( الفصل الأول )
* الأوضاع في مطلع القرن
لم يكن الوضع الإداري والسياسي في البحرين عند مطلع القرن متميزا ً بالهدوء والاستقرار بل كان يحمل في ثناياه مخاطر الانفجار في أية لحظة ، ذلك لأن الشيخ عيسى بن علي الذي كان يسيطر على الأمور محليا ً قد حكم البلاد أكثر من ثلاثين عاما ً ( منذ العام 1869 ) وأصبح من الصعب عليه تغيير نمط حكمه ، وكما سنرى فإن استمرار هذه الوضع قد أدى في النهاية لعزل الشيخ عيسى من قبل البريطانيين وتعيين ابنه ، الشيخ حمد مكانه .فكيف كان الوضع وما هي الدوافع للمعارضة ؟يصف لوريمر حكومة البحرين آنذاك بقوله : إنها متسيبة وطابعها سوء التنظيم (1) ، فهي محكومة من قبل الشيخ عيسى بن علي في الوقت الحاضر ، ويساعده وزير أو مستشار في حل المسائل ذات الطابع السياسي أو ذات الأهمية العامة ، ويحكم بنفسه إلا إذا كان غائبا ً في رحلة صيد . ويقضي الشيخ أربعة أشهر خلال فصل الصيف في المنامة ، بينما يكون مقره الرئيسي في بقية العام في المحرق . ويمارس أقرباؤه : أخوه وأولاده وأبناء أخيه وآخرون من أقربائه ، سلطاتهم على مناطق مختلفة يملكونها بصفة مطلقة مدى الحياة . فهم يجمعون الضرائب من هذه المناطق لخزانتهم الخاصة ويمارسون القضاء والإدارة على قاطني تلك المناطق .
وأهم المناطق التي تتمتع باستقلال شبه كامل في تلك الفترة هي تلك الواقعة تحت سيطرة أخ الحاكم ، خالد ، فهو يملك جزيرتي سترة والنبيه صالح وكل القرى الواقعة في الجانب الشرقي من جزيرة البحرين جنوبي خور الكارب وكذلك قرى الرفاع الشرقي والغربي .ويصف لوريمر الأوضاع السياسية العامة فيقول بأنه تحت حكم الشيخ وأقربائه ، فإن البحارنة الذين يشكلون الجزء الأكبر من قطاع المزارعين " غير سعداء " . فهم يتعرضون لـ " سخرة " مستمرة وسيطرة كاملة تنسحب عليهم وعلى قواربهم وماشيتهم وموقعهم من الأرض هو موقع العبيد وليس المستأجرين الذين يتمتعون بحرية . وإذا ما عجزوا عن انتاج كمية معينة من المحصولات فإنهم يطردون من منازلهم وفي بعض الحالات يضربون ويسجنون كذلك . وبعض البحارنة هم ملاك أراضي من الناحية النظرية ، إذ سبق وإن سمح لهم بشراء بعض المزارع ، ولكن ممتلكاتهم يستولى عليها بدون سبب معقول ، وحتى أبناء الحاكم نفسه متهمون بالظلم في هذا المجال . ومحصولات البحارنة كثيرا ً ما تسرق من قبل البدو الذين يأتون إلى البلاد أو تــُدمّر من قبل حيواناتهم . ومع ذلك لا يبدو أن البحارنة يحكم عليهم بالموت بدون محاكمة أمام القاضي ، إلا إن هناك ما يدعو للاعتقاد بحصول حالات موت بينهم بسبب المعاملة السيئة . وكثيرا ً ما يعتدى على نسائهم من قبل خدام الشيخ . وإذا ما ظلموا أكثر مما يستطيعون تحمله ، فقد يلجأ البحرانة إلى واحة القطيف .أما موقع الدواسر في البديع والزلاق فهو غريب نوعا ً ما ، فهم لا شأن لهم مع جيرانهم البحارنة وعلاقاتهم بشيخ البحرين بعيدة ولكنها ليست عدائية . ويصرون على أن يتم التعامل معهم من خلال زعمائهم . وأفهموا الشيخ بأنه إذا ما اتخذ إجراء ضدهم لا يقبلون به فإنه سيغادرون البحرين بطريقة جماعية . ويعتقد أن ما قام به بعض زعمائهم مؤخرا ً وذلك بشراء مساحات واسعة من المزارع والنخيل يجعل هذا التهديد أقل أهمية ومصداقية .ويعتبر البدو ، وخاصة آل النعيم ، الذي لم تخلُ الجزر منهم والذين أعدادهم إلى حدها الأقصى خلال موسم الحر ، سببا ً لكثير من المشاكل والإزعاج للمواطنين الدائمين ، ولكنهم يشجعون من قبل الشيخ على ما يقومون به لاعتقاده – ربما خطأ – بأنه سيقفون إلى جانبه في حالة حدوث أزمة . وسوف نرى لاحقا ً بأن الدواسر حددوا مواقفهم فيما بعد حسب ما يناسب أوضاعهم بغض النظر عن مصالح الآخرين ، ولم يتحركوا في مثل تلك الظروف للمطالبة بحكومة مركزية أو مصلحة وطنية مشتركة وإنما على أساس حماية نفوذهم حتى لو استدعى ذلك وقوفهم بوجه آل خليفة .
وهذا ما حدث فعلا ً بعد إدخال الإصلاحات الإدارية في البلاد عندما تم عزل الحاكم عيسى بن علي .- عهد عيسى بن علي : كان عيسى بن علي حاكما ً على البحرين منذ العام 1869 ، وتميزت سنوات حكمه بشكل عام بالظلم ونهب أراضي الفلاحين وتسلط أفراد الأسرة الحاكمة إذ لم يكن هناك حكومة مركزية ، وهو ما أدى إلى عزله من قبل الإنجليز عام 1923 م . أما قصة تولى عيسى بن علي الحكم فهي كالتالي (2) : في أكتوبر 1867 هاجمت قوة بحرية مشتركة من البحرين وأبو ظبي جزيرة قطر واحتلت مدينتي الدوحة والوكرة وخرب البيوت ونهبت أموال الناس . وكانت قطر تحت سيطرة الوهابيين الذين حاولوا مهاجمة البحرين ولكن اقتصرت اعتداءاتهم على سواحلها ولم يحدث شيء يذكر . وفي يونيه 1868 حاول القطريون الانتقام لما حدث لهم العام السابق ولكنهم فشلوا في تحقيق شيء يذكر . وحيث أن الهجوم المشترك على قطر كان قد تم الإعداد له بسرية تامة فقد فشل الإنجليز في منع حدوثه ، وقرروا بعد ذلك تلقين شيخي أبو ظبي والبحرين درسا ً بليغا ً .وفي 8 يونيه 1868 طلب المقيم السياسي البريطاني في الخليج من حاكم أبو ظبي دفع غرامة قدرها 125000 قـِرانا ً إيرانيا ً للقطرين وإرجاع القطريين الذين طردوا من أراضيهم وتقديم اعتذار لما قام به وتعهد بعدم تكرار ذلك ، ووجه طلبا ً مماثلا ً لحاكم البحرين ، الشيخ محمد بن خليفة . وفي سبتمبر 1868 وقّع أخوه علي بن خليفة معاهدة مع الإنجليز ( وكان علي مشتركا ً مع أخيه في الحكم وفي ما قام به من اعتداء على قطر ) وتضمنت الاتفاقية تعهد الشيخ علي بتسليم القوارب الحربية التي يملكها آل خليفة لقائد البحرية البريطانية ودفع 25000 دولار للمقيم السياسي في اليوم التالي ، ودفع مبلغ 75000 دولار على ثلاث دفعات سنوية .
وذكرت المعاهدة أن الشيخ محمد بعمله الذي قام به قد نحي من الحكم ، وأصبح أخوه علي بن خليفة حاكما ً مكانه .على أثر ذلك طلب الحاكم الجديد من الإنجليز السماح لأخيه بالرجوع إلى البحرين بدعوى أن السيطرة عليه وعلى أفعاله ستكون أسهل عندما يكون تحت المراقبة المستمرة ، ولكن بعد عودته إلى البحرين استمر في التخطيط ضد أخيه فنفي إلى الكويت ثم إلى القطيف ، حيث تحالف مع ناصر بن مبارك ، وهو حفيد الشيخ عبد الله آل خليفة وأصبحا يخططان ضد علي بن خليفة .في أغسطس – سبتمبر 1869 قاد الرجلان حملة بحرية مكونة من خمسة قوارب و 500 رجل وهاجما البحرين وذهبا إلى الرفاع الشرقي وحدثت معركة دامية قتل فيها الشيخ علي بن خليفة مع أحد أبنائه ثم تعرضت المنامة والمحرق للهجوم الذي تسبب في أضرار كبيرة .تحرك الإنكليز لضرب المهاجمين حالا ً ، وفي منتصف نوفمبر أعطيت الأوامر للمقيم السياسي بفرض حصار بحري على البحرين حتى يتم تسليم محمد بن خليفة وناصر بن مبارك وشخص ثالث هو محمد بن عبد الله الذي كان واليا ً على الرفاع الشرقي من قبل علي بن خليفة ، ولكنه تعاون مع المهاجمين . وفي 19 نوفمبر قصف الإنجليز قلعة حالة أبو ماهر فاستسلمت القوات التي كانت فيها وتم تسليم محمد بن خليفة ، وتمت إزاحة ناصر بن مبارك الذي كان متحصنا ً في قلعة المنامة ولكنه استطاع الهرب إلى الإحساء ، وبعد ذلك استسلم محمد بن عبد الله للإنجليز .على أثر ذلك طلب الإنجليز من عيسى بن علي الذي كان مقيما ً في قطر الرجوع إلى البحرين وسلموه حكم البلاد ، وتم إبعاد الشيخين وعدد آخر من قادة الهجوم إلى الهند . واحتجت الحكومة الإيرانية وكذلك الدولة العثمانية على تدخل الإنجليز في شؤون البحرين الداخلية . ولكن عيسى بن علي استمر في الحكم رغم الاضطرابات الداخلية والخارجية الكثيرة وتصاعد الصراع على النفوذ بين الأتراك والفرس والوهابيين على البحرين .لم يكن عيسى بن علي يملك قدرا ً كبيرا ً من حرية التصرف والحركة بل كانت هناك قيود فرضتها عليه المعاهدات العديدة مع الحكومة البريطانية . وقد شعر بضيق شديد ، خصوصا ً مع تقدم عمره ، واستغلال من حوله ضعفه وسوء تدبيره وخصوصا ً زوجته وابنها الشيخ عبد الله . ولهذا سعى للحصول على قدر أوسع من الحرية والنفوذ ، وذلك بإرسال رسالة شفوية إلى الحكومة البريطانية حلمها الشيخ عبد الله بن عيسى خلال زيارته لبريطانيا في شهر سبتمبر 1919 (3) . وتضمنت الرسالة التي قدمها عبد الله على هيئة مذكرة سلمها للسير هيرتزل في 4 سبتمبر 1919 ووقعها بإسم " عبد الله بن عيسى " ولي العهد " أربعة مطالب هي كالتالي : 1- معاملة الحاكم ( الشيخ عيسى ) على قد المساواة مع الحكام الآخرين في البلدان المجاورة من قبل الإنجليز ، وذلك بالسماح له بالحكم في قضايا العرب غير البحرانيين الذين كان الإنجليز يتولون الشتريعات الخاصة بهم ومنع المعتمد السياسي من التدخل لحماية البحرانيين أحيانا ً .2- السماح للحاكم بتعيين أعضاء مجلس العرف البحرانيين مع قبوله بتعيين المعتمد الأعضاء غير البحرانيين في ذلك المجلس .3- حيث أن ابن سعود كان يسعى لتعمير ميناء العقير ، فإن الشيخ عيسى يطالب كذلك بالسماح له بإنشاء ميناء في الزبارة في قطر .4- السماح للشيخ عيسى بالاتصال المباشر كتابيا ً مع الحكومة في لندن وقت الحاجة .ولكن الإنجليز رفضوا الطلبات جميعها كالتالي :1- بخصوص المساواة مع بقية حكام البلدان المجاورة ، رفض الطلب على أساس أن الحكومة غير فعالة وضعيفة وليست بمستوى حكومات بقية شيوخ الخليج .
فحكومة آل خيفة في نظر الإنجليز تستغل الجزر وساكنيها لمصلحة آل خليفة وعائلة أو عائلتين من العوائل العربية البارزة . ولذلك فليس من الممكن للحكومة البريطانية التنازل عن دورها في ممارسة القضاء والتشريع للمواطنين العرب غير البحارنيين ، إلى أن يقوم الشيخ بنفسه بالحصول على موافقة شيوخ البلدان الأخرى على ذلك .وبخصوص تعيين أفراد مجلس العرف ، فقد رفض طلب الشيخ عبد الله على أن ذلك يتناقض مع الأصول البريطانية التي تحكم صلاحيات المعتمد السياسي في البحرين .ورفض كذلك طلب الشيخ بالسماح له بإنشاء ميناء الزبارة بسبب الصعوبات المحيطة بالموضوع ، ولأن حاكم قطر سوف يعارض بشدة لأن ذلك سوف يؤثر على تجارته في قطر ، وكذلك الحال مع ابن سعود الذي كان قد افتتح مركزا ً تجاريا ً جديدا ً في العقير .كما رفض طلب الشيخ الاتصال المباشر مع الحكومة البريطانية في لندن على أساس أن العلاقات بين الحكومة البريطانية والبحرين كانت تتم دائما ً عن طريق الهند ولابد من الاستمرار في ذلك .في ديسمبر 1921 التقى زعماء البحارنة مع المعتمد البريطاني وذكروه بالمسؤولية المزدوجة للحكومة البريطانية تجاه الحاكم تجاه رعاياه . وقالوا حيث أن بريطانيا ملتزمة بحماية حكومة الشيخ ضد أي نوع من التهديد فإن اللازم عليها ، كقوة حامية ، إقامة حكومة جديدة في البحرين .وعندما زار المقيم السياسي البحرين في 21 ديسمبر 1921 حاول الشيخ عيسى الحصول على عريضة من البحارنة لتأييد حكومته ، ولكنه لم يفلح في ذلك .وفي أول يوم للزيارة التقى المقيم مع وفد البحارنة الذين سلموه عريضة كتبوا فيها ما يلي ( النص ترجمة عربية من الترجمة الإنجليزية للرسالة الأصلية ) (4) : (( الحمد لله الذي جعل الملوك ظلالا ً يلجأ إليها اللاجئون من الحر ، وجعلهم ملاذا ً لمن لا حول لهم ولا قوة في أوقات الشدة ، الذي جعل عدلهم سببا ً للبركة . وإذا ما ارتكب الحاكم ظلما ً يتغير الزمان ، ويجب على الرجل العاقل أن يعي دروس من قبله . الذي لم تبق لهم أثر وانظر إلى العدالة كيف تستمر وتبقى . الحكومة البريطانية مثلا ً لم تخسر اسمها وشرفها من قبل . ولقد منّ الله على المخلوقات بتقوية هذه الحكومة ولذلك انتشر الحديث عن عدالة تلك الحكومة . وقد فاقت عدالتها عدالة أونشروان . ولقد شاهد الناس عدالة الملكة الراحلة فيكتوريا التي تقيم العدالة للمظلوم حتى على نفسها . وبعدها جاء الملك الكبير ادوارد وبعده الملك الحالي جورج الذي انتشرت عدالته في كل العالم .ثانيا ً : نود أن نعرض لصاحب الحكمة الكبيرة والمزاج الطيب رئيس الخليج ، بأن الجالية الشيعية في حالة إذلال كبير وتتعرض لمجازر علنية . وليس لهم ملجأ ولا تقبل شهادة أحد منهم ، وممتلكاتهم معرضة للنهب وهم معرضون لسوء المعاملة في كل لحظة . والظلم يزداد كل يوم .
وإذا أردنا أن نحصي المظالم ، نستطيع ذلك ولكن مراعاة لاحترام الرئيس لا نفعل ذلك ولكن نشير إلى واحد من ألف منها .إن الحكومة مسئولة أمام الله عن إراقة دمائنا وعن الظلم الذي نتعرض له لأنها قادرة على مساعدة الضعيف والفقير وإنقاذنا من أيدي الظالمين .ولذا انقدنا يا رئيس قبل أن نفني . وقد اجتمع سكان القرى هذه اليوم ليأتوا ويلجأوا عندك ، ولكن نصيحة الرجلين الطيبين ، ومحمد شريف والحاج عبد النبي منعتهم من ذلك ، ورفض الأعيان وأصروا على مقابلة سموكم . إننا نتقدم إليك باسم الله أن تساعدنا وإذا لم تعطنا حقوقنا ولم تساعدنا فإنك تساعد الظالمين على الاستمرار في ظلمهم . فقد نفذ صبرنا وطاقتنا . وإذا تركنا هذا الملجأ ولم يساعدنا الرئيس فإننا سنواجه الموت وسيكون مسئولا ً أمام الله .العريضة من كل شيعة البحرين في 30 ديسمبر 1921 كتب المقيم السياسي الكولونيل أي . بي تريفور إلى الدائرة السياسية وشؤون الخليج بحكومة الهند البريطانية الرسالة التالية : (5)" الموضوع : استبداد شيخ البحرين وعائلته تجاه مواطني البحرين ..1- لي الشرف أن أكتب لحكومة الهند من أجل إطلاعها على أن المعتمد السياسي في البحرين كان يلفت نظري إلى السلوك الاستبدادي لشيخ البحرين وعائلته وخصوصا ً الشيخ عبد الله . وأشير إلى ذلك في رسائل وتقارير عديدة وأعتقد أن الحكومة مطلعة على ذلك . وحيث أن إثارة الموضوع في الوقت الحاضر غير مناسبة ، حاولت أولا ً النظر فيما إذا كان بالإمكان تحسين الأمور بتقديم النصيحة للشيخ ، ووضع الشيخ حمد في موضعه المناسب كولي للعهد وهو المنصب الذي اغتصب من قبل الشيخ عبد الله بوسائل أخرى . ويؤسفني أن أقول بأن هذه الخطوات لم تصلح الأمور . ولهذا السبب كنت عازما ً على إطلاع حكومة الهند على الوضع الراهن ، وطلب تعليمات حول طرق المعالجة . ولكنني منعت تحت ضغط العمل في إطار زيارة الوزير وغيابي في جولة ولأسباب أخرى .2- ولكن القضايا طفحت إلى السطح عندما زرت البحرين في 21 ديسمبر حيث جاء وفد كبير من المواطنين البحرانيين إلى المعتمدية وقدم عريضة ، أرفقها لكم هنا ، وتحدثوا معي كذلك . ومع الأسف كان المعتمد مريضا ً بالحمى ، وحيث لم يكن قادرا ً على الحضور ، فقد عرف خان صاحب محمد شريف ، رئيس الجالية الإيرانية فجأة بأن عدة آلاف من مواطني البحرين جاؤوا من القرى المجاورة والمزارع ، وأن خطتهم هي المجيء في مجموعة كبيرة إلى المعتمدية وتقديم العريضة لي . ويبدو أن خان صاحب اجتمع مع رؤساء البحارنة لمنع حضورهم الحاشد ولكن الطريقة الوحيدة التي كان يستطيع العمل بها هي التعهد لهم برتيب مقابلة لوفد كبير منهم معي . وعندما تم ذلك كان المعتمد السياسي قادرا ً على مقابلة محمد شريف بعد أن أصبح الوقت متأخرا ً لترتيب إجراءات موقتة . وبالنتيجة ، وبالرغم من أنني كنت أفضّـل بالطبع أن أحصل على أوامر من الحكومة فقد اضطررت لمقابلة الوفد حال وصولي .3- بالطبع كان الشيخ مدركا ً للقضية ، وفي ختام زيارتي لمبنى الجمارك أخرج نسخا ً من معاهدات مختلفة وترتيبات وضعها مع الحكومة البريطانية وأشار إلى أنه التزم بها جميعا بقدر استطاعته ولم يذكر الشيخ طبعا ً قضية العريضة التي قدمها رعاياه ، ولكن كان واضحا ً في ذهنه .4- عندما وصلت إلى المعتمدية ، وجدت تجمعا ً كبيرا ً من البحارنة في الانتظار فقابلتهم في غرفة المحكمة . فقدمت العريضة وقرئت ، وتقدم الأشخاص وشرحوا الطرق المختلفة التي ظلموا بها . وأخبرت الوفد بأن القضية ليست من النوع الذي أستطيع البت فيه بنفسي ، وإنني خادم للحكومة ولابد أن أستلم أوامر من الحكومة البريطانية . ولم يرضهم ذلك . ولكنهم ألحوا بشأن قضية أحد الأشخاص الحاضرين . فقد كان هذا الرجل يعيش في بيت والده عندما هوجم في إحدى الليالي من قبل الشيخ خالد ، وقتل الوالد ، بينما قطعت حنجرة الرجل نفسه وترك ليموت . ولكنه عاش وأخذ إلى المستشفى وشفي بعد فترة طويلة . وعند خروجه من المستشفى مباشرة زج به في السجن من قبل الشيخ وبقي مسجونا ً زمنا ً طويلا ً . ثم أطلق سراحه بهدف التوصل إلى ترتيب معين .
ولكن قبيل زيارتي ، قدم له إنذار بأنه إذا لم يعلن عدم معرفته بالذين قاموا بالهجوم وأنه لا أساس لشكواه ضد الشيخ خالد فإنه سوف يسجن مرة أخرى . وأشار البعض إلى أنه سوف يسجن خلال أيام قليلة ، وأن من المحتمل جدا ً أن يقتل ما لم أتخذ خطوات معينة . وبدا ذلك الأمر حقيقا ً ، وحيث أنني كنت سوف أغادر في المساء وأن شيئا ما ربما يحدث لذلك الرجل قبل أن أتعرض للموضوع وتوصلت إلى النتيجة بأن الشيء الوحيد الممكن عمله هو الطلب من المعتمد السياسي إعطاء الرجل حماية حتى يتم النظر في قضيته .وطلبت من المعتمد السياسي أن يمدني بتفصيلات حول قضايا الظلم الأكثر وضوحا ً والتي ذكر بعضها آنذاك ، وعندما استلمها فسوف أقوم بإطلاع حكومة الهند عليها .وواضح أنه ليس مطلوبا أن تتحول المعتمدية إلى محكمة استئناف ضد قرارات الشيخ ، ولكن من جهة أخرى ، وكما أشار الوفد ، فإن الرعايا البحرانيين خائفون من أن يأخذوا القانون بأيديهم لأن الشيخ كانت تحت حمايتنا ، ويؤكدون ، بمنطق معين ، بأن علنيا اتخاذ خطوات لمنع الشيخ من إساءة استعمال سلطته .وفي رأيي فإن أفضل الطرق لعمل ذلك هو تفويض المعتمد للتدخل في حالات الظلم الصارخة ، وتوفير حماية بريطانية فردية بانتظار نتائج لجنة تحقيق في قضيته . ولا أود أن أقدم أي توصيات في الوقت الحاضر ، ولكن سأقدم ما لدي من اقتراحات في الرسالة القادمة " .تلي ذلك رسالة من الميجر ديلي ، المعتمد السياسي في البحرين للمقيم بتاريخ 3 / 1 / 1922 م على أثر طلب الأخير ، وفيها عرض ديلي عددا ً من الحوادث التي توضح تصرفات آل خليفة تجاه البحارنه ، الذين هم السكان الأصليون ، وذكرت المظالم التي ارتكبها أفراد آل خليفة ضد أفراد الشعب وخصوصا ً البحارنة . وكانت عبارة عن ملحق مع الرسالة المذكورة بعنوان (6) :- أمثلة من ظلم عائلة آل خليفة للرعايا البحرانيين :
1- علي بن سفرة رجل مات قبل عام واحد وترك مبلغ 45000 روبية للأعمال الخيرية كنصدوق يديره أحد السياديين . فما كان من الشيخ عبد الله ، أخ الحاكم ، إلا أن دفع شقيق الفقيد لرفع قضية يدعي فيها أحقيته في إدارة المشروع الخيري . وأرسلت القضية إلى القاضي الذي رفض تغيير الوصية خصوصا ً وأن المدعي معروف بشخصيته السيئة ، وهو السبب الذي دفع الميت لعدم تعيينه أمينا ً على الوقف . ولكن الشيخ عبد الله تجاه8ل القرار الشرعي وأخذ المبلغ بالقوة واستولى على المتبقي . وبطرق ملتوية عديدة أخرى حصل الشيخ عبد الله على مبلغ كبير من الإرث الذي ترك للورثة .
2- هناك قطعة أرض يملكها أبناء محسن سيسي .. باع الشيخ عبد الله هذه الأرض لشاهين الشوملي بمبلغ 3500 روبية . وقد اشتكى المالكون عدة مرات للحاكمين ولكن لم تسمع شكواهم .وقبل بعضة أسابيع ، قرروا رفع شكوى مشتركة للمعتمدية . وسمع الشيخ عبد الله ذلك ودعى إلى اجتماع لبعض أصدقائه للنظر في القضية رغم أنه كان من المفترض أن يبتعد عن كل الشؤون الاجتماعية . فأمر المدعين بدفع 500 روبية لشاهين الشوملي كتعويض ومن ثم يسترجعون أرضهم . وكلا الطرفين غير راض الآن عما حدث . فأصحاب الأرض دفعوا 500 روبية مقابل استرجاع أرضهم بينما الآخر دفع 3000 روبية مقابل لا شيء .
3- إن الشيخ عبد الله يحتفظ بعاهرة اسمها مسعودة . وهي يهودية استدرجها لذلك العمل وكانت خليلته لبعض الوقت . وكان له مع هذه المرأة ترتيب معين تقوم بمقتضاه باستدراج شباب من العوائل المحترمة إلى بيتها . وهناك يهجم عليهم فداوية الشيخ عبد الله ثم يطلب منهم مبالغ كبيرة في مقابل عدم الكشف عن القضية وعدم سجنهم . ويقال بأن مبالغ كبيرة قد تم الحصول عليها بهذه الطريقة .
4- خلال موجة الحرية الماضية ، اختطفت زوجة خياط من السنابس واحتجزت عدة أيام في بيت الشيخ عبد الله . وهدد الزوج ، مع العلم بأنه لا يستطيع الشكوى إلا لدى الشيخ عبد الله نفسه الذي هو الحاكم المطلق للسنابس .
5- إن الشيخ عبد الله هو حاكم قرية جدحفص . ووزيره هناك شخص اسمه عبد الله بن رضي . ويقوم هو وزوجته بتصريف شؤونه هناك . وقد أجبر العديد من النساء على زيارة الشيخ في بيت الوزير . وقد اخطفت ابنة .......... وحبست هناك عدة أيام ، وكذلك ابنة ........ وفي كل حالة تم تهديد الآباء مع العلم بأنهم لن يحصلوا على حكم عادل في كل الأحوال ، وفضل الآباء كذلك عدم فضح المسألة حفاظا ً على شرف العائلة وسمعتها . ومنذ ذلك الوقت قام آباء هاتين البنتين بإرسالهما إلى القطيف كل عام عندما يحين موعد زيارة عبد الله لجد حفص . والقضية معروفة في المنطقة.
6- كان هناك عرف يحصل بمقتضاه الشيوخ على ضريبة على اللؤلؤ الذي تزيد قيمته على 100000 روبية في قوارب البحرانيين فقط . ويقوم كل قارب بدفع هذه الضريبة منه ، وخطط بعد ذلك عملا ً لاعتقاله وأخذ اللؤلؤة منه ولكنه ( أحمد بن خميس ) نجح في الهرب فلجأ إلى المعتمدية حيث منح الحماية من قبل المعتمد السياسي آنذاك ، الميجر ديكسون ، أما الآخرون الذين أجبروا على دفع هذه الضريبة فهم : الحاج حسين المدحوب ، الحاج متروك الحاج عبد لله أبو ديب ، علي بن حسن الحايكي ، الحاج جواد .
7- ليست هناك ضريبة على الموتى في البحرين . ومثل هذه الضريبة ممنوعة شرعا ً . وعندما مات أحمد يوسف محمود تاركا ً 2 لك أي ( 200000 ) روبية ، فرض الشيخ عبد الله ضريبة قدرها 20000 روبية بدون حق ، ثم سعى بطرق ملتوية لإحداث خلاف حاد بين الورثة ، حصل من جرائه على حوالي نصف الإرث " خدمة " أو تكاليف محكمة ، التي هي الآن معروف بـ 10% .
8- قام الشيخ عبد الله بالاستيلاء على قطعة أرض عليها بعض العقار يملكها عبد الرسول بن الحاج حسين من السنابس بدون أي مبرر وأعطاها لإحدى خليلاته التي تعيش الآن هناك .
9- عندما مات الحاج خلف السرو وضع الشيخ عبد الله يده على ممتلكاته ولم يفرج عنها إلا بعد أن دفع الورثة مبلغ 1000 روبية . ومعروف بأنه لم تكن له أي دعوى في هذا العقار .
10- استولى الشيخ عبد الله على بيت الحاج أحمد بن شعبان من السنابس بدعوى زائفة وما يزال مسيطرا ً عليه .
11- قام خدم الشيخ عبد الله باختطاف بنت وهي مواطنة من فارس . وعندما عجز والداها عن العثور عليها رجعا إلى المنزل وتركا شخصا ً اسمه عبد الله ليستمر في البحث . واكتشف أنها موجودة لدى الشيخ عبد الله الذي قام بتسليمها لشخص من الزلاق مقابل 400 روبية . وحاول محمد عبد الله بالنيابة عن والدي البنت باسترجاعها ، وحصل عليها بعد أن دفع 500 روبية بشرط أن يتزوجها هو نفسه وكانت حاملا ً وماتت أثناء الولادة .
12- قام الشيخ عبد الله باختطاف بنت ...... من الحورة ، مما أدى إلى انزلاقها إلى مهنة الدعارة .13
- واختطف ابنة خالد بن قاسم .
14- تزوج بن كاظم بامرأة من الكويت وذهب في عمل إلى القطيف ، وعند رجوعه وجد أن بيته قد نهب وزوجته قد اختفت . وفي وقت لاحق وجد زوجته مع شخصين منحرفين معروفين وعندما طلب رجوعها أخبر بأنها سلمت لهما من قبل الشيخ عبد الله للاحتفاظ بها . وذهب إلى الشيخ عبد الله الذي أخبره بأنه لا يستطيع استرجاعها . واشتكى مؤخرا ً إلى المعتمدية عن ضياع امتعته . ويقال بأن الشيخ عبد الله رشاه لكي يبقى اسمه خارج القضية .
15- كان محمد بن الشيخ عبد الله يعمل على استدراج بنت علي الدوي ، وهو تاجر معروف في المحرق . ولكنه فشل ، وفي إحدى الليالي أمسك بالبنت في أحد الشوارع الفرعية ومعه خدمه ، وأغلقوا الشارع من طرفيه ، ثم قاموا باغتصاب البنت . وحاول الأب الإبقاء على سمعة العائلة وشرفها بالسكوت لعمله بأنه لن يحصل على شيء فيما لو طلب محكمة للقضية , والقضية معروفة الآن بشكل واسع .
16- قبل ستة أشهر قام حمود بن صباح ، وهو أحد أفراد العائلة الحاكمة ، بقتل الحاج حسين العريبي في قرية توبلي ، وحاول قتل زوجته وابنه وابنته ، الذين أصيبوا بجراح خطيرة . ورغم أن الابن كان مريضا ً جدا ً ، فقد أرسل إليه الحاكم لاستجوابه ثم وضعوه بالسجن . وبعد التهديد أطلق سراحه وذهب إلى المستشفى حتى شفي . ومؤخرا ً وجهت إليه التهديدات بالسجن إذا لم يوقـّع على ورقة بأن حمود بن صباح لم يقتل والده أو يجرح بقية أفراد عائلته . وخلال زيارة المقيم الأخيرة إلى البحرين طلب مقابلته وأعطي حماية مؤقتة حتى يتم التحقيق في القضية . وفي مثل هذه الحالات فإن الشهود يخافون جدا ً من الإدلاء بشهاداتهم . وحلف اليمين بأنه رأى حمود بن صباح يقتل أباه أمام عينه ثم حاول إطلاق النار عليه . وجرح من قبل شخص آخر بخنجر .
17- قام خادم محمد ، وهو الابن الآخر للحاكم ، بقتل ابن الحاج مهدي بن زينل من جدحفص في السوق الشعبي وفي وضح النهار . وقد اعتقل القاتل ولكنه أفرج عنه ، وهُدد الأب بأنه هو الآخر سوف يقتل إذا استمر في شكواه . وقد طرح الأب قضيته أمام المعتمد السياسي مؤخرا ً .
18- ارتكبت جريمة قتل سياسي مؤخرا ً في سترة وأخرى بالقرب من النعيم . ولم يقتل سوى أقارب المغدورين الذين هددوا لكي لا يشتكوا .
19- إن الشيخ خالد ، أخ الحاكم ، الذي يتمتع بحقوق مطلقة في سترة يأخذ " ربعة " ( 4 أرطال ) من السمك يوميا ً من كل مواطن أو ثمنها نقدا ً ويباع هذا السمك إلى شخص آخر اشترى " حق الامتياز " . وهناك ضريبة مقدارها 2 روبية على كل منسم فرضها على الناس . وقد قام هذا الشخص بفرض ضريبة مقدارها 25 روبية على كل شخص مؤخرا ً بدون أن يكون هناك أي سبب .. ومصدر آخر لمدخول هذا الفرد من العائلة الحاكمة هو أن يطلب من الرعايا الشيعة العمل خلال فترة 7 – 10 محرم ، وهي الفترة التي يمتنع فيها هؤلاء عن العمل . وإذا لم يقبلوا بذلك يطلب منهم دفع مبالغ مقابل ذلك .ويطلب من النساء المشاركة بعلف لحيواناته من مزارع أزواجهن . وقد قام أبناؤه باحتجاز عدد من النساء لأغراض غير أخلاقية .
20- قبل شهر واحد عثر على جمل صغير ضائع من جمال الشيخ وهو ميت خارج إحدى القرى . وهناك دوافع للشك في القتل العمد . ولكن غرامة قدرها 500 روبية فرضت على القرية . ومن لا يستطيع دفع ذلك ، فعليه أن يذهب لحلف اليمين بأنه لم يقتل الجمل . وهذا يعني خسارة يوم كامل لمئات من الناس . وكان بالإمكان أن تعطى اليمين في المنامة ولكن هذا التنازل لم يعط ِ بعد لهم . ولم يفصل الحاكم في القضية بعد .
21- أرسل الشيخ عبد الله بطلب ابنة شخص اسمه علي البصري ، ولكن والدها رفض إرسالها إليه . ولكن أم الشيخ عبد الله التي أعلنت نفسها مؤخرا ً " ملكة البحرين " أرسلت إلى والدة البنت طالبة إرسال ابنتها أو مغادرة البحرين مباشرة . وأقنعت البنت لاحقا ً أحد خدام الشيخ ولكنها وضعت بعد ذلك في أحد بيوت الشيخ عبد الله كخليلة .
22- قام بعض الرجال الذين يقومون برعي جمال زوجة الشيخ بخطف ولد من خارج إحدى القرى وقاموا بممارسة أعمال غير أخلاقية معه . واحتج القرويون وقالوا بأنهم سيقدمون أحتجاجهم لـ " المملكة " وعندما فعلوا ذلك قامت تلك المرأة بسجن 12 من رؤسائهم . ورفضت رفع القضية للمحكمة . وبعد فترة أفرجت عنهم بعد دفع غرامة قدرها 250 روبية .
23- رفض أحد البحرانيين استئجار إحدى مزارع الشيخ بعد أن قرر رفع ثمن الإيجار قبل انتهاء مدة الاتفاقية الحالية . وأخذ مزرعة أخرى لمواطن من القطيف . فأقيمت دعوى مزيفة بالكامل ضده ( ولم يكن هو نفسه على علم بهذه الدعوى ، ولكن دعوى أقيمت عليه بعد الإفراج عنه ) وسجن لمدة شهر واحد وفرضت عليه غرامة مقدارها 500 روبية ومنع من العمل لدى المواطن القطيفي . وبمعنى آخر فقد أجبر على استئجار مزرعة الشيخ مرة أخرى .
24- إن عمل السخرة ، وقيادة القوارب ، والحيوانات للنقل كلها أحداث يومية ، وقيادة النقل والعمل الإجباري معروفان بـ " السخرة " وكان في السابق امتيازا ً للحاكم فقط . ولكنه الآن يمارس من قبل كل فرد من أفراد العائلة الحاكمة ومن يتحالف معهم ويبلغ عددهم جميعا ً حوالي 150 شخصا ً مما يسبب مشقة جديدة للمواطنين . إن الأوضاع التي يسجن فيها الناس سيئة للغاية .التوقيع الميجر أي . إيه ( ديلي ) بالإضافة للوضع الإداري المتخلف الذي لم تكن له بأي شكل من الأشكال أية سمة من سمات الدولة أو الحكومة المركزية ، كان هناك خلل كبير في نظام القضاء وهو ما كان وراء عدد من التحركات السياسية اللاحقة . فقد كان الشيخ يترك القضايا التي لا تتعلق بالتجارة والغوص للقاضي الرسمي . كان آنذاك جاسم بن مهزع وهو سني المذهب . أما القضايا الصغيرة ذات الطابع المدني فقد كانت تترك للشيخ شرف بن أحمد إذا كان الطرفان سنيين وللشيخ أحمد بن حرز إذا كانا شيعيين . وكان هناك قدر من عدم نزاهة القضاء وكان ذلك من دوافع التحركات السياسية في مراحل مختلفة . وبالإضافة لهؤلاء كان هناك سبعة قضاة من السنة وقاضيان من الشيعة .وتجدر الإشارة إلى أن القضاء في البحرين لم يمتد صلاحياته ودائرة عمله لغير البحرانيين ، وبريطانيا تمارس القضاء في القضايا المختلفة المرتبطة بالأجانب من خلال المعتمدية السياسية في البحرين ، وهو ما كان سببا ً لعدد من المشاكل في البلاد . وتجدر الإشارة إلى أن زعماء القبائل السنية القاطنين خارج كل من المنامة والمحرق كانوا يقومون بدور القضاء بدرجة واسعة بين المواطنين في مناطقهم . كما أن أفراد العائلة الحاكمة الذين كانوا يسطرون على أراض ومناطق كثيرة كانوا يقومون بالدور نفسه ، وكان على البحارنة أن ينصاعوا لحكم هؤلاء ، وفي حالات محدودة كانوا يقدمون قضاياهم للعلماء المحليين . أما القضايا التجارية وخصوصا ً التي تشتمل على أجانب فقد كانت تقدم لهيئة خاصة عرفت باسم المجلس العرفي أو مجلس التجارة . وكان أعضاء هذا المجلس الدائمون يعينون من قبل الحاكم بالتشاور مع المعتمد السياسي البريطاني حسب اتفاقات قديمة قررت في منتصف القرن الماضي لحل الإشكالات والقضايا التي تكون أطرافها خليطا ً من البحرانيين الواقعين ضمن قضاء الشيخ ، والأجانب الواقعين تحت القضاء البريطاني . ويعتبر هذا المجلس أعلى سلطة قضائية مختصة في القضايا التجارية . ومن الناحية العملية ، يتم حل بعض القضايا التي يكون طرفاها بحرانيين من قبل أقارب الشيخ وربما خدمه ( انظر لوريمر ) . أما إذا كان هناك أجانب في القضية فإن المجلس يعقد جلسة لحلها ، ويقوم المعتمد السياسي بدعوة المجلس للانعقاد إذا كانت الأطراف المعنية بريطانية أو غير بحرانية . وتعقد الجلسة بمبنى المعتمدية السياسية البريطانية .أما المشاكل الناجمة عن الخلافات في عمليات الغوص أو تجارة اللؤلؤ فتحل من قبل هيئة مصالحة تعرف بـ " سليفة الغوص " .. وعادة يطلب القضاة أصحاب الدعاوي بدفع أجور المحكمة وتعرف بـ " الخدمة " ، وأحيانا ً يفرض الشيخ أو أقرباؤه هذه الضريبة أو أجور المحكمة .كان الظلم الاجتماعي والسياسي بلا حدود ، وللتدليل على ذلك نورد هنا نموذجا لميزانية البلاد السنوية ليتضح ما كان يمارسه آل خليفة من سلب لأموال الناس . وهذا النموذج هو لميزانية العام 1905 التي أوردها لوريمر في كتابه كالتالي :المدخولات ( بالروبية ) المصروفات ( بالروبية )ضرائب البحر ( الجمارك ) 150000 مصاريف الشيخ الخاصة ( وبضمنها رواتب الحرس الخاص ) 100000ضرائب الزراعة ( محاصيل نخيل الحكومة وضريبة تعرف بـ " النوب " تجمع من أصحاب المزارع 100000 مصاريف خاصة ( زواج ، أسفار ) 30000ضريبة سفن الغوص 12000ضريبة أجور القضاء 20000أجور الأراضي في القرى والدكاكين والخانات 1400متفرقات 4000 علاوات لأفراد عائلة الشيخ 100000مصاريف الإدارة 14000دعمك وهدايا البدو 5600المجموع 300000 المجموع 300000بالإضافة للضرائب المالية ، يأخذ الشيخ لنفسه 5% من سعر الحيوانات المستوردة للذبح من الخارج . والجدول الأعلى خاص بميزانية الشيخ نفسه ولا يشمل دخل الضرائب ما يجمعه بقية الشيوخ في مناطق حكمهم أي القرى الواقعة تحت سلطتهم . فهناك ضريبة تسمى الطراز تفرض على البحارنة ولا تفرض على الآخرين . أما السيطرة على أوضاع البلاد الداخلية وعلى الناس في المدن والقرى فلم تكون من طريق جهاز مركزي للشرطة المدنية وإنما هناك تابعون لبعض الشيوخ وللدواسر ويمارسون أنواع الظلم والقهر للمواطنين . ويرود لوريمر إحصاء ً للمسلحين في البلاد كالتالي :مسلحون تابعون لعيسى بن علي ……. 200الشيخ خالد ( أخ الحاكم )…………... 100الشيخ حمد ( ابن الحاكم ) …………. 80الشيخ محمد ( ابن الحاكم ) ………… 30الشيخ عبد الله ( ابن الحاكم ) ………. 30لحاكم السوق في المنامة ………….. 50لحاكم السوق في المحرق …………. 50المجموع = …………………… 540ولقبيلة الدواسر عدد آخر من المسلحين يقدرهم لوريمر بـ 400 شخص . كان الوضع الاجتماعي والسياسي يتحرك نحو التأزم . فممارسات الشيخ عبد الله تزداد سوءا ً ، والصراع بينه وبين أخيه الشيخ محمد يزداد تعمقا ً بعد أن ضغط المعتمد على الشيخ عيسى في منتصف عام 1921 لإبعاد الشيخ عبد الله عن إدارة أعماله وشؤون حكومته .
وفي 18 يوينه 1921 وافق الشيخ عيسى على الامتثال لطلب المعتمد ، وعين الشيخ حمد رئيسا ً لمجلس البلدية وتم استبدال محمد أخطر من منصبه كسكرتير للبلدية بمحمد شريف العوضي الذي قد حصل على لقب خان صاحب في يونيو 1919 من قبل المعتمدية .وبدأت الضغوط على الشيخ عيسى لإحداث تغييرات في أسلوب حكمه لمنع انفجار غضب البحارنه الذي أصبحوا يعانون الأمرّين من استمرا نظام الحكم على ما هو عليه . ولكن أعوان عبد الله بن عيسى كانوا يعارضون أي إصلاح في الإدارة لأن ذلك سوف يفقدهم قدرا ً كبيرا ً مما كانوا يتمتعون به من حريات الاعتداء والابتزاز والنهب والسرقات من المواطنين وخصوصا ً من البحارنه .ولجأ هذا القسم المعارض للإصلاحات للتعبير عن موقفه عبر مقالات نشرت في جريدة الأخبار المصرية في شهر يناير 1922 م وربما كان حافظ وهبة ، مدير التعليم السابق في البحرين وراء تلك المقالات . كما أقام بعض أفراد هذه القسم باختلاق حوادث عنف كان من بينها ما حدث في 12 يناير 1922 عندما أطلقوا النار على مركز للشرطة في المنامة بهدف إرعاب الشرطة .
ودفع هذا العمل المعتمد لممارسة مزيد من الضغط على الشيخ لاتخاذ خطوات عملية لمنع الانفجار العام واختلال الوضع في البلاد ، ولكن حكومة الهند كانت ضد الإقدام على خطوات جدية للضغط على الشيخ عيسى . وكان هذا واضحا ً من برقية أرسلتها حكومة الهند إلى المقيم السياسي في 31 يناير 1922 جاء فيها ما يلي (7) :" إن حكومة الهند غير مستعدة للقيام بعمل جذري بخصوص سوء الحكم في البحرين إلا عندما تطمئن بأن كل وسائل الضغط المحلية قد استنفذت وإن التدخل أصبح ضروريا ً لحماية الأجانب وحماية وضعنا في البحرين " .رغم هذا التحفظ كانت الأوضاع بشكل عام أكبر من أن يتجاهلها من يعنيهم الأمر ، فالمعتمد السياسي في البحرين كان يرى ضرورة القيام بعمل ما لمنع الانفجار المتوقع . فنراه يكتب في 8 / 1 / 1932 رسالة للمقيم يقول فيها ما يلي (8) :
" لقد تألمت لاكتشاف أسباب عدم الاستقرار خلال السنوات الأخيرة والتي أعتقدها كما يلي :
1- الزيادة الكبيرة في ثروة العائلة الحاكمة الناتجة عن تحسين نظام الجمارك والاستيلاء على ممتلكات البحرانيين بالقوة .
2- ازدياد قدرة الحاكم على ممارسة الظلم نتيجة لذلك .
3- متابعة البحرانيين لأحداث السنوات الأخيرة في العراق والهند ومصر ، وسفر المواطنين إلى الخارج وما ينتج عن ذلك من إطلاع وتنور
4- السياسة القمعية للحكام الذين هم أكثر جهلا ً وأقل سفرا ً من غالبية رعاياهم ولم يقوموا بأية خطوات لتثقيف كوادر عائلتهم .
5- تأثير الجرائد التي ازداد استيرادها منذ نشوب الحرب ( العالمية الأولى ) . وقد طورت هذه الجرائد الأفكار الديمقراطية التي عارضها نظام الشيوخ الأتوقراطي .
6- مجئ الأجانب ( إلى البلاد ) في كل موسم من مواسم الغوص .ويقترح المعتمد على ضوء ذلك الإقدام على إدخال إصلاحات ولكن بشرط أن تقتصر هذه الإصلاحات التي تساعد القوى الحامية ( بريطانيا ) على تنفيذ الادعاءات بأنها طرف في الظلم . ولهذا السبب فهو يقترح الإصلاحات التالية :
1- إدخال نظام ما للضرائب لضمان توفر قدر من المساواة .
2- إيجاد نوع من ما من المحاكم تتيح للشيعة فرصة التظلم لتفادي الوضع الحالي الذي يقوم فيه كل فرد من العائلة الحاكمة بالسجن وإنزال العقوبات بهم كما يشاء .
3- الإصرار على مراعاة قواعد الغوص وضبط الحسابات بين النواخذة والغواصين ، وإحضار الحسابات في المحكمة في حالة الاختلاف بدلا ً من النظام القائم حاليا ً الذي يرفض النواخذة بمقتضاه تقديم أية حسابات أمام أي محكمة .
- قبيلة الدواسر والإصلاحات :
- قبيلة الدواسر والإصلاحات :
لم تكن مسألة اعتراض الدواسر على الإصلاحات الإدارية ذات أهمية لو يكن لعبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ( ابن سعود ) دور في تأجيج الوضع واستعمالهم كورقة ضغط على الحكومة البريطانية للتخلي عن الإصلاحات التي كان يراها ابن سعود لصالح البحارنه بقدر معين .عندما كان الحديث جاريا ً في البحرين عن أن المقيم السياسي ، الكولونيل ناكس يعتزم إدخال إصلاحات في البحرين ، كانت هناك شائعات حول احتمال مغادرة عدد من القبائل خصوصا ً الدواسر في البحرين . وفي خطابه للمجلس الذي عقد في 26 / 5 / 1923 في المعتمدية لإعلان تخلي الشيخ عيسى بن علي عن الحكم وتعيين ابنه حمد حاكما ً ، أشار الكولونيل ناكس إلى مسألة رحيل الدواسر عن البلاد وقال لهم بأنهم يستطيعون المغادرة ولكن سوف يتم ضبط أموالهم وممتلكاتهم إذا فعلوا ذلك .بعد ذلك قام الدواسر بقتل عالم شيعي هو الشيخ عبد الله العرب وصاحبه الحاج حسين بن رمضان من سكنة بني جمرة ، وتم اعتقال عدد منهم على أثر تلك الحادثة . وفرض على شيخهم أحمد الدوسري غرامة قدرها 15 ألف روبية دفعت فيما بعد . على أثر تلك الحادثة غادر قسم كبير من أفراد القبيلة ومعهم أحمد الدوسري من البديع واتضح أنهم ذهبوا للجزيرة العربية وبدأ ابن سعود بتنفيذ اتفاق سابق بينه وبينهم . وهذا الاتفاق كما تظهره الوثائق يعود إلى أكثر من عام قبل البدء بتنفيذ الإصلاحات على أثر عزل الشيخ عيسى بن علي (10) .ففي منتصف عام 1922م قام شيخ الدواسر أحمد الدوسري وأحمد بن لاحج زعيم قبيلة أخرى بزيارة ابن سعود في نجد .
ويبدو أن ابن سعود في تلك الزيارة أبدى استعداده لمساعدتهم في معارضة فكرة فرض ضرائب عليهم أسوة ببقية المواطنين وضبطهم تحت سيطرة الحكومة . ويقال أنه وعدهم بالتزامه بأحد أمرين :1- فإما أن يستعمل نفوذه لمساندتهم في مقاومة فرض الضرائب عليهم أو :2- تخصيص مكان مناسب لإقامتهم لكي يستطيعوا التهديد بمغادرة البحرين عندما يقتضي الأمر للضغط على الحكومة .وكان الدواسر معارضين لتعيين الشيخ حمد وليا ً للعهد وكانوا مصرين على أن يكون أخوه عبد الله بن عيسى في ذلك المنصب . ولربما كانوا يخططون للسيطرة على حكم البلاد في وقت لاحق . ويبدو أن ابن سعود كان على علم بذلك . ورغم أنهم كانوا من قبل سنوات يدفعون ضريبة رمزية الغوص فقد توقفوا عن دفع تلك الضريبة فيما بعد واستمدوا قوتهم في البلاد من حقيقة أن الحاكم الشيخ عيسى بن علي كان معتمدا ً عليهم في ضرب الشيعة لفترة غير قصيرة . وفي عام 1921م عندما أبدى البحارنه توجها ً للتحرك ضد استمرار الاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم اقترح الدواسر على الشيخ استعمال القمع كوسيلة لوقف تحرك البحارنه ، ولكن الشيخ رفض ذلك خوفا ً من أن يؤدي ذلك إلى حدوث ثورة في البلاد ضد حكمه . وطلب الدواسر السماح لهم بمعالجة الوضع على طريقتهم الخاصة ، ولكن ذلك لم يكن ممكنا ً لأن النتيجة السلبية لمثل هذه السياسة كانت ستكون ضد مصلحة آل خليفة الذين لم يكونوا واثقين من نوايا الدواسر ، وكان عدم الثقة متبادلا ً بين الطرفين ، حيث كان الدواسر يتطلعون أيضا ً إلى حكم البحرين .وبسبب تحالفهم مع الشيخ عبد الله ضد أخيه الشيخ حمد ، فقد قاموا باعتداءات عديدة ضد الشيعة لتوريط حمد وتعقيد الوضع عليه . كما فعلوا في قرية باربار ( انظر الملحق ) . ومع علم الشيوخ بدور الدواسر في تلك الحادثة وغيرها ، إلا أنهم تباطأوا كثيرا ً في الإعلان عن الجهة التي تقف وراءها لكي يحموا الدواسـر .
ولا شك أن تحرك الشيعة عام 1922م لإزالة الظلم المستمر ضدهم كان غير مستحسن لدى ابن سعود . وكان الإنجليز يدركون ذلك من خلال اتصالاتهم بممثله في البحرين " عبد الرحمن القصيبي " فابن سعود لديه رعايا شيعة في منطقة القطيف وهو يعاملهم معاملة سيئة جدا ً ويفرض عليهم ضرائب خارجة عن التصور ، وكانوا خلال هذه الفترة يبدون رغبة في التحرك لرفع ظلم ابن سعود عنهم . كما كانت هناك مؤشرات على عزم ابن سعود في التدخل في البحرين والكويت ، من هنا فإن له مصلحة كبيرة في عقد تحالفات مع قطاعات معينة في البحرين مثل الدواسر .وكما ذكرنا فإن للدواسر دوافعهم في الاعتراض على الإصلاحات المزمع تنفيذها ، فمعظمهم يعملون نواخذة في مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ ، ويمارسون سياسات ظالمة ضد الغواصين الذي معظمهم من البحارنه ، ولذلك فإن الإصلاحات في قطاع اللؤلؤ سوف تحد من نفوذ الدواسر لصالح الغواصين ، وهذا ما لم يريده الدواسر . وإذا أضفنا إلى ذلك مسألة الضرائب على اللؤلؤ واتجاه الإصلاحات لمساواة الضرائب المفروضة على كافة القطاعات الاجتماعية ، وفقد بدت هذه الإصلاحات غير مقبولة جملة وتفصيلا ً من قبل الدواسر وبقية القبائل المستفيدة من الوضع المتسيب . وإذا أضيف لذلك مسألة القضاء بين الناس الذي كان منحازا ً باستمرار ضد الشيعة ، فإن إدخال مسألة المساواة في القضاء سيكون ذا أثر تشجيعي على المواطنين الشيعة في بقية البلدان الخليجية .وهكذا كان الدواسر على راس المعارضين للإصلاحات .
ومنذ بدء في تنفيذها في شهر مايو 1923م بدأت المشاكل معهم تأخذ طابعا ً جديا ً . فحين جاءت الأنباء عن نزوح عدد منهم إلى الجزيرة العربية شعر حمد بن عيسى بأن القضية أصبحت جدية وأن عملهم ذلك يشكل تحديا ً وإهانة لحكومته فكتب إلى المقيم الكولونيل تريفور الرسالة التالية (11) : " إنني طلبت من الدولة البهية المساعدة في ثلاث مادات : الأولى لتعبير من بلادي ( تسفير ) ثلاثة أنفار محركين الذين أحدهم الآن غير حاضر والاثنين عبد الوهاب الزياني وأحمد بن لاحج والمساعدة في ( خصوص ) الدواسر الذين شالوا من بلادي بنوع إهانة لحكومتي ، الثالث المساعدة اللازمة لمنع بقايا العشائر الباقين الذين سيخرجون من بلادي لمعاندة الطاعة .قد افتهمت عن الإصلاحات في البحرين بموجب أوامر الدولة البهية والذي سببها عدم نظام الحكومة في السابق ومن جملة الإصلاحات أطلب من فخامتكم أن تطلبون من الدولة البهية أن يفتكرون في مسألة الرخصة لي لإقامة قوة عسكرية لمحافظة الأمن في داخلية بلادي ولأجل شرف حكومتي .أما من طرف معاشات التقاعد ومعاشات بيت الخليفة عموما ً فأتعهد بأني لا أزيد عن المبلغ الذي يسير الآن إلا بمشاورة باليوز البحرين ورضا الدولة البهية . هذا ما لزم " .وبشأن طلب تسفير الشخصين عبد الوهاب الزياني وأحمد بن لاحج فقد تم ترحيلهما إلى بومباي في الهند ومع كل منهما خادم خاص ورتب سفرهما على سفينة تجارية وتذكرة سفر من الدرجة الأولى على نفقة المقيمية السياسية في بوشهر في 7 نوفمبر 1923م .أما بخصوص مغادرة عدد من الدواسر من البديع ، فقد كان الموقف البريطاني ( حسب تهديد سابق لهم ) يقضي بأنه إما أن تبقى القبيلة كلها أو ترحل كلها .
وحيث قد رحل بعض القبيلة فقد طلب المقيم من الشيخ حمد في رسالة بتاريخ 6 نوفمبر بأن يطلب ممن تبقى من أفراد القبيلة مغادرة البلاد خلال عشرة أيام ( 12 ) وأرسلت لذلك الغرض باخرة عسكرية تقف بمحاذاة الساحل قرب البديع لإظهار القوة .كما طلب المقيم من الشيخ حمد الاحتفاظ بممتلكات الدواسر في خزينة المعتمدية البريطانية ، وأخبره بأنه طلب من المعتمد السياسي بأن يبعث برسائل إلى كل الغواصين يخبرهم فيها بفك عقودهم مع الدواسر وأكد له بأن الحكومة البريطانية مستعدة لمصادرة قوارب الدواسر إذا ما حاولوا الاقتراب من أماكن الغـــوص .وكان واضحا ً أن مغادرة قسم من الدواسر ( ثلثان ) وبقاء قسم آخر منهم ( ثلث ) كان محاولة للإبقاء على خط للرجعة إلى البحرين ، ومحاولة للإيحاء بأن الممتلكات والأموال إنما هي للقسم الذي بقي في البديع . ( 13 ) وسبق ذلك بأيام إرسال المعتمد السياسي في الخليج برسائل إلى حكام المشيخات الخليجية يطلب منهم عدم السماح للدواسر بالنزول في أراضيهم . فمثلا ً كتب إلى حاكم الكويت وحاكم قطر الرسالة التالية ( 14 ) :" الشيخ أحمد جابر الصباح .. حاكم الكويت ، والشيخ عبد الله بن جاسم حاكم قطر سعادتكم بدون شك سمعتم عن طلوع عشيرة الدواسر من البحرين لمعاندة الإطاعة تحت حاكمهم ومن دون أدنى حجة صحيحة ومعقولة ويمكن سمعتم بأن يوجد قيل وقال من طرف خروج آخرين من هذه الجزاير . فمقصود هذا المكتوب بأن أطلب من سعادتكم إذا أحد من عشاير البحرين طلبوا بالسكون في بلادكم لا تعطونهم طريق في ذلك وإن وصلوا لبلادكم من دون مخابرتكم لا تعطونهم مسكن في بلادكم .قد أمرت على الدولة البهية بأن أبين إلى سعادتكم عدم رضاها إذا تعطون المغرضين في البحرين مسكن في بلادكم الذي هم يكفرون إحسانكم ونعمتكم بالنزول في بلادكم يعملون دسائس ضد حاكمهم في البحرين الذي الدولة البهية مستعدة لمساعدته عليهم .هذا ما لزم وأرجو أنكم في كمال الصحة " .وعملا ً بأوامر الحكومة البريطانية قامت مجموعة من قوات الشيخ ( الفداوية ) باحتلال قرية البديع في 19 نوفمبر . وفي صباح اليوم التالي وجدوا عددا ً من أفراد قبيلة الدواسر يجمعون الأمتعة من أجل شحنها وحيث أن المهلة التي كان قد أعطيت لهم قد انتهت ( عشرة أيام ) فقد استولت قوة الشيخ على ثلاثة قوارب محملة بالأمتعة وأرسلت الأفراد الباقين على القارب الرابع إلى الجزيرة العربية .
كما كان المعتمد قد طلب تواجد سفينة حربية بريطانية في مقابل البديع لتساعد مجموعة الشيخ التي ذهبت للقرية .وبعد أيام من الاستيلاء على البديع تم بيع ممتلكات الدواسر بعد أن تعهد المقيم السياسي بحماية المشترين من أي محاولة من الدواسر لاسترداد أمتعتهم بالقوة ، خصوصا ً وأنه كان هناك خوف من تدخل ابن سعود في المسألة . في شهر يناير 1924م رفع الدواسر أعلام الحرب في الدمام بعد أن ذهبوا لزيارة ابن سعود الذي أعطاهم أموالا ً ووعدهم باسترداد ممتلكاتهم التي بيعت في البحرين . وكان الشيخ حمد خائفا ً من هجوم محتمل من الدواسر على البديع . فطلب عن طريق المعتمد السياسي ( الميجر ديلي ) من الحكومة البريطانية . أخذ الإحتياطات اللازمة ( 15 ) وطالب بالإسراع في عملية تكوين قوة خاصة من الشرطة .في 15 / 2 / 1924 كتب المقيم السياسي رسالة إلى ابن سعود يحذره فيها من استمراره في دعم الدواسر كإعطائهم ملجأ في الدمام والسماح لهم برفع الأعلام فيها ووعدهم بحماية ممتلكاتهم في البحرين والعمل على إرجاعهم إلى البحرين . فرد ابن سعود بما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيمالسلطنة النجدية وملحقاتها الرياض 16 رجب 1332عدد 77من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود إلى حضرة المكرم صديقنا العزيز الكرنل تريور المفخم وقنسل جنرال الدولة البهية البريطانية العظمى في خليج فارس المحترم دامت معاليه بعد إهداء التحية والإكرام : تلقيت كتابكم المكرم رقم 9 رجب 1342 المتعلق بالدواسر وما بلغكم من الإشاعات في شأنهم . إنه أثناء زيارتهم للإحساء لم يجر بحث مطلقا ً يتعلق في أملاكهم في البحرين . فإن حكومة البحرين الإسلامية وشرائعها المعمول بها لا تخول لها حق مصادرة أموال المهاجرين وما عدا ذلك من الإشاعات فلا أساس له البتة وأنه لا يمكن أي عشيرة أو جماعة تسكن بلادي تأتي عملا ً منافيا ً للحقوق أو ماسا ً بعلائق الجوار وإني أتأسف أن تعملوا أهمية لما يرسل إليكم من الإشاعات الواهية المختلفة فإن السماع لمثل هذه المفتريات مما يشوش فكركم وإني أحب أن تتأكدوا بنفسكم عن مثل هذه الإشاعات قبل أن تعملوا لها أهمية .هذا ما لزم وتقبلوا فائق احترامي .وقد جاء رد ابن سعود في الرسالة المذكورة مؤرخا ً في 6 رجب 1342 ( 12 فبراير 1924 ) وكان فيه تطور مهم حيث أعطى القضية بعدا ً دينيا ً . فبعد أن أنكر حدوث أي وعود منه بخصوص ممتلكات الدواسر في البحرين أشار إلى أن الحكومة الإسلامية في البحرين لا يحق لها طبقا ً للشرع مصادرة ممتلكات الهاجرين . ويعني بهم الدواسر .
ثم نفى ما ذكره المقيم في رسالته وطلب منه التأكد من صحة الشائعات بخصوص علاقاته مع الدواسر .وكان هناك شعور عام بعد ذلك بأن ابن سعود أصبح أضعف مما كان عليه ولذلك لن يحاول التدخل بوضوح في الشؤون الداخلية للبحرين وإن كان سيستمر في الترويج للإشاعات بخصوص الدواسر وكان أكثر ما أثار انزعاج المقيم السياسي إعطاء القضية بعدا ً دينيا ً من قبل ابن سعود مع علمه بأن الدواسر هم آخر من يحتكم للشرع عندما كانوا في البحرين . وبحلول شهر مارس 1924 انتشرت أخبار عن أن ابن سعود قد أعطى الدواسر مكانا ً للاستقرار في منطقة الجبيل . وهو ما أراح بال البريطانيين لأن الدواسر سوف يصبحون بعيدا ً عن الدمام التي كانت تشكل منطلقا ً مناسبا ً للاعتداء على البحرين .كان رحيل الدواسر عن البحرين بعد انتهاء موسم الغوص في العام التالي .. ولكن بسبب تطور الأمور أصبح الطرفان يعيشان في حالة توتر . فالشيخ حمد ومعه المعتمد السياسي كانا يتوقعان مشاكل جديدة في موسم الغوص في صيف عام 1924م وخصوصا ً عند منابع المياه في منطقة " فشت الخور " المليء بمنابع الماء العذبة حيث كان الدواسر في السابق يفرضون على كل الغواصين الآخرين الانتظار حتى ينتهوا من ملئ قربهم حتى لو جاؤوا للمكان بعد الآخرين . ولذلك فقد كانت المداولات بين الشيخ حمد والمعتمد والمقيم متركزة حول ما يمكن أن يقوم به الدواسر في موسم غوص العام 1924م .
وفي 29 / 3 /1924م استلم القاضي ( جاسم المهزع ) رسالة من الدواسر يطلبون فيها توسطه بينهم وبين الحكومة للرجوع إلى البحرين لكي يستطيعوا الذهاب إلى الغوص في الموسم القادم .وفي 30 / 3 / 1924م جاء إبراهيم بن عبد اللطيف الدوسري إلى البحرين ومعه رسالة من ابن سعود إلى الشيخ حمد يطلب فيها حل مشكلة حامل الرسالة المتمثلة باسترداد قاربين تمت مصادرتهما بعد إنهاء المدة التي أعطاها الإنجليز بواسطة الشيخ حمد للدواسر للرجوع بشكل كامل أو الرحيل من البديع بشكل كامل .وكان الموقف البريطاني متمثلا ً بالميجر ديلي رافضا ً إبداء أي تنازل في الوقت الحاضر لأن ذلك كان سيعني إضعافا ً في مسألة الإصلاحات وعودة لحالة الفوضى التي سادت البلاد قبل رحيل الدواسر . واقترح الميجر ديلي على المقيم السياسي أن يؤجل البت بمسألة عودة الدواسر لسنتين أو ثلاث يتم خلالهما تثبيت الإصلاحات الإدارية وتقوية حكومة الشيخ حمد وتكوين قوة شرطة جديدة تستطيع الحفاظ على الأمن والنظام وعلى هذا الأساس فقد كانت مسألة الحفاظ على أمن موسم الغوص القادم ( صيف 1924 ) مسألة ملحة لأن الأجواء بدأت تتوتر بسبب الخوف من إقدام الدواسر على أعمال استفزازية في أماكن الغوص .ولذلك فقد تم الاتفاق على أن تقوم السفينتان الحربيتان البريطانيتان " سايكلمان " و " لوبين " بمهمة الإشراف على أماكن الغوص البحرانية ومنع الدواسر من الاقتراب منها أو من منابع الماء في خور الفشت الواقع ضمن حدود البحرين البحرية .لم تجر خلال الأعوام 1924 و 1925 و 1926 مشاكل تذكر في مواسم الغوص .
وهي المواسم التي كان يتوقع أن يقوم الدواسر فيها بالغوص في المغاصات البحرانية ، ومع ذلك فقد كانت السفن الحربية البريطانية تقوم بعمليات الخفر لمنع الدواسر من المغاصات البحرانية أو التزود من " خور الفشت " البحرانية .ولكن دور ابن سعود لم ينته تماما ً في قضية الدواسر . فقد استمرت الاتصالات بينه وبين الدواسر وكان يسعى للحصول على تنازلات من حكومة البحرين لحلفائه . وفي 17 / 5 / 1925 كتب المعتمد في البحرين الكابتن ملام إلى المقيم بريدو رسالة ذكر فيها عن تعرض شخصين أحدهما غواص والآخر نواخذه ذهبا لنجد والإحساء على التوالي لزيارة اقربائهما ، فسجنا لأنهما كانا مطالبين بديون للدواسر . رغم أن تلك الديون قد ألغيت من قبل حكومة البحرين عند رحيل الدواسر .مع نهاية عام 1926 كان هناك إلحاح مستمر من قبل الدواسر للعودة إلى البحرين بعد أن سئموا العيش في الجزيرة تحت حكم ابن سعود . فاقترح المقيم السياسي في الخليج ، اللفتنانت كولونيل إف . بي بريدو شروطا ً جديدة لعودتهم ، وطرحها في لقاء تم بينه وبين ثلاثة منهم جاؤوا إلى البحرين لمقابلة حمد والمقيم السياسي الذي كان في زيارة للبحرين في سبتمبر 1926م . كان الأفراد الثلاثة هم عبد اللطيف بن إبراهيم .. وعيسى بن سعد .. وأحمد بن عبد الله بن حسن .. وطرحوا على المقيم رغبة الدواسر في العودة بعد أن أصبح من الصعب عليهم العيش في القطيف . فكانت شروط المقيم كالتالي (16) :
1- عدم الشعور بالاستقلال والبقاء تحت حكومة حاكم البحرين .
2- دفع الضرائب نفسها التي يدفعها المزارعون والتجار .
3- الخضوع لأحكام المحكمة في المنامة والمحرق .
4- القبول بوجد مركز للشرطة ف البديع التي كانت مسكنهم .
5- يقوم الحاكم بتعيين رئيس القبيلة لوه الحق في تغييره .
6- حماية الغواصين الشيعة والعبيد الذين يخدمون عندهم .وقد وافقت الحكومة البريطانية على تلك الشروط في رسالة من نائب وزير الخارجية حكومة الهند للمقيد السياسي في 26 / 1 /1927م (17) .
ومنذ ذلك الوقت بدأت الأجواء تتهيأ لرجوع الدواسر وبعد تعيين اللفتانت كولونيل إل . بي . إج هوارث مقيما ً سياسيا ً عام 1926م . كانت وجهة النظر السائدة في المقيمية ببوشهر هي عدم الوقوف بوجه ما يريده الشيخ حمد الذي أصبح يشعر بعدم ارتياح لاستمرار غياب الدواسر عن البحرين . فاقترح هوارث على حكومة الهند مراجعة الموقف باتجاه السماح للدواسر بالرجوع لتقوية موقف الشيخ حمد ، فقال في رسالته لوزير الخارجية بحكومة الهند بتاريخ 27 / 3 / 1927م :" ولا بد من الالتفات إلى أن آل خليفة عائلة سنية تحكم مواطنين شيعة ، ولا يرغبون في إضعاف أنفسهم بإقصاء ( جهة تشكل ) سندا ً سنيا ً قويا ً " .. وأضاف قائلا ً :" ليس هناك ضرورة لجعل مسؤولية إبقائهم ( الدواسر ) في الخارج ، على عكس رغبة الحاكم الواضحة تقع علينا طالما كان ممكنا ً السماح للقبيلة بالعودة بشرط أن يرجعوا كأفراد عاديين في المجتمع طبقا ً للقوانين والأحكام المطبقة على غيرهم ، بدون ميزات خاصة " .وكان لوجهة نظر المقيم التي نقلها الشيخ حمد لزعماء الدواسر وقع حسن على نفوسهم ، فراحوا يتناقلون أخبار عودتهم المزمعة بسرعة وعلى كل المســتويات .وأهم ما حصلوا عليه من تنازلات هو استرجاع ممتلكاتهم ومن ضمنها المزارع والدواليب والمنازل في البديع والمنامة . بموافقة الحكومة البريطانية بشرط التزامهم بقوانين البلاد (18) . واسترجعوا طبقا ً لذلك الاتفاق المنازل التي بيعت بعد دفع تعويضات للمشترين تناسب أتعابهم على إصلاح المنازل ، كما أعيدت لهم كل مزارعهم التي قامت الحكومة بتأجيرها خلال غيابهم لمدة ثلاث سنوات من البحرين وكلف ذلك الحكومة 40000 روبية .وأصروا على استرجاع المبالغ التي حصلت عليها الحكومة من جراء إيجار مزارعهم ، ويبدو أن الشيخ حمد وافق على ذلك ، رغم معرفتهم بادئ الأمر أن خروجهم من البحرين غير مقبول وأن عقاب ذلك مصادرة أموالهم وممتلكاتهم ، وهذا يعني أن تغير الأمور بعد ثلاث سنوات لا ينسحب على تلك المدخولات التي حصلت عليها الحكومة من تأجير أراضي ومزارع الدواسر .
فالقبول بدفع كل شيء للدواسر ينطوي على الاعتراف بأن ما قامت به الحكومة عام 1923 كان خطأ .وهنا بدأ المستشار تشارلز بلجريف يدخل المسرح السياسي بعد تعيينه قبل أشهر مستشارا ً ماليا ً لحكومة البحرين . وكان معارضا ً لإرجاع عائدات إيجارات مزارع الدواسر (19) واقترح المعتمد بناء على رسالة بلجريف عدم التنازل لمطالب الدواسر الذين كانوا يعلمون جيدا ً مغبة عملهم عام 1923م واقترح دفع ثلث المبالغ التي حصلت عليها الحكومة من تأجير ممتلكات الدواسر (20) .
وجاء رد المقيم السياسي في رسالة إلى المعتمد بتاريخ 9 / 5 / 1927 بعدم الموافقة على الاعتراف بحق الدواسر في إيجارات عقاراتهم لأن ذلك يعني قسوة أحكام الحكومة ، ولكنه اقترح أن يكون المبلغ الذي اقترحه المعتمد ( ثلث واردات العقارات ) مبادرة حسنة من الحكومة لمساعدة الدواسر على الاستقرار من جديد في البلد بعد أن عفت عنهم لما بدر منهم بمغادرة البلاد بادئ الأمر ، كما طلب المقيم عدم إجبار أي غواص على الرجوع للدواسر إذا كانت الديون على الغواصين قبل رحيل الدواسر ما تزال قائمة ، فقد قررت الحكومة آنذاك إلغاء تلك الديون عن الغواصين ولا يمكن إرجاعها مرة أخرى .وهكذا رجع الدواسر إلى البحرين بعد ثلاث سنوات من خروجهم ضمن حلول وسط ، واطمأن الحاكم ، الشيخ حمد بوجود جار قوي يستند إليه فيما لو نشبت أزمة بينه وبين البحارنه ، على أساس أن الدواسر يشكلون قوة اجتماعية وسياسية وعسكرية احتياطية .
- نظام الغوص :
- نظام الغوص :
كانت مهنة الغوص على اللؤلؤ المهنة الرئيسية في البلاد منذ غابر الأزمان ، ولم تتراجع أهميتها إلا بعد اكتشاف النفط في الثلاثينات ، ومع ذلك بقيت كمهنة حيوية حتى مطلع الستينات حيث اختفت تماما ً وكانت عائدات اللؤلؤ تشكل جانبا ً كبيرا ً من الدخل القومي العام ، وكان لها نظامها وقوانينها الخاصة ، وقد شهد قطاع الغوص تطورات كثيرة سواء على مستوى العلاقات بين أفراد المهنة أم على مستوى أساليب الغوص .ولكونها المهنة الرئيسية في البلاد ، فإنه لم يكن بعيدا ً عن التصور حدوث مشاكل كثيرة واضطرابات بين الحين والآخر . ونريد في هذه الفصل التحدث عن حادثتين مهمتين حدثتا في قطاع الغوص على اللؤلؤ ، أحدهما في ديسمبر 1926م – يناير 1927 والأخرى عام 1932 ، ولكن قبل الخوض في ما حدث في هاتين الحادثتين يجدر بنا استعراض مهنة الغوص والعلاقات بين كافة العاملين فيها .كانت تجارة اللؤلؤ في مطلع القرن تمثل عصب الحياة في منطقة الخليج .
ولعل من عجائب القدر أن يكون لتجارة اللؤلؤ دور مشابه وربما أهم من دور الإنتاج النفطي حاليا ً من حيث اعتماد اقتصاد هذه البلدان على تلك التجارة التي تشمل صيد اللؤلؤ من جوف البحر ثم المتاجرة به . ويصف لوريمر أهمية هذه التجارة في مطلع القرن بقوله :" لو توقف انتاج اللؤلؤ ، لانهارت التجارة في الكويت ، ولانخفضت في البحرين إلى خمس ما هي عليه الآن حسب التقديرات ، ولتوقفت موانئ عمان والساحل المتصالح ( عن الحركة ) تماما ً " .. وهذا الوضع شبيه بالوضع الحالي في دول الخليج حيث أن توقف إنتاج النفط وتصديره سيؤدي بالتأكيد إلى انهيار هذه الدول .وبسبب الأهمية الكبرى لصيد اللؤلؤ فقد طمعت الشركات الأجنبية فيه وحاولت على مدى نصف قرن تقريبا ً الحصول على امتيازات خاصة للعمل في هذا القطاع ولكنها فشلت في ذلك . فمنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت أطماع الشركات الأوروبية في مغاصات الخليج تظهر للعيان .
وحدثت محاولات عديدة للحصول على امتيازات خاصة لصيد اللؤلؤ في هذه المنطقة ولكنها باءت جميعا ً بالفشل بسبب إصرار المواطنين على رفض أي تدخل أجنبي فـــي مغاصاتهم .ففي عام 1863م جاءت باخرة بريطانية إلى أماكن الغوص وعلى ظهرها غواصون مدربون وأجهزة علمية للمساعدة في استخراج اللؤلؤ ولكن احتجاجات الغواصين وتجار اللؤلؤ المحليين ضد وجود السفينة اضطر المقيم السياسي البريطاني لإصدار تعليمات للسفينة بمغادرة المنطقة . وفي عامي 1874 و 1890 وجدت الحكومة البريطانية ، تحت نصيحة حكومة الهند ، نفسها مضطرة لرفض طلبات عدد من الشركات البريطانية للحصول على امتيازات لصيد اللؤلؤ في الخليج .
وفي عام 1899 طلبت الحكومة البريطانية من مشير الدولة في طهران إلغاء عقد مع شركتين أوروبيتين أعطاهما بموجبه حق صيد اللؤلؤ في الخليج على أساس أن مثل هذا العقد يتضارب مع التزامات الحكومة البريطانية تجاه إمارات الخليج .وفي عام 1902 رفض المسؤولون البريطانيون في الخليج الموافقة على الترخيص لمواطن بريطاني – هندي للقيام بمشروع لصيد اللؤلؤ في مياه أبو ظبي . وفي عام 1903 جاء تاجران فرنسيان إلى البحرين في محاولة منهما للحصول على ترخيص لصيد اللؤلؤ في مغاصات البحرين ، ولكن الشيخ عيسى بن علي رفض ذلك بعد استشارة المعتمد السياسي وكان لمواقف الغواصين المحليين دورها في كبح جماح الشركات الأجنبية التي حاولت امتصاص خيرات المنطقة بالمشاركة في الغوص وهذه المواقف هي التي حفظت مهنة الغوص – رغم مشاكلها – وجعلت السيطرة عليها بأيدي أبناء المنطقة . واستمرت هذه المهنة حتى ظهور النفط في البحرين عام 1932م ، ودخول اليابان سوق اللؤلؤ بإنتاجها المخصب ، وبعدها بدأت المهنة في التراجع تدريجيا ً حتى تلاشت في نهاية الخمسينات .ويبدو أن التركيب الجيولوجي لقاع الخليج والحرارة المرتفعة فيه بالإضافة إلى ضحالة المياه فيه ، من العوامل التي تؤدي إلى تكون المحار أو ما يسمى بـ " أم اللؤلؤ " وتنتشر مغاصات اللؤلؤ في مواقع كثيرة في مياه الخليج خصوصا ً القريبة من الساحل العربي .
ويمكن تقسيم الأفراد العاملين في مهنة اللؤلؤ إلى صنفين : المملوين والمشتغلين .. فالصنف الأول يوفر الأموال اللازمة لإعاشة المشتغلين عندما يذهبون إلى البحر ويتركون عوائلهم خلفهم ، بينما يعمل الصنف الثاني لتوفير الدخل اللازم لتسديد القروض المقدمة من الممولين وتحقيق أرباح أخرى . ويسمى الممول بـ " المسقم " أو " التاجر " وهو الذي يدفع الأموال للنواخذة ( صاحب سفينة صيد اللؤلؤ ) وقد تكون لديه الأموال اللازمة وقد يقترض هذه الأموال بفوائد تترواح من 10% - 25% ، وكما هو معروف فإن العملية كلها تسمى " الغوص " ويسمى المشتغلون فيها عموما ً بـ " الغواويص " ومفردها " غواص " .ويعتبر طاقم سفينة الغوص وحدة متكاملة يقوم كل جزء منها بمهمة محددة ، ويكون محورها النواخذا أو الكابتن الذي يتمتع بالصلاحيات والسلطات والمسؤوليات بكاملها ، وفي 70% - 80% من الحالات يكون النوخذا هو الذي يملك قارب الغوص ، وفي حالات أخرى يكون مستأجرا ً للقارب وبما مستأجرا ً عند المالك الحقيقي للقارب .ويلي النوخذا في درجة الأهمية الغاصة ( مفردها غيص ) ثم السيوب ( مفردها سيب ) وهو الشخص الذي يسحب الغيص من الماء في الوقت المناسب . وهناك شخص آخر يسمى " الرضيف " يساعد السيب في مهمته ، وربما يكون هناك " وليد " ليقوم بصيد السمك ويعد القهوة والدخان وبعض الأعمال الخفيفة الأخرى .
ويتراوح عدد طاقم السفينة ما بين 10 – 40 شخصا ً والمعدل 16 شخصا ً ، ويكون عدد الغاصة أقل من عدد السيوب لتقليل الخسارة المادية ، أي أنه فيما لو كان عدد السيوب أقل لأصبح بعض الغاصة غير قادرين على العمل لعدم وجود السيوب الذي يجرونهم من الماء ، وبالتالي فإن الخسارة الناتجة عن عدم قدرة الغاصة على الغوص أكبر من الخسارة الناتجة عن استئجار سيب أو سيبين أكثر من عدد الغاصة .- النظام المالي للغوص : بعد العودة من الغوص ، يقوم النوخذة عادة بتسليم ما جمع من لؤلؤ للمسقم ، أو التاجر ، وهو الشخص الذي دفع أموالا ً سلفا ً لطاقم سفينة الصيد ، بتخفيضات من 15% - 20% من سعر السوق ، وهذا يعني أن المسقم قد حصل على فائدة بهذه النسبة في مقابل المال الذي دفعه سلفا ً . ويقسم المال الذي دفعه المسقم على طاقم السفينة ( النوخذة والغاصة والسيوب وبقية أفراد السفينة ) حسب نظام يعتمد على حصص وأسهم متفق عليها بشكل عام .فمالك السفينة ( النوخذة ) يحصل على خمس الفوائد الكلية بعد خصم كل المصاريف الأخرى .. والغيص يحصل على ثلاثة أسهم .. والسيب يحصل على سهمين .. والدريف يحصل على سهم واحد .. والوليد وغيره يدفع لهم الغاصة والسيوب والنوخذة من حصصهم .
ورغم أن هذا التقسيم يبدو منطقيا ً ومفهوما ً إلا أنه لا يمثل القضية كلها ، فالعائدات المذكورة هنا لا تتوفر إلا بعد العودة من موسم الغوص وبالتالي فإن عوائل الغواصين لا تستطيع أن تنتظر عودتهم بل لا بد لها من الحصول على ما تحتاجه من مال قبل بدء موسم الغوص ، وهنا تصبح المشكلة عويصة ، لأنها تعتمد مبدأ تقديم القروض للغواصين وهذا ما يجعلهم مدانين بشكل مستمر وقد لا تستطيعون تسديد ديونهم كاملة خصوصا ً إذا لم يكن موسم الغوص مربحا ً . هذه واحدة من المجالات التي استدعت إجراء إصلاحات في العشرينات .فالنوخذة يقدم دفوعات سلفا ً للغواصين .
وقبل العشرينات كان النواخذة يتعمدون تقديم السلفة العالية لكي يصمنوا بقاء الغواصين والسيوب معهم لأن تلك السلفة بمثابة الرهن . وبعد تكرر المشاكل والشكاوي سعت الحكومة لتنظيم الدفعوعات المتقدمة لكي تخفف أعباء الغواصين وديونهم . وقامت سياسات الحكومة بعد إدخال الإصلاحات عام 1923م على أساس تخفيض المبالغ المسموح للنواخذة بتقديمها للغواصين كسلفة مدفوعة مقدما ً ، وفي كل عام كانت الحكومة – بتوجيه من المعتمد السياسي – تخفض المبلغ المسموح بتقديمه سلفة خصوصا ً وإن الفائدة التي يتقاضاها النواخذة على قروضهم للغواصين مرتفعة جدا ً وقد يحدث أن يبقى بعض الغواصين مدانا ً للنوخذة طوال حياته بحيث يصبح مستحيلا ً عليه التخلص من قيود الديون وأعبائها فيعيش كالعبد المرتهن لدى سيده .
وهنا يمكن تقسيم دفوعات النوخذة للغواصين إلى ثلاثة أقسام :
1- التسقام : وهو مبلغ يدفع في نهاية موسم الغوص ( بعد حوالي شهرين من انتهاء الموسم الأساسي ) وبعد أن يتم تصفية الحسابات بشكل كامل ، ويقصد منها توفير المال للغواصين في فترة عدم العمل .
2- السلف : وهو مبلغ يدفع للغواصين في بداية موسم الغوص لتوفير إمكانات المعاش لعائلة الغواص خلال موسم الغوص ولتسهيل مهمة الغواص في شراء مؤونة أهله وعدة غوصه .
3- الخرجية : مبلغ يدفع خلال موسم الغوص لمساعدة الغواص على شراء ما يحتاجه ( وهو مبلغ بسيط ) .
وكما ذكرنا فإنه بعد إدخال الإصلاحات في العشرينات جرب بعض التعديلات على المبالغ المقدمة سلفا ً للغواصين من قبل النواخذة ، وحددت هذه المبالغ بشكل ثابت ، واستهدفت هذه الإصلاحات تخفيض ديون الغواصين تدريجيا ً .وهذه الإصلاحات أدت لحدوث بعض المشاكل التي كانت تعكس صعوبة وضع الغواصين من جهة وعدم استيعاب الحكومة للمشكلة الأساسية من جهة أخرى .
صحيح أن استهداف رفع الغبن عن الغواصين سياسة جديدة ، إلا أن تخفيض الدفوعات المقدمة مع عدم توفير البدائل لسد حاجة الغواصين لم تكن إلا تمهيدا ً لاحتجاجات واسعة في أوساط الغواصين كما حدث في ديسمبر 1926م . يقول الميجر ديلي في رسالته للمقيم بتاريخ 20 فبراير 1926م : " إن الدولة تهدف حاليا ً للإلغاء التدريجي للنظام الذي يعمل على إبقاء الغواصين في حالة ديْن دائمة .ومن الخطوات التي اتخذتها الحكومة تخفيض مقدار التسقام والسلف الذي يدفعه النوخذة للغواصين .
وكمثال على ذلك ما يلي :
1- عام 1342هـ : الغيص 190 روبية – السيب 145 روبية .
2- عام 1342 هـ : الغيص 100 روبية ــ السيب 75 روبية .
3- عام 1344 هـ : للغيص والسيب يكون مقدار السلف 60 روبية أما التسقام فيكون : الغيص 100 روبية – السيب 80 روبية .
وفي العام التالي حدد التسقام بـ 80 روبية للغيص و 60 روبية للسيب . وكان ذلك بمثابة الشرارة التي أشعلت الحريق . وفي 30 ديسمبر 1926 ذهب حوالي 200 شخصا ً من الغواصين إلى الصخير حيث كان الشيخ حمد يصطاد الطيور بصقوره مطالبين بزيادة التسقام . فوعدهم الشيخ حمد بأن يدرس الموضوع ووفر لهم مبيتا ً تلك الليلة . ولكن لم يحدث شيء في اليوم التالي .في اليوم الثالث ذهب الشيخ حمد والشيخ عبد الله للمعتمد يستشيرانه في الموضوع وما إذا كان يرى أن مبلغ التسقام الجديد قليل فأجابهم بأنه يرى من الأفضل رفع المبالغ فوافقا على رفعه إلى 100 روبية للغيص و 80 روبية للسيب . أي إرجاعه إلى مستوى العام السابق .
كما اقترح المعتمد أن تقدم كميات من الرز للأشخاص الذين يجب عليهم دفع كل حصتهم من التسقام لتسديد الديون السابقة . فرد الشيخان بأنهما سوف يستشيران النواخذة حول هذا الموضوع .وفي اليوم التالي ذهب حمد وبلجريف إلى مبنى الجمارك لإداء بعض المهمات .. عندما وصلا هناك وجدا الغواصين المائتين هناك مجتمعين ينتظرون الجواب ، ولكن الشيخ حمد رفض التحدث معهم وبعث شخصا ً آخر ليقوم بذلك ، لأنه كان يخشى أن يتأخر عن الذهاب إلى الصخير لمتابعة صيد الطيور ، فحدث ما كان متوقعا ً . إذ شعر الغواصون إهانة من موقف الشيخ حمد فتوجهوا إلى سوق المنامة وقاموا بمظاهرة كبيرة لم تخلُ من العنف ورفعوا الشعارات العديدة وعبروا عن استيائهم بأشد الصور . وبعدها ركبوا سفنهم ورجع معظمهم إلى المحرق ولكن لحقهم البريطاني روبنسون ومعه عدد من الشرطة ، وطاردتهم شرطة بارك حتى ذهبوا إلى بيوتهم وهنا بدأ تقييم الموقف من الغواصين الذين اتهمتهم السلطات البريطانية بأنهم مثل الأطفال بدلا ً من أن يتصدوا لمناقشة القضية من الأساس التي دفعت بهم للتظاهر .
ويعزو المعتمد انفجار الوضع لتصرف الشيخ حمد عندما ذهب إلى مبنى الجمارك ووجد الغواصين هناك ، فبدلا ً من أن يتحدث إليهم أعرض عنهم وذهب ليمارس هوايته في الصخير . .ويصف المعتمد ولع حمد بالصيد رسالة إلى المقيم في 9 / 1 / 1927 بقوله : " إن الشيخ حمد يعتبر أن قطع أهم عمل في الحياة ( صيد الحباري ) بمجيئه إلى المحرق لحل مشاكل البلاد كان تنازلا ً كبيرا " وذلك عندما طلب منه مناقشة مسألة الغواصين .كانت تلك الحادثة ذات أهمية خاصة دفعت المعتمد السياسي للعمل على إعادة محكمة سليفة الغوص وهي الجهة التي كانت توكل إليها المسائل المتعلقة بالغوص على أن يعاد النظر في الأفراد الذين يعملون فيها لكي لا تنحاز ضد الغواصين وإلى جانب النواخذة وكان النواخذة يشكلون طبقة اجتماعية متميزة خلال تاريخ الغوص ولم يكن مقبولا ً أن تستمر العادات والتقاليد الموروثة وخصوصا ً بعد إدخال الإصلاحات التي كان يفترض فيها أن تكون خطوات على طريق المساواة بين المواطنين . فكانت اضطرابات الغواصين في نهاي 1926م نقطة تحول مهمة في الموقف الشعبي من القضايا ذات العلاقة المباشرة بحياة الناس .
كما كانت بمثابة من الجرس الذي قرع أسماع السلطة البريطانية التي كانت تظهر الحرص على إيجاد قدر من المساواة بين المواطنين ومنع تمادي البعض في الإجحاف والظلم تجاه الآخرين .وقد شهدت السنوات التالية جنوحا ً نحو تثبيت إصلاحات إدارية وقضائية أعطت للإدارة في البحرين صورة جديدة تختلف عن صورة الحكم الذي كان يمارسه عيسى بن علي ومع القبائل المستفيدة من غياب أبسط مبادئ الإنصاف .
ومع ذلك فإن الدرس لم يستوعب تماما ً في ما بعد سيادة عقلية القمع والحكم الفردي التي كان شخص مثل عبد الله بن عيسى يتمتع بها ، إذ سنرى كيف قمعت حركة الغواصين مرة أخرى عام 1932 بعد أن قتل عدد منهم خلال تظاهرة سلمية من أجل مطالب بسيطة وعادلة .
انتفاضة البحارنه فبراير 1922م : حدثت في شهر فبراير عام 1922 حادثة كانت بمثابة شرارة أشعلت حريقا ً كبيرا ً لم يكن الحاكم يتوقعه . فينما كان أحد الفداوية ( وهم عبارة عن فرق إرهابية يستعملها أفراد آل خليفة لبث الرعب في قلوب الناس ) يقتاد مواطنا ً بحرانيا ً من إحدى القرى كان تحت الإعتقال في المنامة ، قامت مجموعة من المواطنين بمهاجمة الفداوي وتمكنت من تخليص المواطن . وباعتراف المعتمد السياسي فإن اعتقال ذلك المواطن كان بدون سبب ، وأنه تعرض أيضا ً لضرب شديد .
انتفاضة البحارنه فبراير 1922م : حدثت في شهر فبراير عام 1922 حادثة كانت بمثابة شرارة أشعلت حريقا ً كبيرا ً لم يكن الحاكم يتوقعه . فينما كان أحد الفداوية ( وهم عبارة عن فرق إرهابية يستعملها أفراد آل خليفة لبث الرعب في قلوب الناس ) يقتاد مواطنا ً بحرانيا ً من إحدى القرى كان تحت الإعتقال في المنامة ، قامت مجموعة من المواطنين بمهاجمة الفداوي وتمكنت من تخليص المواطن . وباعتراف المعتمد السياسي فإن اعتقال ذلك المواطن كان بدون سبب ، وأنه تعرض أيضا ً لضرب شديد .
أدت هذه الحادثة إلى إضراب عام في سوق المنامة وبقي المواطنون في بيوتهم بينما تظاهر البعض ضد التعسف السلطوي ، بعثت هذه الحادثة قشعريرة شديدة في أوصال حكومة الشيخ عيسى بن علي الذي لجأ إلى المعتمد يستشيره فيما يفعل ، وقد أصابه الذعر بعد أن كان يتجاهل الإنذارات المتعددة بأن انفجارا ً ما سوف يحدث ضده (21) .أشار المعتمد على الشيخ حمد بأن يتحدث مباشرة إلى مواطنيه ، وحذره من خطورة الإقدام على عمل يتسم بالعنف وتصعيد الموقف .
وكانت النتيجة أن قام عبد العزيز القصيبي ويوسف كانوا ومحمد شريف باصطحاب وفد من البحارنه لمقابلة الشيوخ .وخلال الاجتماع قدم البحارنه عددا ً من المطالب التي حاول الشيخ تغيير بعضها لكي لا يظهر بمظهر المتنازل تحت الضغط ، وبعد يومين من تقديم المطالب وبعد اجتماع العائلة الخليفية تمت الموافقة على معظمها في ما عاد مطلب واحد يتعلق بالضريبة الدينية المفروضة على الشيعة (22) .أما المطالب التي قدمها الوفد فكانت كالتالي :
1- ليس لأحد سوى الحاكم وابنه الشيخ حمد الحق في النظر في القضايا ( في المحكمة ) أو في معاقبة الناس بأي شكل من الأشكال .
2- القضايا التي لا يستطيع الشيخ حمد البت فيها بما يرضي الطرفين يجب أن يرفعها إلى المحكمة الشرعية أو المجلس العرفي أو مجلس السليفة ( المتعلق بالغوص ) حسب نوعية القضية .
3- عدم سحب أي إنسان إلى محكمة الشيخ بدون علم مسبق ، ويجب توجيه ( إحضارية ) له من قبل الشيخ حمد .
4- يجب أن تكون الوثائق المتعلقة بتأجير المزارع التابعة للعائلة الحاكمة للمواطنين تكون نسختين ، نسخة لكل طرف ، وأن يشهد عليها شهود مستقلون .. ويجب عدم فرض شروط أخرى ما عاد ما هو موجود في الوثيقة .
5- يجب القيام بخطوات لمنع جمال الشيخ من الدخول والرعي في مزارع الناس .
6- يجب إيقاف عمل " السخرة " أي العمل المفروض على البحارنه دون مقابل أو اقتياد الحمير .
7- يجب إيقاف العادة المتبعة بترك قطعان الماشية عند الخبازين لترعى وتأكل مجانا ً.
8- الاعتناء بالسجون ( من الناحية الصحية والإنسانية ) .
وكما ذكرنا سابقا ً فقد وافق الشيخ على هذه المطالب من حيث المبدأ على أن إمكان تنفيذها كان موضع شك حتى لدى المعتمد نفسه .تلى تلك فترة الاتصالات الداخلية في ما بين أفراد العائلة الخليفية ورؤساء القبائل الذين فوجئوا بالتطورات الأخيرة ، لأنها كما يبدو كانت بداية لنهاية عهد مليء بالظلم والإجحاف بالبحارنه . وكان الإنذار الذي وجهه المقيم السياسي للحاكم وابنه الشيخ عبد الله خلال زيارته في شهر مارس من ذلك العام ذا أثر كبير في وضع حد للاستهتار الذي كان يمارسه الشيخ عبد الله . فمنذ شهر فبراير أبدى عبد الله استعدادا ً للكف عما كان يقوم به ضد الناس ، وبدأ متعاونا ً مع أخيه الشيخ حمد ، الذي كان قد عين وليا ً للعهد وبقي عمه الشيخ خالد وأولاده الذين استمروا في جمع الضرائب من البحارنه في منطقة جدحفص .
ويلخص المعتمد السياسي ، الميجر ديلي الوضع اليساسي والاجتماعي بعد انتفاضة البحارنه في تقرير رفعه للمقيم في 11 إبريل قال فيه (23) : " منذ زيارتك للبحرين الشهر الماضي ، فقد حدث تغير كبير في موقف الشيوخ من المعتمدية ، فقد طلبوا نصيحتي في قضايا عديدة . وأبدوا رغبة تبدو صادقة في إدخال بعض الإصلاحات . وقد أخبرني بعض من لهم معرفة قريبة بمواقفهم في السابق ، بأن هذا التوجه غير معهود منهم ، ومن خلال سجلات المعتمدية يبدو ذلك صحيحا ً. منذ مدة طويلة كنت أحظى بثقة الشيخ حمد ، ولكن مؤخرا ً أصبح هو والشيخ عبد الله ( الذي يبدو قد صحح أساليبه ) يطلبان نصيحتي وشرحا ً لي بالصعوبات التي تواجه موقف الشيخ عيسى التي سببها الحكم المنحرف سابقا ً – باعترافهما – وقد اضطرت بعد الحوادث الأخيرة لأن يلحظا بأن مثل ذلك الحكم الاستبدادي كما مارساه في السابق لا بد وأن ينتهي بانتشار الأفكار الديمقراطية . وقد أخبرتك عن الاضطرابات التي حصلت من قبل الشيعة الذين هم السكان الأصليون بشكل كامل . ونتيجة للظلم ، فقد أصبحوا أكثر مقاومة ، وأن الإنذار الذي وجهته للحاكم بأنه يجب أن لا يتوقع أي مساعدة في حالة الإضطرابات لم يكن بدون أثر عليه . لقد حاول الشيخ حمد وعبد الله أن يسكتا البحارنه ولكن مع الأسف فإن أفراد العائلة الأقل مرتبة والشيخ خالد استمروا في أعمال الظلم . وما تزال مجموعات من البحارنه تأتي إلى المعتمدية بشكاواها وأحيانا ً ترفض المغادرة وتفضل قضاء الليلة في المبنى . وهذه الأوضاع لا تخلو من مصاعب .
وفي قضية حدثت مؤخرا ً ارتكب أحد أبناء الشيخ خالد عملا ً من أعمال الظلم تسبب في مجيء حوالي 1500 شخص إلى المعتمدية . ورفضوا مغادرة المكان وتقديم قضيتهم للحاكم حسب اقتراحي وحيث أن أعدادهم كانت تتصاعد بسبب مجيء المزيد من الناس ، فقد أرسلت لكل من الشيخ عبد الله والشيخ حمد ليأتيا كي يمكن التوصل إلى حل معين .قابل الشيخان وفدا ً من المتجمهرين ، وتعهدا بأمر الشيخ خالد بالامتناع عن التدخل في حريات الناس وتأجيل جمع الضرائب حتى صدور أوامر جديدة ، واقترحا كذلك سلسلة من المناقشات طلب مني إبداء نصيحتي بشأنها ، وذكرا لي بأنه ( الشيوخ ) يرغبون في إدخال إصلاحات ويرغبون في استبدال الضرائب القاسية التي كانت متبعة حتى ذلك الوقت بضرائب معقولة وعادلة . وعلمت بأنه إضافة للجمارك ، فإن دخل الشيخ كان يأتي من المجالات التالية:
1- ضريبة مزارع النخيل ، كان تجمع بعشوائية حسب ذوق الشيخ الذي تقع المزرعة في منطقة سيطرته . وبشكل عام كانت تجمع من الشيعة فقط .
2- الرقابية : تعني " ضريبة الرقبة " وهي مفروضة على الذكور بمعدلات مختلفة في المناطق المختلفة . وكانت تجمع من الشيعة فقط وهي مجحفة بهم .
3- ضريبة السمك : مفروضة على الشيعة فقط بمعدلات مختلفة .
4- ضريبة خاصة بالشيعة خلال شهر محرم .
5- ضرائب متنوعة تجمع من الشيعة فقط .
6- ضريبة اللؤلؤ : كانت في الأصل تجمع من كل قوارب اللؤلؤ التي كانت مملوكة للسنة بشكل أساسي .
وفي السنوات الأخيرة امتنع عدد كبير من ملاك القوارب من الدفع . وهناك ضرائب مماثلة تجمع من قبل حكام الكويت وقط ... إلخ وهي حق معترف به للشيخ .وطلب مني إبداء رأي حول الطريقة التي يجب أن تتم بها الضرائب مستقبلا ً . وبعد مناقشات عديدة واستمزاج للآراء المحلية طرح النظام التالي كنظام عملي لذلك :
1- ضريبة النخيل تجمع بمعدل 1/10 من المزارع التي تروى بالسواقي و 1/20 من المزارع التي تروى بالدلو على أن تجمع بانتظام . وهذه الضريبة مسموح بها حسب القانون الشرعي .
2- ضريبة السمك تجمع بمعدل 1/10 من السمك المصطاد في الحضور 1/20 من السمك المصطاد بوسائل أخرى .
3- إلغاء ضريبة " الرقابية " وكل الضرائب الأخرى عن الشيعة ، واستبدالها بضريبة خفيفة جدا ً على المنازل خارج المنامة والمحرق حيث تدفع ضرائب البلدية . وتجمع هذه الضرائب بدون تمييز ديني . ولا يتسع التقرير لمناقشة تفاصليها .
4- الإستمرار في جمع ضريبة اللؤلؤ بدون تمييز .إن هذه الطريقة ستكون مقبولة من قبل الشيعة ، ولكن القبائل السنية قد لا تقبل بذلك لأنه سمح لهم باعتبار أنفسهم خارج إطار الضرائب ...إذا حاول الشيخ إدخال الشكل المقترح للضرائب ، فإن من المتوقع أن يعترض السنة وفي هذه الحالة فإن البحارنه سوف يتعرضون أيضا ً ، وبالتالي لن يكون ممكنا ً جمع أي ضرائب . وللتغلب على ذلك ، فقد اقترح علي ، ووافقت على ذلك بأن يعلن عن ذلك لرؤساء السنة والشيعة وأن المشروع قد اقترح بمعرفتك وحظي بموافقتك . وربما يقبل حينئذ بدون أية صعوبة ، وقد يحتاج الأمر إلى الإعلان عن أن الحاكم سوف يساعد إذا اقتضى الأمر . واقترح الشيخ عبد الله بأن ذلك يمكن تحقيقه بأن يعلن الحاكم للناس في اجتماع عام تكون " أنت حاضرا ً فيه " ، وتستطيع أن تعلن خلاله عن موافقة الحكومة على الإصلاحات .هذه الإقتراحات لم ترض رؤساء القبائل الذين انتفعوا من حالة التسيب التي كانت قائمة في البلاد .
ورغم ما قبل عن استعداد الشيخ عبدالله للتعاون مع أخيه الشيخ حمد وامتناعه عن ممارسة الظلم ضد البحارنه ، فإن خوفا ً حقيقيا ً كان مهيمنا ً على المعتمد السياسي الذي يشكك في حقيقة نوايا عبدالله ، ولذلك فقد شرع في البحث عن وسيلة يضمن بها التزام عبدالله بسلوكه الجديد خلال الفترة المقبلة التي كان يتم الإستعداد لها لتكون مرحلة جديدة يتحقق فيها نوع من التوازن بين كافة فئات الشعب لكي لا تتحول حالة التباين في مستويات الحياة بين البحارنه وغيرهم إلى حالة جماهيرية تعصف بالنظام وتضع الإنجليز في وضع محرج . ومن الوسائل التي فكر فيها الميجر ديلي إغراء عبدالله بالمال وذلك بإقناع حمد بتوفير علاوات سخية له من ميزانية البلاد لتخفيف عنه وقع انخفاض العائدات الضريبية التي توقفت مؤخرا ً بسبب انتفاضة البحارنه .
وفي هذا الصدد كتب الميجر ديلي إلى المقيم في 27 / 7 / 1922م ما يلي : (24) " لقد حاولت وضع خطة للتأثير عليه ( الشيخ عبدالله ) لتغيير أساليبه ومساعدة إدارة أخيه بدلا ً من تعطيلها . وقد عرفت بأنه غير مطمئن إلى وضعه المالي بعد وفاة الشيخ عيسى وإنه خائف من الشيخ حمد الذي لديه كل الأسباب للحقد عليه ، بأن يوقف عنه الدعم المالي . وبدون أن يكون لي دور مباشر ، استطعت أن ارتب طريقة يقترح من خلالها للشيخ حمد بأنه في مقابل مساعدته وبشرط استمرار دعمه ، فإن من الأفضل أن يقدم للشيخ عبدالله علاوة مغرية من مدخولات الجزر بعد وفاة الشيخ عيسى " .ويبدو أن حمد استحسن الفكرة وقام بتنفيذها . كما وافق المقيم على الفكرة وقال بأنها أسلم الوسائل في الوقت الراهن ( 25 ) . وواضح من هذا التوجه أن ما كان يهم الحكومة البريطانية هو حماية الأجانب الذين يشكل رعاياها جزء كبيرا ً منهم ، وكذلك حماية الموقع البريطاني في البلاد .
أما وضع البحارنه الذي كان يزداد سوءا ًَ بمرور الوقت فلم يكن من بين العوامل التي تستدعي قيامها بعمل ما في البحرين هذا مع علم حكومة الهند بضلوع أفراد من عائلة الشيخ عيسى بن علي الحاكم وخصوصا ً ابنه عبدالله في عمليات النهب والقتل والسرقة والإبتزاز ، بل وحتى أعمال العنف السياسي التي كان منها الاعتداء على مركز الشرطة التي تمت الإشارة إليه . وكل ما قامت به حكومة الهند هو الطلب من المقيم السياسي التوجه إلى البحرين لممارسة شيء من الضغط على الشيخ عيسى بن علي وتحذيره من مغبة سياساته وخطرها على حكمه ، وأنه في حالة انفجار الوضع فإن حكومة الهند سوف تجد من الصعوبة استمرارها في توفير الدعم غير المحدود لحكومته .كانت حادثة الاعتداء على مركز الشرطة كافية لوضع نهاية لممارسات عبدالله بن عيسى بشكل كامل . ولكن رغم أن تلك الحادثة دفعت المعتمدية لتوجيه الاتهام المباشر لبعد الله الذي اعترف بذلك ، إلا أنه وجد المجال مفتوحا ً أمامه مرة أخرى للبدء في سياساته وتصرفاته القديمة ، وكأن شيئا ً ما لم يحدث ( 26 ) .في 7 مارس 1922 ، قام المقيم السياسي بزيارة البحرين لإنذار الحاكم من مغبة استمرار الوضع على ما هو عليه ، وتمت الزيارة في الباخرة " لورنس " وصحبتها المدمرة " سايكلمان " ، وتم توجيه إنذار شديد لعبد الله بأنه سوف يعاقب إذا ما استمر في ألاعيبه .
وسبق ذلك قيام البحارنه باحتجاج شديد لدى الحاكم على أثر حادثة هي من الممارسات اليومية لآل خليفة ضدهم .ماذا كان رأي المقيم للفتنانت كولونيل اس . جي نوكس في الإصلاحات المطلوبة ؟في رسالته 11 / 5 / 1923 طرح المقيم وجهة نظره حول الإصلاحات المطلوبة كما يلي ( 27 ) :
أولا ً : بالنسبة للضرائب : إن ما يبدو من عدم عدالة يجب أن لا يقلقنا كثيرا ً فأينما كان الشيعة في السلطة ، فإن السنة يكونون مظلومين بشكل مضطرد ، وبشرط أن لا يبقى السنة في البحرين خارج نظام الضرائب كاملا ً ، فإن موقعهم المتميز لا يبدو مثيرا ً للإعتراض الجدي . ويبدو لي بالتأكيد أنه بعيد جدا ً عن كونه يشكل فضيحة . ولكن إذا كانت النية تتجه لفرض الضرائب على السنة والشيعة بالتساوي ، فإنني أشك كثيرا ً في ما إذا كانت وجهة النظر المؤثرة في الجزيرة سوف تساند مثل هذا الإقتراح . وما لم يتم الحفاظ على المميزات المعروفة جيداً للسنة على الجانب السني من الخليج بدرجة مادية معقولة ، فإن موقع الحاكم السني سيكون ضعيفا ً ، في الوقت الذي لن يحصل فيه على تقدير من الشيعة للفوائد التي تم الحصول عليها من طرفه .
ثانيا ً : إصلاح النظام القضائي : ليس لدي تعليق على مسألة بسيطة نسبيا ً ، ولكنها كما أرى غير مستعجلة لدرجة تستدعي الحل تحت التهديد بالإجبار .
ثالثا ً : انتهاكات تجارة اللؤلؤ : كما اقترحت في برقيتي في 9 مايو فإن مسألة إصلاح تجارة اللؤلؤ هي من أعقد المسائل التي لا تخص عائلة آل خليفة وحدهم . حقا ً إنني لا أعتقد إن من الإنصاف تحميلهم الإنتهاكات الجارية ، أو أن يتوقع منهم معالجة هذه المسألة الصعبة والمعقدة بدون مساعدة بريطانية مكلفة وشاملة ، وإنها ليست قضية متعلقة بالبحرين بأي حال من الأحوال ، ولكنها مسألة خليجية والسبب الوحيد الذي جعل انتهاكات مماثلة في الكويت والساحل المتصالح غير واضحة تماما ً هو أننا لسنا في تلك البلاد في موقع يتيح لنا متابعة شؤون هذه المهنة عن قرب .رغم ذلك يرى الكولونيل نوكس أن مسألة إدخال إصلاحات على الوضع القائم في البحرين هو الطريق الوحيد للخروج من المأزق القائم ، ولكن إدخال هذه الإصلاحات ليس أمرا ً هينا ً بسبب العقلية التي تسطير على الحكام ، ولذلك يستمر في رسالته المذكورة قائلا ً : " لقد حاولت تسليط بعض الضوء على الفوائد المرتقبة من إدخال الإصلاحات المذكورة . وقد حان الوقت لتقييم الوضع حول ما إذا كانت المخاطر المحيطة بهذه السياسة قد أعطيت وزنا ً كافيا ً . فهذه تقتضي ضرورة استعمال القوة إذا ما أريد لها ( الإصلاحات ) التنفيذ خلال حياة الشيخ عيسى ، والنظر في تبعات هذه الاستعمال . " فالقول بأن الشيخ عيسى رجل أعمى ورافض ومعارض لأي تطور ليس أكيدا ً كما تشير إليه بعض أعماله . وقد فهمت من السير ارنولد ويلسون بأن الشيخ قد عبر له عن حماسه للدخول في اتفاقية مع شركة النفط الإنجليزية – الإيرانية حول امتيازات التنقيب عن النفط وأن المفاوضات في ذلك الإتجاه مستمرة بشكل مرضي . ولذلك فإن استعمال القوة أمر غير مؤكد لحمله على القيام بخطة الإصلاح الإداري " . كما يستمر الكولونيل نوكس في تحفظاته حول الخطة ، رغم اقتناعه بضرورتها ، فالحكومة الإيرانية قد تطرح موضوع السيادة على البحرين أمام عصبة الأمم . وابن سعود الذي اهتمامه بحاكم البحرين سوف يصبح معاديا ً لنا خصوصا ً في هذا الوقت الذي رحل فيه السير بيرسي كوكس وهو الرجل ذو التأثير المباشر عليه . ففرض الإصلاحات بالقوة ، في نظر المقيم ، سوف يؤثر على الوضع البريطاني في البحرين . ولذلك يرى المقيم ، عدم وجود ضرورة للعجلة ، بل أن هناك كل دواعي التأني والبطء . فالوضع البريطاني في البحرين أصبح يتعرض للهجوم وليس من الحكمة شد أنظار العالم الإسلامي لنشاطات البريطانيين وفي البحرين بفرض الإصلاحات بالقوة . وسبب آخر يراه نوكس يدعو للتأجيل هو أن الشيخ عيسى الذي ولد عام 1840م وأصبح عمره الآن 75 سنة وإنه لن يعيش فترة أطول من ذلك بكثير ، ولذلك فإن من الأفضل وضع خطة تنفيذ الإصلاحات كشرط لاعتراف بريطانيا بحكم ولي عهده الشيخ حمد .وفيما كان المقيم يعد هذه الرسالة حدثت اضطرابات شديدة في البحرين بين النجديين والإيرانيين في البحرين واعتبرها المقيم تأكيدا ً للخطر الشديد الذي يشكله الوجود الوهابي في المنطقة . إلى درجة أن مسألتي الدعوى الإيرانية بالبحرين والإصلاحات الإدارية تبدوان غير مهمتين مقارنة بذلك الخط .
- الإضطرابات بين النجديين والإيرانيين :
- الإضطرابات بين النجديين والإيرانيين :
انفجرت الإضطرابات بين النجديين والإيرانيين يوم 10 مايو 1922 واستمرت في اليوم التالي . ويبدو أن السبب الذي فجر الأزمة كان تافها ً ، ولكن تراكم المشاعر العدائية بين الطرفين أدى لحدوث ما حدث في اليومين المذكورين . والقصة التي تذكرها الوثائق البريطانية لمقدمة للاضطرابات كانت كالتالي : إن ولدا ً كان يعمل لدى عبدا لله القصيبي ، التاجر النجدي الذي كان له نشاط سياسي متقلب الأوجه والمدارك ، سرق ساعة معطوبة من بيته ( القصيبي ) ، فقام خادم آخر بإخبار القصيبي بأنه رأى الساعة معروضة للبيع في دكان لشخص إيراني وأنه طلب من صاحب المحل إرجاعها ، فأجاب الإيراني بأنه اشتراها من الولد المذكور بمبلغ روبية واحدة لأن لم يعلم أنها مسروقة ، وأنه صرف مبلغ روبيتين أخريين لتصلحيها ، وذكر أنه مستعد لإرجاعها إذا دفع له ما صرفه ( أي ثلاث روبيات ) . فذهب عبدا لله القصيبي نفسه ومعه نجديان إلى المحل المذكور وطلب من صاحب الدكان إرجاع الساعة بدون مقابل . فحدثت مشادة كلامية وطلب القصيبي من الإيراني اصطحابه إلى محمد شريف .
ويقول شاهد عيان أن الإيراني عومل بقسوة من قبل رجال القصيبي . وفي محاولة منه لمنع تطور الأمر دفع محمد شريف نفسه المبلغ المطلوب ( 3 روبيات ) للقصيبي الذي غادر المكان بعد ذلك وبدا أن المشكلة قد حلت . بعد قليل جاء شخصان إيرانيان لمحمد شريف والدم يسيل منهما بسبب جراح من ضربة خنجر وقالا أن نجديين قد طعناهما . وخوفا ً من أن خروجه معهما إلى السوق وهما بدمائهما سيسبب توترا ً أكبر ، بعث محمد شريف في طلب القصيبي لمعاينة الجريحين ، وعندما جاء القصيبي أشار محمد شريف بأن المسألة قد تتطور وتصبح أخطر مما هي عليه ويتعذر عليه حلها . وطلب من القصيبي أن يأخذ النجديين إلى المعتمدية البريطانية وأنه سيأخذ الإيرانيين بنفسه إلى هناك ليحل المعتمد المشاكل ، ولكن القصيبي طلب الانتظار حتى يقوم الطرفان بالتحقيق . وخلال هذا التأخير انفجر الوضع في السوق وحدثت معارك دامية بين النجديين والإيرانيين . فذهب القصيبي ومحمد شريف إلى المعتمدية بطريق ملتوية ليتفاديا المعارك . وطلب القصيبي المساعدة من المعتمدية بإرسال الحرس الخاص لديها لاحتواء الإضطرابات ، فرفض المعتمد ذلك الطلب متعللا ً بأن تدخل حرس المعتمدية قد تؤدي إلى تعقيد الأمر .
وبدلا ً من ذلك طلب المعتمد من القصيبي ومحمد شريف اصطحابه إلى السوق لتهدئة الموقف باستعمال نفوذهما لدى الطرفين ، ولكن القصيبي كانت عواطفه هائجة ضد الإيرانيين متهما ً إياهم بتجميع الأسلحة ولكنه في الوقت نفسه اعترف بأن أول علامات الإضطرابات التي بدت له كان الإيرانيان الجريحان . وفي هذا الوقت وصل إلى المعتمدية يوسف كانو ومعه مدير مكتب شركة النفط البريطانية – الإيرانية واسمه ماكي ، وقال إن الوضع في السوق قد أصبح أخطر واقترح استعمال حرس المعتمدية لاحتواء الوضع ، ولكن المعتد كرر رفضه الطلب متعللا ً بالحجة المذكورة آنفا ً . ومع ذلك فقد طلب من حرس المعتمدية الذهاب إلى مكاتب الشركة البريطانية المذكورة وأخذ مواقعهم هناك بدون التدخل الفعلي في ما كان يحدث . وطلب من يوسف كانو أن يبعث عددا ً من الأشخاص إلى السوق ليذيعوا الخبر بأن حرس المعتمدية قادمون . ذهب المعتمد ومعه يوسف كانو وتاجر قطري إلى السوق في سيارته ولكن الاقتتال كان قد خف على أثر ذيوع خبر قدوم حرس المعتمدية . ورأى عددا ً كبيرا ً من النجديين بعواطفهم الهائجة وهم مسلحون بالمقراعات والسيوف والخناجر والبنادق . ولم يكن هناك أحد من الإيرانيين ولكن جاء بعضهم بعد قليل من أماكن سكناهم في المنطقة . وقام المعتمد بجمع العصي وأدوات العنف الأخرى . ثم طلب من حرسه المجيء إلى السوق عندما تلاشى احتمال المصادمة بين الحرس وأي من طرفي النزاع . وبعد قليل وصل القصيبي ومعه جمع من النجديين ووصل بعده السيد ماكي قادما ً من بيت يوسف كانو وساعدوا المعتمد في نقل الجرحى والقتلى . كان هناك إيرانيان ونجدي واحد قد قتلوا ، وإيرانيان ونجدي واحد في حالة خطرة . وكان هناك عدد آخر من الجرحى الذين أخذوا إلى المستشفى . أما القصيبي فكان يثير حماس النجديين كلما رأى جريحا ً من جماعته ، الأمر الذي أثارهم . ف
ما كان من المعتمد إلا أن طلب منه الذهاب إلى مكتبه والبقاء فيه . وجاء بعد ذلك في حالته الهائجة وأمره المعتمد مرة أخرى بالرجوع إلى مكتبه .وبعد أن هدأ الوضع فتح أصحاب المتاجر محلاتهم ، وذهب الشيخ حمد إلى المعتمد يستشيره في ما يجب عمله ، فاقترح ترتيب اجتماع في تلك الليلة يدعى إليه الطرفان لتخفيف حالة الهيجان القائمة . وفيما كان الحاضرون ينتظرون قدوم الشيخ حمد الذي أخره تأخر حالة المد ( لأنه يأتي من المحرق في قاربه ) غادر القصيبي المعتمدية قائلا ً بأنه لا يريد حضور الاجتماع فتبعه يوسف كانو وأقنعه بالعودة .وخلال الاجتماع كان القصيبي يثير حماس النجديين ويهاجم الإيرانيين بشدة ، فوجه المعتمد إنذارا ً إلى كل من القصيبي ومحمد شريف بأنهما سيكونان مسؤولين عن أي اضطراب جديد يحصل ، وطلب من مفرزة الشرطة ترك أعيرتها النارية في المعتمدية لكي لا يكونوا طرفا ً في أي نزاع لأن معظمهم من الإيرانيين ، ورغم اتهامات القصيبي فإن الواضح أن الشرطة لم يستعملوا سلاحهم .في اليوم التالي ( 11 مايو ) كانت هناك اضطرابات متقطعة .
وكان الوضع ما يزال متوترا ً وجاءت أخبار بأن الإيرانيين متجمعون في بعض المنازل وهم مسلحون ، ولكن المعتمد لم يرى شيئا ً من ذلك عندما ذهب ومعه القصيبي للتأكد من تلك الأخبار . وعندما ذهبوا إلى بعض بيوت النجديين ومنهم بيت القصيبي نفسه كان هناك عدد من النجديين المجتمعين ، وكانوا مسلحين بأدوات عنف مثل السكاكين والخناجر . فأمر بمصادرة أسلحتهم . ثم وصلت الأنباء بأن النجديين قد تجمعوا في المحرق وذهبوا إلى منزل الشيخ عيسى بن علي وهم يقومون بحركات استفزازية ويرقصون رقصات حربية فأرسل المعتمد إلى الشيخ عيسى يأمره بعدم السماح لهم بالمجيء إلى المنامة ، ولكن يبدو أن رسالته لم تسمع وجاء خمسة قوارب مليئة بالنجديين المسلحين إلى المنامة مقابل مبنى المعتمدية ، فبعث المعتمد إنذارا ً إلى القصيبي بأن حرس المعتمدية سيطلقون النار على جماعته إذا لم ينسحبوا ويرجعوا إلى المحرق ففعلوا ذلك .
وفي الوقت نفسه وصل قاربان من الحد وعليهما عدد من المسلحين فأمر المعتمد القصيبي بإرجاعهم ففعل ذلك . واستغل الدواسر في البديع فرصة الاضطرابات هذه فقاموا باعتداء على الشيعة في قرية عالي .في يوم 12 مايو كان الوضع هادئا ً ولكن كان هناك بعض النجديين الذين يحملون الخناجر والعصي ، وكان فداوية الشيخ خائفين من أخذها منهم . وخلال هذه الإضطرابات لم يحدث اعتقال واحد . وحيث أن المعتمد كان ينتظر أوامر من الحكومة البريطانية حول ما يستطيع أن يصنع فقد أمر الإيرانيين بالبقاء في بيوتهم تحاشيا ً للمصادمات . وفي عصر ذلك اليوم انتشرت الأخبار بأن مدمرة بريطانية قد وصلت مياه البحرين فخاف القصيبي من ذلك وكان يعمل على جمع توقيعات على مذكرة يريد رفعها للشيخ عيسى حول الموضوع . أما المعتمد فطلب من الشيخ عيسى أن يتصدى للقصيبي ويحذره من مغبة أعماله . ولكن الشيخ عيسى عبر عن عدم رغبته في إزعاج القصيبي لأنه ممثل لابن سعود في البحرين ، وأوعز للمعتمد أن يقوم بذلك . وقد اعترف الشيخ حمد للمعتمد بأن القصيبي قد خطط فعلا ً للاضطرابات التي حدثت وأنه قد أعد النجديين لذلك قبل أيا من حدوثه .
وفي رأي المعتمد فإنه إذا لم يكن القصيبي قد خطط فعلا ً للاضطرابات فإن قضية الساعة المسروقة واستغلاله لها وتهييجه المشاعر على أثرها هو عمل غير مبرر وغير مقبول .وقد تبودلت الرسائل بين كافة الأطراف فيما بعد للدفاع عن المواقف التي ظهرت خلال الأزمة . فكتب زعماء القبائل السنية عريضة موقعة إلى الشيخ عيسى بن علي في 27 رمضان 1341هـ يشكرونه فيها على نزع سلاح الشرطة كما تقدم ، ويؤكدون شكرهم لعبد الله حسن القصيبي " على ما أبداه من المساعدة في تسكين الفتنة وطم الهياج " .
وكتب الشيخ إلى المعتمد رسالة في اليوم التالي يطلب منه فيها معاقبة المسؤولين عن الفتنة تحديد الأسماء معبرا ً عن أسفه " لما وقع من الفتنة بين جماعة العجم وجماعة النجادة " ومعبرا ً عن أمله في " أن تجازوا المشوشين الجزاء الكامل الذي يردعهم ويردع من سواهم عن الفتنة " .كما بعث المقيم السياسي ، الكولونيل ناكس ، رسالة إلى " الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل سلطان نجد وتوابعها " ، ( أي ابن سعود ) في 18 مايو قال فيها :" أخبر سعادتكم من الروبورتات التي وردتني ثبت عندي بدون أدنى شبهة أن النجادة هم المتجاوزين وذلك وكيلكم عبد الله القصيبي " .. وأضاف أنه بسبب ما قام به القصيبي " ، أرى لزوم أن ترجى من سعادتكم أن لا تبعثوا وكيلا ً آخر إلى البحرين إلا بعد مشاورة الدولة البهية حتى تراه مقبولا ً أم لا . وذكر له أن " المندوب السامي في العراق ( سير هنري وايز ) أخبر صديقكم أنه من حيث سفر السير برسي كوكس فإن الدولة البهية انتخبتني أن أكون الواسطة بين حكومة عظمتكم وحكومة جلالة الملك أعني دائرة المستعمرات في لندن " .فكتب ابن سعود رسالة جوابية في 24 مايو مشيرا ً إلى أن المسؤول عن الفتنة إنما هو محمد شريف ، رئيس البلدية في البحرين ، وأبدى انزعاجه مما ذكره المقيم في رسالته ، وطلب منه إعادة النظر في قرار إبعاد القصيبي عن البحرين .ورغم حدوث الاضطرابات بين النجديين والإيرانيين ، فقد بقيت الإصلاحات الإدارية قائمة بشكل ملح وعلى أثر التقارير المرفوعة للحكومة البريطانية ، بعث نائب الملك البريطاني برسالة إلى وزير الخارجية بحكومة الهند البريطانية في لندن بتاريخ 17 إبريل 1923م ( وبعث نسخة منها إلى طهران وبغداد ) جاء فيها ما يلي " (28) : " إننا نوافق على إدخال إصلاحات إدارية ومالية في البحرين ضمن الخطوط العامة التي رسمها القيم لأن سوء الحكم وصل إلى الحضيض . ولكننا في شك حول ما إذا كان الإقرار باستمرار سوء الحكم في الوضع الإسلامي الحالي لن يؤدي إلى تعليقات أقل عداء من التدخل بالقوة من جهتنا .
ولذلك فنحن متحمسون لاستعمال كل الوسائل لحمل الشيخ عيسى على العمل ( بشكل يوحي باستقلاليته ) لإصلاح بيته من الداخل لمصلحته الشخصية ولمصلحتنا نحن كذلك ، ونأمل إذا كان ممكنا ً ، تحاشي التدخل السافر .ونعتقد أنه يمكن حمل الشيخ على القيام بذلك فيما إذا شرح له بوضوح بأن رعاياه منعوا حتى الآن من الثورة عليه بسبب حمايتنا له وحدها ، وإننا سوف ندعمه في القيام بالإصلاحات إذا أدخلها الآن ، وإنه في حال فشله في ذلك ، فإننا مصممون على إدخالها بأنفسنا حتى لو تطلب ذلك عزله بالقوة ونفي عبد الله إلى الهند . ( وفي حالة نفي عبد الله ، فإن تكاليف إعاشته سوف تكون من مدخولات جمارك البحرين ) ونأمل أن يؤدي ذلك إلى موافقة الشيخ عيسى أو تنازله لتسهل مهمة إدخال الإصلاحات تحت حكم الشيخ حمد . ونحن موافقون على توجيه هذه الإنذار الواضح بهذا الخصوص وإذا لم ينجح الإنذار فعلينا أن نكون مستعدين لفرض الإصلاحات بأنفسنا وهذا العمل من قبلنا سوف يطرح وجودنا في البحرين وقد ينتج عنه رد فعل غير محبذ من قبل ابن سعود ، ولكننا نفترض أن حكومة صاحب الجلالة ستكون مستعدة لمواجهة هذه التبعات " .
وقد بعثت نسخة من هذه الرسالة إلى المقيم السياسي في الخليج الذي قام على أثرها بزيارة البحرين لنقل فحواها للشيخ عيسى نفسه .التقى المقيم السياسي ، الكولونيل نوكس مع الشيخ عيسى بن علي في الساعة التاسعة من صباح يوم 20 مايو 1923 ليبلغه قرار الحكومة البريطانية حول موضوع الإصلاحات الإدارية ، وكان المقيم في اليوم السابق ( 19 مايو ) قد تبادل الزيارات الرسمية مع الشيخ عيسى في الصباح والتقى عصرا ً مع كل من الشيخ عبد الله والشيخ حمد لابلاغهما قرار الحكومة البريطانية لكي يستطيعا إفهام والدهما بما سوف يسمعه من المقيم في اليوم التالي .وفي ذلك اللقاء المهم أبلغ المقيم الشيخ عيسى بقرار الحكومة البريطانية بخصوص الإصلاحات كما جاء في برقية نائب الملك البريطاني بعد أن مهد الجو لطرح ذلك . وقرأ له الفقرة التالية من البرقية : " إننا سوف ندعمه في القيام بالإصلاحات " وانتهاء بفقرة " علينا أن نكون مستعدين لفرض الإصلاحات بأنفسنا " وقال له إن إدخال الإصلاحات يعني صراعا ً مع القبائل ومع أفراد عائلته خصوصا ً زوجته . ومضى المقيم يطرح للشيخ أمثلة على عجزه وعدم صلاحيته للاستمرار في الحكم وذكر له أمثلة من سوء إدارته ومواقفه غير المقبولة مثل تعامله مع خطة كهرباء المنامة ، واعتراضه الغبي على استعمال المعتمد السياسي قضبانا ً جديدة لدعم الجسور المحلية ، وسماحه لزوجته باقتطاع 500 روبية يوميا ً من مدخول جمارك البحرين ودفنها أو إيداعها البنك ، ليؤكد بذلك عدم قدرته كرجل في الخامسة والسبعين من العمر على تحمل أعباء مشروع الإصلاحات .
وفي محاولة لإقناعه بالأمر طرح المقيم مثلا ً آخر للشيخ قائلا ً بأن وضع ( الشيخ ) يشبه إلى حد بعيد وضع عبد الرحمن ابن فيصل في الرياض الذي شغل نفسه بمزارعه وبالإعداد لنهايته في ما بعد ، بينما تحمل ابنه عبد العزيز المهمات اليومية للبلاد . وقاله له بأنه لم يسمع بأن عبد الرحمن شعر بسوء سمعة أو صيت ، وحينما اعترض الشيخ على ذلك قائلا ً بأن الوضعين غير متماثلين رد عليه المقيم قائلا ً : " ومن الذي استولى على البحرين لك وطلب منك ، وأنت يتيم هارب ، أن تحتل مقعدك كحاكم للبحرين ؟ ومن الذي حافظ عليك وحماك خلال خمسة وخمسين عاما ً ضد القوات التركية ومحاولات الفرس والأعداء الداخليين والخارجيين ؟ فهل فعل ذلك رجال القبائل الطماعين وغير المخلصين لك أم الحكومة البريطانية ؟وإذا طلبت منك الحكومة البريطانية بلحاظ مصلحة الجميع فسح المجال لرجل أصغر وأقوى منك ، سنة أو سنتين قبل أن يختارك الله إلى جواره ، فهل هناك ظلم فاحش أو قسوة في ذلك السلوك ؟ أليس دليلا ً على الاهتمام بوضعك المادي ووضع رعاياك بإعفائك من قلق هذه المهمة الصعبة .
أجاب الشيخ عيسى قائلا ً: " بالرغم من أنني تحت أوامر الحكومة بشكل مطلق فإنني لن أتنازل ( عن الحكم ) طوعا ً حتى لو قطعوا رقبتي أو رموني في البحر " .فرد عليه المقيم بأنه في هذه الحالة لم يبق له شيء سوى استشارة حكومته ورفع الحقائق لهم وسؤالهم ما إذا كانوا يخولونه بإزاحة الشيخ عيسى جانبا ً بالقوة ، مشيرا ً على أن ذلك أمر سيحصل عليه طبقا ً للرسالة التي بين يديه ، وأن رجوعه إلى حكومته مرة أخرى إنما هو للتأكيد . هذه الاستشارة سوف تعطي الشيخ عيسى فرصة ثلاثة أيام للتفكير في ما إذا كان من الأفضل له التنحي عن الحكم طواعية أم الانتظار حتى يزاح بالقوة . وعندما هم بالانصراف ، طلب الشيخ عيسى من المقيم إبقاء الأمر سرا ً وأكد مرة أخرى بأن حكم البحرين بالنسبة له لا يعادل دخان سيجارة .
وخلال فترة الأيام الثلاثة للانتظار كان المقيم يتداول مع عبد الله وحمد كيفية إعلان تنحي الشيخ عيسى أو إزاحته عن الحكم وما إذا كان من الضروري أن يلقي كلمة في المجلس وماذا يقول فيها . كما أعطى لابني الشيخ رسالة لوالدهما للإعلان العام بتقاعد الشيخ عيسى وتسليم شئون البلاد للشيخ حمد ، والأخرى سرية تحتوي على تأكيد من الشيخ عيسى بأنه لن يتدخل ولن يمارس لعبا ً سياسية لمواجهة مشاريع الشيخ حمد الإصلاحية ، واقترح كذلك أن تتضمن هذه الرسالة مسألة العلاوات المالية للشيخ عيسى وموافقته على تسليم الشيخ حمد وحده كل مدخولا ت الحكومة .وبعد أن جاءت موافقة الحكومة البريطانية على طلب المقيم بإزاحة الشيخ بالقوة إذا اقتضى الأمر ، اطلع كلا ً من عبد الله وحمد على ذلك وطلب منهما تشجيع والدهما على توقيع الرسالتين المكتوبتين موقعتين من قبله خلال مقابلته له في اليوم التالي . ولكن الشيخ عيسى لم يحضر معه الرسالتين المذكورتين وإنما حمل معه رسالة ذكر فيها أن حمد وعبد الله أبلغاه رسالته وطلب منه إما أن يطلب آراء القبائل أو يكتب له رسالة بقرار الحكومة البريطانية .(( بسم الله الرحمن الرحيم من عيسى بن علي آل خليفة ..إلى حضرة جناب الأفخم والأجل الأكرم عمدة الأصحاب كرنل إس جي نوكس المحترم .وثم شريف السلام اللائق لمقامك السامي ورحمة الله وبركاته على الدوام ، ثم نعرف جنابكم الشريف أنه بلغني من ولدي الشيخ حمد وعبد الله بما أخبرتموهم بالأمس ولكنني أرجو من عدالة الدولة ومراحمها أحد أمرين إما أن تستفتي عشائر البحرين في أمري أو تكتب لي أمر رسمي لأكون به معذورا ً أمام الناس وأنا الصديق المخلص إلى أوامر الدولة فهذا ما لزم رفعه لسعادتكم ودمتم محروسين حرر في 8 شوال 1341 )) .
كان الشيخ قد سبق له أن طلب من المقيم مراجعة القبائل حول مدى رغبتهم في استمرار حكم الشيخ عيسى ، ولكن المقيم كان يعلم أن القبائل ستبدي رغبتها في استمرار الشيخ عيسى لأنه سمح لهم بعمل ما يشاؤون ، وعلى أية حال فالمقيم لم يكن يرى أن هناك من القبائل سوى الخليفة والدواسر كمجموعات سياسية طامحة ولذلك كتب له رسالة في اليوم نفسه يرفض فيها طلبه :(( كولونيل إس جي نوكس رئيس الخليج .. إلى جناب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة .بعد السلام ...وبعد ، كتابكم وصل وما ذكرتم صار معلوم ، إني ما أذكر أنه يبين من الأوراق التي لدى الدولة البهية حينما عينوك حاكم على البحرين شاوروا العشائر ، مهما فيه في كل حال تغير الأوقات والأمور فما أرى لزوم أن أشاور العشائر ما دام الدولة البهية تفتكر نظرا ً لخير العموم أن سعادتكم بواسطة كبر سنكم ما لكم استطاعة ولياقة لإدارة شؤون الحكومة بذاتكم . فبموجب الأوامر التي وصلتني من الدولة العليا أخبركم من الآن وصاعد بان ما لكم حق تتدخلون في شئون حكومة البحرين التي تحولت إلى ولدكم الشيخ حمد الذي هو وكيله من طرفكم وذلك نخبر سعادتكم بأن فورا ً تجري العمل اللازم لكي يجري أمر الدولة البهية في هذا الخصوص . هذا ما لزم )) .حرر في 24 مايو 1923 مطابق 8 شوال سنة 1341 هـ كرنل إس جي نوكسرئيس الخليج ورغم أن الشيخ عيسى كان قد طلب من المقيم إبقاء الأمر سرا ً . إلا أنه سبق في إفشائه وذلك بمحاولته تقديم عريضة موقع عليها من قبل البحارنه . ولكن البحارنه رفضوا التوقيع وفشلت المحاولة .
وبدلا ً من ذلك كتب البحارنه رسالتين للمقيم السياسي يرفضون فيهما حكم الشيخ عيسى بن علي ويضعون فيهما ما حدث لهم من ظلم على عهده . ومطالبين بإجراء الإصلاحات ." إلى جانب ملاذنا الأعظم والرئيس المكرم العادل الرشيد الرأي السديد شيخنا رئيس الخليج سلمه الله تعالى .نعرض على سعادتكم عن عموم المواطنين من الشيعة البحارنه على أنه منذ خميسين سنة تقريبا ً إذ نصبتهم سعادة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في هذا البلد ولازلنا في تمام الأمن والراحة إلى مدة ثلاثين سنة ، فبعد ذلك لما نشأت عائلة الشيخ عيسى اختلفت علينا الأحكام بسبب تقسيم القرى في أيديهم ، واستبد كل فرد منهم برأيه تصرف المطلق في الرعايا فمن ذلك استاء الجمهور فما رأينا إلا زيادة الظلم والجور والنهب وقتل الأنفس وكابدنا ذلك سينيا ً حتى ضاق بنا الخناق فاستغثنا إلى سعادة الشيخ عيسى بن علي ولا رأينا منه إلا عدم الاقتدار على أولاده وبني أعمامه ومن يتعلق عليه .
وقد زادت علينا المظالم إلى العام الماضي فرجعنا إليه بالاستغاثة واذكار المظالم التي وقعت علنيا فطلبنا منه الشروع في رفع مظالم الغرامة والسخرة وغير ذلك بأن الحاكم واحد لأن جزيرة البحرين صغيرة ولا تستحمل كثرة الحكام من النساء والرجال لأنا ما نعرف من الحاكم فيها وأعطنا على ذلك ورقة بأيدينا فيها صحيحة وهي موضوعة في بيت الدولة البهية ولا رأينا من الشروط شيء منه ولا شرط واحد وعلمنا بأنه من ضعف قوته واقتداره لأنه كبير السن جدا ً وهو عاجز عن مباشرة الأحكام وتنظيم البلد والداعي إلى ذلك اطمئنان أنفسنا وسكون حركات الظلم عنا وتأمين البلاد والمحافظة على دمائنا وأموالنا وأنفسنا لأن لسنا بمستقرين ولا مأمونين لما نرى ونعاين من قتل الرجال ونهب الأموال أيضا ً الهجوم على كرزكان وغيرها من القرى ونفس المنامة وما جرى فيها فنحن عموم المواطنين نرجو من الدولة البهية البريطانية العظمى ومن سعادة العادل المؤيد رئيس الخليج أن يرفع عنا الظلم ويؤمننا في أوطاننا وينظم بلادنا بحسب اقتداره وجزاه الله خير الجزاء " .وهكذا لم يبق شيء أمام الإصلاحات الإدارية إلا عزل الشيخ عمليا ً.
فقام باستدعاء الشيخ حمد في 24 مايو وتحدث إليه رافضا ً استشارة القبائل وذكر أن أوامر الحكومة البريطانية هي أن يترك الأمر لأبنه ولا يشارك في إدارة البلاد وأن يبدأ باتخاذ الخطوات حسب هذه الأوامر . وكان المقيم قد خطط لأن يكون مدير الجمارك حاضرا ً فأخبره بأن يدفع مدخولات الجمارك للشيخ حمد وحده .وعلى أثر تلك التطورات بادر المقيم مع المعتمد والشيخ حمد بترتيب الاجتماع العام لإعلان تخلي الشيخ عيسى عن منصبه . وعقد الاجتماع في المعتمدية صباح السبت 26 مايو 1923م . وسبق ذلك لغط كلامي في أوساط الدواسر والدوائر المحيطة بالشيخ عيسى . وبعث المقيم بدعوات لممثلين عن السنة والشيعة لحضور الاجتماع وقام عدد من شخصيات القبائل بزيارة الشيخ عيسى في المحرق لاستشارته في الأمر ، ولكنه طلب منهم الحضور وذكر لهم أن حمد هو ابنه وأنه رباه وأنه ولي عهده وأن على القبائل إطاعته .وفي الاجتماع الذي حضره 200 إلى 300 شخص من المواطنين وأفراد آل خليفة وعدد من البريطانيين ، تصدر الاجتماع المقيم السياسي وجلس على يمينه الشيخ حمد ، وعلى يساره المعتمد السياسي الميجر ديلي الذي جلس على يساره عبد الله بن عيسى . وألقى الشيخ محمد بن عيسى ( أخو الشيخ حمد ) كلمة الشيخ حمد التي كتبها المعتمد السياسي باستشارة كل من عبد الله وحمد .
ثم ألقيت كلمة المقيم السياسي التي قام بإلقائها بالعربية كاتب البلدية ولم يذكر في الاجتماع تفصيلات الإصلاحات المزمع تنفيذها .وفي هذه الأثناء حدثت إزاحة عيسى بن علي عن الحكم بقرار بريطاني بعد سنوات من ضعف الإدارة .وبعزل الشيخ عيسى بن علي رسميا ً في 26 مايو 1923 ، أصبحت الطريق ممهدة لدرجة الإصلاحات الإدارية التي كانت أساسا ً لتركزي السلطات في سلطة مركزية يرأسها الشيخ حمد . وأساس هذه الإصلاحات هو أن ينتهي عهد التسيب الذي كان السمة المتميزة لعهد حكم الشيخ عيسى بن علي وخصوصا ً السنوات الأخيرة من حكمه . فمنذ ذلك الوقت أصبحت السلطة في يد الحاكم ، وبمساعدة الإنجليز استمر عهد الشيخ حمد وتركزت الإصلاحات الإدارية وأمكن تلافي الانفجار الشعبي الذي كان البحارنه نواته الأولى ، وبهذا استمر آل خليفة في الحكم بالرغم من عدم ارتياح عيسى بن علي لما حدث من عزله عن الحكم وتحديد نفقاته ومدخولاته وصلاحياته السياسية . ومن يومها أصبحت الضرائب شبه ثابتة وشاملة بعد أن كانت تفرض على البحارنه دون غيرهم ، وبنسب مختلفة بالاختلاف الشيخ الذي يحكم المنطقة . كما أن جرائم عبد الله بن عيسى تلاشت قليلا ً بعد أن أصبح اليد اليمنى لأخيه ، الشيخ حمد ، الذي أصبح حاكما ً على البلاد وأصبح يتعرض ، هو الآخر ، لانتقادات من بعض الأوساط وخصوصا ً الدواسر التي دخل زعماؤها في مسلسل من الإرهاب والعدوان على القرى الشيعية .
_____________
* ملحق تعريف :
- المقيم السياسي : ما هو المقيم السياسي ، وما هي وظيفته ؟
.. لعل أوضح تعريف لهذا المنصب هو ما ذكرته السيدة مارغريت لوس ، زوجة المقيم السياسي في الخليج في الفترة 1961 – 1966 في كتابها :From Aden the Gulf , Personal Diaries 1956 – 1966كتبت السيدة لوس " سألت السير بيرنارد باروز الذي كان المقيم السياسي من 1952 إلى 1958م ، أن يكتب لي وصفا ً عن التنظيم القائم ، فأجابني إلى ذلك بلطف ، وأنا أقدم ذلك ، بموافقته ، وأجعله الجزء الأهم من مقدمتي لدول الخليج ... كتب بيرنارد باروز :" لماذا المقيم السياسي ؟ وعلى ماذا اشتمل هذا المنصب ؟ أساسا ً كان من أجل تنظيم علاقات الحكومة البريطانية مع إحدى عشرة دولة صغيرة على الجانب العربي لما كان وما يزال يسمى بشكل واسع " الخليج الفارسي " . فقد عقدت بريطانيا معاهدات مع هذه الدول في فترات متعددة في القرن التاسع عشر ، ابتداءً من عام 1820 . وكان الهدف الأساسي هو منع القرصنة للسفن التي كانت تبحر من الهند إليها وكانت الموانئ الصغيرة في الخليج مصائد مثالية للقرصنة . وكان القاطنون معروفين بركوب البحر . ولكنه أقنعوا بدرجات متفاوتة من التردد ، بالتخلي عن الاعتداء على السفن في مقابل الحماية البحرية البريطانية ضد جيرانهم أو أي أعداء آخرين . وكانت هذه الترتيبات ملائمة لكلا الجانبين بشكل جعلها سارية المفعول طوال 150 عاما ً . وقد عينت حكومة الهند مقيما ً شبيها ً بالمقيمين البريطانيين في المقاطعات الهندية ، ويعمل ( المقيم السياسي ) من خلال عدد من الوكلاء السياسيين في مختلف الدول . كما في مختلف الدول . كما اعتبرت هذه الدول رسميا ً " دولا ً محمية " .ومن الناحية العملية . كان هذا يعني أن بريطانيا مسؤولة عن علاقاتها الخارجية ، بينما انشغل الحكام العرب بالشئون الداخلية . ولم يكن من السهل الاستمرار في المحافظة على هذا التمييز ، خصوصا ً عندما كانت التأثيرات الخارجية تحاول خلخلة الأوضاع الداخلية . فمسقط ، وهي تعرف الآن بـ عمان ، في الطرف الجنوبي من الخليج ، كانت متميزة من حيث أنها لم يكن لديها معاهدة حماية كالآخرين . كانت مستقلة رسميا ً ، ولكنها وافقت ، بقرار من السلطان ، بأن تدار علاقاتها مع بريطانيا من خلال المقيم السياسي . ولتأكيد الاختلاف كان الممثل البريطاني الدائم في مسقط يسمى " القنصل العام " وليس المعتمد السياسي .وكان " الساحل المتصالح " المتكون من سبع إمارات صغيرة مثل أبو ظبي ودبي ، قد حصل على اسمه من خلال اتفاقيات الهدنة والمعاهدات بين هذه الدول والحكومة البريطانية . وعرف سابقا ً بـ " ساحل القراصنة " مما يشير إلى التغيرات التي حدثت في القرن التاسع عشر .ويختلف دور المقيم السياسي من مكان لآخر . ففي الكويت كان عبارة عن سفير ، بينما في الدول المتصالحة ، وبعضها ما يزال مختلفا بشكل واضح ، كانت وظيفته أقرب إلى المدير العام Administrator وكان واضحا ً منذ البداية ، بأن الوظيفة لا تتجاوز هذا الدور " .
______________
هوامش الفصل الأول :
1- كتاب لوريمر الشهير Lorimmar's Gazetteer Of The Gulf , 1908 , PP - 233-2532
2- مصادر عديدة منها ملف مكتب الهند رقم R / 15 /1 /3193
3- طلب السير آثر هيرتزل من الشيخ عبد الله كتابة محضر اللقاء الذي دار بينهما في 1 سبتمبر 1919 والذي طرح فيه الشيخ عبد الله شفويا ً فحوى رسالة والده إلى الحكومة البريطانية . وهذا النص موجود في الصفحة 86 في الملف R / 15 /1 /319 بإرشيف مكتب الهند بلندن .
4- الرسالة هنا مترجمة عن الترجمة الإنجليزية التي ضمنها المقيم السياسي أي . بي . تريفور مع رسالته للحكومة البريطانية . ورسالة المقيم تحمل رقم 495 – س مؤرخة في 30 ديسمبر 1921، وهي محفوظة في الملفين رقم R / 15 /1 /319 و R / 15 /1 /377 بإرشيف مكتب الهند في لندن .
5- المصدر السابق .
6- رسالة الميجر ديلي رقم 1 – C إلى المقيم بتاريخ 3 / 1 /1922 أرفقها مع رسالته إلى الخارجية البريطانية رقم 24 – S المؤرخة 6 / 1 / 1922 م .
7- برقية رقم 119 – S من خارجية الهند إلى المقيم السياسي في الخليج ، ملف رقم R / 15 / 327 .8
8- الرسالة رقم 1923 2/C of من المعتمد إلى المقيم ، ملف رقم R / 15 / 366 .9
9- كتاب لوريمر الشهير – 233 pp,1908., Gazetter of The Gulf Lorimmar 253 .10
10- رسالة المعتمد إلى المقيم 111 / C بتاريخ 3 / 7 / 1922 في الملف R / 15 / 2 / 87 .11
11- الرسالة الأصلية محفوظة في الصفحة 94 من الملف R / 15 / 1 /388 .12
12- رسالة المقيم الكولونيل تريفور إلى الشيخ حمد بن عيسى بتاريخ 6 نوفمبر 1923 ، الصفحة 26 من الملف السابق .
13- رسالة المقيم إلى وزير الخارجية رقم 622 – S بتاريخ 10 نوفمبر 1923 الملف R / 15 /1 / 388 .14
14- رسالة المقيم إلى كل من حاكم الكويت وحاكم قطر في نوفمبر 1923 في ملف R / 15 / 2 / 87 .15
15- برقية المعتمد الميجر ديلي إلى المقيم الكولونيل تريفور رقم 24 /C بتاريخ 30 / 1 / 1924 الملف R / 15 / 2 / 87 .16
16- رسالة المقيم أف . بي . بريدو إلى وزارة الخارجية بحكومة الهند رقم 517 – S بتاريخ 4 ديسمبر 1926 .
17- رسالة نائب وزير الخارجية البريطاني للمقيم السياسي رقم 513 – N بتاريخ 26 / 1 / 1927 في الملف R / 15 / 2 / 87 .18
18- رسالة المقيم إلى وزير الخارجية البريطاني للمقيم السياسي رقم 87 – S بتاريخ 27 / 3 / 1927 في الملف السابق .
19- رسالة المستشار بلجريف إلى المعتمد السياسي رقم 934 بتاريخ 20 شوال 1345 هجرية . الملف السابق .
20- رسالة المعتمد إلى المقيم رقم 53- C بتاريخ 24 / 4 / 1927 في الملف السابق .
21- رسالة المعتمد السياسي إلى الخارجية البريطانية رقم 209 – S المؤرخة 11 مارس 1922 ، ملف رقم R / 15 / 1 / 337 .22 22- مذكرة المعتمد للمقيم رقم 34 – C بتاريخ 13 فبراير 1922 ، صفحة 17 من ملف R / 15 / 1 /377 .23
23- رسالة المعتمد للمقيم رقم 70 - C بتاريخ 11 أبريل 1922 ، الصفحة 19 من المصدر السابق .
24- رسالة المعتمد للمقيم رقم 105- C بتاريخ 27 / 6 / 1922 الملف R / 15 / 1 / 377 .25
25- مذكرة المقيم السياسي للمعتمد في 6 / 7 / 1922 رقم 506 – S الملف السابق .
26- الملف R / 15 / 2 / 296 .27
27- رسالة المعتمد السياسي الكولونيل ناكس للخارجية البريطانية رقم 222 – S بتاريخ 11 مايو 1923 ، الملف R / 15 / 1 / 377 .28
28- رسالة نائب الملك البريطاني إلى وزير الخارجية بحكومة الهند رقم 475 – S بتاريخ 17 ابريل 1922 ، الملف R / 15 / 1 / 366 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق