتعرضت زوجة المستشار ومرافقوها إلى اعتراض سيارتهم أثناء عودتهم من حفل في الجفير. وفي فبراير: توقفت الهيئة التنفيذية العليا عن نشاطها، حيث ولدت هيئة الاتحاد الوطني، المكونة من سبعة أشخاص، من الهيئة الأصلية.
وازدادت المطالبة بالاستغناء عن المستشار وضرورة مغادرته للبحرين. حينها كان عمره 61 سنة إذ تناقش مع زوجته في هذا الموضوع قبل ذلك، حسبما يقول واتفقا على الرحيل وأبلغ المستشار الشيخ سلمان برغبته في التقاعد فوافق الشيخ على أن يكون التقاعد في خريف 1957.
وإثر العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر/ تشرين الأول 1956 تجري مظاهرات شعبية مطالبة بخروج المحتلين ومهاجمة الدول المتحالفة ضد مصر ومن بينها بريطانيا، ويهاجم المتظاهرون الشركات البريطانية في البحرين ويلحقون الأضرار بها ويحرقون بعض مبانيها.
وإثر استمرار الأحداث والاحتجاجات يأمر الشيخ سلمان بإلقاء القبض على خمسة من زعماء الهيئة، ويتم في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956 إلقاء القبض على أعضاء الهيئة «الشملان والباكر والعليوات وإبراهيم فخرو وإبراهيم موسى» ويتم محاكمتهم بمركز شرطة البديع، حيث حكمت المحكمة بسجن الشملان والباكر والعليوات لمدة 14 سنة ونفيهم إلى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الأطلسي وحكمت على إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى بالسجن لمدة 10 سنوات ونفيهم إلى جزيرة جدة. بعدها عادت الأمور إلى طبيعتها في البحرين، بحسب بلغريف وتم تعيين مجلس إداري وباشر الشيخ سلمان الحكم، وفي أبريل/ نيسان 1957 يصاب بلغريف بعارض مرضي شديد ينقل على أثره للمستشفى وينصحه الطبيب بالسفر بصورة مستعجلة إلى لندن لإجراء عملية جراحية. كان الخبر كالصاعقة عليه فأخذ يلملم أغراضه وحاجياته ويستعد للرحيل. وفي 18 - أبريل يغادر البحرين مع زوجته وابنته دون رجعة.
وختم عبدالله محاضرته بانطباعات بشأن الكتاب المترجم فأشار إلى أن المؤلف يتمتع بأسلوب شيّق وجذاب في الكتابة يجعل المرء يستمتع بقراءته حتى نهاية فصوله. إذ يستهل المؤلف كل فصل من الفصول الأربعة والعشرين بأبيات شعرية أو فقرات قديمة لأدباء وشعراء أوروبيين بشأن البحرين أو بشأن الخليج أو يستشهد بعبارات ومقولات لأقطاب الفكر والمسرح والأدب. ولقد شعر بالأسف الشديد لعدم ترجمة تلك الأبيات.
وأضاف عبدالله بأن الكتاب مليء بالحكايات الطريفة والنوادر المسلية التي تجذب القارئ وتجعله يستأنس بقراءته مثلاً وصفه لحدث وصول السادات للبحرين - حكاية أم القوطي - تحدثه عن العصافير - حكاية سقوطه في القبر.
وفي مجال النقد أشار المترجم إلى ملاحظته أن بلغريف مؤلف الكتاب حينما ينتقد خصومة السياسيين فأنه يهاجمهم بعنف شديد ويستخدم ألفاظا وعبارات «سوقية» للتشهير بهم لا تليق بسمعته كمسئول كبير سابقاً متبعداً بذلك عن الموضوعية والمنهج العلمي في النقد.
وينتقد البحرينيين: لأنهم لا يشعرون بالعرفان، بطبيعتهم، وهم ماديون وكثيروا السخرية من الآخرين.
الكثير من الناس تساءلوا هل تمت ترجمة الكتاب بالكامل، والبعض الآخر زعموا بأن أكثر من نصفه لم يترجم، وأود هنا أن أضع النقاط على الحروف كما يقولون: حيث هناك فصل مكون من ثماني صفحات يتعلق بالخلافات التاريخية بين قطر والبحرين والنزعات السياسية الحدودية التي جرت بين البلدين لم أقم شخصياً بترجمته لان الدولتين برأيي تجاوزتا تلك المرحلة وتربطهما حالياً علاقات طبية وتشتركان في عضوية مجلس التعاون الخليجي، وليس من الحكمة أو من مصلحة الدولتين استعادة تلك الخلافات مرة أخرى.
وأضاف عبدالله أن هناك بعض الصفحات التي تتحدث عن وقائع سياسية معينة بالتفصيل وخصوصاً في حقبة الخمسينيات لم أقم بترجمة أجزاء منها أو اختصرتها لحساسيتها وليقيني بمخالفتها لقانون المطبوعات بدولة البحرين. كما أن رئيس تحرير مجلة صدى الأسبوع الأستاذ علي سيّار، حينها، حذف بعض الفقرات المترجمة أثناء نشر حلقات الكتاب بمجلته العام 1989.
وتابع بأن الأصل الإنجليزي للكتاب يحتوي على تفاصيل تاريخية بشأن المذهب الشيعي ووصف لمواكب العزاء التي تقام خلال شهر محرم من كل سنة هجرية إضافة إلى صور توضيحية لها وقد وجدت أنه ليس من المناسب ترجمة هذه التفاصيل بسبب أسلوب المؤلف الساخر والتهكمي في تناولها ولسبب آخر هو اعتقادي بأنه أوردها بالكتاب لتعريف القارئ الغربي والبريطاني على وجه الخصوص بالتقاليد الدينية في البحرين.
وأضاف وأود أن أوضح بأن نسبة ما تم حذفه من النسخة الإنجليزية ولم أقم بترجمته لا تتعدى الـ 10 في المئة من صفحاته، ويمكننا أن نتحقق من ذلك إذا علمنا أن عدد صفحات الأصل الإنجليزي 248 صفحة من الحجم الصغير، بينما تبلع صفحات النسخة العربية من كتاب مذكرات بلغريف 391 صفحة من القطع المتوسط.
وختم بقوله: لقد فاتني كمترجم أن أشير في مقدمة الكتاب إلى الفقرات والأجزاء التي لم أترجمها وذلك وفقاً لما تقتضيه الأمانة العلمية، وأنا أعترف بهذا القصور وسأعمل على تلافي ذلك في الطبعة الثانية.
جدحفص- حبيب حيدر
الوسط العدد 2386 الخميس 19 مارس 2009 الموافق 22 ربيع الاول 1430 هــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق