* الانسحاب البريطاني من البحرين :
في فبراير 1966 أعلن وزير الدفاع البريطاني آنذاك ، دينيس هيلي عن مراجعة شاملة لسياسة الدفاع البريطانية تستهدف خفض الالتزامات العسكرية البريطانية خارج أوربا وخصوصا ً شرقي السويس . وأعلن أن بريطانيا ستنسحب من عدن مع نهاية عام 1968 . واعتبر ذلك الإعلان تخليا ً عن الالتزامات البريطانية التاريخية تجاه الأنظمة الصديقة لها ولا شك أن قرار الانسحاب كانت له أصداؤه الطيبة في نفوس المواطنين الذين ناضلوا ضد الوجود البريطاني سنوات عديدة . وكان قد سبق القرار البريطاني اتفاق بين جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز في جدة في أغسطس 1965 استطاع عبد الناصر بموجبه تخفيض عدد القوات المصرية في اليمن من 70000 في ذروة الأحداث خلال خريف 1965 إلى 20000 جندي في مايو 1966 ، وخفت عن كاهله النفقات التي يتطلبها وجود العدد الهائل من القوات في اليمن . وبعد صدور القرار البريطاني استغل عبد الناصر ذلك وأعلن أن قواته ستبقى في اليمن خمس سنوات لضمان " تحرير الجنوب العربي " وكانت سياسته آنذاك تتمثل بانتظار الانسحاب وتحريك العمل العسكري للتعجيل به (1) .
ولكن جاءت هزيمة 67 لتضع نهاية للنفوذ المصري في اليمن وخصوصا ً بعد أن أبدت كل من السعودية والكويت وليبيا استعدادها لتقديم المساعدات المادية لمصر لإنقاذها من تبعات الهزيمة على الصعيد الاقتصادي ، وجاء إعلان المساعدات في القمة العربية بالخرطوم في أغسطس 1967 ورغم ذلك كان القرار البريطاني بالانسحاب من عدن والجنوب العربي غير قابل للتغيير، وفي الشهور التي أعقبت هزيمة 67 ، ورغم تضاؤل الدور المصري في إمداد جبهة التحرير الوطنية بالسلاح ، فقد استمرت الأعمال العسكري ضد الوجود البريطاني وضد جيش اتحاد الجنود العربي ، وبعد تطورات كثيرة على الساحتين المحلية والدولية ، انسحب البريطانيون في نوفمبر 67 حيث رحل آخر جندي منها في التاسع والعشرين من ذلك الشهر ، واستلمت الجبهة القومية لتحرير اليمن الجنوبي بقيادة قحطان الشعبي زمام الأمور في عدن .
في 30 أكتوبر 67 وهو اليوم الذي أكد فيه مجلس الوزراء البريطاني قرار الانسحاب من عدن في الشهر التالي ، ذهب الوزير بوزارة الخارجية غورنوي روبرتس إلى دول الخليج ليخبرهم بقرار الانسحاب من عدن وبأن الحكومة البريطانية لا تعتزم التخلي عن التزاماتها في الخليج ، وإن قرار الانسحاب إنما هو من أجل توفير الأموال لدعم الوجود البريطاني في الخليج بشكل أكبر . وكان وزير الدفاع آنذاك دينس هيلي قد أخبر مجلس العموم البريطاني في أول أبريل : " إن الخليج منطقة ذات أهمية اقتصادية ليس لاقتصاد أوروبا فحسب بل لأمن العالم ككل ، ولذلك فإن من اللامسئولية أن نسحب قواتنا من تلك المنطقة " . وكرر وزير الخارجية ، جورج براون ذلك في مناقشة لمجلس العموم في 20 يونيو .
كان روبرتس يحمل هذه الرسالة في جولته بدول الخليج ، الكويت والبحرين وقطر ودول الساحل المتصالح في الأسبوعين الأولين من نوفمبر . بعد زيارته لطهران في تلك الفتة أعلن في المؤتمر الصحافي في 13 نوفمبر قائلا ً : " إن بريطانيا ستبقي في الخليج طالما استدعى الأمر للحفاظ على السلام والاستقلال ، وإن الدول على جانبي الخليج يفهمون هذه السياسة ويقدرونها " . كانت هذه السياسة هي المعلنة خلال الأسابيع التي تلت الانسحاب البريطاني من عدن ، ولم يكن هناك ما يشير إلى أنها ستتغير في المستقبل القريب .
ولكن يبدو أن الوضع الاقتصادي البريطاني يمر بأزمة حادة . فقد اتضح من الأرقام التي أعلنتها وزارة المالية خلال شهر نوفمبر أن هناك عجزا ً كبيرا ً في ميزان التجارة الخارجية ، تم على أثره تخفيض قيمة الجنيه من قيمة 2.8 دولار إلى 2.4 دولار . وخلال شهري نوفمبر وديسمبر كان الوزراء يتداولون فيما يمكن عمله خصوصا ً بعد استقالة وزير المالية ، جيمس كالاهان في نهاية نوفمبر وتولي روي جينكنز منصبه . والوزير الجديد أعلن أن على الحكومة أن توفر 850 مليون جنيه إذا ما أرادت إعادة التوازن لميزانيتها ، وكان البحث يدور في المجالات التي يمكن من خلالها توفير ذلك ، ومن بين المجالات تخفيض المصروفات العامة للدولة وزيادة الضرائب .
- إعلان الانسحاب :
وفي اجتماع لمجلس وزراء حكومة العمال البريطانية في 4 يناير 1968 تم الاتفاق على تخفيض النفقات البريطانية في الخارج وأن تتخلى بريطانيا ، على أساس ذلك ، عن التزاماتها العسكرية في الشرق الأقصى والمناطق الواقعة شرقي السويس ، وفي مقدمتها منطقة الخليج ، كما اتفق الوزراء على أن يكتمل سحب القوات البريطانية من هذه المناطق قبل الانتخابات العامة عام 1971 وحدد شهر مارس 1971 كحد أقصى للانسحاب ، لم تكن مهمة إطلاع شيوخ الإمارات في الخليج بقرار الانسحاب سهلة خصوصا ً أنهم قد حصلوا على تطمينات بريطانية بأن قرار الانسحاب من عدن لن يؤثر على الوضع العسكري البريطاني في الخليج ، وأوكلت مهمة نقل القرار البريطاني إلى المنطقة للمسؤول نفسه الذي ذهب إلى المنطقة في شهر نوفمبر ، وهو غورنوي روبرتس ، فالتقى بشاه إيران في 7 يناير ( 1968 ) وبحكام المنطقة في 9 يناير ثم بالملك فيصل بن عبد العزيز في العاشر منه ، وحاول التأكيد للجميع بأن المسألة المالية كانت السبب الرئيس لتخلي بريطانيا عن التزاماتها العسكرية في الخليج ، وحين ذكر المسؤول البريطاني تكلفة البقاء العسكري البريطاني في القواعد الخليجية هي بحدود 12 مليون جنيه إسترليني عرض الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، حاكم أبو ظبي استعداده لتوفير ذلك المبلغ من المدخولات النفطية لبلاده بالتعاون مع بقية الإمارات ، وكرر الشيخ راشد بن سعيد المكتوم العرض نفسه بعد أسبوعين ، مؤكدا ً أن الإمارات الأربع المستفيدة بشكل أساسي من الوجود العسكري البريطاني ، وهي أبو ظبي ودبي وقطر والبحرين ، مستعدة للمشاركة في توفير تلك التكاليف . وتزامن مع زيارة غورونوي روبرتس للخليج زيارات بريطانية عديدة للدول المعنية بقرار الانسحاب ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي ذهب إليها جورج بزاون وأطلع الإدارة الأمريكية بالقرار البريطاني ، وكانت نتيجة تلك الزيارة تصاعد الشعور بضرورة تأجيل الانسحاب ، وحاول عدد من الوزراء إقناع الحكومة بتبديل القرار في 15 يناير ولكن كل ما حصلوا عليه من تنازلات من تأجيل الانسحاب إلى ديسمبر 1971 .
وفي 16 يناير 1968 أعلن رئيس الوزراء البريطاني هارولد ولسن في مجلس العموم عن تخفيض كبير من نفقات الحكومة . وكان الاجتماع قد دعي إليه قبل يوم واحد من الموعد المحدد له لهذا الغرض . وشملت التخفيضات النفقات العسكرية والمدنية . وكان يهدف من ورائها إلى توفير حوالي 325 مليون جنيه في 1968- 1969 و 441 مليون جنيه في 1969 – 1970 ولتحقيق ذلك طرحت الحكومة عددا ً من الإجراءات منها التعجيل بالانسحاب من شرق السويس وسحب كل القوات البريطانية من الشرق الأقصى ما عدا ( هونغ كونغ ) مع نهاية العام 1971 بدلا ً من منتصف السبعينات كما كان مخططا ً له سابقا ً ، ومن الخليج في الموعد نفسه كما يخفض عدد الطائرات في قبرص .
فكان للخبر آثاره النفسية على الرأي العام وعلى السياسيين الذين شعروا بأفول نجم الإمبراطورية البريطانية بشكل أوضح ، هذا في الوقت الذي وجهت فيه الاتهامات الكثيرة وخصوصا من حزب المحافظين لحزب العمال الحاكم بسبب ذلك القرار . وشهد التلفزيون البريطاني ووسائل الإعلام الأخرى نقاشات حادة حول الموضوع . ففي مقابلة تلفزيونية في أواخر شهر يناير ، قال دينيس هيلي بأنه لا يرغب بأن يكون " عبدا ً أبيض للشيوخ والعرب " ومضى ليقول أن من الخطأ الكبير أن نسمح لأنفسنا أن نكون مرتزقة لمن يحب أن تتواجد القوات البريطانية عنده ، واعتبر مثل هذه التصريحات إهانة لحكام الخليج الذين ضحوا كثيرا ً في خدمة بريطانيا وخصوصا ً باستمرارهم في إيداع أموالهم في المصارف البريطانية وتم تخفيض سعر الجنيه في خريف عام 1967 ، وبسبب ذلك فقد خسرت البحرين وحدها 2.5 مليون جنيه إسترليني .
ولعل قلق الحكومات الخليجية بسبب الانسحاب البريطاني كان يعود لخشيتهم من تخلي بريطانيا عن معاهدات الحماية التي عقدتها مع المنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر . وتطورت الاتفاقيات شيئا ً خلال العقود التالية فشملت تحديد صلاحيات الحكام ومنعتهم من إقامة أية علاقات مع أية دولة أخرى غير بريطانيا وانضمت حكومة الكويت لتكل المعاهدات عام 1899 ، وأصبحت محمية بريطانية بشكل كامل بعد اندلاع الحرب بين بريطانيا والدولة العثمانية عام 1914 ، وتوسعت الاتفاقات خلال العقدين الأولين من هذا القرن لتشمل تجارة السلاح والامتيازات النفطية والقضاء المتعلق بالرعايا البريطانيين وغيرهم من الأجانب . وشملت الاتفاقيات حماية البحرين بشكل كامل من أي اعتداء خارجي لكونها جزيرة وحدودها مع الجزيرة العربية التي كانت بريطانيا قد قررت في منتصف القرن الماضي عدم التعاطي مع شؤونها الداخلية .
على أثر قرار الانسحاب تكثفت الاتصالات بين حكام ومشيخات الخليج والحكومة البريطانية لتحديد العلاقات المستقبلية . وفي شهر فبراير 1968 اقترحت وزارة الخارجية البريطانية على المشايخ التوحد ضمن فيدرالية عامة شبيهة بفدرالية اتحاد الجنوب العربي التي لم يكتب لها النجاح ، وعلى أثر هذا القرار ، اجتمع حكام المشايخ السبع في الساحل المتصالح ( أبو ظبي ، عمان ، دبي ، الفجيرة ، رأس الخيمة ، الشارقة ، وأم القيوين ) بالإضافة إلى البحرين وقطر لمدة ثلاثة أيام في دبي في الفترة 25 – 27 فبراير واتفقوا على تكوين الاتحاد الفيدرالي للإمارات العربية ، وذلك بعد الاجتماع الثنائي الذي عقد بين دبي وأبو ظبي في نصف الشهر المذكور .
ابتداءً من 30 مارس . وضعت الاتفاقية ما يلي :
1- سيكون للاتحاد الفيدرالي مجلس أعلى يتكون من الحكام التسعة وستكون رئاسة المجلس سنويا ً بالتناوب .
2- ستكون قرارات المجلس بالإجماع وسوف يكون مسؤولا ً عن السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية وسيقوم بوضع موازنة تساهم فيها كل الدول .
3- سيكون هناك مجلس فيدرالي للخبراء تكون قراراته نافذة بعد موافقة المجلس الأعلى عليها .
4- سيكون للمجس تمثيل دبلوماسي مشترك في الخارج .
وجاءت هذه الاتفاقية بعد إعلان كل من دبي وأبو ظبي عن تكوني فيدرالية بعلم واحد وسياسة خارجية موحدة ونظام دفاعي موحد ومواطنة واحدة .
وقد ووجه هذا الإعلان بهجوم سوفياتي عنيف ، فأصدرت وكالة تاس في 3 مارس تصريحا ً عبر عن معارضة الحكومة السوفيتية لما أسمته " التحالف العسكري في الخليج الفارسي تحت رعاية بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على أثر قرار بريطانيا سحب قواتها المسلحة من تلك المنطقة خلال السنوات القليلة القادمة " . واتهمت تاس بريطانيا وأمريكيا بالاستمرار في " الأهداف الاستعمارية المراد منها المحافظة على الاحتكارات النفطية الرأسمالية التي كانت تمتص آلاف وملايين الدولارات كأرباح من السرقة المخجلة للثروة الطبيعية في منطقة الخليج الفارسي " ، واتهمت تاس بريطانيا وأمريكيا بالعمل على منع " حركة التحرر الوطنية " من النمو ، واتهمت الاستعماريين بوضع السم في العلاقات بين دول الخليج فيما بينها من أجل الإضرار بوحدة الدول العربية وتحريض إيران ضد العرب .
ورغم أن تكوين هذا الاتحاد كان مستعجلا ً وغير مدروس ، فقد أحدث قلقا ً لدى شاه إيران وخصوصا ً وأن تقارير صحافية في الغرب تحدثت عن احتمال تكوين حلف من دول المنطقة بمشاركة باكستان أو تركيا لسد الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب البريطاني . فأعلن رئيس الوزراء الإيراني ، آنذاك أمين عباس هويدا في 27 يناير بأن إيران قادرة على حماية مصالحها في المنطقة لكونها دولة خليجية كبرى وأنها لن تسمح لأية دولة خارج المنطقة للتدخل في شؤونها وأن الانسحاب البريطاني من الباب الأمامي يجب أن لا يترتب عليه دخول أمريكا الخليج من الباب الآخر . وأعرب الاتحاد السوفياتي عن القلق نفسه في بيان نشرته وكالة الأنباء تاس في 3 مارس .
ولعل الغضب الإيراني مما حدث ، وخصوصا ً تكوين " اتحاد الإمارات العربية " ناتج عن العقدة الإيرانية تجاه البحرين حيث كان الشاه يعتبرها جزءا ً من إيران ، وحيث أن البحرين أصبحت جزء من الاتحاد المذكور فقد كان هناك سبب مباشر للقلق الإيراني ، وهكذا بقي موضع استقلال البحرين مجالا ً للنقاشات والتصريحات الكثيرة خلال عامي 68 – 69 .. فبريطانيا لم تشأ الخروج من الخليج إلا بعد استقرار موضوع البحرين ، في الوقت الذي لم ترغب الدخول في مواجهة مسلحة مع الإيرانيين . أما الشاه فلم يكن بوسعه توفير أدلة قانونية على الصعيد الدولي لإثبات تبعية البحرين لإيران ، كما لم يكن بإمكانه حسم المسألة عسكريا ً وذلك بالمواجهة المسلحة مع بريطانيا . وهكذا كان إعلان الانسحاب البريطاني في الخليج مناسبة لحسم الموضوع فاستمرت الاجتماعات بني عدد من الأطراف وفي مقدمتها الإيرانيون والبريطانيون وممثلون عن الأمم المتحدة . كما شاركت السعودية والكويت والبحرين في الاتصالات والمفاوضات حول مستقبل البحرين . وشهدت جنيف كثيرا ً من الاتصالات واللقاءات تمخض عنها تفاهم ضمني بين كافة الأطراف بإحالة موضوع البحرين للسكرتير العام للأمم المتحدة ، على أن يقوم الأخير بترتيب " بعثة تقصي " لتحديد الرغبات الحقيقية " لشعب البحرين حول مستقبل البلاد .
ومن أجل ذلك قام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بزيارة النجف الأشرف بالعراق عام 1970 والتقى بأية الله السيد محسن الحكيم الزعيم الشيعي ، وطلب منه حث شيعة البحرين التصويت لصالح استقلال البحرين ، ووعد باحترام حقوق الشيعة الدينية .
في هذه الأثناء كانت قطر وإمارات الساحل المتصالح تسعى لحسم موضوع الاتحاد الفيدرالي بعيدا ً عن مشاركة البحرين لعدة أسباب منها عدم الرغبة في الدخول في مهاترات مع الحكومة الإيرانية ، والخوف من احتمال احتلال البحرين موقعا ً متقدما ً في الاتحاد المزمع بسبب اقتصادها المتطور نسبيا ً وعدد سكانها الكبير مقارنة بالمشيخات الأخرى ومجتمعها العريق الثقف ، وساهمت الخلافات التاريخية بين القبائل الحاكم في منع تحقق الاتحاد الذي يضم البحرين في صفوفه . فآل ثاني ( حكام قطر ) وآل خليفة ليسوا على علاقات طيبة بسبب استمرار آل خليفة في ادعاء الحق في منطقة الزبارة التي حكموها قبل دخولهم البحرين واستمرار الخلاف على مناطق حدودية أخرى مثل جزر حوار .
ولم تقتصر الخلافات على البحرين وقطر ، فآل ثاني لهم خلافاتهم مع القبيلة الحاكمة في أبو ظبي ( آل نهيان ) لأكثر من مائة عام حول عدد من المسائل منها الخلاف حول خور العديد بين قطر والساحل المتصالح الذي تطالب السعودية أيضا ً بالسيادة عليه وبجزء كبير من أبو ظبي منذ عام 1935 ، ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية طالبت السعودية رسميا ً بذلك وطالبت بمنطقة واحة البريمي على الحدود مع عمان ، ورغم المعارضة البريطانية لتلك المطالب فإن السعودية ما تزال مستمرة في مطالبتها . والخلاف بين آل سعود وآل نهيان كان حجر عثرة بوجه قبول البحرين وقطر في الاتحاد لأنهما على علاقات حسنة مع آل سعود ولا يريدون لأنفسهم الوقوف إلى جانب أبو ظبي ضد السعودية .
وبالنسبة لآل خليفة فإن احتمال وقوف السعودية إلى جانبهم في وجه المطالبة الإيرانية بالبحرين يرجح كفة عدم الدخول في ما من شأنه تعكير صفو العلاقات بين آل خليفة وآل سعود . وآل ثاني يتمتعون بعلاقات حسنة مع آل سعود منذ أكثر من نصف قرن بسبب التقارب في المذهب حيث يجد المذهب الوهابي رواجا ً في صفوف العائلتين .
- استقلال البحرين :
في 5 يناير 1969 قال الشاه بأنه يرحب أن يقرر سكان البحرين البالغ عددهم 216 ألف إنسان مصيرهم ، ولكن إيران لا تريد أن تسلم الجزر إلى أية جهة بدون موافقتها ، ولا تريد أن " تغادر بريطانيا رسميا ً منها من الباب الأمامي ثم تتسلل إليها من الباب الخلفي " (2) . وفي 28 مارس 1970 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت بأنه وافق على " استعمال علاقاته الطيبة في المسألة التي تتعلق بوضع البحرين حسب طلب حكومة إيران وإقرار ذلك من قبل حكومة المملكة المتحدة " . وجاء في تصريح يوثانت ما يلي :
" منذ عدة أشهر ، كان لكل من الممثلين الدائمين لهاتين الدولتين نقاشات غير رسمية مع السكرتير العام حول إمكان استعمال علاقاته الطيبة من أجل حل الاختلافات بين حكوماتهم حول البحرين . وخلال هذه المناقشات أبلغ السكرتير العام كلا الممثلين عن استعداده للتجاوب بإيجابية مع أي طلب من حكومتيهما واستعمال إمكاناته الطيبة على أساس شروط مقبولة من الطرفين " .
وفي 9 مارس 1970 استلم السكرتير العام من الممثل الدائم لإيران رسالة تتضمن استعمال علاقاته الطيبة في هذه المسألة . فتحرك السكرتير العام للأمم المتحدة بسرعة خصوصا ً وأن البريطانيين لم يكونوا أقل حماسا ً لفكرة تعيين دبلوماسي إيطالي من العاملين في الأمم المتحدة ، وهو فيتو ليو وينسبير غيتشاردي لرئاسة البعثة . وقبل نهاية شهر مارس ذهبت البعثة إلى البحرين لاستمزاج الرأي العام في البحرين حول المسألة . وفي نهاي أبريل رفع غيتشاردي تقريره الذي كانت نتيجته أن أغلبية البحرانيين يرغبون في استقلال بلادهم . وأقر مجلس الأمن الدولي ما توصلت إليه بعثة وينسبير في 11 مايو 1970 .
وفي هذا المجال وصف الممثل البريطاني في مجلس اللورد كارادون الوضع العام على أثر قرار مجلس الأمن بقوله : " لقد تضافرت العوامل المطلوبة ، الشهامة الإيرانية ، حياد الأمم المتحدة ، عدالة التقييم الإيطالية والكرامة العربية واحترام النفس للوصول إلى القرار المذكور " .
وهكذا تم ترتيب الوضع بخصوص مسألة البحرين ، ولكن مشكلة الانسحاب البريطاني من الخليج كانت مرتبطة بعدد من العوامل ومنا الفراغ السياسي الذي سيخلفه الانسحاب . وهكذا كانت فكرة اتحاد الإمارات العربية المزمع إنشاؤه ليضم بالإضافة للمشيخات السبع التي تشكل الآن دولة الإمارات العربية كلا ً من البحرين وقطر ، وكما ذكرنا فقد كان الشاه غير راض عن فكرة الاتحاد لأنه يضم البحرين ومن جهة لأنه قد يكون مدخلا ً لدولة أجنبية للتدخل في شؤون الخليج . هذا في الوقت الذي كان الشاه يخشى فيه أن تغير بريطانيا موقفها من مسألة الانسحاب خصوصا ً وأن انتخابات عام 1970 قد تأتي بالمحافظين إلى الحكم ، وربما يلجأ هؤلاء لإعادة النظر في مسألة الانسحاب من الخليج أو تأجيله ، ولكن عندما أجريت الانتخابات وجاء المحافظون بزعامة أدوارد هيث إلى الحكم لم يحدث أي تغير في الموقف البريطاني من الانسحاب .
وفي يناير 1971 ذهب السيد وليام لوس إلى المنطقة لجس نبض الحكام في السعودية والبحرين ومشيخات الساحل المتصالح وقطر وعمان والكويت وطهران ، وليؤكد لهم بأن انسحاب القوات البريطانية سيتم في موعده المحدد وذلك في نهاية ذلك العام . وبعد رجوعه أخبر ويليام لوس البرلمان بنتائج زيارته وما رأي من اختلافات ومناوشات كلامية بين مشايخ الإمارات في الساحل المتصالح ، ولكن الخارجية البريطانية لم تعبأ بذلك وكانت مصممة على الانسحاب في الوقت المحدد .
في أول مارس 1971 أعلن ألان دوغلاس هيوم ، وزير الخارجية في البرلمان أن الاتفاقات والمعاهدات مع مشيخات الساحل المتصالح وقطر والبحرين سوف تنتهي في نهاية العام وسوف يكتمل انسحاب القوات البريطانية في الوقت نفسه ، هذا في الوقت الذي كان فيه الشاه مستمرا ً في مطالبته بالجزر الثلاث ، أبو موسى ( التي كانت وقتها تابعة للشارقة ) وطنب الصغرى وطنب الكبري ( اللتين كانتا تابعتين لرأس الخيمة ) في مقابل تنازله عن المطالبة بالبحرين ، وقد وافق البريطانيون ضمنا ً على ذلك الطلب وسمح للشاه باحتلال الجزر الثلاث في وقت لاحق .
الواضح أن مشايخ الخليج كانوا غاضبين من قرار الانسحاب البريطاني وهم يجدون أنفسهم واقعين تحت تهديدات قوتين إقليميتين إيران والسعودية . ومن هنا استمر هؤلاء الحكام على رأسهم الشيخ راشد والشيخ عيسى بن سلمان في طرح مؤاخذهم على قرار الانسحاب . فمثلاً قال الشيخ عيسى : " إن بريطانيا تحتاج إلى ونستون تشرتشل آخر ، فنحن نراها اليوم تطرد من كل مكان أو تغادر باختيارها لقد أصبحت بريطانيا اليوم ضعيفة في المواقع التي كانت فيها قوية من قبل ، إنكم تعلمون بأننا وكذلك كل شخص في الخليج نرحب ببقائها " . والشيخ زايد أكد هذا المعنى كثيرا ً خصوصا ً وأن السعودية كانت تطالب بأربعة أخماس أبو ظبي ثم تنازلت لتطالب بثلاثة أرباعها .
مع منتصف عام 1971 كانت الأوضاع في الخليج تتبلور شيئا فشيا ً بانتظار الانسحاب البريطاني ، وكان واضحا ً أن قطر والبحرين لن تدخلا اتحاد الإمارات المزمع إنشاءه . وفي 18 يوليو 1971 أعلن قيام الإمارات العربية المتحدة لتضم كلا ً من أبو ظبي وعجمان وأم القيوين والفجيرة ، وفي 14 أغسطس أعلنت البحرين استقلالها حيث ألغيت الاتفاقات مع بريطانيا في ذلك اليوم واستبدلت باتفاقية صداقة تستمر خمسة عشرة عاما ً . وفي أول سبتمبر أعلنت قطر استقلالها ووقعت اتفاقية مماثلة .
وفي نهاية سبتمبر أعلن الشاه " أن هذه الجزر ، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى ملك لنا ، إننا نحتاجها وسنحصل عليها ، وليس هناك قوة في الأرض تستطيع منعنا من ذلك " . هذا في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تستعد للانسحاب . وكان الرأي العام البريطاني إلى جانب الانسحاب ولا يهمه احتلال الجزر من قبل الشاه إذا كان ذلك سيسهل مهمة الانسحاب . وفي منتصف نوفمبر تم التوقيع على تفاهم مشترك بين الشاه والشيخ خالد بن محمد حاكم الشارقة يتم بمقتضاه إقامة مركز عسكري إيراني في أبو موسى مقابل قيام الشاه بدفع مبالغ مالية محدودة ، وفي 30 نوفمبر تم إنزال قوات إيرانية على جزر أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى ، نجم عنه جرح عدد من الشرط الذين حاولوا مقاولة الإنزال ، ورغم وجود حاملة طائرات ومدمرة بريطانيتين في مياه الخليج إلا أنه لم تحدث أي مواجهة بين القوات البريطانية والإيرانيـــة .
أما رد فعل الدول العربية فقد كان محدودا ً ، فالعراق أعلن قطع علاقاته مع بريطانيا وإيران وطرد 60000 شخص اتهمهم بأصول إيرانية . وبعد ستة أشهر أمم ما تبقى من أسهم بريطانية في شركة نفط العراق . وقامت ليبيا بتأميم امتيازات شركة النفط البريطانية وأرصدتها في ليبيا .، وكان من ضحايا الإنزال الإيراني في الجزر الثلاث حاكم الشارقة ، الشيخ خالد بن محمد الذي قتل مع عدد من أتباعه في هجوم قام به صقر بن سلطان الذي كان حاكما ً على الإمارة قبله ، وكانت هذا قد أقصي من العراق قبل ستة أعوام بأمر من المقيم السياسي البريطاني لتشجيعه انفتاح إمارات الساحل المتصالح على الجامعة العربية . بعد العملية الإيرانية مولته الحكومة العراقي ودفعته مع عدد من أتباعه للتسلل للشارقة حيث قاموا بالهجوم على القصر وقطع رقاب الشيخ خالد وعدد من أتباعه . فهجمت عليهم وحدات كشافة عمان وقوة الدفاع التابعة لأبوظبي وتم اعتقالهم جميعا ً ، وعين سلطان بن محمد القاسمي حاكما ً .
أعلن الشيخ عيسى استقلال البحرين في 15 أغسطس ، 1971 وفي اليوم نفسه وقع اتفاقية مع بريطانيا بواسطة المقيم السياسي السير جفري آرثر لتحل محل اتفاقيات 1882 و 1892 اللتين كان لبريطانيا بموجبها مسؤولية الدفاع والعلاقات الخارجية . ولم يعلن نص الاتفاقية الجديد ولكن يعتقد أنها نصت في أحد بنودها على " التشاور في حال الحاجة " بين البحرين وبريطانيا . وبتوقيع الاتفاقية أصبح السير جفري آرثر سفير بريطانيا للبحرين وأصبحت المعمتدية السياسية السابقة سفارة لبريطانيا . وعندما كان الشيخ عيسى يعلن عن رغبة البحرين للدخول في عضوية الأمم المتحدة قال بأنه نتيجة الطريق المسدود الذي وصلت إليه المحاولات خلال الثلاث سنوات والنصف الماضية عن بدائل تضمن تطلعات شعبها ، وأعرب عن استعداد البحرين للانضمام للاتحاد إذا ما دعيت لذلك وإذا ما تحقق لها الاتحاد حكومة قائمة على أسس دستورية وطيدة (3) . بالتسهيلات التي أعطيت سابقا ً للقوات البريطانية التي سحبت من البحرين في نوفمبر ديسمبر 1971 .
فيما يلي قصيدة اللورد كارادون الممثل البريطاني في الأمم المتحدة التي ألقاها أمام مجلس الأمن في مايو 1970 على أثر استقلال البحرين :
أتهجوا مرة أخرى ، ابتهجوا
لقد تكلمنا بصوت واحد
لقد انتهت المسرحية ، فكونوا شاهدين
فالممثلون جاؤوا للانحناء ( أمام الشاهدين )
اشكروا الشاه أولا ً ، ما أسعد الشهامة الملكية
وحيوا يوثانت ثانية وهو الذي لا يتعب
في سبيل تنسيق رغباتنا
وبعده يستحق الإيطالي الإكبار
للعدالة الرومانية في هدفه
فقد اكتسبته استنتاجاته الشهرة
( ونحن فخورون لأن له اسما ً إنجليزيا ً)
وتقديرا ً منا نصرخ يعيش
المبعوث الخاص
فكل هذه الجهود لم تذهب هباء ً
لأن الناس أعربوا عن رغباتهم بوضوح
وطالبوا بالاستقلال
فتعالوا نردد مرة أخرى
بالتوفيق وبسرعة فائقة للبحرين
_________________
* الهوامش
1- أنظر كتاب Kelly .B.J.The Gulf And West . Arabia ,Nicolson .o Published By Widen field
2- المصدر السابق ص 454
3- انظر Keesings Contemporary Archives 1971 – 1972 .
ممكن لديكم بحث عن علاقات قطرية ايرانية 1971-2003
ردحذفarabic conference in Bahrain for DXN company
ردحذفالمؤتمر العربي لشركة DXN في مملكة البحرين للعام 2019
انضم معنا
https://dxn4ar.blogspot.com/2019/01/blog-post_13.html