عند الحديث عن وضع البحرين قبل الاستقلال، يجب التذكير بأن التاريخ السياسي للبحرين هو مرتبط بالتاريخ السياسي للأمارات العربية الأخرى المجاورة وذلك نتيجة لبسط النفوذ السياسي البريطاني على منطقة الخليج من شمال البحر المسمى آنذاك بالخليج الفارسي إلى جنوبه. وقد بدأ النفوذ السياسي لبريطانيا يتغلغل في منطقة الخليج في بداية القرن العشرين. وبحجة أن بواخر شركة الهند الشرقية التي كانت تحكم القارة الهندية آنذاك، كانت تتعرض إلى هجمات مسلحة من قبائل القواسم المتحصنة في رؤوس الجبال في الساحل العماني، أقدمت بريطانيا، بداية، على عقد سلسلة من الاتفاقيات البحرية بين سنة 1806_1853 مع حكام إمارات ساحل عمان.
وتشمل هذه الاتفاقيات أحكاما تلزم حكام الإمارات بالتوقف عن الغارات البحرية على السفن البريطانية وبمكافحة الاتجار بالرقيق والالتزام بالمحافظة على السلام والاستقرار في مياه وأراضي الخليج عموما. وأهم هذه الاتفاقيات، اتفاقيتان هما المعاهدة العامة للسلام المعقودة في 8 يناير 1820 والمعاهدة الدائمة للسلام المعقودة في 4 مايو 1853. وقد وقع هذه المعاهدات في الأصل حكام إمارات ساحل عمان. وقد انضم إلى هذه المعاهدات حاكم البحرين وحاكم قطر الذي التزم بها بصورة غير مباشرة كما سنبين لاحقا.
أما مرحلة التدخل البريطاني في شئون حكام هذه الإمارات فقد ابتدأت بما نسميه بالاتفاقيات السياسية المعقودة معهم بين سنة 1861 وسنة 1916.
وتشمل الاتفاقيات السياسية المعروفة بتعبير اتفاقيات المنع والتحريم (Exlusive Agreements)، الاتفاقيات التالية:
1- اتفاقيات الأعوام 1861،1880،1892 مع حاكم البحرين.
2- اتفاقية عام 1899 مع حاكم الكويت. وقد عقدت بصورة سرية بداية لكون بريطانيا كانت تتحاشى الدخول في معركة سياسية مع سلطان الدولة العثمانية نظرا لأنها كانت تعتبر الكويت واقعة تحت النفوذ العثماني.
3- اتفاقية عام 1868 مع حاكم قطر والتي كانت سرية في البداية لنفس الأسباب السالف بيانها بشأن الكويت.ولكن بريطانيا أقرت مضمون اتفاقيات المنع أو التحريم في اتفاقية أخيرة مع قطر في عام 1916 بعد القضاء على النفوذ العثماني كليا في الخليج
4- اتفاقية عام 1892 مع حكام الساحل المتصالح (الإمارات العربية المتحدة حاليا). الذي أصبحت بريطانيا تطلق عليه هذا الاسم بعد عقد الاتفاقيات البحرية مع حكامه.
الالتزامات المفروضة بموجب هذه العاهدات والاتفاقيات:
يتضح عموما من استعراض نصوص وأحكام المعاهدات السياسية السالفة الذكر التي عقدتها بريطانيا مع حكام إمارات الخليج، أن هذه الاتفاقيات فرضت على هؤلاء الحكام قيودا وشروطا سيادية تحرم عليهم القيام بالأعمال التالية:
أ- الاتصال بالدول الأجنبية أو إنشاء علاقات دبلوماسية أو غيرها معها، بدون موافقة الحكومة البريطانية.
ب- المفاوضة أو عقد معاهدات أو اتفاقيات مع الدول الأجنبية، عدا بريطانيا، بدون موافقة الحكومة البريطانية.
ج- التنازل أو التخلي عن أي جزء من الأراضي في هذه الدول بأية طريقة، لأية دولة أجنبية، بدون اخذ موافقة الحكومة البريطانية مسبقا.
د- منح أية امتيازات خاصة بالنفط أو المعادن للدول الأجنبية، بدون استشارة الحكومة البريطانية واخذ موافقتها مسبقا.
وفي مقابل هذه الالتزامات والتعهدات التي حصلت عليها بريطانيا، التزمت الحكومة البريطانية لحكام هذه الإمارات بان تحميهم ضد العدوان الخارجي على أراضيهم، أن تحافظ على الاستقلال الذاتي لكياناتهم، وان تحافظ على مصالحهم السياسية والاقتصادية، وان تحمي مصالح مواطنيهم في الخراج، وأن تقوم بتسيير شئونهم الخارجية. ويلاحظ أن اغلب هذه الالتزامات البريطانية لا تقوم على أساس نصوص صريحة في المعاهدات أو الاتفاقيات المذكورة، وإنما نشأت نتيجة للعرف والممارسة الدولية لبريطانيا. إن القيود والالتزامات السالفة الذكر التي وضعتها بريطانيا على أنظمة الحكم في دول الخليج – خلال فترة الحماية والبريطانية – قد سلبت من هذه الأنظمة ممارسة حقوق السيادة في الشؤون الخارجية (external sovereignty)، هذه الحقوق التي هي عنصر أساسي لاستقلال الدولة في مفهوم القانون الدولي.
الوضع القانوني لإمارات الخليج العربي:
كانت الحكومة البريطانية تشير إلى إمارات الخليج – خلال حقبة الحماية البريطانية عليها – بتعبير "الحكومات المستقلة المرتبطة ببريطانيا بعلاقات تعاهدية خاصة". ويشار إليها أحيانا "الدول المحمية" "Protected States". وهذا التعبير يختلف عن تعبير "المحميات" "Protectorates" الذي يختلف بدوره عن تعبير "المستعمرات" "Colonies" التابعة للتاج البريطاني مباشرة.
ونتيجة لوضع الحماية الواقعي على حكام إمارات الخليج، فقد كان يمثل مصالح الحكومة البريطانية في الخليج مقيم بريطاني يجمل لقب " المقيم السياسي البريطاني" "Political Resident" الذي استقرت أقامته في البحرين بعد استقلال الهند في سنة 1948.كما كانت تمثل بريطانيا في كل أمارة بوكيل سياسي يُعرف بالمعتمد البريطاني.
الوضع في البحرين:
إن شرحنا للوضع السياسي لإمارات أو "مشيخات الخليج" عموما كما كانت تسمى سابقا، يشمل الوضع السياسي للبحرين قبل الاستقلال. أما بالنسبة للوضع السياسي للبحرين بالذات، فقد ساعد وهيأ لاستقلال البحرين عاملان مهمان.فمن ناحية ، كان هناك التصريح البريطاني الشهير لحكومة حزب العمال الصادر في يناير 1968 بشأن قرار الحكومة البريطانية بالانسحاب العسكري الكامل من شرق السويس بنهاية ديسمبر من العام 1971. وهذا يعني الانسحاب البريطاني العسكري من الخليج أيضا.
وكما هو الحال بالنسبة للبحرين، فقد ساعد أيضا عامل الانسحاب البريطاني من الخليج على تهيئة الإمارات الأخرى للاستقلال. وقد شجعت بريطانيا حكام الإمارات على عقد اتحاد تساعي شبيه باتحاد سلاطين ماليزيا.
ومن جهة أخرى، كانت هناك مطالبة شاه إيران لضم البحرين إلى إيران إذا ما أعلن استقلالها عن بريطانيا دون التوصل إلى حل سلمي بشأن هذه المطالبة.
وسنتناول هذين الموضوعين باختصار كما يلي:
فيما يتعلق باجتماعات الحكام بشأن تكوين الاتحاد التساعي لإمارات الخليج الأعوام 1968-1971 ، فان فكرة الاتحاد التساعي للإمارات الخليجية ترجع أساسا إلى اتفاقية اتحاد الإمارات العربي التسع التي وقعها حكام هذه الإمارات في دبي بتاريخ 27 فبراير 1968 والتي تنص على تكوين هذا الاتحاد الفدرالي للإمارات العربية وتحديد اختصاصات حكومة كل أمارة واختصاصات حكومة الاتحاد.
ولكن بالرغم من الاجتماعات التي عقدت بشأن وضع دستور للاتحاد التساعي خلال السنوات 1968-1971، فان هذه الاجتماعات لم تأت بنتيجة تذكر لحل الخلافات التي كانت قائمة أساساً بشأن تكوين المجلس الوطني للاتحاد الذي أصرت البحرين على أن يكون منتخبا حسب التمثيل النسبي لسكان كل أمارة على حدة، بينما اتفقت كل الإمارات الأخرى على أن يكون المجلس الوطني للاتحاد معينا بعضوية متساوية لكل أمارة، على أن تعين كل أمارة مهما صغرت، 4 أعضاء في المجلس الوطني.
ونتيجة لهذه الخلافات التي لم تنجح الوساطات السعودية والكويتية والبريطانية في بداية علم 1971 على حلها، فقد انهار الاتحاد التساعي وذلك في الوقت الذي كانت فيه كل من البحرين وقطر تستعد لاتخاذ الإجراءات لإعلان استقلالها. أما بالنسبة لإمارات الساحل المتصالح السبع، فقد طلبت بريطانيا من حكام هذه الإمارات أن يكونوا اتحاد سباعيا فبما بينهم باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، مع استعدادها بان تعقد اتفاقية صداقة ومساعدات عسكرية معها. وقد تبنت هذه الإمارات دستورا مؤقتا على غرار الدستور التساعي الذي وضعه الخبير الدستوري الدكتور وحيد رأفت.
2- أما فيما يتعلق بطالبة شاه إيران بالسيادة على البحرين، فانه يمكن القول انه نتيجة لإعلان شاه إيران في مؤتمر عقده في مدينة دلهي الجديدة – أثناء زيارته الرسمية للهند – بتاريخ 4 يناير 1969 ، عن رغبته في التوصل إلى حل سلمي مع بريطانيا بشان مطالبة الإقليمية التاريخية بإقليم البحرين، فقد عقدت محادثات مكثفة سرية بين وفد بحريني رفيع المستوى ( وكان المحاضر احد أعضاء هذا الوفد) وممثلين إيرانيين معتمدين من الشاه في كل من جنيف ولندن بين سنتي 1969 – 1970 من اجل التوصل إلى طريقة لحل القضية عن طريق الوساطة الحميدة "good offices" لأمين عام الأمم المتحدة آنذاك السيد أوثنت التايلندي الجنسية الذي عين بدوره مدير عام مكتب الأمم المتحدة المستر وينسبير الإيطالي الجنيبة، ممثلا شخصيا له للقيام بهذه الهمهمة. وقد عهد إلى هذا الممثل الشخصي بالذهاب مع فريقه ( المسمى بلجنة تقصي الحقائق ) إلى البحرين لاستفتاء الشعب حول المطالبة الإيرانية ، الأمر الذي رفض من قبل البحرين، وإنما لأخذ قرار ممثلين عن مجالس إدارة الأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية وجمعيات المجتمع المدني عموما وأخذ آراء هؤلاء الممثلين لهذه المؤسسات وغيرهم من بعض المجالس الحكومية، فيما يتعلق بمعرفة أرائهم هؤلاء الممثلين لهذه المؤسسات وغيرهم من بعض المجالس الحكومية، فيما يتعلق بمعرفة أرائهم بشان مستقبل البحرين السياسي.
وقد كان الاستنتاج النهائي في هذا التقرير يؤكد قناعة الممثل الشخصي (وينسبير) " بأن الأغلبية الساحقة لشعب البحرين ترغب في أن تنال الاعتراف بذاتيتها ضمن دولة مستقلة ذات سيادة تامة، وحرة في أن تقرر بنفسها علاقتها مع الدول الأخرى" ، وذلك في الوقت الذي حددت الغالبية العظمى منهم رغبتها في أن تكون البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة.
وبتاريخ 11 مايو 1970 صدق مجلس الأمن على تقرير الممثل الشخصي للأمين العام بإجماع آراء أعضاء المجلس وعددهم 15 عضوا.
وبذلك، تغلبت البحرين على أزمتها السياسية مع إيران وأنهت هذا الخلاف عن طريق المفاوضات وبطريقة سليمة.
الإدارة في البحرين ومسيرة الاستقلال وما بعدها:
بعد أن تطرقنا إلى العوامل السياسية والخارجية التي أثرت على مستقبل البحرين وشجعتها على التوجه نحو الاستقلال السياسي، نتطرق إلى الكلام عن الوضع الداخلي.
المجلس الإداري للسنوات 1956-1969:
على صعيد الإدارة المحلية قبل الاستقلال يمكن القول إجمالا – ودون التعرض بإسهاب للأحداث السياسية خلال بداية فترة الخمسينات من القرن الماضي – بان البحرين كانت تدار داخليا خلال السنوات 1956-1969 عن طريق " مجلس إداري" كان هو ثمرة الإصلاح المتواضع الذي كانت الحكومة مستعدة لقبوله كبديل للإصلاحات الإدارية والسياسية الأساسية التي كانت تطالب بها في بداية الخمسينات هيئة الاتحاد الوطني التي كانت تسمى في السابق بالهيئة التنفيذية لعليا, كما تمخضت مطالب هيئة الاتحاد الوطني بشان إنشاء مجلس تمثيلي للشعب وإصلاح الجهاز الإداري والمحاكم، عن موافقة الحكومة المتواضعة قيما بعد على مجرد إنشاء مجلسين معينين أحدهما للتعليم والآخر للصحة. وكان المجلسان المعينان يضمان في عضويتهما أكثرية من المسئولين الحكوميين من رؤساء الدوائر الحكومية وأقلية من التجار ورجال الأعمال. كما استبدلت إدارة المستشارية بعد تعاقد المستشار بلجريف في سنة 1956، بدائرة السكرتارية برئاسة سكرتير الحكومة آنذاك المستر سميث الذي كان مديراً للجمارك.
مجلس الدولة سنة 1970:
ولكن في يناير 1970 – وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات بشأن الاتحاد الخليجي التساعي لا تزال جارية – صدرت مراسيم بإنشاء "مجلس الدولة" وتحديد اختصاصاته وتعيين أعضائه ، بما في ذلك المستشار القانوني للمجلس الذي عين عضواً فيه .
وقد ركز مرسوم مجلس الدولة اختصاصات نحو 22 دائرة حكومية – كانت تدار من قبل المجلس الإداري- في 11 دائرة حكومية فقط. وكان مجلس الدولة في الحقيقة مجلسا للوزراء بكل ما لهذا
التعبير من معنى، مع الاختلاف في التسمية فقط. فقد منح مجلس الدولة اختصاصاتِ إدارية تنفيذية وتشريعية.
مرحلة الاستقلال والتطور الدستوري:
لقد تم في صبيحة يوم 14 أغسطس 1971 التوقيع الرسمي بدار الحكومة بين حاكم البحرين والمقيم البريطاني في الخليج المستر جيفري آرثر على وثائق إنهاء نهائيا باتفاقيات 1888،1861، 1892 والاتفاقيات الأخرى المتعلقة بها التي أوجدت نظام الحماية البريطانية على البحرين خلال نحو 110 سنوات وذلك اعتبرنا اتفاقية 1861 هي بداية العلاقات التعاهدية الخاصة للبحرين مع بريطانيا.كما تم الإعلان الرسمي عن سيادة البحرين على أراضيها وشعبها كدولة مستقلة ذات سيادة.
ثم تبع هذا الإعلان، قيام الدولة المستقلة في البحرين.فقد أعلن استبدال تسمية حكومة البحرين بتسمية دولة البحرين واستبدال لقب حاكم البحرين وتوابعها بلقب أمير دولة البحرين.
وعلى صعيد التنظيم الإداري للدولة، فقد أنشئ رسميا أول مجلس وزراء في تاريخ البحرين السياسي.
مشروع الدستور:
وبمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لدولة البحرين بتاريخ 16 ديسمبر 1971، أعلن الأمير ببيان رسمي للشعب عن رغبته بتكليف مجلس الوزراء بوضع مشروع دستور حديث متطور للبلاد يكفل تطبيق المبادئ الديمقراطية السلمية.وقد أشار الأمير في بيانه إلى أن حكومته ستصدر مرسوما ينظم طريقة إعداد وإصدار هذا الدستور الذي سيوضع حيز التنفيذ في أواخر عام 1972.
وتنفيذا لهذا البيان ، فقد عين الأمير لجنة تحضيرية من أربعة وزراء ن كان من بينهم المحاضر، كلفها بإعداد مسودة للدستور الجديد، بمساعدة الخبير الدستوري لمجلس الأمة الكويتي الدكتور عثمان خليل عثمان.
وعلى ضوء هذه التوصية أصدر الأمير المرسوم بقانون رقم(12)لسنة 1972 بشان إنشاء مجلس تأسيسي لأعداد دستور للدولة ، والمرسوم بقانون(13)لسنة1972 شان أحكام الانتخاب للمجلس التأسيسي.
ولغرض الانتخاب الخاص بالمجلس التأسيسي ، قسم إقليم البحرين إلى ثماني مناطق انتخابية هي: المنامة ،وجزيرة المحرق، والمنطقة الشمالية، والمنطقة الغربية، والمنطقة الوسطى، والمنطقة الجنوبية ، والرفاع ،وسترة . وتنتخب المنامة ثمانية أعضاء، وجزيرة المحرق ستة أعضاء ، وكل من المنطقة الشمالية والوسطى اثنين،وتنتخب كل واحدة من المناطق الأخرى عضوا واحدا(مادة3).
و في اليوم الأول من ديسمبر انتخب شعب البحرين 22 عضو للمجلس التأسيسي وبتاريخ 9 ديسمبر 1972، أصدر الأمير مرسومين: الأول يقضي بتعيين 8 مواطنين من التجار ورجال الأعمال في المجلس التأسيسي ، بالإضافة إلى 12 وزيرا ، كأعضاء بحكم مناصبهم.(أي أن عدد الأعضاء المعينين في المجلس أصبح 20 مقابل 22 عضوا منتخبا).
أما المرسوم الثاني فقد دعا المجلس التأسيسي للانعقاد بيوم 16 ديسمبر 1972. وقد انعقد المجلس التأسيسي في هذا التاريخ لمباشر المهمة الموكلة إليه بشان مراجعة وإقرار مسودة الدستور المعروضة عليه من قبل الحكومة.
لقد انتهى المجلس التأسيسي في هذا التاريخ من مراجعة وتعديل مسودة الدستور في 26 مايو 1973.وقد تليت مواد الدستور، بعد إدخال بعض التعديلات عليها ، مادة مادة في جلسة ختامية خاصة في 9 يونيه 1973 اقر خلالها مشروع الدستور المعدل بالإجماع.
وقد اقر الأمير مشروع الدستور وصدق عليه ، دون إبداء أية تحفظات ، بتاريخ 6 ديسمبر 1973.
هذه هي الطريقة الديمقراطية الصحيحة التي اعد بموجبها دستور سنة 1973 الذي يسمو بتسميته دستورا عقديا. ويمكن اعتبار هذا الدستور – الذي اقره المجلس التأسيسي – الخطوة التقدمية الثانية في الخليج – بعد التجربة الكويتية الرائدة في سنة 1962 – لإرساء قواعد نظام الحكم في المنطقة على مبادئ دستورية ديمقراطية حديثة ، تنبه من تطلعات وآمال شعب المنطقة وطموحاته نحو المزيد من الحضارة والتقدم والازدهار.
وتطبيقا لحكم المادة 109 من الدستور ، فقد انعقد أول مجلس وطني في التاريخ التأسيسي للبحرين بتاريخ 16 ديسمبر 1973.وهو تاريخ العمل بالدستور .وكانت قد أجريت الانتخابات للمجلس الوطني –على أساس تنظيم نفس الدوائر الانتخابية الخاصة بالمجلس التأسيسي – بتاريخ سابق لهذا التاريخ المحدد للعمل بالدستور ، ويجب البيان بان المجلس الوطني يتكون ، وفقا للمادة 43 من الدستور من: (أ)ثلاثين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر ، على أن يرفع هذا العدد إلى أربعين عضوا على 14 وزيرا فقط وفقا للمادة 33(ج)من الدستوروليس الغرض من هذه المحاضرة تقييم أداء المجلس الوطني السابق خلال الفترة القصيرة من عمره.
ولكن يمكن القول أن المجلس الوطني قد فوجئ باستعجال الحكومة في إصدار المرسوم بقانون بشان تدابير امن الدولة بتاريخ 22 أكتوبر 1974 أثناء عطلة المجلس وذلك بدون عرضه عليه مسبقا لقراره. ولكن حينما عرض المرسوم بقانون المذكور على المجلس لإقراره وفقا للمادة 38 من الدستور، وقف أعضاء كتل المجلس وقفه واحدة ضده لتعارضه مع أحكام الدستور الصريحة فيما يتعلق بالباب الثالث من الدستور بشان الحقوق والواجبات العامة وكذلك فيما يتعلق بالفصل الرابع من الباب من الدستور بشان السلطة القضائية. ولم يستطع المجلس أن يستكمل اجتماعاته لمناقشه المرسوم بقانون تدابير امن الدولة نظرا لخلو تلك الاجتماعات من وزير يمثل الحكومة وفقا لنص المادة 76 من الدستور التي تنص في آخرها على أنه يجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها.
وقد تكون أزمة المرسوم بقانون بشان تدابير امن الدولة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وهيأت الجو المناسب للحكومة – حين وجدت عدم إمكانية تعاون المجلس الوطني إجراء صحيحا يتفق مع حكم المادة 65 من الدستور، إذ صدر المرسوم رقم (14)لسنة 1975 بحل المجلس الوطني وفقا لحكم المادة 65 من الدستور، ولكن لم تجر انتخابات مجلس جديد خلال شهرين من تاريخ حل المجلس المذكور حسب نص هذه المادة ، بل بقي المجلس الوطني معطلا لمدة 30 سنة.
أما الإجراء الثاني الذي اتخذته الحكومة ، فهو الإجراء الذي ينص عليه الدستور بل انه يتعارض نع أحكام الدستور وذلك حين أصدرت الحكومة الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975الذي عطل واقف سريان حكم 65 الدستوري وذلك بالنص في المادة الأولى منه على تأجيل انتخاب أعضاء المجلس الوطني إلى أن يصدر قانون انتخاب جديد ، كما كلف الأمر الأميري المذكور مجلس الوزراء بتولي أعمال السلطة التشريعية مع الأمير خلال تلك الفترة.
ويجب التنويه بأن الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 – الذي ألغي بعد صدور دستور سنة2002 بالأمر الملكي رقم (2)لسنة 2002 – ليس من الأدوات الدستورية التي يعترف بها أو يقرها دستور سنة 1973. ونتيجة لسريان الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 ، أصبحت القوانين التي يقرها مجلس الوزراء ، تصدر في شكل مراسيم بقوانين لها قوة القوانين التي تصدرها عادة السلطة التشريعية. ولكن من الواضح أن السلطة التنفيذية استمرت في إصدار القوانين في شكل مراسيم بقوانين حتى بعد صدور دستور سنة 2002 الذي أصبح ساري المفعول بتاريخ 14 فبراير 2002.
ولم تتوقف السلطة التنفيذية عن إصدار المراسيم بقوانين إلا بعد تاريخ انعقاد أول اجتماع للمجلس الوطني ( المكون من مجلس النواب ومجلس الشورى) بتاريخ 14 ديسمبر 2002 ، الأمر الذي خلق إشكالات دستورية واعتراضات من الجمعيات السياسية ضد أحرار المراسيم بقوانين المذكورة قبل تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب في 14 ديسمبر 2002.
المرحلة الإصلاحية في تاريخ البحرين السياسي بعد تعطيل عمل السلطة التشريعية بالأمر الأميري رقم(4) لسنة 1975:
لا يوجد خلاف بين مختلف طبقات الشعب على أنّ العهد الإصلاحي قد بدأ، بدون منازع، بعد تسلّم جلالة الملك سدّة الحكم في مارس 1999، إذ باشر جلالته بداية في عام 201 كأمير لدولة البحرين، بإلغاء المرسوم بقانون بشأن تدابير أمن الدولة لسنة 1974 وذلك بالمرسوم بقانون رقم(11) لسنة 2001، وبإلغاء المرسوم الخاص بمحكمة أمن الدول وذلك بالمرسوم رقم(4) لسنة 2001. كما أصدر جلالته المرسوم بقانون رقم(10) لسنة 2001 بالعفو الشامل عن الجرائم الماسّة بالأمن الوطني. وقد تضمّن هذا القانون إطلاق سراح جميع الموقوفين والمتهمين والمحكوم عليهم من المواطنين من أصحاب الرأي ومن السياسيين المعارضين لسياسة الحكومة السابق. كما شمل العفو الشامل كلّ المواطنين السياسيين الذين لجأو إلى الإقامة الاضطرارية لسنين طويلة في دول أجنبية. وقد رحّبت لجان ومنظمات الإنسان الدولية بهذه الخطوات الإصلاحية الجريئة التي اتخذها عاهل البلاد، الأمر الذي رفع مكانة البحرين الدولية عالياً. وقد وضعت البحرين في مصاف بعض الدول القليلة الأخرى التي تخلو سجونها الآن من سجناء الرأي. وكلّنا أمل في أنّ هذه الخطوات الإصلاحية ستكلل بإنصاف كل الموقوفين والمتهمين والمحكوم عليهم في السابق من السياسيين وسجناء الرأي الذي أطلق سراحهم، وذلك بتعويضهم وعوائلهم عن السنوات التي قضوها في السجن تعويضاً مجزياً وشاملاً من قبل الحكومة التي تعتبر مسئولة مدنياً مسئولية مباشرة عن إيقافهم وسجنهم لسنين طويلة من حياتهم وفقاً لأحكام قانون أمن الدولة لسنة 1974 غير الدستوري والذي لا تتوفّر فيه أدنى عدالة المحاكمات الجنائية أمام المحاكم العادية بمختلف درجاتها التي ينص عليها الدستور وقانون السلطة القضائية.
وكانت سنة 2001 أيضاً هي السنة المباركة التي صدر فيها ميثاق العمل الوطني بعد التصويت عليه بنسبة 98,4% في استفتاء شعبي عام بتاريخ 14,15 فبراير 2001. وقد صدّق عاهل البلاد على هذا الميثاق وأصدره بموجب الأمر الأميري رقم(17) لسنة 2001.
أما سنة 2002 فقد شهدت ولادة سهلة لدستور جديد هو دستور مملكة البحرين الصادر بتاريخ 14 فبراير 2002 والمنشور في الجريدة الرسمية بنفس التاريخ. وما كنا نتمنى ونحن في العهد الإصلاحي الحالي أن يصدر هذا الدستور الجديد بهذه الطريقة السهلة، إذ كان يجب أن يحكم طريقة إجراء التعديل الجزئي على دستور سنة 1973، النص الخاص بهذا التعديل الذي تتضمّنه المادة 104 من دستور 1973 وكذلك النص الخاص الذي يتضمّنه الميثاق في هذا الشأن، وذلك دون اجتهاد أو محاولة للتبرير في غير محلّها، إذ لا اجتهاد في موضع النص.
وبناءً عليه، فإنّ الميثاق يتضمّن تحت عنوان"إستشرافات المستقبل" النص الصريح التالي:
" تعدل أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور الخاصة بالسلطة التشريعية لتلائم التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم وذلك باستحداث نظام المجلسين بحيث يكون الأول مجلساً منتخباً انتخاباً حرّاً مباشراً يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولى المهام التشريعية، إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة".
إنّ هذا النص واضح في مضمونه بشأن التعديل المحدود على دستور 1973 العقدي، كما أنّ هذا النص في الوقت الذب يبين فيه طبيعة مجلس الشورى الاستشارية لا يُحدد عدد أعضاء مجلس الشورى، كما أنّه لا يتطرق إلى الآلية التي يجب أن تتم بموجبها التعديل الجزئي(لا الكلي) على الدستور.
ويبين لنا من هذا النص أنّه لا يتلاءم مع تعيين مجلس للشورى يتساوى أعضاؤه تماماً مع أعضاء مجلس النواب المنتخب وذلك لأنّ النص يشير إلى إنشاء سلطة تشريعية "تتلاءم مع التطورات الديمقراطية في العالم". ويقضي الفهم العام لهذا التعبير بأنّه لا يُمكن أن تنشأ سلطة تشريعية تتلاءم مع التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم إذا كان نصف أعضاء هذه السلطة معيناً من قبل السلطة التنفيذية.
إن السلطة التشريعية في الدول الديمقراطية العريقة- التي يأتي ذكرها في الميثاق في أكثر من مكان-هي سلطة منتخبة بالكامل، وحتى في بعض الدول الديمقراطية العريقة التي تأخذ بنظام المجلسين، ويكون فيها أحدهما معيناً، فإنّ السلطة النهائية في إصدار القوانين المختلف عليها بين المجلسين تكون للمجلس المنتخب وحده.
أما فيما يتعلق بخلو نص الميثاق السالف بيانه من ذكر آلية للتعديل الجزئي على الدستور، فإنّ هذا يُعتبر دليلاً على أنّ الميثاق قد تجنّب ذكر آلية لتعديل الدستور تتعارض مع الآلية الدستورية المنصوص عليها في المادة 104 من دستور سنة 1973 والتي تشترط لنجاح أي تعديل جزئي على الدستور، موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس الوطني على هذا التعديل. لذلك كان يجب على الحكومة بداية إلغاء الأمر الأميري رقم(4) لسنة 1973 والدعوة لإجراء انتخابات لمجلس وطني جديد- ضمن إطار دستور سنة 1973- وتكليفه بإجراء التعديل الدستوري المطلوب كخطوة أولى لإنشاء نظام المجلسين، مع إجراء التغييرات الشكلية في هذا الدستور.
وعلى هذا الأساس، كان يمكن أن تُجرى الانتخابات لمجلس النواب، أما مجلس الشورى فإنّه كان يجب الالتزام في تعيينه بأن لا يزيد أعضائه عن نصف أعضاء مجلس النواب، وهذا عدد كاف في نظرنا، لأنّه يزيد على نسبة التمثيل للوزراء بحكم مناصبهم في المجلس الوطني القديم وفقاً للمادة 33(ج) من الدستور التي تشترط أن لا يزيد عدد الوزراء في المجلس على 14 وزيراً. وكان يمكن أن يأخذ هذا التعديل الجزئي على الدستور تسمية" التعديل الأول على الدستور".
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الاستفتاء الشعبي العام على ميثاق العمل الوطني الذي يتضمّن نصاً عاماً بشأن إجراء تعديل جزئي على الفصل الثاني من الباب الرابع من دستور سنة 1973 الخاص بالسلطة التشريعية، لا يعني مطلقاً أنّ الشعب قد أقرّ بصورة غير مباشرة عن طريق التصويت الشعبي على الميثاق، الأحكام التي يتضمّنها دستور 2002 الجديد، ذلك لأنّ الميثاق-عند التصويت عليه- لم يكن يتضمّن سوى مبدأ عام محدد بشأن إجراء تعديل جزئي على الدستور في إحدى فصوله. وعليه، فإنّه إذا كانت الحكومة قد بادرت من نفسها- بعد سنة من صدور الميثاق- بوضع وإصدار دستور جديد يتعارض مع المبدأ العام الذي يتضمّنه الميثاق بشأن إجراء التعديل الجزئي على دستور سنة 1973، فإنّها تكون بذلك قد تصرّفت بدون تفويض شعبي، وكان يجب عليها في هذه الحالة أن تعرض دستور سنة 2002 الجديد على الشعب ليتخذ قراراً بشأنه في استفتاء عام وذلك باعتباره أحد الخيارات التي يمكن أن تطرح لحل الأزمة الدستورية القائمة. وقد يكمن في هذا الإجراء أو في غيره من الإجراءات الدستورية التي قد يتم الاتفاق عليها بين وفدي المعارضة والحكومة من خلال مفاوضاتهما الدستورية الحالية، الحل المتفق عليه للخلاف المستحكم بين المعارضة والحكومة حول دستورية وضع وإصدار دستور سنة 2002 الذي يكمن ضعفه أساساً في كونه قد خلف دستوراً عقدياً سبق صدروه بثلاثين سنة، في حين أنّ المبادئ والأحكام التي يتضمنها هذا الدستور الجديد في أهم فصل من فصوله فيما يتعلّق بالسلطة التشريعية وفي بعض الفصول الأخرى، إذا ما قورنت بالمبادئ والأحكام التي يتضمنها الدستور العقدي في هذا الشأن، تمثل تراجعاً إلى الخلف وليس تقدماً إلى الأمام، ويبدو أنّ هذا الرأي يُجمع عليه غالبية أعضاء المجلس النيابي الحاليين الذين لمسوا من تجربتهم في هذا المجلس خلال السنتين الماضيتين مدى الصعوبات والقيود التي يفرضها عليهم الفصل الثالث من الباب الرابع من الدستور فيما يتعلّق بحرية ممارستهم كممثلين للشعب-مصدر السلطات جميعاً-لاختصاصاتهم التشريعية والرقابية، هذا عدا القيود القانونية التي تتضمنها أحكام بعض المراسيم بقوانين التي أصدرتها السلطة التنفيذية- قبل انعقاد أول اجتماع لمجلس النواب بتاريخ 14 ديسمبر 2002- والتي تصب في الاتجاه العكسي لحرية ممارسة مجلس النواب لاختصاصاتهم التشريعية والرقابية الكاملة، الأمر الذي حدا بمختلف كتل المجلس -دون استثناء- بأن يعدوا صيغ مسودات لتعديلات دستورية لتقديمها إلى الحكومة في دور الانعقاد القادم.
ومع ذلك فإنّنا لا نرى أن أحكام المادة 120 من هذا الدستور التي تتضمن مشاركة مجلس الشورى المعين في التعديل الدستوري بأغلبية الثلثين لكل من المجلسين، سوف تسعف مجلس النواب في إنجاز أي تعديل جذري أساسي يعيد إلى المجلس التشريعي اختصاصاته التشريعية والرقابية بالشكل والمضمون الذي يتضمنه الفصل الثاني من الباب الرابع من دستور سنة 1973
إنّ وجود مجلس شورى معين يتساوى عدد أعضائه مع عدد أعضاء مجلس النواب ويتمتع باختصاصات تشريعية متساوية لأعضاء مجلس النواب يجعل من غير الممكن، بل من المستحيل إمكانية إقرار وإصدار أي قانون أو إجراء تعديل على الدستور لا ينال موافقة الحكومة عليه مسبقاً.
وقد عكست تجربةُ مجلس النواب الحالي القصيرة هذه الحقيقة المرّة.
الدكتور حسين محمد البحارنة
الاثنين، 30 أغسطس 2004م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق